fbpx

أزمة أوكرانيا: روسيا ضعيفة لكنها ترعب العالم بقوتها النووية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اختلط الحابل بالنابل في الصحافة العربية وفي وسائط التواصل الاجتماعي في تحليل الأزمة الأوكرانية، التي تمخّضت عن صراع ساخن، بكل الأدوات، بين دول الغرب بزعامة الولايات المتحدة من جهة وروسيا ومن معها من جهة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

البعض تعامل وكأن روسيا هي الاتحاد السوفييتي زعيم المنظومة الاشتراكية (لمن يتذكر)، وأنها في مواجهة مصيرية مع الرأسمالية والإمبريالية، أو كأن فلاديمير بوتين هو خليفة فلاديمير ايليتش لينين! 

في كثير من تلك التحليلات طغت الرغبوية على الواقعية، وتغلبت التحيزات المسبقة، السياسية والأيدلوجية والعاطفية، على التحليل الموضوعي والعقلاني، في أغلب الأحوال. وصل الأمر حد أن البعض رأى فيما يجري صراعا بين الشرق (المظلوم والخيّر) والغرب (الظالم والشرير)، في حين وجد بعض آخر ضالته في مقولة: “عدوّ عدوي صديقي”، أو المقولة التي تفيد بـ “ضرب الظالمين بالظالمين”، وكلا المقولتين لا تقولا، أو لا تفيدا شيئا، مهما في الحالة المتعينة.

من دون جدال، أو اختلاف، حول أسباب الصراع المعلنة أو المضمرة، الأساسية أو الثانوية، وأيضا بمنأى عن الانحيازات المسبقة، مهما كان نوعها، في متابعتنا لهذه اللحظة التاريخية الخطيرة من الصراع الدولي، ربما يفيد تذكر بعض الحقائق الموضوعية:

النظام السائد في روسيا اليوم هو نظام رأسمالي، وفق الرأسمالية المتوحشة، أي أن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ذهبت إلى خيار الدول الغربية، مع فارق مهم أن ثمة تقديمات اجتماعية في الدول الغربية، سيما في أوروبا وكندا (الولايات المتحدة بدرجة أقل) في حين إن ذلك مفتقد في روسيا.


يفترض تذكر أن الاتحاد السوفييتي (ومعه المنظومة الاشتراكية) قد انهار من الداخل من تلقاء نفسه، وليس من الخارج، أي بنتيجة عوامل الضعف الداخلية، رغم جبروته العسكري، وقد انهار لكونه نظاما شموليا، نخره الفساد والبيروقراطية والتبلد، وافتقاد المواطنين للحرية، وبسبب التخلف التكنولوجي، وقوة النموذج في البلدان الغربية.


تتصرف الولايات المتحدة كدولة إمبريالية، وروسيا بوتين كذلك، أيضا، هكذا تعاملت بقسوة مع الشيشان (1999)، ثم في جورجيا (2008)، ثم أوكرانيا (2012 والآن)، وفي سوريا (منذ 2015). فوق ذلك فإن روسيا تصرح علنا بدعمها للأنظمة الاستبدادية، وهي تعادي أي تغيير سياسي (وضمنه الربيع العربي) والثورات الملونة بدعوى أن لكل بلد ظروفه وخصوصيته بشأن نظامه، وبدعوى الحفاظ على وحدة وسيادة الدول، أي إنها تماهي بين النظام (وليس الشعب) والسيادة، في حين إنها لا تطبق ذلك على أوكرانيا.

روسيا بوتين تقول إنها أتت إلى سوريا بدعوة من الرئيس دفاعا عن سيادة سوريا ووحدة أراضيها، في حين أنها لا ترضى على غيرها استخدام ذات المبدأ في أوكرانيا، إذ هي عملت على تقويض سيادة جورجيا وأوكرانيا وتجزئة أراضيهما.

تدعي روسيا بوتين بأن حقها في التدخل في أوكرانيا، وفي الدول المحيطة بها، ناجم عن اعتبارها لذلك من متطلبات أمنها القومي، وهذا مبدأ خطير في العلاقات الدولية، لأن تطبيقه من الدول القوية على الدول الضعيفة سيؤدي إلى تقويض الاستقرار في أكثر من منطقة من العالم؛ هذا بغض النظر عن رأينا بقصة دخول أوكرانيا أو غيرها لحلف ناتو.

