fbpx

مريم وهيب لن تكون الأخيرة :
من يحمي نساء الأقليات المصريات من انتهاكات الأحوال الشخصية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كل ما في الأمر أنها امرأة تحمل فوق أكتافها أعباء ثلاثية: الدين، الجنس، القوانين الغائبة أو المتلبسة. القوانين تعجز عن سد طلب سيدة مسيحية للانفصال عن زيجة لا تريدها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خرجت مريم وهيب (36 سنة) في نيسان/ أبريل 2022، مع ابنتها جولي التي لا تتجاوز السنة، من أجل موعد للتطعيم. استقلت لأجل ذلك سيارة أجرة، لكن ما حصل أن المرأة اختفت.

أبلغ الزوج جوزيف سعد الشرطة، ووجه استغاثة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن مريم، ظهرت بعد استغاثة زوجها بثلاثة أيام، إنما محجبة في فيديو أعلنت فيه تخليها عن المسيحية، وأظهرت شهادة موثقة من الأزهر بإسلامها، كانت تقول “أنا مبسوطة ومش مخطوفة وبطلب من الدولة تحميني. أنا عايشة في مكان كويس”.

صور مريم مع زوجها جوزيف وأبنائهما تبدو مثالية، ابتسامات، تناغم نفسي، أكتاف متلامسة تشي بعلاقة حب، أجساد متقاربة للغاية تذوب ككتلة واحدة لا تشوبها شائبة، سمات التدين المتسامح ظاهرة عليهم، لقطات داخل صحن كنيسة بأضوائها الزاهية ومساحتها الرحبة.

غير أن الحقيقة التي تظهرها الصورة، غالباً ما لا تكون كاملة…

بكلمات مقتضبة أعلنت صفحات الكنيسة الأرثوذكسية والمركز الثقافي القبطي أنباء استعادة مريم بمساعدة الشرطة إلى أسرتها فجر يوم الخميس 14 نيسان/ أبريل الحالي، مقدمين الشكر إلى مساعي الدولة والجهود الأمنية لحفظ سلامة الوطن واحتواء الأزمة دون الكشف عن أي تفاصيل أخرى تخص قضية كان يمكنها إشعال فتنة طائفية لا كبيرة. 

كل ما قيل عن الأمر جاء على لسان النائب نادر يوسف وكيل اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، في تصريحات إعلامية قال: “المشكلة عائلية وتم احتواؤها بوساطة الأجهزة الأمنية بمنتهى الصدقية والاحترافية”، طالباً اعتبار التفاصيل أمراً شخصياً لا داعي للحديث فيه على منصات السوشيال ميديا. 

هذه البيانات القصيرة لطالما تكررت في أزمات مشابهة، بعضها حظي بانتشار واسع مثل قصة إسلام كاميليا شحاتة عام 1985 من دير مواس، وهي كانت زوجة كاهن ووقتها تظاهر مئات المواطنين المسيحيين بعدما تقدم زوجها ببلاغ عن اختفائها، وسط أنباء عن تورط الجمعية الشرعية في المنيا، وفي نهاية الأمر تم تسليمها إلى أسرتها والكنيسة، فيما لم تحظ قصص أخرى ما تستحقه من مساحة وانتشار.

كنت أتابع قضايا اختفاء الفتيات المسيحيات عامي 2011/ 2021 وكنت على اتصال دوري مع إبرام لويس، مدافع مصري عن حقوق الإنسان والأقليات الدينية، ورئيس مجلس أمناء رابطة الاختطاف والاختفاء القسري (FVAFD).

 جميع القصص بدأت بغياب فتيات معظمهن تحت الخامسة والعشرين، وانتهت كما حكاية مريم، عودة فجائية، وتفاصيل تظل سرية بين 3 أطراف: “الأجهزة الأمنية/ الكنيسة/ الأهل”، وفي حالات نادرة يعرفها المقربون، أما ما يعلن للعامة أو للصحافة فأنها كانت مختطفة ثم نجحت الأجهزة الأمنية في استعادتها. 

الكاتب والباحث في الشأن القبطي، سليمان شفيق، يوضح لـ”درج”، أن “هذه الأزمة التي تطفو على السطح كل فترة، تتركز في الصعيد بنسبة أكبر، أما تفاصيلها فتكاد تكون متطابقة بشكل كامل، إذ تبدأ بعلاقات عاطفية يحولها الأهل إلى حادث طائفي مدفوعين برغبة تغليب العار الطائفي على القرار الفردي للفتاة لتبديل دينها”.

وبحسب شفيق، فإن الأمور تتأزم بسبب وجود أرضية خصبة مناسبة تماماً لتأجيج الأحداث، سواء مشاعر الطائفية عند الطرفين المسلم/ المسيحي.  

هذا الجدل كله لا يحدث إذا قرر رجل مسيحي تبديل دينه للإسلام في مصر، مثلما يحدث مع القبطيات، يتحول قرارهن لقضايا رأي عام مثل وفاء قسطنطين، أو كاميليا شحاتة، وأمثلة لا تحصى… لماذا لا تحدث تلك الضجة في قصص الرجال؟ كل أبطال مشاهد الهروب في مصر نساء، ليس لعدم وجود رجال تحولوا إلى دين آخر أو حتى ألقوا بكل الأديان وراء ظهورهم، إنما لربط العار بالمرأة حصراً. 

الأمر إذاً ليس نعرة دينية أو محاولة للدفاع عن دين ضد آخر، كل ما في الأمر أنها امرأة تحمل فوق أكتافها أعباء ثلاثية: الدين/ الجنس/ القوانين الغائبة أو المتلبسة.

القوانين تعجز عن سد طلب سيدة مسيحية للانفصال عن زيجة لا تريدها، هذا يتقاطع مع الدين الذي يحصر الطلاق المسيحي في أسباب تعجيزية “ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، الزنا”، أو “تغيير الدين” (باعتباره زنا روحياً)، وكأنها رخصة للمتزوجين بممارسة العلاقات إن أرادوا الخروج من سجن علاقة فاشلة. ثم يصبح اللجوء إلى تغيير الدين حلاً أخيراً. وتدفع النساء بطبيعة الحال الضريبة الأكبر من الضغط الاجتماعي والإجحاف ويجبرن على التحمّل.

إقرأوا أيضاً:

من وجهة إسلامية فتطرح الإشكالية ذاتها والصراع حول المرأة التي تدخل الإسلام، ففي كتابه “مذكرات شيطان سابق.. اعترافات أحمد عوني شلقامي عضو جمعية شرعية” يحكي شلقامي عن كراهيته الشديدة للنصارى، يقول: “رضعت كراهية النصارى من ثدي أمي مع اللبن”. ويكشف أن والده كان مقاول تشييد وبناء، وكان له نشاط إسلامي يتمثل في ترؤسه إحدى الجمعيات الإسلامية الشرعية في الجيزة ذات الأنشطة الخيرية المتمثلة في حضانة، دار تحفيظ قرآن، مستوصف، إضافة إلى قسم مخصص للهِداية، بالاعتماد على أموال أمراء الحركة الوهابية من أجل الإيقاع بالفتيات المسيحيات، يقول: “كانت المبالغ كبيرة جداً تصل تكلفة الإيقاع بالفتاة الواحدة إلى خمسة آلاف جنيه مصري… وذلك بأرقام منتصف السبعينات والثمانينات، وكانت تقسم على الشاب المسلم الذي يقوم بإحضار الفتاة للجمعية الشرعية يأخذ نصف المبلغ، والباقي يقسم بين أفراد الشرطة المساعدين، وأعضاء الجمعية”. 

يعتبر الباحث القبطي سليمان شفيق أن الجميع متهم في استمرار هذه الظاهرة من البيئة المجتمعية إلى الأسرة التي لا تحتضن الفتيات عاطفياً ونفسياً ولا يحصّنهنّ بالفعل، إذ يضطررن إلى تحمّل الزيجات الفاشلة والظالمة، ويتعرضن أحياناً للاستغلال والنفي.

وهنا يطالب بضرورة أن تبحث الكنيسة عن حلول للمشكلات والخلافات الزوجية وأن تكون أكثر تقبلاً لمسألة الطلاق مثلاً.

قصة مريم وهيب كان يمكن أن تمر مرور الكرام في دولة تضع حداً فاصلاً واضحاً بين دين الفرد ودولته، دولة تكون قوانينها مدنية بشكل صريح لتسع كل المعتقدات، بحيث لا يبرح الدين في نهاية الأمر من مكانه المحدد له في قلب الإنسان، ولا يتجاوز حدوده كعلاقة فردية وخاصة جداً بين طرفين لا ثالث لهما الإنسان وربه. كان يمكن أن تنجو مريم لو أنها في دولة تحمي النساء والأقليات، والمدنيين عموماً. 

أما هنا فطبيعي أن تشغل قصة مريم هذه المساحة الشاسعة من الاهتمام، دون النظر إلى مريم نفسها. فما يهم هو دين جماعتها ولتسقط فردانيتها تحت الأقدام. 

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.