غرد نهاد المشنوق أن “كل اللبنانيين يعتذرون من زياد عيتاني … البيروتي الأصيل، العروبي الذي لم يتخل عن عروبته وبيروتيته يوما واحدا”. ربما كان الأجدر بالمشنوق، أن يكتفي بالاعتذار هو نفسه من زياد عيتاني، على الأقل بصفته وزيراً في الحكومة وتحديداً للداخلية. فهو، كمسؤول، مسؤول عما حصل.
ثم، متى اكتشف المشنوق أن زياد عيتاني بيروتي وعروبي أصيل؟ أم إن إلقاء التهم بالعروبة والأصالة جزافاً سهل كالقاء التهم بالعمالة؟ وهل من المطلوب ان يكون أحدنا عروبياً أصيلاً كي لا يكون عميلاً؟ أمن غير الممكن أن يتجنب أحدنا الاثنين معا؟ ثم ماذا يعني أن تكون بيروتياً أصيلا بالنسبة للموقف من اسرائيل؟ هل يعني أن تحب عبدالناصر وتتبنى لآته في مؤتمر الخرطوم؟ أيعني هذا رفض كل أشكال التطبيع، بما فيها إلقاء التحية على إسرائيلي يجلس بقربك في الطائرة؟ هل على “البيروتي الاصيل” من آل عيتاني مثلا رفض اعطاء الفلسطينيين اللاجئين حقوق المواطنة الكاملة، او الناقصة انطلاقاً من “الرفض لكل أشكال التوطين”؟ أيشمل هذا التوصيف للبيروتي الاصيل البيروتيين الأصيلين كلهم بمختلف مللهم وأحيائهم؟
لكن يبقى هناك شيء محق في ما قاله المشنوق. المطلوب اعتذارهم من زياد عيتاني هم حلقة أوسع بكثير من مسؤولي الحكومة والاجهزة الأمنية والقضائية. القائمة تطول. تبدأ بزميل زياد و”أبوه الروحي”، يحيى جابر، الذي تخلى عنه بسرعة قياسية، معلناً صدمته وخيبته العميقة بزياد (رغم تراجعه اللاحق من دون اعتذار)، وتنتهي بكل من شارك جابر صدمته وسارع الى تصديق التهم الموجهة الى زياد عيتاني. المطلوب اعتذار هؤلاء كلهم لأنهم سمحوا لأنفسهم بتصديق تلك الاعترافات والتهم الهزيلة التي سرّبها الاعلام، وبسرعة البرق، منذ أيام اعتقال عيتاني الأولى.
كانت المهمة الموكلة الى عيتاني، بحسب التحقيقات المسربة آنذاك، الترويج لفكرة السلام وحل الدولتين، طبعاً تمهيداً للتطبيع. لكن هل من المعقول أن تجند الدولة الإسرائيلية فناناً كزياد عيتاني لهذه المهمة؟ ما هو موقع وامكانات زياد عيتاني ليكون الخيار الأفضل لهذه المهمة، حتى لو زُوّد بـ ٥٠٠ او ١٠٠٠ دولار أميركي شهرياً. وهذا اذا افترضنا ان اسرائيل تسعى في الأصل الى نشر فكرة حل الدولتين في المنطقة!. طبعا لا يخفى هنا الإيحاء، وربما الافتراض، أن كل من يدعو الى السلام وحل ما للقضية الفلسطينية لا يتبنى تدمير دولة اسرائيل هو عميل او مشروع يبحث عن مشغل.
والادهى أن تتوسل اسرائيل الجاسوسية، لمعرفه عنوان سكن نهاد المشنوق وَعَبَد الرحيم مراد على ما جاء في الاعترافات. هل يعقل أنه من الصعب عدم معرفة بيت المشنوق أو مراد إذا كنت تسكن في رأس بيروت أو البقاع الغربي. ويكفي أن تسأل أي مارٍّ في الطريق، اذا كنت قد هبطت لتوّك من الفضاء.
وطبعا هناك التغيير الديموغرافي في أحياء بيروت، وربما مناطق اخرى والذي طلبت اسرائيل من زياد عيتاني تزويدها به. فهل صدقوا بكامل عقلهم أن زياد هو الشخص المؤهل للحصول على هذا النوع من المعلومات، والتي تستطيع أي جهة الحصول عليها، عبر شركات تجارية علنية مختصة في هذه الأمر؟ هذا طبعا الا اذا كانت اسرائيل تسعى الى التوفير على حساب الجودة.
كيف لا يشك في التحقيق من سمع هذه التهم التافهة والمضحكة؟ وكيف لا يعتذر كل من صدقها؟ لا شك أن لإسرائيل مصلحة في التجسس على بلد كلبنان، ولكن من المؤكد أن تجسساً كهذا ليس لهذه الأهداف وليس بهذه الوسائل. لكن لتهمة العمالة لإسرائيل سحراً وحضوراً خاصين، من شأنهما أن يعطّلا المنطق والحس السليمين. يكفي أن تسدل تهمة بالعمالة لإسرائيل لتلفنا الغشاوة ويتحقق الأمر!
يساهم في ذلك أن التشكيك بالأجهزة الأمنية يبدو من المحرمات. لكن من أين يفترض ان تأتي الثقة بهذه الأجهزة في بلد، ليس لدى مواطنيه أي ثقة بسياسييه. هل يعقل أن يكون لدينا فساد سياسي مستشرٍ، بحسب اعتقاد الجميع، وأجهزة أمنيه مترفعة عن المصالح الفردية والانحيازات السياسية والطائفية والعائلية؟ من أين يأتي قادة وأفراد هذه الأجهزة المثالية، أمن النروج او من المريخ ليكونوا من طينةٍ أخرى؟
[video_player link=””][/video_player]
من الذي يجب أن يعتذر من زياد عيتاني؟
متى اكتشف المشنوق أن زياد عيتاني بيروتي وعروبي أصيل؟ أم إن إلقاء التهم بالعروبة والأصالة جزافاً سهل كالقاء التهم بالعمالة؟ وهل من المطلوب ان يكون أحدنا عروبياً أصيلاً كي لا يكون عميلاً؟ أمن غير الممكن أن يتجنب أحدنا الاثنين معا؟ ثم ماذا يعني أن تكون بيروتياً أصيلا بالنسبة للموقف من اسرائيل؟ هل يعني أن تحب عبدالناصر وتتبنى لآته في مؤتمر الخرطوم؟ أيعني هذا رفض كل أشكال التطبيع، بما فيها إلقاء التحية على إسرائيلي يجلس بقربك في الطائرة؟ هل على “البيروتي الاصيل” من آل عيتاني مثلا رفض اعطاء الفلسطينيين اللاجئين حقوق المواطنة الكاملة، او الناقصة انطلاقاً من “الرفض لكل أشكال التوطين”؟ أيشمل هذا التوصيف للبيروتي الاصيل البيروتيين الأصيلين كلهم بمختلف مللهم وأحيائهم؟
الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
فاطمة بدري - صحافية تونسية
سنة دامية في السودان لم تعدّل بوصلة العالم!
26.04.2024
"درج"
غزة: التمييز بين الضحايا في ذروة المجزرة
26.04.2024
كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024
حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء
تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.
الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
تروي الصحفية والناشطة السياسية المصرية، إيمان عوف، تجربتها كامرأة وأمّ في خوض غمار السياسة والعمل الصحفي والصعوبات التي واجهتها خلال مسيرتها والمتعلقة بشكل أساسي بأمومتها وبما هو متوقع منها مجتمعياً. "كيف يغدو الدور الرعائي عائقاً أمام حياتكِ السياسية؟"، هي الحلقة الثالثة ضمن مشروع "عوائق وصول النساء العربيات إلى طاولات صنع القرار"، الذي أُنجز بالشراكة بين…
17.04.2024
تكرر توقيف السلطات الألمانية ناشطين أو شخصيات معروفة بدعمها القضية الفلسطينيّة، بل حتى منعهم من دخول البلاد كما حصل مع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، بحجة معاداة السامية، التي تُستخدم أيضاً لتفريق تظاهرات متضامنة مع الفلسطينيين وداعية الى وقف الإبادة في غزّة. آخر ضحايا هذا التضييق، وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، الذي مُنع من…
17.04.2024