fbpx

الأوبئة لن تتوقف ما لم نغير سلوكنا البيئي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعود أصل الأوبئة إلى الميكروبات والفايروسات المتنوعة التي تحملها الحيوانات، إنما انتقالها إلى البشر وظهورها على شكل أمراض ناشئة، مدفوعان بالكامل بالأنشطة البشرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

توضح أدلة علمية جديدة أن الأوبئة أصبحت أكثر تواتراً وانتشاراً مع تسببها بأمراض ناشئة، ما يشكل تهديداً وجودياً لصحة الناس ورفاهيتهم على الكوكب. وفي غياب استراتيجيات فعالة وطويلة الأمد، سيؤدي ظهور الأوبئة الناشئة وسرعة تفشيها إلى قتل المزيد من الناس، ناهيك بتأثيرها على الاقتصاد والصحة وسبل العيش كما فعل وباء “كورونا” بداية هذا العام، 2020. وقد أثبت “كوفيد-19” أن مسار ابتكار اللقاحات والعلاجات الجديدة وإنتاجها، بطيء وغير مؤكد. فبينما ينتظر سكان العالم توفير اللقاحات، تتزايد التكاليف البشرية في الأرواح والآثار النفسية والاجتماعية والثقافية للمرض، عدا الانهيار الاقتصادي وفقدان سبل العيش. هذا ما خلص إليه المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية IPBES في تقرير علمي صدر حديثاً. 

يعود أصل الأوبئة إلى الميكروبات والفايروسات المتنوعة التي تحملها الحيوانات، إنما انتقالها إلى البشر وظهورها على شكل أمراض ناشئة، مدفوعان بالكامل بالأنشطة البشرية. إن الأسباب الكامنة وراء الأوبئة هي نفسها المتعلقة بالتغيرات البيئية العالمية التي تؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ. وتشمل هذه التغييرات استخدام الأراضي، التوسع في الممارسات الزراعية وتكثيفها، التجارة بالحياة البرية واستهلاكها.

وتعمل دوافع التغيير هذه على إزالة المساحات الفاصلة بين الحياة البرية والماشية والناس، ما يسمح للميكروبات الحيوانية بالانتقال إلى البشر وتؤدي إلى العدوى، والتفشي أحياناً، كما تؤدي في حالات نادرة إلى أوبئة حقيقية تنتشر عبر شبكات الطرق والمراكز الحضرية وطرق السفر والتجارة العالمية. وقد أدى الارتفاع المتسارع الأخير في الاستهلاك والتجارة، مدفوعاً بالطلب في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة، وكذلك بسبب الضغط السكاني، إلى سلسلة من الأمراض الناشئة بشكل رئيس في البلدان الغنية من جهة التنوع الأحيائي، بسبب أنماط الاستهلاك العالمية.

ويؤكد تقرير IPBES أن 70 في المئة، أي معظم الأمراض المستجدة مثل الإيبولا، زيكا، التهاب الدماغ نيباه، وكذلك الأوبئة المعروفة مثل الإنفلونزا، فايروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) و”كوفيد-“19، هي أمراض تسببها ميكروبات من أصول حيوانية، أي أنها حيوانية المنشأ وتنتشر بسبب الاتصال بين الحيوانات البرية والماشية والبشر. وتعد الثدييات (بخاصة الخفافيش والقوارض والقرود) وبعض الطيور (الطيور المائية تحديداً) وكذلك الماشية (مثل الخنازير والإبل والدواجن)، خزانات مسببة للأمراض التي قد تؤدي إلى حدوث الأوبئة بحسب التقرير ذاته. ويُعتقد أن عدد الفايروسات غير المكتشفة إلى اليوم، والتي تحملها الثدييات والطيور يلامس 1.7 مليون فايروس، ونسبة كبيرة من الفايروسات غير المكتشفة، يتراوح عددها بين 540 ألفاً و850 ألفاً، لها القدرة على إصابة البشر. 

الأسباب الكامنة وراء الأوبئة هي نفسها المتعلقة بالتغيرات البيئية العالمية التي تؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ

ويشير التقرير إلى تزايد خطر انتشار الأوبئة بسرعة، مع ظهور أكثر من خمسة أمراض جديدة بين الناس كل عام، ولأي مرض منها القدرة على الانتشار والتحول إلى وباء، وخطر الوباء مدفوع بالتغيرات البشرية المتزايدة بشكل كبير. تالياً، من الخطأ أن يُلقى اللوم على الحياة البرية في ظهور الأمراض، ذلك أن ظهور الأوبئة مرتبط بتأثير الأنشطة البشرية على البيئة. إن الاستغلال غير المستدام للبيئة عبر الممارسات الزراعية والتجارية المشار اليها يعطل التفاعلات الطبيعية بين الحياة البرية وميكروباتها ويزيد من الاتصال بين الحياة البرية والثروة الحيوانية والبشر، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض. ويعود سبب ظهور 30 في المئة من الأمراض الناشئة إلى تغيير استخدام الأراضي وتكثيف الممارسات الزراعية والتوسع العمراني.

ويركز تقرير المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية على تورط تغير المناخ في ظهور الأمراض أيضاً (مثل التهاب الدماغ الذي ينقله القراد في الدول الاسكندنافية) ومن المرجح أن يتسبب في مخاطر أوبئة كبيرة في المستقبل عبر تحفيز حركة الناس والحياة البرية والخزانات الحاملة للفايروسات والنواقل بأساليب تقود إلى زيادة الاتصال بين أنواع الكائنات وزيادة انتشارها، الأمر الذي يحدث خللاً في ديناميات موئل حامل المرض. ويمكن أن يؤدي فقدان التنوع البيولوجي المرتبط بالتحولات في المناظر الطبيعية (بسبب تدخل البشر)، إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض الناشئة في بعض الحالات، فتكون الكائنات المتكيفة مع المناطق أو المناظر الطبيعية الخاضعة للإنسان، قادرة أيضاً على إيواء مسببات الأمراض التي تشكل خطراً كبيراً في حال انتقال الأمراض الحيوانية إلى البشر. كما أن مسببات أمراض الحياة البرية والماشية والبشر يمكن أن تهدد التنوع الأحيائي مباشرة، وتظهر من خلال الأنشطة ذاتها التي تؤدي إلى مخاطر الإصابة بالأمراض لدى الناس (مثل ظهور داء الفطريات في البرمائيات في جميع أنحاء العالم بسبب تجارة الحياة البرية).

عدد الفايروسات غير المكتشفة إلى اليوم، والتي تحملها الثدييات والطيور يلامس 1.7 مليون فايروس

ويقترح المنبر الدولي في تقريره، جملة مبادرات للحد من الأمراض الناشئة بسبب التجارة الدولية بالأحياء البرّية، مثل بناء شراكة حكومية- دولية جديدة في مجال الصحة والتجارة، وذلك بالاعتماد على التعاون بين المؤسسات الدولية الأخرى في مجال الصحة والزراعة والتنوع البيولوجي وحماية الطبيعة. وتحتل توعية المجتمعات في النقاط الساخنة الناشئة للأمراض المعدية بخصوص المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام الحياة البرية والتجارة المعروف عنها أنها تشكل خطراً وبائياً، مساحة واسعة من الاهتمام. كما تضم المبادرات تعزيز التعاون في مجال تطبيق القانون في جوانب التجارة غير المشروعة بالأحياء البرّية. وفي السياق ذاته، يشير التقرير إلى أهمية تقليل الأنواع البرّية (أو إزالتها) التي تم تحديدها في مراجعة الخبراء في تجارة الأحياء البرّية، على أنها تشكل مخاوف كبيرة في ما خص ظهور الأمراض، إضافة الى أهمية اختبار فعالية تنظيف أسواق الحيوانات، زيادة قدرة أنظمة التكييف، السلامة البيولوجية، الأمن البيولوجي وكذلك الصرف الصحي في تلك الأسواق، ناهيك بإجراء مراقبة لأمراض الحياة البرّية في التجارة وبين صيادي الأحياء البرية والمزارعين والتجار.

وتقتضي استراتيجيات الوقاية من الأوبئة دعم البحوث العلمية حول الصحة الواحدة أيضاً، ذاك أن الكثير من الجراثيم تصيب الحيوان والإنسان على حد سواء، إذ يشتركان في النظم الأيكولوجية التي يعيشان فيها. تالياً، لا يمكن أن تؤدي الجهود المبذولة من قطاع واحد بمفرده إلى الحيلولة دون حدوث المشكلة أو التخلص منها. وتعد معرفة الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية ومشاركتها ببرامج الوقاية من الاستراتيجيات المهمة، ويأخذها التقرير في الاعتبار، ذلك أنها تعيش بالقرب من النقاط الساخنة. اقتضاباً، تعد حماية النظم الأيكولوجية والتنوع الأحيائي والاستغلال المستدام في الممارسات الزراعية من العوامل الحاسمة في الوقاية من الأمراض الناشئة.