fbpx

أنا جورجيا ميلوني… أول رئيسة وزراء لإيطاليا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يصف سياسيون إيطاليون جورجيا ميلوني بأنها واحدة من رموز “الفاشيين الجدد” أو “تيار ما بعد الفاشية”، باعتبار حزبها الحالي هو وريث “التحالف الوطني” وقبله “الحركة الاجتماعية الإيطالية” التي أسسها الفاشيون السابقون عام 1946.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا جورجيا ميلوني. أنا امرأة وأمّ، مسيحية وإيطالية”.

تتداول الصحافة الإيطالية هذه المقولة كثيراً، وهي لرئيسة حزب “إخوة إيطاليا” لليمين المتطرف والمحافظين الإيطاليين. عبارة قديمة ومتجددة تتكرر تبعاً لموقع كل صحيفة أو موقع إلكتروني من ميلوني وحزبها، تأييداً لها أو معارضةً، وضمن الاصطفافات السياسية الجديدة في البلاد التي تقترب من انتخابات عامة مهمة، يُتوقع أن يكون لها أثر كبير على المستقبل السياسي والاقتصادي، وعلى المجتمع داخل إيطاليا وعلى علاقة هذه الأخيرة مع أوروبا والعالم.

عبارة جورجيا ميلوني يمكنها، مع بعض التفكيك والتدقيق وبما تحمله من رسائل، أن تلخّص تفكيرها وخطّها السياسي وثقافتها، وهي بالمناسبة ثقافة تيار عريض من اليمين المتطرف في إيطاليا وربما في أوروبا. فهي يمكن أن تكون، بالفعل، أول امرأة تصل إلى رئاسة الحكومة في البلاد، سيّدة محافظة تندرج وحزبها ضمن تيار اليمين السيادي المشكك بالاتحاد الأوروبي لصالح إيطاليا “الوطن” و”السيادة”. تُشدد على هويتها الدينية المسيحية في مواجهة المثليين والعابرين جنسياً والأجانب والمهاجرين وخصوصاً المسلمين منهم، من دون أن تنسى “الأمومة” وعلاقتها مع ابنتها جينيفرا (6 سنوات) وفقاً لكلامها في أكثر من مناسبة في الأسابيع الماضية: “رئاستي الحكومة وقيادتي إيطاليا لن تنسياني ابنتي”.

من النشأة إلى “الزعامة”

وُلدت ميلوني عام 1977 ونشأت في حي غارباتيلا في روما. والدتها أنّا باراتوري (70 سنة) التي قامت بتربية جورجيا وأختها واعتنت بهما لوحدها بعدما هجرها الأب مسافراً إلى جزر الكناري. لا تربط جورجيا بأبيها أية علاقة وتقول إنها لم تشعر لا بالحزن ولا بالفرح عندما بلغها نبأ وفاته.

بدأت اهتماماتها السياسية منذ كانت في سن الـ15 حيث لعبت عدة عوامل داخلية إيطالية دوراً في تشكيل تفكيرها السياسي وتبدلاته وصولاً إلى اللحظة الحالية. تأثرت كثيراً، بحسب موقعها الرسمي على الإنترنت، بما يعرف بـ “مذبحة فيا داميليو” التي هاجمت فيها المافيا الإيطالية القاضي باولو بورسيلينو وقتلته مع خمسة من ضباط الشرطة عام 1992، وتُنقل عنها منذ ذلك الحين رغبتها “في تخليص إيطاليا وبناء مستقبل مختلف للأمة الإيطالية”.

انتُخبت عام 1998 عضواً في مجلس مقاطعة روما لـ”التحالف الوطني” المحافظ وكان عمرها 21 سنة، وبقيت في المجلس حتى عام 2002. دخلت البرلمان الإيطالي لأول مرة عام 2006 كنائب عن قائمة Popolo della Libertà أو “شعب الحرية”، وشغلت بعد ذلك منصب وزيرة الشباب بين عامي 2008 و2011 في حكومة سيلفيو بيرلسكوني وتُعتبر حتى الآن أصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا. غادرت حركة “Popolo della Libertà” في عام 2012 لتؤسس برفقة كل من جويدو كروسيتو وإغناسيو لا روسّا حزب “إخوة إيطاليا” اليميني المتطرف. تم انتخابها مرة ثانية عام 2013 لعضوية مجلس النواب على قائمة حزبها الجديد، ثم انتُخبت في نيسان/ أبريل 2013 رئيسةً للحزب وما تزال حتى اللحظة، حيث يرتبط اسمها به كرمز أول، وربما وحيد، من رموزه.

بدأت ميلوني العمل على إعادة تأسيس الحزب وتكوين قاعدة انتخابية له في صفوف الإيطاليين، وبدا ذلك واضحاً منذ آخر انتخابات تشريعية شهدتها البلاد عام 2018، حيث تضاعف عدد نواب الحزب في البرلمان الإيطالي قياساً بعددهم في البرلمان السابق، علماً أنها حصلت على 4 في المئة فقط من الأصوات في حينه. أما اليوم، وبالنظر إلى التوقعات واستطلاعات الرأي التي تنشر كاستشراف للانتخابات القادمة في 25 أيلول/ سبتمبر 2022، فإن حزبها يتصدر كل النتائج وتتفوق حتى على حليفيها، سالفيني وبيرلسكوني، وطبعاً على القوى التقدمية واليسارية والليبرالية الإيطالية، حيث تمنحها الاستطلاعات نسبة لم تقل عن 24 في المئة من أصوات الإيطاليين، وبمعنى أن ربع الناخبين قد يصوتون لها. وإذا صدقت هذه الأرقام والتوقعات، فإن السيدة ميلوني ستكون المرشح الأقوى لتشكيل حكومة برئاستها هي، وبالتحالف مع قوى اليمين الأخرى (الرابطة وفورزا إيطاليا). وبهذا، وبعدما كانت أصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا، ستكون، غالباً، أول امرأة تُشكل الحكومة وتترأسها منذ إعلان الجمهورية عام 1946.

إقرأوا أيضاً:

الحنين إلى الزمن الفاشي

يصف سياسيون إيطاليون جورجيا ميلوني بأنها واحدة من رموز “الفاشيين الجدد” أو “تيار ما بعد الفاشية”، باعتبار حزبها الحالي هو وريث “التحالف الوطني” وقبله “الحركة الاجتماعية الإيطالية” التي أسسها الفاشيون السابقون عام 1946. وتعتبر قوى سياسية أخرى أنها كانت فاشية في مرحلة من حياتها وقطعت وحزبها مع هذا التيار. 

وكائناً ما كان الحال، فإن ميلوني تتميز بنضالها القوي ضد التفكير المنفتح وبدفاعها عن الحدود و”السيادة” في مواجهة المهاجرين أكثر من دفاعها عن الحقوق المدنية والجنسية للإيطاليين أنفسهم، وبإعجابها بالمحافظين في الولايات المتحدة وعلى رأسهم دونالد ترامب ودفاعها عن معسكر “الليكود” في إسرائيل، ومعارضتها للفردانية لمصلحة”الأمة” التي ينبغي الدفاع عنها دائماً في مواجهة عدوٍّ ما، وهي تقول عن ذلك: “عندما يكون لديك طموح لتغيير العالم، فلا وقت لأي شيء آخر، وعندما يكون ثمة أمّةً لتنقذها، فإن السماح لنفسك بالاستسلام إلى رغباتك الشخصية يصبح نزوة لا تُغتفر”.

رفضت ميلوني إزالة “الشعلة” ثلاثية اللون من علم حزبها في إشارة اعتبرها كثيرون حنيناً متواصلاً إلى حقبة الفاشية في إيطاليا، بالتزامن مع تداول واسع هذه الأيام لفيديو يعود إلى عام 1996 اعتَبرت فيه الزعيمة “القادمة” للبلاد أن “موسوليني سياسي جيد، وهو قام بكل ما قام به من أجل إيطاليا”. يؤدي عدد من أفراد حزبها اليوم التحية الفاشية، حيث الذراع المستقيمة والممدودة إلى الأمام، إلا أنها تعتبر هؤلاء “أقلية” داخل الحزب ولا يمثلون هذا الأخير.

ثمة أعداء آخرون للسيدة ميلوني هم “الشيوعيون الجدد” والليبرالية والعولمة و”المجتمعات المفتوحة” و”المعادية للانتماءات الوطنية”، وهي تلخص موقفها من كل هؤلاء في كتابها الشهير Io sono Giorgia” عندما تقول: “كانت الشيوعية (ولا تزال) إيديولوجيا تنكر كل أشكال أشكال الهوية، من أجل خلق مجتمع ماركسي يتكون من أُناس متساوين في جميع النواحي، ومن هنا جاءت محاولة إلغاء الانتماءات الوطنية عبر خلط الجماعات الإثنية داخل الاتحاد السوفيتي وفرض إلحاد الدولة وحظر وقمع جميع الأديان. هذه الرؤية نفسها، التي تنكر دور الهويات وقيمتها، نجدها اليوم في الفكر الليبرالي والعولمي. صحيح أن الأدوات المستخدمة مختلفة، لكن الهدف النهائي هو نفسه، إذ تم استبدال عمليات الترحيل الجماعي في الحقبة السوفيتية بسياسات الهجرة، واستبدل القمع العنيف للأديان بإضفاء الشيطنة الاجتماعية والثقافية على كل مفهوم للمقدس… إنه لأمر مدهش أن تتعزز الرؤية الشيوعية في العالم مذ هزمَ التاريخ الاشتراكية الحقيقية في أوائل التسعينات. هنا، بقيت المواجهة والصدام بين وجهات النظر اليمينية واليسارية للمجتمع والعالم، في النهاية، كما هي”.

25 أيلول 2022

تقود ميلوني الحملة الانتخابية لحزبها بنفسها. تنزل إلى الساحات وتلقي كلمات وخطابات مؤثرة ومحفزة تعد فيها ناخبيها المحتملين أو المترددين بـ”إيطاليا أفضل” مما كانت عليه في السنوات العشر الأخيرة التي حكمَ فيها اليسار البلاد. تتكلم بحذر وهي تدرك أن لكل كلمة أو تعبير قيمته في الحملة الحالية، وتبدو مختلفة ومخالفة لكل مواقفها السابقة والمعروفة. تنكر علاقة حزبها مع الفاشية الجديدة وتعتبر المثلية الجنسية حقاً للمثليين رغم مخالفتها لهم في نمط الحياة، كما تقول اليوم. تنشر ثلاثة فيديوهات بثلاث لغات هي الفرنسية والإنكليزية والإسبانية، تتوجه فيها إلى الصحافة الأوروبية والعالمية وقادة الاتحاد الأوروبي، وتنكر من خلالها كل الاتهامات الموجهة لها وتعتبرها دعاية يسارية ضدها، وتشدد على ضرورة بقاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ودعمها الأوكران في مواجهة الغزو الروسي لبلادهم.

ثمة مواقف لها لم تتغير بالفعل، فهي ومنذ الغزو الروسي كانت مؤيدة للعقوبات على روسيا ولدعم أوكرانيا بالسلاح، على سبيل المثال. لكنّ مواقف أخرى لها تبدو غير مقنعة لا لخصومها السياسيين في البلاد ولا للقادة في بروكسل ومجموعة السبع التي تضم إيطاليا أيضاً، ولا للشرائح الأضعف في البلاد والتي سيتم التنكيل بها مع حكومة يمينية متطرفة تقودها هي. أضف أنها متحالفة، بطبيعة الحال، مع بيرلسكوني وسالفيني، وهؤلاء رفاق لها في الحملة الانتخابية ويتقاطعون معها في المحافظة وفي سياسات كثيرة، ولكنهم يخالفونها أيضاً في مسائل أخرى وأساسية.

هذا التنافر والخلاف بين الحلفاء في قضايا ومسائل كبرى، مثل الحرب على أوكرانيا والموقف من أوروبا ومن فلاديمير بوتين، وغيرها، يبقى قنبلة موقوتة يمكن أن تطيح بهذا التحالف المرحلي بين الثلاثة وتقوض إمكانية استمرار الحكومة القادمة والتي من المرجح أنها ستكون حكومة جورجيا ميلوني بامتياز.  

أما أن إيطاليا مقبلة على شهور وربما سنوات صعبة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مع هذه السيدة وحلفائها… فهذا طبعاً صحيح.

إقرأوا أيضاً: