fbpx

انتخابات إيران “جثة هامدة” :
الديكتاتور يقصي حتى من هم من بطانته

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سيكون يوم 18 حزيران/ يونيو المقبل، يوماً حزيناً آخر في حياة الشعب الإيراني، ونصراً إلهياً في روزنامة الديكتاتور. حزيناً، لأن مصيرهم سيكون بين يدي جلادهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكد مجلس صيانة الدستور في إيران، يعلن قائمة المؤهلين السبعة لخوض الانتخابات الرئاسية، حتى انهالت التصريحات النارية وردود الفعل الغاضبة على المستويين السياسي والشعبي، احتجاجا على استبعاده مرشحين بارزين، ينتمون إلى أحزاب وأطياف ثورية عريقة، ويملكون تمثيلا شعبيا واسعا، ورصيدا جيدا في خدمة الثورة والجمهورية الإسلامية، كما يشترط المجلس نفسه.

علما، أن المجلس بحسب الصلاحيات الممنوحة له، يحق له استبعاد أي مرشح، بغض النظر عن موقعه وتاريخه وشعبيته وسلوكياته، بحجج من قبيل: عدم طاعة المرشد أو نقده، ضعف الإيمان والالتزام بالشرع الإسلامي، كما يحق له أن يُخفي عن المرشحين المستبعدين أسباب استبعادهم، ويكتفي في إعلان الحائزين على أهلية الترشح من دون أية تفاصيل.

أول المعترضين على نتائج فحص المؤهلات، هو الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي سرعان ما تحول محيط منزله في منطقة نارمك شرق طهران، إلى مسرح لانتفاضة غاضبة، ردد خلالها مناصروه “نجاد أو لا أحد”.

وتحدث نجاد إلى مناصريه، الذين حاصرتهم قوة من الحرس الثوري، منعا لأي أحداث عنف محتملة، كما ادعى مسؤول في الحرس، معلنا أنه سيقاطع الانتخابات، وأن من استبعده يستخف برأي الشعب الإيراني. 

ليلة إعلان النتائج، زار نجاد في منزله، قائد قوة “ثأر الله” في الحرس الثوري المسؤول الأمني لطهران حسين نجات، وطلب منه، كما ادعى موقع “دولت بهار” المؤيد لنجاد: “السكوت والتعاون”، واضعا إياه في أجواء النتائج السلبية لمجلس صيانة الدستور، لكن نجاد، أعلمه أنه لن يكون مشاركا في “مسيرة الانهيار”.

وتأكيدا للزيارة التي نفاها الحرس الثوري، نشر الموقع إياه، تفاصيل ما جاء في هذه الزيارة، علما أنها هذه ليست المرة الأولى التي يحرم فيها نجاد من الترشح، فلقد سبق أن استبعده مجلس صيانة الدستور في الانتخابات الرئاسية السابقة (2017)، وذكر الموقع أن نجاد أكد لضيفه أنه ترشح لأنه يشعر بخطر الانهيار (النظام) وتلبية لمطلب الشعب، ولن يسمح لأحد بأن يلغيه، وأنذره بأن رفضه “سيكون له تبعات واسعة على المستوى الشعبي”، ومن دون أن يسمي أحد، رأى أن المسؤولين تصرفوا معه بجهل وغيرة وحسد، لأنه يحظى بتأييد شعبي يفقدونه.

وذكر الموقع أن نجاد حذر ضيفه من أن الأوضاع ستصبح أسوأ بعد رفض ترشحه، وأن “المستفيد الأول من هذا التصرف هو العدو، فتفاقم الوضع الاقتصادي، سيزيد من ابتعاد الناس عن النظام، وسيؤدي ذلك إلى المطالبة بحل تنظيم الحرس وعزل مجلس صيانة الدستور، وبإجراء الانتخابات تحت إشراف دولي”، ونبهه إلى أن “هذه المطالب لا تنحصر ضمن الفئات الشعبية فقط، فهناك شخصيات سياسية بارزة، صارت مقتنعة بحل التنظيم وعزل المجلس، وينسقون مع الخارج لتنفيذ هذه الخطوات”، وتابع مؤكدا أن “هذا النظام بات خطرا على الشعب، والمجتمع على وشك الانفجار”، وأن السلطة الحالية هي “سلطة فاسدة ومجرمة”، وأنها سبق أن “هندست دورتين انتخابيتين”، واعدا بأنه لن يسكت عما يجري، وسيستمر بفضح هذه السلطة، ولن يتراجع عن مطالبه.

حسن روحاني

وعلى خط الأزمة، تدخل رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني، موجها رسالة إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، كما أعلن في رسالة متلفزة خلال اجتماع للحكومة، طلب منه فيها أن “يدعو مجلس صيانة الدستور إلى إعادة النظر بقرارات استبعاد بعض المرشحين البارزين”، وقال: “الانتخابات تقوم على عنصر المنافسة، فإذا ألغي هذا العنصر، تصبح الانتخابات جثة هامدة”، وإذ أعلن أنه “مستعد للمساعدة في هذا الشأن”، أكد أن “المرشد، يمكنه بالطبع أن يتصرف كما يشاء، وكما يراه مناسبا لمصلحة البلاد”، وعلى الفور، جاء الرد من المرشد، الذي وجه رسالة إلى الشعب الإيراني، داعيا إياه إلى المشاركة بكثافة في الاقتراع للرئيس الجديد، وقال: “لا تهتموا بمن يصفون الانتخابات بأنها عديمة الفائدة”.

علي وصادق لاريجاني

آل لاريجاني سجلوا اعتراضهم أيضا، رغم أن مرشح العائلة، علي لاريجاني، اكتفى بكتابة “تغريدة عاطفية دينية” على “تويتر” ختمها بعبارة “العبد الفقير إلى الله”، أعلن فيها تقبله لقرار مجلس صيانة الدستور، داعيا الشعب الإيراني إلى المشاركة القصوى في الانتخابات، بينما تكفل شقيقه رئيس السلطة القضائية سابقا ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وعضو مجلس الدستور حاليا، بإعلان موقف العائلة الرافض لقرار مجلس صيانة الدستور، فغرد قائلا: “إن قرارات مجلس صيانة الدستور، تخضع لتدخلات عدد من أجهزة الاستخبارات، ومبنية على تقارير كاذبة، وهي قرارات لا يمكن الدفاع عنها”.

خلال فترة التحضير للانتخابات، توقع العديد من المتابعين للشأن الإيراني، فوز علي لاريجاني بالرئاسة، ذلك أنه ابتعد في الآونة الأخيرة من دائرة المحافظين المتشددين، متحولا إلى محافظ معتدل بشخصية براغماتية، مما جعله مقبولا بنظرهم من كل الأطياف، ونجح كما وصفوه في فكفكة الخناق الاقتصادي حول إيران عبر اتفاقية التعاون الصينية الإيرانية، أو على الأقل أن تنحصر المنافسة بينه وبين مرشح المرشد ابراهيم رئيسي، لكن أجهزة الاستخبارات التي أشار إليها شقيقه صادق لاريجاني، نشرت قبل أيام من نتائج فحص المؤهلات، صورة لابنته فاطمة التي تعيش منذ ما يقارب العشر سنوات في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تتابع دراستها في كلية الطب في جامعة كليفلاند في ولاية أوهايو، وهي تحمل بيد شهادة تخرجها وباليد الأخرى تصافح رئيس الجامعة، مما أنزل على العائلة صواعق الغضب، فطالب متشددون بمحاكمتها لخرقها قواعد الشرع الإسلامي، بينما اتهمها آخرون بالتجسس، ويقال إن هذه الصورة استخدمت ضده لرفض ترشحه. 

مصطفی تاج زادة

وفي مطالعة قانونية مفصلة، اعتبر المرشح الإصلاحي مصطفى تاج زادة، عدم المصادقة على أهليته، خرقا للدستور، وكتب: “لقد ترشحت استنادا إلى مبادئ الدستور، التي تعطي الحق لكل الأطياف في المجتمع، أن تتمثل في الدولة، لذلك استنادا إلى أصول المواد الدستورية(6، 9، 56، 115) أعتبر رفض ترشحي غير قانوني، وأعلن أنه رفض غير مقبول، وسوف ألغيه قانونيا، بقدر ما أستطيع، وسوف أنهي هذه الرقابة على الانتخابات وسأضع حدا لهندستها وسأعمل على تحريرها”، واعتبر أن “أكبر عائق أمام الانتخابات الحرة، وجود مجلس يتقاضى أعضاؤه رواتبهم من الشعب، ليحرسوا القانون، لكنهم بدل ذلك ينتهكون حقوقه”.

وختم: “ليعلم الجميع أنه لا أنا ولا أي مواطن مسؤول، ينبغي أن يخضع لتفسيرات مجلس صيانة الدستور المدمرة للدستور، ولقرارات أعضائه المعادية للناس، هذه القرارات التي تهدف إلى إرساء أسس حكم الأقلية وإخضاع الأغلبية وإسقاط الجمهورية”.

علي مطهري

في حين علق علي مطهري على تنحية علي لاريجاني قبل أن يعلق على تنحيته الشخصية، فكتب في تغريدة: “أنا سأتجاوز مسألة تنحيتي، على الرغم من أنني أعلم أنه ليس لديهم سبب مقنع، لكن تنحية السيد لاريجاني، المطيع المثالي للنظام، كانت تجربة مروعة لمجتمعنا اليوم”.

مطهري المعروف بالسياسي المشاكس، السليط اللسان، كان قد وجه رسالة إلى المرشد، لفت فيها نظره إلى أن “الانتخابات يجب أن تجري من قبل الشعب، لا من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي يقمع المعارضين، وينتهك حرية التعبير”، ومن الممكن أن تكون هذه الرسالة السبب الخفي لاستبعاده.

اسحاق جهانگیري 

وحمل مستشار روحاني المرشح المرفوض اسحاق جهانگیري، في بيان، مجلس صيانة الدستور مسؤولية تبعات هذا القرار، واعتبر أن “تنحية الكثير من المؤهلين، يشكل تهديدا خطرا على المشاركة الشعبية والمنافسة النزيهة بين التيارات والأحزاب، وسيكون تأثيرها أشد على الإصلاحيين”، وختم “أتمنى على النظام أن يسمح للشعب في تحديد مستقبله، فلا ينبغي التضحية بمستقبل إيران، من أجل المصالح السياسية المباشرة”.

نساء

النساء أيضا، كان لهن حصة في الاعتراض على قرارات مجلس صيانة الدستور، أولاهن ابنة الإمام الخميني زهرا مصطفوي، التي أعلنت في رسالة نشرتها في وسائل الإعلام أنها لم تصدق أن مجلس صيانة الدستور “رفض أهلية مسؤولين بذلوا جهدا منذ بداية الثورة لخدمة الناس”، ورأت أن “قرارات مجلس صيانة الدستور لم تقنع أعضاء مجلس صيانة الدستور، قبل المرشحين وأنصارهم”، وإذ أعلنت أنها كانت تود المشاركة في الانتخابات لوجود مرشحين أمثال علي لاريجاني واسحاق جهانكيري، قالت: “لم أقتنع بالخطوة التي اتخذها مجلس صيانة الدستور، وأعتقد أن قراراته استنسابية، ولم تقنعني كما لم تقنع الرأي العام، والمتضرر الأول منها هو النظام، لأنها ستبدد أكبر ثروة يمتلكها وهي ثقة الشعب”.

فائزة رفسنجاني

في السياق نفسه، يتقاطع رأي فائزة رفسنجاني ابنة الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني وشقيقة المرشح المرفوض محسن هاشمي رفسنجاني، مع رأي مصطفوي، التي أعلنت مقاطعتها الانتخابات، ودعت الشعب الإيراني إلى مقاطعتها أيضا، واعتبرت أنه “بعد السلوك الشائن لمجلس صيانة الدستور، باتت مقاطعة الانتخابات واجبة أكثر من ذي قبل”، وقالت إنه “في ظل هكذا قرارات، يبدو الاقتراع ذنبا كبيرا”.

وإذ أكدت بدورها أن استبعاد لاريجاني أصابها بالدهشة، قالت: “رغم ذلك، لم اتوقع أن تكون الانتخابات محتكرة إلى هذا الحد، لقد زوروا نتائج انتخابات من قبل، لكن لم يكونوا بهذه الغطرسة، أعتقد أن الانتخابات انتهت قبل أن تبدأ، فقد تم تعيين الرئيس الجديد، قبل الاقتراع، فوفقا لما حصل، لا أحد من المرشحين يملك فرصة للفوز سوى رئيسي، وقد أقصوا لاريجاني لأنه منافس حقيقي له”.

شهيندخت مولاوردي

من جانبها، اعترضت مساعدة روحاني لشؤون المرأة شهيندخت مولاوردي، في بيان، على رفض أهلية المرشح الإصلاحي مصطفى تاج زادة، وقالت: “بالنسبة لي إيران أهم من الجمهورية الإسلامية، والإصلاح أهم من وجود الإصلاحيين في السلطة، والدورة الانتخابية أهم من المرشحين، لم أقرن عدم الموافقة على ترشحي، بعزمي على الاقتراع، لكن، الآن أقول، إنه لا يمكنني تحمل هذا الإنقلاب الانتخابي”. 

تعليقان مهمان أخيران في هذا المجال، الأول، تغريدة كتبها علي جنتي نجل رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، قال فيها: “كما يقول المثل: تمخض الجبل فولد فأرا، مع هذا العدد من المرشحين الهامشيين، أعتقد أن نتيجة الانتخابات صارت معروفة سلفا”، والآخر هو للنائب في البرلمان ميرزايي نكو، الذي كتب متهكما: “فيما مضى، كان لدينا قطار الثورة، شيئا فشيئا تحول القطار إلى أتوبوس، ثم إلى ميني بوس والآن أصبح دراجة هوائية”.

في هذه الأجواء المضطربة، تسير عجلة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مروحة التوقعات ضاقت كثيرا، واختفى عنصر مفاجأة، لا بل عنصر المنافسة، فالرئيس بات معروفا، وفق تصريحات المسؤولين وتعليقات الناس، وهذا ما تمت “هندسته” في الغرف الأمنية، لذلك من المتوقع انخفاض نسبة المشاركة إلى أكثر من 40%، حيث أنه لن يقترع سوى ناخبي المرشح المضمون.

هندسة الانتخابات هو المصطلح، الذي يطلقه الإيرانيون على الدورة الانتخابية، التي تكون نتيجتها معروفة ومحسومة مسبقا، كالدورة الانتخابية العاشرة، التي فاز فيها أحمدي نجاد من خارج صناديق الاقتراع.

 في هذه الأيام، عاد المصطلح مجددا إلى التداول، بالأخص على لسان أهل السلطة، الذين تيقنوا قبل اليوم الموعود، أن المرشد وتنظيم الحرس ووزارة الاستخبارات والمؤسسة الدينية ترتب لتعيين ابراهيم رئيسي، رئيسا للجمهورية، وعليه سيكون يوم 18/يونيو/ حزيران المقبل، يوما حزينا آخر في حياة الشعب الإيراني، ونصرا إلهيا في روزنامة الديكتاتور. حزينا، لأن مصيرهم سيكون بين يدي جلادهم، وربما سيشهد مواجهات دموية، في حال قرر نجاد نقل المعركة إلى الشارع، أو في حال قررت الأطياف الإصلاحية أن تعجم عودها، وتتفق على اسم أحد المرشحين: عبد الناصر همتي ومحسن مهر علي زادة، وهذا مستبعد، لأن قاعدتهم الشعبية لن تلبي كما الحال في الدورات السابقة، يأسا من الإصلاح وخوفا من تكرار سيناريو حزيران/يونيو 2009، أما المرشد، فسيضيفه إلى قائمة إنجازاته، لأنه، كعادته، سوف يتدخل ويسمي الفائز ويعلن النصر….

إقرأوا أيضاً: