fbpx

جريمة أنصار: 4 ضحايا نساء ومُتّهم برتبة “رجل”  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السيناريوات المجتمعية دارت في فلك “الشرف” وخلت من احتمال الغدر والقتل، فقط لأن الضحايا هن نساء. فهل كان للقوى الأمنية أن تضع فرضية “الهرب” لأربع رجال؟ وهل كنا سنسمع تعليقات كـ”مدري مع مين هربوا” أو سنرى رجل دين يُعيد الجريمة إلى “التفكّك الأسري” مثلاً؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“صباحو بابا… يا حبي…”، تلك كانت الرسالة الأخيرة بين الأب زكريا صفاوي وابنته منال، أو “منّولة” كما يحب أن يناديها، قبل أن تغلق عينيها إلى الأبد. 

منال (16 سنة)، تالا (20 سنة)، ريما (22 سنة) ووالدتهن باسمة عباس، 4 نساء وقعن ضحايا جريمة قتل عمدي على يد قاتل أولاً، واغتيال مجتمعي وقضائي ثانياً. ملابسات الجريمة التي تسربت نتائج التحقيقات الأولية فيها ثبتت مسؤولية حسين فياض وشريكه حسين الغنّاش الذي ألقت مخابرات الجيش القبض عليه في منطقة الهرمل. والأهم أنها تكشف تواطؤ منظومة اجتماعية وقانونية تسببت بتراخٍ استمر نحو 20 يوماً لم تتم خلالها متابعة قضية اختفاء الأم وبناتها كما يجب.

جريمة قتل الأم وبناتها كانت من أعنف جرائم قتل النساء التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، كما سلطت الضوء على الكثير من الملابسات

صور الغنّاش مضرجاً بدمه انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مساء يوم الأحد 27 آذار/ مارس، وسط تهليل البعض لإلقاء القبض على شريكٍ في الجريمة كان متوارياً عن الأنظار في الأيام الماضية. لكن الإشكالية أن عراضة الاعتداء على الغنّاش، على يد مواطنين في منطقة الهرمل قبل تسليمه للقوى الأمنية، هي عراضة ثأرٍ فيها مقاربة ذكورية أيضاً. إذ إن انتزاع حق الضحايا بالثأر من أحد المجرمين ليس إلا محاولة للمحاسبة على مبدأ “انتقام الرجال لشرف النساء” من جهة، وفي ضعف منظومة العدالة في لبنان.

فقط لأنهن نساء… 

“منذ الساعات الأولى لاختفاء باسمة وبناتها حتى لحظة إعلان العثور على جثثهن، والإشاعات تُلاحق الضحايا… لأنهن نساء فقط”، تقول إحدى جارات العائلة لـ”درج”. حُبكت سيناريوات كثيرة حول اختفاء العائلة، فتارةً هربن مع أحدهم، وتارةً أخرى وقع خلاف عائلي مع زكريا صفاوي، والد الضحايا، وطليقته باسمة، علماً أن مصادر من البلدة أكّدت أن علاقة باسمة بطليقها جيدة، كما أنه “أب حنون وصالح” وعلاقته ببناته ممتازة. 

هذه السيناريوات المجتمعية دارت في فلك “الشرف” وخلت من احتمال الغدر والقتل، فقط لأن الضحايا هن نساء. فهل كان للقوى الأمنية أن تضع فرضية “الهرب” لأربع رجال؟ وهل كنا سنسمع تعليقات كـ”مدري مع مين هربوا” أو سنرى رجل دين يُعيد الجريمة إلى “التفكّك الأسري” مثلاً؟ المفارقة أن القضاء أيضاً قارب اختفاء الفتيات مقاربة ذكورية بحتة. فوفق القوى الأمنية، تقدّم زكريا صفاوي في 3 آذار/ مارس، أي في اليوم الثاني من الاختفاء، ببلاغٍ إلى الجهات المختصّة، إلّا أنّ الجهة الأمنيّة لم تتحرّك سريعاً على فرضيّة أنّ “الأم المطلقة هربت مع بناتها”. علماً أن الأب أطلع القوى الأمنية على شكوكه بحسين فياض، كونه كان على علاقة عاطفية مع تالا، الابنة الوسطى، خصوصاً أنه آخر شخص شوهدت معه الفتيات ليلة الخطف، وفق شهود عيان. 

25 يوماً والمشتبه به الأول حرّ!

خيوط الجريمة بدأت تجتمع والمشهد اقترب من المنطق. استدرج حسين الفتيات الثلاث ووالدتهن بذريعة تناول وجبة عشاء في ليلةٍ عاصفة. قصد أحد البساتين وهناك التقى بشاب سوري الجنسية يُدعى حسن الغناش، طلب فياض من العائلة النزول من السيارة بحجة التحدّث على انفراد مع الغناش، وعلى الفور، وجّه سلاح الصيد إلى رؤوس الضحايا، وفق ما أكّده تقرير الطبيب الشرعي علي ديب بعد معاينة الجثث. نقل جثثهن إلى مغارة صغيرة مجاورة، طمرها وصبّ الباطون والرمل عليها لإخفائها. الجريمة لم تقف هنا، أخذ حسين هاتف إحدى الضحايا وكتب رسالة عبر “واتساب” إلى صديقتها يقول فيها، “نحن خرجنا لتناول العشاء مع حسين”، في محاولة للتمويه على توقيت الجريمة.

اعتقل حسين فياض بعد أيام من اختفاء العائلة، لكن سرعان ما أُطلق سراحه “لعدم ثبات الجرم وكفاية الأدلة”. كل ما كشفته داتا الاتصالات حول الاتصال الأخير الذي أجراه فياض مع الوالدة، كما إغلاق هواتف الفتيات تباعاً مع فارق 3 دقائق بين الواحد والآخر، والإفادات المتضاربة التي أدلى بها المشتبه به، لم تكن كافية لتوقيف فياض بالنسبة إلى النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضية غادة أبو علوان. إذ اعتبرت الأخيرة أن الأم وبناتها الثلاث غادرن بملء إرادتهن، وتركت فياض طليقاً وختمت التحقيق، نافيةً كل الفرضيات.  

على رغم كل الملابسات حول الجريمة ودوافع المجرم المجهولة، إلا أن المؤكد أن القضاء اللبناني غير مؤتمن على حياة اللبنانيين، لا سيما في ظلّ انهيار اجتماعي وفوضى أمنية قد تجعل أي فرد عرضة لحادثٍ مماثل. لم تُتخذ قضية اختفاء الفتيات على محمل الجد قضائياً، إذ تُشير المصادر أن الأجهزة المعنية لم تقم بأي عمل أمني جدّي منذ اختفائهن، فحتى كاميرات المراقبة في البلدة لم تُراجع، كما لم يُزر منزل الضحايا حتى مرور أكثر من 10 أيام على الاختفاء، وهناك وُجدت الأوراق الثبوتية الخاصة بهن، كما وجد فنجان القهوة الذي تركته باسمة وخرجت على عجل مع بناتها بعدما أصّر فياض على الخروج لأكل “سندويشات في النبطية”، وفق ما أثبتته التحقيقات.

من هو حسين فياض؟

بجولةٍ على صفحة حسين (36 سنة) على “فايسبوك”، يتّضح أنه من هواة الصيد. يصطاد الحيوانات والطيور ويتباهى بنشر صور فرائسه. إلا أنه لم يستخدم سلاحه هذه المرّة لتلك الغاية، إذ أثبتت التحقيقات أن الضحايا الأربعة قُتلن رمياً بالرصاص الحيّ بسلاح صيد. 

على رغم كل الملابسات حول الجريمة ودوافع المجرم المجهولة، إلا أن المؤكد أن القضاء اللبناني غير مؤتمن على حياة اللبنانيين.

“حسين شاب من أسرة محترمة وميسورة مادياً”… بهذه العبارة وصف أهالٍ من بلدة الأنصار حسين مستغربين الجريمة التي أقدم عليها، علماً أن شعبة المعلومات قدّمت كل الأدلة التي تثبت تورطه من جهة، وتحايله على القضاء من جهة أخرى. عدا الإفادات المتضاربة وحركة الهاتف التي أكّدت المؤكد، زعم فياض أن الفتيات اختطفن وأنهن موجودات في سوريا، وأن أحد الأشخاص تواصل معه وطلب منه 5000 دولار أميركي مقابل إطلاق سراحهن. لم تتحرك لدى القوى الأمنية حينها أي شكوك حول تلك الرواية، فغادر المشتبه به الأول في جريمة راح ضحيتها 4 أشخاص الأراضي اللبنانية، وعاد إلى بلده بكل أريحية. 

عندما تحرّكت شعبة المعلومات وبدأت بحثها عن فياض، وشى أفراد عائلته به، وفق ما أكّدته مصادر من البلدة لـ”درج”، فقُبض عليه في أحد البساتين، ونُقل إلى التحقيق في صيدا. عقب ذلك، نشرت عائلة فياض بياناً تبرّأت فيه من حسين، مطالبةً السلطات القضائية إنزال أشدّ العقوبات بحقه. هكذا تُدار الجرائم بمقاربة ذكورية في لبنان، “التبرؤ” هو أقصى ما يمكن فعله بحق رجل، بينما هو أقل عقوبة تنالها امرأة.  

هذه الجريمة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دامت التشريعات تتضمن أعذاراً مخفّفة لمرتكبي الجرائم بذريعة “الشرف”، وما زالت الإجراءات والتدابير لتقديم شكوى معقّدة وفي معظم الأحيان لا تُؤخذ على محمل الجد، وما دامت العقوبة رهن التخفيف في حال إسقاط الحق الشخصي اختياراً أو إكراهاً. بمعنى آخر، العقدة الأساس تعود إلى القوانين المبنية أساساً على منطق ذكوري، والتي تُقارب جرائم قتل النساء من باب أخطاء يمكن أن تُغتفر، على عكس الجرائم الأخرى التي يُظهر القانون حزماً فيها. هذا عدا تراخي القوانين التي تسمح بتزايد العنف ضد النساء. فالأحكام المخففة توحي وكأن بإمكان أي رجل أن يقتل ابنته أو أخته أو زوجته “من دون عقوبة”، أو بأفضل الأحوال بعقوبة مخففة. وما “جريمة الأنصار” إلا نتيجة حتمية لتقاعس قضائي وأمني، يعتبر “الرجولة” امتيازاً للجاني.

إقرأوا أيضاً: