fbpx

لبنان: نواب الأمّة إذ يُسقطون قانون نزع صورهم “المقدّسة”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ستبقى الصور في مكانها، واحدة من أدوات إحكام القبضة على المواطن، وإثارة الرعب في نفسه، ذلك أن صور زعيمه ناظراً إليه ستلاحقه أينما ذهب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ستبقى صور النواب والوزراء الحاليون والسابقون صامدةً كالأرز في لبنان. الآتون إلى لبنان ستواصل صور القائد الإيراني قاسم سليماني وغيره من الرؤساء والمرجعيات استقبالهم على طريق المطار، وكذلك في البقاع والجنوب وفي كل مكان. وستبقى طرابلس مدينة الأكثر ثراءً الذين يعلّقون صورهم على بيوت الأكثر فقراً وفي أحيائهم البائسة والمحتاجة إلى كل شيء. وكل منظر طبيعي جميل، ستقطعه ابتسامة نائب سابق معلّقة على حبال الغسيل أو لافتة مع عبارة “نحبّك يا بيك” تتأرجح على عواميد الكهرباء، المطفأة مصابيحها. ستبقى الصور في مكانها، واحدة من أدوات إحكام القبضة على المواطن، وإثارة الرعب في نفسه، ذلك أن صور زعيمه ناظراً إليه ستلاحقه أينما ذهب، ستذكّره بأنه مدين له، وبأنّ عليه أن يحبّه وأن ينتخبه ويدافع عنه، وأحياناً عليه أن يموت من أجله. لن يزعزع الصور “المقدّسة” تلك أي شيء، ذلك أنّ نواب الأمّة سارعوا إلى إنقاذ الصور مع ما تعنيه وترمز إليه، خشية أن تفرغ الطرق من ابتساماتهم العريضة. فاقتراح القانون الرامي إلى حظر الصور والرسوم العائدة إلى الزعماء والسياسيين والمسؤولين في الأماكن العامة، والذي وافق عليه البرلمان اللبناني، أعيد التصويت عليه في سابقة تشريعية نافرة، وأُسقِط بعدما أقرّ بدقيقة!

ستبقى الصور في مكانها، واحدة من أدوات إحكام القبضة على المواطن، وإثارة الرعب في نفسه، ذلك أن صور زعيمه ناظراً إليه ستلاحقه أينما ذهب، ستذكّره بأنه مدين له، وبأنّ عليه أن يحبّه وأن ينتخبه ويدافع عنه، وأحياناً عليه أن يموت من أجله.

ففي التصويت الأول يبدو أن النواب لم يكلّفوا أنفسهم عناء قراءة الاقتراح، صوّتوا عليه كما يصوّتون على أي قانون روتيني لا يفيدهم ولا يضرّهم وبالتالي لا ضرورة لقراءته. لكنّ النائب علي عمّار ومعه آخرون، انتبهوا بسرعة إلى الفخ، وتخيّلوا فوراً كيف سيكون شكل البلاد من دون صورهم المبعثرة في كل مكان. لذلك خوفاً منهم على الجمال الطبيعيّ وعلى الهواء النقيّ، سجّلوا اعتراضاً، بحجّة أنّه لا يمكن نزع صور الشهداء! فأعيد التصويت وأُسقِط الاقتراح. 

النائبة بولا يعقوبيان كانت قدّمت اقتراح القانون هذا، بعد أيام قليلة من توقيف خمسة أطفال في حمّانا من قبل المحامي العام في جبل لبنان سامر ليشع (ليل 23 تشرين الثاني/ نوفمبر)، على خلفيّة إزالة لافتة لـ”التيار الوطني الحر” من أمام مركزه. وكاد الأطفال يُسجنون وقتها لأنهم تعرّضوا لقدسية لافتة وصورة لرئيس الجمهورية ميشال عون اتهموا بتمزيقها. 

ولا يمكن أن ننسى ما حصل في جنوب لبنان في تظاهرات انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر، مع إحراق صور لرئيس المجلس النيابي وغيره من القيادات، إذ تعرّض المتظاهرون وقتها للضرب والتهديد بالسلاح. والأمر تكرّر في مناطق أخرى مع صور رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وغيره. كما أنّ رفع صورة رئيس المجلس النيابي أو أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، كشريكين في السلطة التي أراد الشعب محاسبتها في تظاهرات رياض الصلح، استرعت في أكثر من مرّة نزول مناصرين للزعيمين لضرب المتظاهرين السلميين وتفريق تظاهراتهم.

وكانت طرابلس قبل أشهر قليلة، شهدت حملة لنزع صور السياسيين، وكان يفترض أن تلحقها في ذلك مختلف المناطق اللبنانية، إلا أن الخوف حال دون ذلك. فأن تنزع صورة سياسي يعني أن تنزع عنه القدسية، وتجعله كائناً مساوياً لك، لا ترتفع صورته فوق رأسك. وحملات نزع الصور هذه خضعت في ما بعد للأدلجة والتمييع، حتى وصلنا إلى يوم الصراحة هذا في مجلس النواب الذين قالوا: “لن نقبل أن تُنزَع صورنا!”.

يعقوبيان تبدي استغرابها مما حصل، وتقول لـ”درج”: “لم أرَ قبل الآن مشهداً كهذا، أن يقرّ قانون ثمّ يعاد التصويت عليه ويسقط بعد برهة”، مشيرةً إلى أن “المعترضين على اقتراح القانون، لم يقرأوه، لأنهم لو قرأوه لعرفوا أنه يستثني صور “الشهداء” إضافة إلى صور المراجع الدينية والمفكّرين والمكرّمين، إضافةً إلى صور الحملات الانتخابية وغير ذلك أيضاً”.

اقتراح القانون الرامي إلى حظر الصور والرسوم العائدة إلى الزعماء والسياسيين والمسؤولين في الأماكن العامة، والذي وافق عليه البرلمان اللبناني، أعيد التصويت عليه في سابقة تشريعية نافرة، وأُسقِط بعدما أقرّ بدقيقة!

لا تمكن معرفة من صوّت ضدّ الاقتراح ومن صوّت معه، بسبب الفوضى وغياب التصويت الالكتروني وتحفّظ الكتل النيابيّة، مع أن الحشريّة تقتلنا حقاً لمعرفة من هم النواب الذين تواطأوا معاً من مختلف الكتل المتناحرة، واتفقوا على أنهم عاجزون عن التخلي عن صورهم التي تلوّث الطرق والأماكن العامة. واللافت أن هؤلاء بطبيعة الحال هم ممن يريدون محاربة الفساد وبناء دولة حضارية، بعيداً من الإقطاع وعبودية الزعامات.

تقول يعقوبيان: “النواب غير قادرين على تحمّل نزع صورهم وهو تفصيل شكلي في النهاية، فكيف سيردّون الأموال المنهوبة؟ خارج المجلس يطلقون الشعارات وفي داخله يتراجعون وينفّذون أجنداتهم”. أما عن مصير الاقتراح، فتضحك يعقوبيان، ثم تضيف: “ذهب إلى اللجان!”. والذهاب إلى اللجان في المفهوم اللبناني يشبه الذهاب إلى الأبدية والنسيان.

إنه مشهد يعيد إلى الأذهان بدايات حكم بشار الأسد في سوريا، حين طالب بإزالة صوره وصور والده المنتشرة في سوريا في الأماكن العامة وفي المتاجر الخاصة وعلى السيارات والمباني، واعتبرت تلك الخطوة تقدميّةً ولافتة. إنما لم تمرّ سنتان إلا وأعيدت الصور وتضاعف عددها في كل مكان، إذ يبدو أن الصور جزء من أدوات الحكم. ويبدو أن النظام اللبناني لم يُشفَ من لعنة النظام السوري وما زال يتأثر به تأثّر الأطفال بوالديهم، وما زال يستقي منه أدوات الديكتاتورية والبعثية السياسية التي تبدأ بفرض الصور ولا تنتهي بقمع الحريات والاعتقالات العشوائية، فمابالك إذا كانت تصلنا أيضاً لعنة الصور من أشقاء أبعد في السعودية وإيران ومصر…

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.