كانت الرسالة الأولى التي أعلنها مسؤولون إسرائيليون في الساعات الأولى من المعركة الجوية على سوريا صباح هذا السبت، هي أن الصواريخ التي أُطلقت على الطائرات الإسرائيلية المقاتلة والتي تسببت في تحطم طائرة من طراز F-16، كانت “سورية”. بعبارة اخرى فإن الصواريخ لم تكن تابعة للاتحاد الروسي، القوة العسكرية الحقيقية في سوريا، ولم يكن هو من يديرها. وهو أمر مخادع بعض الشيء.
الضباط الروس هم جزء راسخ في وحدات الدفاع الجوي السورية، وقد كانوا يتدربون معاً ويمدون السوريين بالصواريخ. ولم يكن من الممكن أن يكون ذلك الحجم من القذائف التي أطلقتها الوحدات السورية قد تم دون معرفة روسية مباشرة، إن لم يكن بمشاركة مباشرة منها. والرسالة هي في الواقع اعتراف ضمني بأن إسرائيل ليس لديها خيار سوى قبول هيمنة الكرملين على حدودها الشمالية، حتى الآن على الأقل.
حالياً تقصف الطائرات الحربية الروسية معاقل المتمردين في إدلب وفي الغوطة، ما يسفر عن مقتل عشرات المدنيين يومياً بشكل عشوائي. وتقف روسيا على الخطوط الجانبية بينما تتصارع كل من تركيا وإيران وإسرائيل لإحكام قبضتها على معاقلها في سوريا. من الآمن أن نفترض أن روسيا كانت على علم بطائرة الاستطلاع الإيرانية التي أقلعت في الرابعة صباحاً بالقرب من تدمر محلقةً باتجاه إسرائيل، إذ أن ضباطها متواجدون في مركز تدمر للتحكم الجوي. وفضلاً عن ذلك، كانت روسيا لتملك المعلومات الفورية حول الرد السوري غير المسبوق بوابل من الصواريخ المضادة للطائرات، على الهجوم الإسرائيلي الذي شُن على موقع التحكم في طائرة الاستطلاع الإيرانية.
تمتلك روسيا خطاً ساخناً في قاعدتها في حميميم على الساحل السوري على البحر المتوسط، مخصصاً للتنسيق مع مقر القوات الجوية الإسرائيلية. ومع انتهاء الموجة الثانية من الغارات الإسرائيلية على الأهداف السورية والإيرانية هذا السبت، فمن المرجح أن روسيا هي من نقلت رسالة إسرائيل إلى السوريين والإيرانيين، والتي أشارت إلى أن إسرائيل لا ترغب في المزيد من التصعيد.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من يدير العرض في سوريا وهو من يضع القواعد الأساسية. تستطيع إسرائيل أن تنفذ هجمات ضد الأهداف السورية والإيرانية وحزب الله، فقط طالما لا تمس نظام بشار الأسد، الذي ظل بوتين يسانده منذ نشر الطائرات الروسية في سوريا في سبتمبر/أيلول 2015.
في الوقت الراهن، لا تسمح روسيا لإيران بإنشاء قواعد كبيرة في سوريا أو بالاقتراب من حدود الجولان مع إسرائيل. ولكن هذا لا يعني أن الإيرانيين سيغادرون سوريا كذلك، فروسيا تحتاج إلى الميليشيات الشيعية التي أنشأتها إيران والمؤلفة من لاجئين أفغان كقواتها الميدانية، لدعم جيش الأسد، وبالتالي يُسمح للإيرانيين بتشغيل طائراتهم بدون طيار والتوغل بين الحين والآخر في المجال الجوي الإسرائيلي. وطالما بقيت القوات الإيرانية مفيدة لروسيا، فلن تكترث الأخيرة للمطالب الإسرائيلية بإبقائها بعيدة. ولكنها مع ذلك ستظل تراقب الإيرانيين عن كثب للتأكد من أنهم لا يتمادون كثيراً.
الأطراف الثلاثة الآن تلعق جراحها. إيران فقدت منشأتها الخاصة للتحكم في الطائرات بدون طيار. والسوريون فقدوا ثلاثة أنظمة للدفاع الجوي، بينما فقدت إسرائيل إحدى طائراتها المقاتلة، وهي ضربة للفخر الوطني لبلد يعتبر سلاحه الجوي منيعاً. وحالياً ليس هناك ما يمكن للأطراف الثلاثة القيام به لتغيير الوضع.
في الوقت الحالي، لا تمتلك إسرائيل أي خيار سوى القبول بقواعد موسكو. ستستمر في إثبات قدرتها على التحليق فوق المجال الجوي السوري وضرب الأهداف، إلا أنها ستضطر إلى أن تكون أكثر حذراً. أما روسيا، ففي حين أنها لن توقف الطائرات الإسرائيلية، على الرغم من سيطرتها على المجال الجوي السوري، فهي لن تمنع جيش الأسد من محاولة إطلاق النار عليها كذلك.
حاول رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو رسم خطوط حمراء تحد من نفوذ إيران وحزب الله في سوريا، لكن المسؤول عن فرض قواعد اللعبة، هو بوتين وليس نتانياهو.
كتب هذا الموضوع أنشيل بيفر
الموضوع مترجم عن موقع هآرتس ولمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.
[video_player link=””][/video_player]
هآرتس : بوتين وليس نتانياهو المسؤول عن قواعد اللعبة في سوريا
الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
فاطمة بدري - صحافية تونسية
سنة دامية في السودان لم تعدّل بوصلة العالم!
26.04.2024
"درج"
غزة: التمييز بين الضحايا في ذروة المجزرة
26.04.2024
كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024
حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء
تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.
الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
تروي الصحفية والناشطة السياسية المصرية، إيمان عوف، تجربتها كامرأة وأمّ في خوض غمار السياسة والعمل الصحفي والصعوبات التي واجهتها خلال مسيرتها والمتعلقة بشكل أساسي بأمومتها وبما هو متوقع منها مجتمعياً. "كيف يغدو الدور الرعائي عائقاً أمام حياتكِ السياسية؟"، هي الحلقة الثالثة ضمن مشروع "عوائق وصول النساء العربيات إلى طاولات صنع القرار"، الذي أُنجز بالشراكة بين…
17.04.2024
تكرر توقيف السلطات الألمانية ناشطين أو شخصيات معروفة بدعمها القضية الفلسطينيّة، بل حتى منعهم من دخول البلاد كما حصل مع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، بحجة معاداة السامية، التي تُستخدم أيضاً لتفريق تظاهرات متضامنة مع الفلسطينيين وداعية الى وقف الإبادة في غزّة. آخر ضحايا هذا التضييق، وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، الذي مُنع من…
17.04.2024