fbpx

ديمقراطيات كبرى تتعثر… هل ولى زمن الانتخابات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يستعرض هذا المقال عدداً من الأمثلة حول التخبّط الذي تعيشه بعض الدول الديمقراطية، أو المصنفة ديمقراطية، ويقوم بجولة على آخر الأخبار والأحداث وبعض الأبحاث في هذا المجال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تشهد دول ديمقراطيّة في الفترة الأخيرة تقلّبات هائلة وطرقاً مسدودة، فبين الدقيقة والثانية تصلنا إشعارات (notifications) عن حكومات تتعثّر وتتفكّك، إعادة إنتخابات للمرّة الخامسة، تظاهرات شعبيّة معترضة على الحكم وغيرها من التحرّكات والأحداث في دول تصنّف على أنّها ديمقراطيّات، فهل النظام الديمقراطي نفسه في خطر؟ 

يستعرض هذا المقال عدداً من الأمثلة حول التخبّط الذي تعيشه بعض الدول الديمقراطية، أو المصنفة ديمقراطية، في الفترة الأخيرة، ويقوم بجولة على آخر الأخبار والأحداث وبعض الأبحاث في هذا المجال، في محاولة لفهم السياقات التي تنحو باتجاهها أنظمة تقدم نفسها بوصفها ديمقراطية، في محاولة لفهم التغيّرات الطارئة على الساحة الدوليّة.

إيطاليا: تقديم رئيس الوزراء استقالته!

صرّح رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي في 14 تمّوز/ يوليو 2022 بأنه سيستقيل من منصبه، بعدما سحبت “حركة النجوم الخمس” – أكبر حزب في الحكومة الائتلافية في البلاد – دعمها في تصويت برلماني على الثقة.

اقتراح دراجي تضمّن إجراءات لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة في إيطاليا وتمّ التصويت  لمصلحته في المجلس النيابي، الّا أنّ مقاطعة “حركة النجوم الخمس” شكّلت خطراً على الحكومة، التي باتت مهدّدة بالانهيار، وقد يؤدي ذلك إلى انتخابات مبكرة. لكن الرئيس الإيطالي رفض استقالة رئيس الحكومة. فيما تدخّل رؤساء البلديّات لـ110 مدن إيطاليّة، بينها المدن العشر الكبرى، وعدد من رجال الأعمال وقيادات بعض النقابات، طالبين، في رسالة مفتوحة، من رئيس الوزراء إعادة التفكير في قراره بالاستقالة، محذرين من استقرار البلد الذي يقع تحت ديون ضخمة.

وبرغم أنّ دراجي فاز في تصويت على الثقة في مجلس الشيوخ يوم الأربعاء في 20 تمّوز/ يوليو 2022، لكنه فاز بصعوبة مع مقاطعة نواب من ثلاثة أحزاب التصويت: حركة النجوم الخمس، فورزا إيطاليا من يمين الوسط، الحزب اليميني المتطرف.

تجدر الإشارة إلى أنّ إيطاليا شهدت 69 حكومة بعد الحرب العالميّة الثانيّة بمعدّل حكومة كلّ 13 شهراً، وذلك بسبب تجذر الانقسام السياسي.

تشهد دول ديمقراطيّة في الفترة الأخيرة تقلّبات هائلة وطرقاً مسدودة، فبين .الدقيقة والثانية تصلنا إشعارات عن حكومات تتعثّر وتتفكّك

المملكة المتّحدة: بوريس جونسون يستقيل! 

في 7 تمّوز 2022، أعلن بوريس جونسون استقالته من منصب رئاسة حزب المحافظين واستمراره رئيساً للوزراء حتى إيجاد بديل، وذلك بعد استقالة أكثر من 50 عضواً في حكومته بعد سلسلة من الفضائح الأخلاقية المرتبطة به:

1- السبب المباشر: فضيحة اعتداء جنسي قام بها كريس بينشر، عضو بارز في حكومة جونسون، الذي قام بملامسة رجلين وهو ثمل في ليلة في نادٍ خاص. وعلى أثرها أُجبر على الاستقالة في الأول من تمّوز. ولحقت استقالته تقارير في الصحافة تناولت تهم تحرش جنسي ضده في الماضي. في البداية، قال المتحدث باسم جونسون إن رئيس الوزراء لم يكن على علم بهذه المزاعم عند تعيينه في الحكومة في عام 2019، الّا أنّ جونسون تراجع بعدما تمّ التداول أنّه بالفعل كان يعلم عن بعض هذه الادعاءات سابقاً.

2- في أواخر عام 2021، وفي أوائل عام 2022، تبيّن أن رئيس الوزراء وزملاءه حضروا حفلات متعددة في وقت كانت فيه بقية البلاد تحت الإغلاق الصارم بفترة “كوفيد- 19”. وجونسون كان رئيس الوزراء الأوّل الذي يخرق القانون وهو في منصبه وتمّ تغريمه، بحسب ما ذكر موقع Time.com.

3- تواجه المملكة المتّحدة أعلى معدل تضخّم منذ 40 عاماً حيث بلغت النسبة 9.4 في المئة في المنتصف الثاني من تمّوز/ يوليو 2022. وطبعاً إضافة إلى البركست وخروج المملكة المتّحدة من الاتحاد الأوروبي.

الولايات المتّحدة الأميركيّة: اقتحام الكابيتول! 

ما زالت التحقيقات تتفاعل بشكل يومي في قضيّة اقتحام الكابيتول الأميركي في كانون الأوّل/ ديسمبر 2021 في محاولة للانقلاب على النتائج الرئاسيّة الديمقراطية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في مشهد غير مسبوق في تاريخ الولايات المتّحدة الأميركيّة. 

خضّ هذا الاقتحام صورة الديمقراطية الأميركيّة “المثاليّة” إلى حدّ ما، الديمقراطية التي سعت الولايات المتّحدة الأميركيّة طويلاً إلى تكريسها في قوانين الدولة ومؤسساتها وسياساتها الداخليّة، حتى في عيون الأميركيّين نفسهم، إلّا أنّ القضاء الأميركي سرعان ما تحرّك. فالمؤسسات الديمقراطيّة لم تخذل الأميركيين، بل صانت نفسها، ولو بصعوبة. 

عندها، قال الرئيس جو بايدن “مثل الكثير من الأميركيين، أشعر بالصدمة والحزن لأن دولتنا التي لطالما كانت منارة الضوء والأمل للديمقراطية قد وصلت إلى مثل هذه اللحظة المظلمة”.

إقرأوا أيضاً:


كندا: نقمة شعبيّة؟!

كندا، التي يراها كثيرون من أفضل الأمثلة عن الدول الديمقراطيّة والسلميّة إلى حدّ ما، الّا أنّها أيضاً واجهت في الآونة الأخيرة عدداً من التحديّات. خرجت تظاهرات شعبيّة حاشدة تحت اسم “قافلة الحرية” وبرغم أنّ السبب الرئيسي له علاقة بلقاحات الكوفيد، الّا أنّ هذه التظاهرات كشفت أنّ الكنديّين غير راضين على أداء الحكومة وبدأوا يفقدون ثقتهم بها.

ففي الفترة الأخيرة، في استطلاع أجراه معهد أنجوس ريد عما إذا كان يمكن القول إنّ كندا تتمتع بـ”نظام حكم جيد” – قال 45 في المئة إنّها ليست كذلك، بحسب مقال للـ The Conversation.

وفي أيلول/ سبتمبر 2021، غامر رئيس الوزراء جاستن ترودو بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في محاولة للفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان، لكنّ المعركة كانت محتدمة وكادت تطيح به كرئيس حكومة. وبرغم أنّه فاز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، لكنه فشل في الحصول على الأغلبية التي تخوّله تمرير التشريعات بسهولة.

فرنسا: احتجاجات شعبيّة!

لدى الحديث عن فرنسا، من يسعه أن ينسى حركة السترات الصفراء وهي سلسلة من الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية في فرنسا احتجاجاً على الغلاء المعيشي، والتي بدأت في 17 تشرين الثاني 2018، وشلّت شوارع العاصمة الفرنسيّة. واستمرّت هذه التظاهرات لأشهر عدّة ضد حكم الرئيس إيمانويل ماكرون وتحوّلت إلى أعمال عنف وقوبلت بقمع شرس من قبل قوات الأمن.

في أيّار/ مايو 2022، خرجت أيضاً تظاهرات شعبيّة، بحيث شارك آلاف الأشخاص في مسيرات عيد العمال في جميع أنحاء فرنسا، مطالبين بزيادة الرواتب من جهة ورفض خطّة ماكرون برفع سن التقاعد من جهة أخرى. 

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ نسبة الاقتراع كانت منخفضة بشكل قياسي في كلّ من الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة والانتخابات النيابيّة في فرنسا، ما يشير إلى استياء قسم كبير من الفرنسيّين من الأوضاع في البلاد.

إسرائيل: نحو انتخابات خامسة خلال ثلاث سنوات!

إسرائيل التي تدّعي أنّها “ديمقراطيّة الشرق الأوسط، ها هي تتّجه اليوم وللمرّة الخامسة في مدّة لا تزيد عن ثلاث سنوات، لإجراء انتخابات جديدة للكنيست وذلك بعد تصويت البرلمان 92 مقابل 0 لحل نفسه واستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي لم يتمكّن من الحكم. من المقرر أن يتولى يائير لابيد، شريك بينيت السابق في الائتلاف، منصب رئيس الوزراء بالإنابة حتى موعد الانتخابات في الأوّل من تشرين الثاني 2022.

أجريت الانتخابات الأخيرة في أواخر آذار/ مارس 2021، ووصل على إثرها نفتالي بينيت إلى رئاسة الحكومة، على خلفيّة فشل البرلمان الإسرائيلي في الاتفاق على ميزانية في كانون الأوّل 2020، وبالتالي أنهى الخلاف تقاسم السلطة الذي كان قائماً بين رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو ومنافسه الرئيسي في الانتخابات الثلاث السابقة بيني غانتس في ظلّ حالة من الجمود السياسي (political deadlock) التي سادت الدولة في السنوات الأخيرة.

إسرائيل التي تدّعي أنّها “ديمقراطيّة الشرق الأوسط، ها هي تتّجه اليوم وللمرّة الخامسة في مدّة لا تزيد عن ثلاث سنوات، لإجراء انتخابات جديدة للكنيست

الهند: ديمقراطية “رأس المال” واللاعدالة!

انتقالاً إلى شرق آسيا، لطالما تميّزت الهند بكونها “أكبر ديمقراطية في العالم”، باعتبار أنّ أكثر من مليار شخص يصوّتون في الانتخابات الوطنية وانتخابات الولايات كل خمس سنوات. ومع ذلك، فإن ديمقراطيّتها موضع شكّ. في العام الماضي، خفض كل من فريدوم هاوس ومعهد V-Dem مكانة الدولة من “حرة” إلى “حرة جزئياً” ومن “ديمقراطية انتخابية” إلى “أوتوقراطية انتخابية”. 

في إحدى مناظرات الـ Asiasociety، قال كريستوف جافريلوت، هو باحث سياسي فرنسي متخصّص في جنوب آسيا، تحديداً الهند وباكستان، إنّ الوضع مروّع في الهند فحزب “هاراتيا جاناتا” الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي أغنى بكثير من أحزاب المعارضة، والتغطية الإعلامية دائماً تقف في صف رئيس الوزراء، ويواجه قادة المعارضة الترهيب والسجن، مضيفاً، أنّ الديمقراطيات لا تتعلّق بالانتخابات فحسب، فالبرلمان الهندي فقد أهميته لأن القوانين غالباً ما يتم تمريرها دون مناقشة. كما يتعرض القضاة للابتزاز أو لا يتم تعيينهم على الإطلاق إذا رفضوا أن يتم التأثير عليهم، ما يعني أن القضاء الذي كان مستقلاً في السابق يحكم الآن في الغالب لمصلحة الحكومة.  وأصبحت قوانين التمويل أكثر صرامة بحيث اختفى ثلثي المنظّمات غير الحكومية في الهند على مدى السنوات السبع الماضية.

الصحافي والكاتب الهندي، ديباسيش روي شودري، قل إنّ البلد الذي يمكنك فيه الفوز في الانتخابات بجحافل من المال والسيطرة على جيش خاص ووسائل إعلام ومؤسسات أخرى بعيد كل البعد من الديمقراطية، مشيراً إلى التحديات والمخاطر التي تتعرّض لها الأقليّات في الهند منها الترهيب، والإعدامات الجماعيّة، وهدم منازلهم ومتاجرهم بالجرافات. فإذا تم قياس الديمقراطية بالمعاملة المتساوية لمواطنيها، فإن الهند تفشل في الاختبار كل يوم، بحسب شودري.

العالم العربي: لبنان والعراق مثالاً!


في العالم العربي ما زلنا بعيدين من اعتبار أي دولة ديمقراطية حقيقيّة الّا إذا كان معيارنا في التصنيف هو إجراء انتخابات نزيهة، إلى حدّ ما، فتمكننا مقاربة كلّ من لبنان والعراق اللتين شهدتا انتخابات في الفترة الأخيرة. فلبنان الذي يُعرف بالديمقراطيّة التوافقية (consociational democracy)، يعاني من ركود سياسي وتعثّر نتيجة تقسيم كل إدارات الدولة بما فيها الوزارات على الأحزاب السياسيّة الستّة الأساسيّة علماً أنّ لكلّ من هذه الأحزاب هويّة دينيّة/ طائفيّة وتبعيّة و/أو تحالفات إقليميّة تتخطّى حدود الوطن وبالتالي كان هذا جزءاً أساسيّاً من الفشل في إدارة الدولة واتخاذ قرارات جذريّة في الكثير من المسائل ومحاسبة الفاسدين وتغيير نظام الحكم.

ولا يختلف الأمر كثيراً في العراق الدولة التي تضمّ أحزاباً لها تبعيّة مباشرة لدول خارجيّة أبرزها إيران، الأمر الذي يعرقل عمليّة اتّخاذ القرارات. 

فهل يعني هذا أنّ الحكومات القائمة على توافق وتقاسم بين أطراف وأقطاب عدّة يُحكم عليها بالفشل والانهيار؟ وإذاً ما الصيغة الأفضل لتحقيق حكم ديمقراطي يمثّل بقدر الإمكان فئات المجتمع كافّة ويكون في الوقت نفسه قادراً على اتّخاذ قرارات مصيريّة وحسّاسة؟ 

قد تكون كلّ هذه التخبّطات والتعثّرات هي فعلاً ما يميّز الديمقراطيّات التي تسمح أنظمتها بإحداث تغيير جذري عندما تفشل السلطات في التعامل مع التحدّيات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، هذه هي ميزة الديمقراطيّات التي يجب الإصرار عليه والعمل للحفاظ عليها، فما أسوأ أن نعيش في دول يموت شعبها متظاهراً جائعاً في الشوارع لتواصل الأنظمة الديكتاتوريّة المجرمة سيطرتها على الحكم. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.