fbpx

القضاء المصري يعزل “منى برنس” لرقصها ولأسباب أخرى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

لم يكن خبر تأييد عزل الدكتورة المصرية منى برنس من منصبها الأكاديمي كأستاذة للأدب الإنكليزي في جامعة السويس صادماً، فالحكم الذي تأجل أربع سنوات في المحاكم المصرية أتي ليصبح معادلاً موضوعياً للمزاج العام في مصر سواء الرسمي أو الشعبي اللذيّن تناغما لرفض النماذج الثائرة على القوالب، خصوصاً النسائية منها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
 منى برنس بالتأكيد هي نموذج مخالف تماماً للمزاج المنضبط على إيقاع درامي متربص، لا يبتسم سوى لرقصة الدراويش، في الوقت الذي لا تداري فيه منى برنس احتفاءها بجسدها وحرية حركته داخل حيزها الخاص وفوق سطح بيتها على إيقاع أغنية” ليه بيداري” لروبي.
 وبرغم أن الفيديو قامت بتصويره وهي ترتدي العباءة الريفية “المحتشمة” فوق سطح بيتها في قرية تونس بالفيوم وليس داخل قاعة محاضراتها، إلا أنها عوقبت لأنها خالفت الصورة النمطية للأستاذة الجامعية على السوشيل ميديا.
تعود القضية إلى عام 2017 عندما نشرت منى برنس فيديو لها وهي ترقص على سطح منزلها، وفوجئت بتحويلها إلى مجلس تأديب والتحقيق معها داخل الجامعة قبل عزلها، وتقدمت بطلب إلى القضاء الإداري للطعن بقرار عزلها وهو ما رفضته المحكمة مؤيدة قرار الفصل. ورأت محكمة القضاء في حكمها، أن “رقصة الأكاديمية والروائية المصرية تحديداً مخالفة تحط من قدرها كأستاذة جامعية، وتنال من هيبتها أمام طلابها، وتجرح شعور طالباتها، وتمس كبرياء زميلاتها رفيقات دروب العلم باعتبارها المثل والقدوة”. 
كما اعتبر القاضي رقصة منى برنس “إباحية” و”مخالفة لقيم المجتمع وتقاليده وحرية الاعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة في النفس دون الجهر بها، ولا يجوز لأستاذ جامعي إشاعة الفوضى والدعوة إلى الرقص علناً”.

جملة الاتهامات التي لاحقت منى برنس تبدو نابعة من الكود الاجتماعي المصري بامتياز، إذ اعتبر القاضي في حيثيات تأييد عزلها أنه لا يجوز للأستاذ الجامعي إشاعة الفوضى والدعوة إلى الرقص علناً والمساس بالعقائد وبلبلة ذهن الطلاب.

تعَاقب منى برنس الآن مثلما عوقبت قبلها فتيات التيك توك، بالتهم الواضحة التي تحاكم عليها النساء لضبط سلوكهن السلمي على الانترنت والسيطرة على استخدامهن منصات التواصل الاجتماعي مثلما ذكرت روثنا بيغوم ، باحثة أولى في مجال حقوق المرأة في “هيومن رايتس ووتش”.

تعَاقب منى برنس الآن مثلما عوقبت قبلها فتيات التيك توك، بالتهم الواضحة التي تحاكم عليها النساء لضبط سلوكهن السلمي على الانترنت والسيطرة على استخدامهن منصات التواصل الاجتماعي

 تذكرنا قضية مني برنس أيضاً بوقائع التنكيل بالمعلمة المصرية آية يوسف المعروفة إعلامياً بـ”المعلمة الراقصة”، والتي أحيلت للتحقيق إثر ظهورها ترقص على مركب برحلة نيلية وتم فصلها من وظيفتها، قبل أن تعود إليها مرة أخرى بعد الجدل الإعلامي الواسع الذي حدث بعد قضيتها.

تبدو منى برنس ابنة للطبقة الوسطى المصرية في نسختها القديمة، حين كان للنساء الحق في التعبير عن فردانيتهن بأريحية نسبية، سواء في مظهرهن الخارجي أو في آرائهن دون أن يخضعن بشكل فج للعزل الجبري، ترفض منى برنس سحبها إلى نسخة الطبقة الوسطى الحالية بأكوادها الضيقة، تقول في إحدى مواقفها أنها نشأت في مدرسة مكتوب على سبورتها “الشعر زينة المرأة”، لذلك لا تقتنع بالحجاب، وتتذكر سجالاً بينها وبين إحدى المنتقبات بعد وقفة وعظ قسرية  قائلة: ” مش دة  شعري اللي هتعلق منه يوم القيامة، أتعلق منه، ماعنديش مشكلة”.
لم تكن منى برنس مشاكسة ابنة اليوم وحسب، بل برزت مشاكساتها منذ انطلاق ثورة يناير حيث رشحت نفسها للرئاسة مرتين عام 2012 وعام 2018، وكانت أكدت في مقابلة مع صحيفة “الغارديان” أن برنامجها الانتخابي يركز على استخدام التعليم والفنون لحل مشكلات مصر وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية المستمرة وخطر الجماعات الجهادية. وأعلنت ترشحها من خلال فيديو على “فيسبوك” ظهرت فيه تحتسي البيرة على سطح منزلها، وقالت: “أود كسر الصورة النمطية عن المرشح الرئاسي لأنه ليس إلهاً، وللأسف لن يجرؤ مرشح رئاسي مصري على نشر صورة وبيده كأس نبيذ أو أي شيء من هذا القبيل رغم أنهم يتعاطون الكحول”.
تبدو منى برنس ابنة ثورة لم تكتمل بعد، أو أنها تكملها هي على طريقتها بالرقص المستمر والأفكار الجريئة وكأنها تتقاطع مع مبدأ الناشطة النسوية الأناركية إيما غولدمان (1869-1940)، حين قالت “إذا لم أستطع الرقص، فأنا لا أريد أن أكون في ثورتك”.
خلقت منى برنس بطلة روائية وسمتها “عين” في روايتها «إني أحدثك لترى» وجعلتها تتصرف بجرأة تتجاوز كونها فتاة تعيش في مجتمع محافظ، ولم تجعل هدفها الزواج ولا الالتزام بكود اجتماعي واعتبرت منى برنس أنها وبطلتها “عين” جاءتا “لخدش الخيال الذكوري” .
 قد يبدو واقعيا أن فيديو رقص منى برنس هو السبب الوحيد لعزلها أو الجدل الحاصل بشأنها لكن ما يحدث معها يؤكد ولو مجازاً الرغبة في كتم صوتها وصوت أخريات يتحدين المنظومة الأبوية التي تخاف على ركائزها في السلطتين الدينية والسياسية اللتين تحكمان مصر الآن.
ويبدو أن منى برنس تعلم طبيعة هذه الحرب الناعمة جيدا، فاستمرت على مدار أربع سنوات في محاولة انتزاع حقها في منصبها الجامعي، ورغم خسارته في النهاية إعادة نشر فيديو الرقص مرة أخرى على صفحتها الشخصية، بعد الحكم النهائي بعزلها، متمسكة بحقها السلمي في التعبير الحركي عن نفسها بالرقص، مثلما رقصت المصريات قديماً على المعابد حاملات قرص الشمس فوق رؤوسهن.   
علقت منى برنس على الحكم على صفحتها الشخصية وقالت “اكيد طبعا، أنه غير ممكن، وغير واقعي في مصر ان اكاديمية، كاتبة، مترجمة، فنانة خزف، رشحت نفسها لرئاسة مصر في 2012 و2018 و بتحب الحياة و بتستمتع بها، ترجع تدخل قاعات محاضرات وتقابل طلبة وتدعوهم للتفكير والنقاش الحر العقلاني من خلال النصوص الادبية. غير ممكن طبعا ان المحكمة تحكم بعودتي إلى عملي كأستاذة في جامعة مصرية، تحكم بعزلي النهائي من العمل في الجامعات المصرية المحترمة.
شكراً للقضاء المصري، ربنا يعينك يا مصر”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.