لنلاحظ أن كل الدول والشعوب التي تحررت من ربقة الإمبراطورية الروسية، ثم من الاتحاد السوفييتي، اختارت الغرب والنمط الليبرالي الديمقراطي، وذهبت للحماية نحو حلف ناتو، وهذا يفترض أن يجعلنا نتساءل لماذا لم تفضل روسيا على الغرب؟

يحكم بوتين روسيا كشخص فرد، في دولة ليست ديمقراطية، ولا يوجد فيها مؤسسات، أو مجتمع مدني بمعنى الكلمة، وهذه ميزة للولايات المتحدة، حيث الرئيس يخضع في قراراته للكونغرس ولمؤسسات صنع قرار ولمجتمع مدني ولوبيات متنوعة، علما أنها في الخارج تتصرف كدولة إمبريالية، وعلما أنها ليست الجمهورية الفاضلة، وكل ذلك مع ملاحظاتنا على سياساتها وانتهاكها لحقوقنا في بلادنا.

في الواقع فإن روسيا ليست دولة قوية، ولا عظمى، في شيء، مع الأسف، سوى بواقع أنها قوة نووية، بل إن ذلك يعتبر مصدرا للخطر عليها وعلى غيرها، وليس مصدر قوة لها. فروسيا رغم تاريخها العريق، وثقافتها الغنية، ورغم إنها أكبر وأغنى بلد في العالم، بمساحتها وبثرواتها المعدنية، إلا أنها ضعيفة، بسبب من طبيعة نظامها، فهي لا تصدر شيئا سوى الغاز والسلاح، وناتجها القومي السنوي أقل من إيطاليا وكوريا الجنوبية. بالمقابل الصين دولة صاعدة، ولديه صادرات من كل الأنواع، أما الولايات المتحدة فحصتها لوحدها (أي دون الدول الغربية) من إجمالي الناتج القومي العالمي تبلغ 22 ترليون دولار، في حين في روسيا 1.7 ترليون دولار، أي أن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة البالغ حوالي 700 مليار دولار سنويا يبلغ حوالي 40 بالمئة من الناتج القومي لروسيا، و40 بالمئة من الإنفاق العسكري العالمي (الإنفاق العسكري لروسيا 66 مليار دولار سنويا).

يفترض تذكر أن الاتحاد السوفييتي (ومعه المنظومة الاشتراكية) قد انهار من الداخل من تلقاء نفسه، وليس من الخارج، أي بنتيجة عوامل الضعف الداخلية، رغم جبروته العسكري، وقد انهار لكونه نظاما شموليا، نخره الفساد والبيروقراطية والتبلد، وافتقاد المواطنين للحرية، وبسبب التخلف التكنولوجي، وقوة النموذج في البلدان الغربية.

إقرأوا أيضاً:

وبينما تحاول روسيا بوتين التجبر بواسطة حيازتها على السلاح النووي، لفرض إرادتها ولفرض مكانة دولية لها، كدولة عظمى تشكل ندا للولايات المتحدة، فإن هذه الأخيرة نادرا ما تستخدم القوة العسكرية، إذ هي تفرض ذاتها كقطب يتحكم بالعالم بواسطة القوة الناعمة، بفضل قوة اقتصادها، وإدارتها، وبفضل تفوقها في المجالين العلمي والتكنولوجي. والنقطة الثانية، أيضا، بينما تدعي الولايات المتحدة (عن حق او باطل) أن قيمها تستند إلى قيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن روسيا لا تدعي أية رسالة، سوى سلطنة القوة.

ربما الأجدر لروسيا لحيازة دور دولي أو إقليمي، أو مكانة دولة عظمى، الالتفات للداخل، واكتساب مقومات القوة والمناعة الداخلية، بدل الانشغال بالخارج، لأن الداخل، أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي التي تمنح الدول ديمومة مقومات القوة، أو مقومات استثمار القوة، أو فائض القوة لديها، وتلك هي حال اليابان وألمانيا مثلا، في حين العكس من ذلك قد يمنح إحساسا مزيفا بالتفوق ولكن لا يمكن استثماره، وهذه حال الاتحاد السوفييتي سابقا، وحال روسيا بوتين، كما هي حال النظام الإيراني اليوم، والسوري سابقا.

أخيرا، لنأمل أن تنتهي هذه الأزمة على خير، بالتوصل إلى اتفاقات بوسائل الحوار والدبلوماسية، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الاستقرار العالمي، ومصالح الشعوب التي تدفع أثمان سياسات غاشمة لا شأن ولا مصلحة لها فيها.

إقرأوا أيضاً: