fbpx

قتلى لبنانيون في العراق:
“الخلافة” عادت مخصبة بالفساد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنها الولادة الثانية لـ”داعش”، فالواقعة تؤسس لما بعدها. وما أطلق عليه اسم “ملحمة غويران”، أي عملية السجن في الحسكة، سيكون مشهداً جاذباً لمن يرغب في الالتحاق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكثر من 40 شاباً وفتى غادروا مدينة طرابلس في شمال لبنان والتحقوا بتنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وقبل أيامٍ قتل ستة من هؤلاء في مدينة ديالى، هم على الأرجح من نفذوا عملية قتل جنود عراقيين. الخبر صادم فعلاً، وهو إذ صدم المدينة، طرابلس، لم يصدم النظام الذي دفع بهؤلاء إلى تكرار التهلكة. لكن الخبر هو امتداد لوقائع صارت أكيدة عن استيقاظ المسخ مجدداً، فإذا ما أضفنا إلى الخبر الطرابلسي واقعة سجن الصناعة في مدينة الحسكة السورية، وواقعة قتل 11 جندياً عراقياً في محيط مدينة كركوك وعشرات عمليات الاغتيال في الصحراء السورية، سنصبح أمام حقيقة يجب ألا نشيح بوجهنا عنها. وما يعزز الذهول هو التشابه الرهيب بين حقبات الولادة. فـ”داعش” اليوم يجبي الديات والضرائب من بعض الشركات، ويفرض خوات على عبور الشاحنات! هذه الوقائع كانت من مقدمات الولادة الأولى، وها هي اليوم تتكرر. “داعش” عاد، حقاً عاد! 

إنها الولادة الثانية لـ”داعش”، فالواقعة تؤسس لما بعدها. وما أطلق عليه اسم “ملحمة غويران”، أي عملية السجن في الحسكة، سيكون مشهداً جاذباً لمن يرغب في الالتحاق. لطالما تكرر هذا الأمر، ولطالما أثبتت المشاهد فعاليتها. والأهم أن الظروف ملائمة للولادة الثانية، وأسباب الولادة الأولى تم تخصيبها بمزيد من الشروط.

القول بأن الهلال الشيعي المشرقي الذي يضم العراق وسوريا ولبنان، سيوازيه هلال سني، مشرقي أيضاً، صحيح، لكن هذه المرة لن يتغذى من الشرط المذهبي وحسب، إنما أضيفت إليه شروط تصدرت ضائقة الجماعات المخنوقة في السنوات الأخيرة. إنه الفساد الذي لا يقل دموية عن الاستبداد وعن طغيان جماعة على جماعة. الفساد الذي جعل من مدينة طرابلس بؤرة للجوع، ورمى فتيتها في البطالة وفي العتمة. الفساد الذي حول دولة غنية مثل العراق إلى غابة تتنافس فيها الميليشيات المسلحة على نهب الثروة وإخضاع الناس عبر قتلهم. أما الفساد السوري، فالحديث عنه من نافل القول، وهو اليوم يغذي الوعي الشقي للملتحقين بـ”داعش” على نحو ما يغذيه الاستبداد.

الظروف المحلية ناضجة، وتنتظر من يريد الاستثمار. وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، فما أكثر المستثمرين! تركيا أم الصبي، و”الحشد الشعبي العراقي”، لا سيما فصائله الولائية المرتبطة بإيران، ينتظر فرصة لاستعادة شرعيته بعد الهزيمة الساحقة في الانتخابات، ودول الخليج تريد فتح جبهات جديدة مع إيران لضبط الجيب اليمني. وفي هذا الوقت، ثمة فراغات هائلة بإمكان التنظيم أن يتحرك فيها، في ظل ضعف الدول وتآكل جيوشها. من بر الشام إلى الصحراء الغربية في العراق، ومن خطوط المواجهة المذهبية في ديالى العراقية إلى مدن البؤس والفقر في الشمال اللبناني، مروراً بخطوط المواجهة بين الأكراد والعرب في الرقة ودير الزور والحسكة. 

المؤشر الطرابلسي يدفع فعلاً إلى التشاؤم، لكنه استحقاق كنا ننتظره ولم نحرك ساكناً لتفاديه. مخيمات البؤس التي شيّدت على أطراف المدن المدمرة كانت مصنعاً تكثفت فيه شروط الولادة. حصل ذلك تحت أنظارنا، وتحت أنظار العالم. مخيم الهول في سوريا تحول إلى دولة موازية لـ”دولة الخلافة”، حشر فيه أكثر من 40 ألفاً من أسر عناصر التنظيم في ظروف عيش مرعبة! فهل من عاقل يعتقد أن هذا المخيم لن ينجب المسخ مجدداً؟ الحكايات المسربة من هذا المخيم مذهلة في دلالاتها. “أشبال الخلافة” صاروا فتيتها، ونساء عناصر التنظيم يواصلن ولاءهن لـ”الخليفة” تحت أنظار السلطات الكردية التي تحاصرهن. العالم كله متواطئ وموافق ومتورط في جريمة مخيم الهول.

إقرأوا أيضاً:

يحصل ذلك وسط انشغالنا بفشل أنظمة “ما بعد داعش”، وهذا الفشل يقع في صلب شروط الولادة الثانية. 

ما الذي أودى بشبان طرابلسيين إلى مغادرة مدينتهم وعبور حدود ثلاث دول للوصول إلى منطقة ديالى في العراق؟ تكرار الحديث عن ظلامة السنة لم يعد كافياً، فهذه الظلامة تضم كل اللبنانيين اليوم، والنظام أكل رعيته من بين ما أكل، وإذا كانت الهجرة سبيل المسيحيين للهرب من وحش الفساد والظلام، وشد العصب المذهبي سبيل الشيعة، فلا سبيل لأهل السنة سوى هذا البر المديد، ولا سبيل لأيتامهم سوى الاستجابة لنداء “الخلافة”.

المذهبية وظلاماتها لم تعد كافية لتفسير الولادة الثانية. هي اليوم مخصبة بالفشل والفساد، وبسُرّاق كشفوا عن وجوههم أمام الجميع. انتصروا على “داعش” وواصلوا مراكمة الخراب الذي خلفه. دمروا مدناً وتاجروا بالنفط وسرقوا مدخرات الناس في المصارف. 

الفساد هو الأب الجديد للمسخ. 

إقرأوا أيضاً: