fbpx

“هل سنعجز عن شراء الخبز؟”… رغيف المصريين
في مهب الدعم والحرب الروسية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“حان الوقت لرفع سعر رغيف الخبز… غير معقول أن يبقى سعر 20 رغيفاً مدعوماً بسعر سيجارة واحدة، وإن رغيف الخبز يباع بعملة لم تعد معروفة وهي 5 صاغ”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أقل من شهر كانت إسراء، وهي أم لثلاثة أطفال، تشتري الكيلوغرام من الدقيق مقابل 7 جنيهات (نحو نصف دولار). 

لا تعبأ إسراء المنشغلة بتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرتها بالأخبار ولا تتابعها، لكنها وجدت نفسها مضطرة لمتابعة الحرب الروسية على أوكرانيا، بعدما اشترت كيلوغراماً من الدقيق مقابل 14 جنيهاً (ما يعادل دولاراً واحداً)، وبعدما صارت مضطرة لدفع 15 جنيهاً للحصول على عشرة أرغفة من الخبز يومياً، بزيادة 50 في المئة في السعر ونقص في وزن الرغيف الذي كانت تشتريه قبل أيام. تسأل: “هل سنعجز عن شراء الخبز بعد حين؟”.

هل تعاني مصر من أزمة في القمح؟ 

تستهلك مصر 18 مليون طن من القمح سنوياً، وتوفر من خلال إنتاجها المحلي، الذي يتراوح بين8 و9 ملايين طن نسبة 40 إلى 50 في المئة من حاجتها للقمح، فيما تستورد الباقي من احتياجاتها من الخارج، وخلال العام الماضي شكل القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا 80 في المئة من واردات مصر من القمح. 

أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي، في 9 آذار/ مارس 2022، أن لدى مصر فائضاً واحتياطياً من السلع الاستراتيجية، وأن احتياطي القمح يكفي حاجة الاستهلاك المحلي لمدة أربعة أشهر. 

ويبدأ موسم حصاد القمح المصري منتصف نيسان/ أبريل من كل عام، وهو ما دفع مدبولي للتأكيد: “لا نحتاج إلى شراء أي شحنات إضافية كدولة، وأطمئن الشعب المصري بأنه لا توجد أزمة ولا نحتاج السوق العالمي لاستيراد القمح المطلوب لإنتاج الخبز المدعم، وذلك حتى نهاية العام الحالي 2022”. 

تشير موازنة السنة المالية الحالية 2021 – 2022، إلى أن إجمالي فاتورة دعم السلع التموينية بلغ نحو 89.5 مليار جنيه (5.722 مليار دولار)، ويبلغ حجم الدعم الموجه لدعم رغيف الخبز 45 مليار جنيه منها، ويستفيد منه 66.7 مليون مواطن. 

إسراء وأسرتها، من بين 30 في المئة من المواطنين الذين لا يستفيدون من دعم الخبز، تقول إسراء، لـ”درج”: “كل احتياجاتنا أسعارها ارتفعت مثل البيض والجبن واللبن والأرز والمعكرونة، والدجاج واللحمة التي توقفنا عن شرائها منذ شهور… كنا بنتسند عالعيش، لكن سعره ارتفع أيضاً”. 

برغم تصريحات رئيس الوزراء بعدم حاجة مصر لاستيراد القمح حتى نهاية 2022، فإن وزير المالية المصري، محمد معيط، قال إن ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية، سيؤدي إلى زيادة تكلفة واردات البلاد بقيمة تتراوح بين 12 إلى 15 مليار جنيه في ميزانية العام المالي الحالي 2021-2022. 

لماذا ارتفع سعر الخبز الحر؟ 

أرجع عطية حماد، رئيس شعبة المخابز في الغرفة التجارية في القاهرة، سبب ارتفاع سعر الخبز الذي تشتريه إسراء، و30 في المئة من المصريين ممن هم خارج منظومة دعم الخبز، والذي يعرف بالخبز الحر، إلى استغلال بعض أصحاب المطاحن ومتعهدي الدقيق أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع سعر الطن لأكثر من 11 ألف جنيه، وهو ما انعكس على المخابز وتسبب في رفع سعر الخبز. 

وأضاف حماد ، أن الخبز الحر أو غير المدعم هو سلعة حرة التداول وغير مسعرة تسعيراً جبرياً، ولا تخضع لأي قرارات تموينية منظمة، وتخضع فقط لقانون العرض والطلب، ولكن أسرة إسراء، التي تضررت بشدة من رفع السعر ما زالت مضطرة لشراء الخبز لسد الجوع، وإعداد طعام المدرسة للصغار. 
“اللي بيزيد مبيرجعش”، هكذا حسم رئيس شعبة المخابز ما تردد عن عودة سعر الخبز إلى وضعه الأول بعد انقضاء أزمة الحرب الروسية- الأوكرانية، مشيراً إلى ارتفاع سعر طن الدقيق أسبوعياً تقريباً منذ قبل الحرب، متابعاً: “ماذا يفعل صاحب المخبز؟”. 

إبراهيم، هو صاحب مخبز في جنوب القاهرة، يبيع الخبز الفرنسي المعروف بالفينو، والمخبوزات والحلوى، يقول لـ”درج”، إنه اضطر إلى رفع سعر الخبز والمنتجات الأخرى التي يبيعها، فبدلاً من بيع 10 أرغفة صغيرة مقابل 5 جنيهات، أصبح يبيع 7 فقط من الرغيف الأصغر حجماً مقابل السعر ذاته، وارتفع سعر قطعة من مخبوزات “الباتيه” إلى سبع جنيهات بدلاً من خمسة، وهي الزيادة التي تنسحب على كل المنتجات.

يضيف إبراهيم، أنه يحصل على الدقيق استخراج 72، الذي يستخدمه في مخبزه بالسعر الحر والذي بلغ 11700 جنيه للطن، كما يحصل على الغاز والمواد التشغيلية الأخرى كالسمن والزيت والسكر بسعر السوق الذي ارتفع بشدة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما اضطره إلى رفع الأسعار بالتبعية، مشيراً إلى أن صديقه الذي رفض زيادة سعر الخبز الذي ينتجه اضطر في النهاية إلى إغلاق مخبزه. 

يتابع إبراهيم، أن حركة بيع المنتجات التي يقدمها كالكعك والحلوى انخفضت مع زيادة الأسعار، ولكنه يرى أن الإقبال على الخبز “الفينو” الذي يتناوله الطلبة في المدارس عادة ما زال يتمتع بالإقبال رغم ارتفاع سعره هو الآخر، مرجحاً أسباب ذلك إلى تزامن الزيادات مع عودة موسم الدراسة، واضطرار الأسر لشرائه لعدم ملاءمة الخبز البلدي أو المدعم لإعداد السندوشات للأطفال. 

هذا عن الحر… هل يبقى المدعم مدعماً؟ 

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في آب/ أغسطس الماضي، وقبيل اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، عزم حكومته زيادة سعر رغيف الخبز المدعم، قائلاً: “حان الوقت لرفع سعر رغيف الخبز… غير معقول أن يبقى سعر 20 رغيفاً مدعوماً بسعر سيجارة واحدة، وإن رغيف الخبز يباع بعملة لم تعد معروفة وهي 5 صاغ”.

الضوء الأخضر الذي أطلقه السيسي لحكومته لزيادة سعر الخبز المدعم، وجد صداه غضباً على مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت منشورات غاضبة ورافضة لرفع سعر الخبز، لكن السيسي يظن أو يعلم أن الشعب المنهك من تبعات الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها حكومته لن يفعل شيئاً أكثر من ذلك، وهو ما شجعه على التصدي لملف رفع سعر الخبز المدعم الذي اعتبر خطاً أحمر لأكثر من 30 عاماً، في بلد يعاني ثلث سكانه تقريباً تحت خط الفقر. 

في كانون الثاني/ يناير 1977 قرر الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وحكومته، زيادة أسعار بعض السلع ومن بينها الخبز المدعم، وأثارت تلك القرارات غضباً واسعاً في الشارع المصري لتندلع “انتفاضة الخبز”، والتي أجبرت الحكومة على التراجع عن تلك القرارات. 

بعد 45 عاماً من ذلك اليوم، الذي تراجعت فيه حكومة السادات عن زيادة سعر الخبز، خرج رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي من مقر مجلسه بالعاصمة الإدارية الجديدة، شباط/ فبراير الماضي، قائلاً  “بأكد هيحصل”، قاصداً رفع سعر الخبز المدعم.

وأشار مدبولي، إلى أن آخر تحريك لسعر الخبز كان عام 1988 حين ارتفع إلى 5 قروش، حينها كانت تكلفة الرغيف 17 قرشاً، فيما تكلفته اليوم 65 قرشاً، متابعاً: “بأكد هيحصل، لكن نشوف السيناريوهات لنطمن على الفئات المهمشة وكيف نضمن عدم تأثرهم بشكل كبير، لازم يبقى فيه تحرك طفيف بشكل منتظم، عشان منجيش بعد 30 سنة نلاقي الدنيا خربت”.

لا يستهدف السيسي، منظومة دعم الخبز وحدها، فبعد أربعة أشهر فقط من تصريحاته بشأن رفع سعر الخبز المدعم، خرج بتصريحات جديدة تؤكد عزمه عدم إصدار بطاقات تموينية للمتزوجين حديثاً، معتبراً أن من يحتاجون إلى الحصول على الدعم التمويني كان عليهم عدم الإقدام على الزواج لعدم قدرتهم على تحمل مسؤولياته المالية. 

هدمت تصريحات السيسي، أمل إسراء ومساعيها المستمرة منذ سنوات للحصول على بطاقة تموينية توفر لأسرتها الخبز المدعم بديلاً عن اضطرارها إلى شراء الخبز الحر مرتفع التكلفة، وعلمت أن الرد الذي تتلقاه عادة بعدم فتح التسجيل لإصدار بطاقات جديدة سيبقى هو الجواب الذي تتلقاه دائماً. 

أكد السيسي، في افتتاحه لمشروعات بترولية في أسيوط، وهي المحافظة الأكثر فقراً في مصر: “لا يمكن هدي بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز لأنك بتبقى بتتجوز ومستنى الدولة تديك بطاقة تموين… انت مش قادر تصرف إزاي يعني ده كلام مش مظبوط.. وكمان لما أخلف أخلي حد يأكّلي عيالي”.

يفخر النظام المصري، بأنه استطاع أخيراً أن يخفض معدل الفقر من 32.5 في المئة عام 2018-2019،  إلى 29.7 في المئة في العام التالي، ولكن ما لم يتنبه له ربما هو أن النيل المستمر من منظومة الدعم سيؤدي إلى زيادة معدل الفقر إلى 40 في المئة، بحسب المؤشرات الرسمية لبحث الدخل والإنفاق. 

هل تستطيع مصر أن تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح؟

بلغت أسعار القمح مستويات قياسية منذ نهاية شباط/ فبراير مع بدء العدوان الروسي على أوكرانيا، إذ توفر روسيا وأوكرانيا ربع إمدادات القمح العالمية، وهي النسبة التي فقدتها السوق العالمية مع دق طبول الحرب، كما تعتمد مصر وهي المستورد الأكبر للقمح عالمياً على الدولتين المتحاربتين لتوفير 80 في المئة من احتياجاتها من القمح المستورد، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فهل تستطيع مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لتضمن الخبز لمواطنيها وتقلل فاتورة استيراده؟

أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مطلع آذار/ مارس الجاري، نشرته السنوية لإحصاءات المساحات المحصولية والإنتاج النباتي لعام 2019/ 2020، وبلغت مساحة محصول القمح 3.4 مليون فدان، مقابل 3.1  مليون فدان للعام الذي سبقه، أما الإنتاج فارتفع من 8.6 مليون طن عام 2018/2019 إلى 9.1 مليون طن في العام الذي تلاه.

برغم الزيادة في المساحة المزروعة بالقمح، وإنتاجية القمح المحلي، فإن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وقامت باستيراد نحو 12.9 مليون طن في 2020 للحكومة والقطاع الخاص بقيمة 3.2 مليار دولار، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

نقيب الفلاحين صدام أبو حسين، قال لـ”درج”، إن تزامن وقوع الأزمة مع اقتراب موسم حصاد القمح المحلي أنقذ مصر، من الوقوع في أزمة نقص القمح، بخاصة مع توقع ارتفاع إنتاجية القمح المصري هذا العام لتصل إلى نحو 10 ملايين طن، مؤكداً كفايتها حتى نهاية العام الحالي. 

وأضاف أبو حسين، أنه إذا استمر الارتفاع الحالي في أسعار القمح العالمية وتعطل السوق الروسية والأوكرانية، سيؤدي ذلك إلى تحمل ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، بخاصة أن مصر تستورد نصف حاجتها من القمح من الخارج، وكانت تعتمد على روسيا وأوكرانيا لتوفير 80 في المئة من القمح الذي تستورده، ولكن ذلك لن يؤثر في توفر القمح الغذائي والخبز، لوجود أسواق ظلخرى يمكن الاعتماد عليها مثل أميركا وفرنسا واستراليا وغيرها. 

وأشار نقيب الفلاحين، إلى أن مصر يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، لتقليل قيمة وارداتها منه ولحماية الأمن الغذائي القومي، وذلك عبر التوسع الأفقي بزيادة الرقعة المزروعة بالقمح والتي تبلغ حالياً ثلث الرقعة الزراعية في مصر، ويكون التوسع بزراعة الأراضي الجديدة والمستصلحة بالقمح، إضافة إلى التوسع الرأسي بزيادة إنتاجية الأراضي المزروعة قمحاً، وتغيير نظم الزراعة والري، وتوفير الفاقد من الشون والصوامع الترابية، واستخدام آلات زراعية حديثة توفر الفاقد من القمح، إلى ترشيد الاستهلاك، والسيطرة على الزيادة السكانية. 

إقرأوا أيضاً: