fbpx

أي تعاف اقتصادي يحدثنا عنه الصندوق في مصر ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك حاجة ماسة لرؤية متكاملة لبرنامج الحماية الاجتماعية، وليس حلولا جزئية مثل التوسع في المعاشات النقدية. تحتاج مصر الى حزم متكاملة من الحماية تضمن تحقيق أهداف الدستور في توفير الحياة الكريمة للمواطنين وهو ما كان يتطلب البدء مبكرا في مشروعات كبرى مثل التأمين الصحي الشامل الذي أقره البرلمان مؤخرا والذي لازال يقف أمامه العديد من التحديات لضمان تطبيقه بشكل عادل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنظر للخط الأزرق في شكل رقم واحد، ربما يذكرك بساقي مطرب البوب الشهير مايكل جاكسون!
لن نبالغ إذا سمينا هذا الرسم بمنحنى   Billie jean، وهي الأغنية الشهيرة للمغني الراحل. هذا الخط الأزرق يعبر بامتياز عن الطريقة التي عالجت بها الحكومة المصرية، وصندوق النقد الذي ينصحها، أزمتها المالية المتفاقمة، حيث اجتذبت تدفقات مالية اجنبية قوية ولكنها في صورة ديون ( استثمارات في أذون الخزانة الحكومية). ولكن مؤخرا كانت هناك مؤشرات على أن اهتمام المستثمرين الأجانب للديون المحلية في مصرلم يعد يزيد بنفس الوتيرة، مما قد يفسر الانخفاض المتوقع في نسبة صافي استثمارات المحفظة من الناتج الإجمالي، وشكل المنحنى بتحولاته الحادة الأشبه برقصات ملك البوب.
مثل هذه الرقصات لا تدوم طويلا، فكيف يرى الصندوق مستقبل الوضع المالي في مصر ومن سيدفع فاتورة خطته الإصلاحية ؟

هذا الرسم من واقع بيانات آخر مراجعات صندوق النقد لمصر، ضمن اتفاق قرض أبرمته المؤسسة الدولية مع مصر في نوفمبر 2016 بقيمة 12 مليار دولار، والذي تزامن مع حزمة من الإجراءات الاقتصادية الصادمة كان لها الفضل في الانتعاشة المالية المؤقتة التي نراها في هذا المنحنى.
وكان لضعف تدفقات النقد الأجنبي على مدى سنوات أثر سلبي على العملة المحلية، ولم تعد التخفيضات البسيطة التي كان البنك المركزي المصري يجريها على قيمتها، خاصة من خلال آلية المزادات التي بدأها في 2013، مجدية، فالكل أجمع على أن الجنيه مقدر بأكبر من قيمته الحقيقية والفجوة كانت تتسع بين سعر الدولار في السوق الرسمي وسعره في السوق الموازي، لدرجة أن المصريين كانوا يتداولون نكتة عن رجل يسأل عن سعر العملة الأمريكية والآخر يرد، ” قبل السؤال ولا بعده ؟ ”
هذا الوضع كان يلقي بثقله على الاستثمار الأجنبي، فالعديد من المستثمرين المحتملين كانوا لا يرغبون في شراء أصول مقومة بجنيه لا يعرفون مستقبله. وتوقف تدهور قيمة العملة المحلية بشكل أساسي على شح النقد الأجنبي، وهذا الشح جعل الاستثمارات القائمة بالفعل عاجزة عن تحويل أرباحها للخارج بسهولة.
وفي الشهر الذي وقعت فيه مصر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي رفع البنك المركزي يده تماما عن التدخل في سوق الصرف، فكانت النتيجة أن الجنيه فقد أكثر من نصف قيمته أمام الدولار، وبالتوازي بدأ المركزي منذ ذلك التاريخ في رفع أسعار الفائدة تدريجيا حتى زادت في المجمل بنسبة 7% وهي قفزة كبيرة للغاية، حيث وصل سعر الإقراض 19.75%.
الميزة من وراء التعويم كانت اختفاء السوق السوداء واستقرار العملة وإن كان هذا استقرارا عند وضع متدهور للعملة لكن لأي استقرار مميزاته التي لا يمكن أن ينكرها أحد.

ومع اختفاء السوق السوداء وارتفاع أسعار الفائدة تدفقت استثمارات الأجانب بقوة على أذون الخزانة، خاصة وأن طفرة الفائدة المصرية تأتي في وقت انخفاض نسبي لفائدة أدوات الدين المنافسة في البلدان المتقدمة، حيث دأب العالم المتقدم منذ الأزمة المالية على الحد من ارتفاع الفائدة حتى ييسر نشاط الإقراض ويجنب اقتصاده الركود.
نستطيع الآن أن نفهم الارتفاع القوي في استثمارات محفظة الأوراق المالية التي نراها في هذا الرسم، والمليارات التي نقرأها في أخبار الصحف منذ التعويم،خاصة إذا أضفنا لحركة أذون الخزانة المحلية النشاط المحموم لبيع أوراق الدين الحكومية في الأسواق الدولية فيما يعرف بـ ” اليورو بوندز” والذي انتعش أيضا منذ التعويم، لكن لماذا يعقب هذا الارتفاع القوي انخفاضا قويا أيضا فيبدو لنا مسار هذه الاستثمارات أشبه بساقي مايكل جاكسون ؟
أحد الأسباب الرئيسية التي يمكن أن نفسر بها الجزء الثاني من الرسم أنه من المتوقع أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة فـ الاقتصاد الحقيقي، أي النشاط الإنتاجي الذي يعتمد على القروض البنكية، لن يحتمل هذه المعدلات المرتفعة للفائدة، كما أن الولايات المتحدة هي الأخرى ماضية في زيادة الفائدة بعد أن أظهرت مؤشرات اقتصادها أنها تتعافى من الأزمة المالية، وهناك محللون يرون أن فئة المستثمرين المتحمسة للسوق المصري دخلت بالفعل أي أن السوق استغل الفرصة المتاحة له للنمو القوي.
كان لتدفق النقد الأجنبي في صورة ديون فوائد لا يمكن إنكارها أيضا، فهو أشبه بالصدمات الكهربائية التي يتعرض لها مريض في غرفة الإنعاش للاستفاقة، فقد ساعدت تلك التدفقات على توفير الدولار الأمر الذي حد من فرص زيادة سعره وشجع جزء كبير من المكتنزين على التخلص منه في المصارف.
لكن عام 2017 على قدر ثقل وطأته على المصريين، لما شهده من ارتفاعات تاريخية في معدلات التضخم أفقرت قطاعات واسعة من المجتمع، شهد وضعا مريحا للاقتصاد الكلي غير قابل للاستدامة، فالصندوق منزعج من القفزة التي حدثت في مؤشرات الدين المصرية بسبب تلك الصدمة الكهربائية، ويريد من مصر أن تخفض من ديونها، كما نرى في شكل 2.

ويستدعي الحديث عن كيفية السيطرة على ديون الحكومة المتفاقمة سياسات التقشف أو ما يسميه صندوق النقد بالانضباط المالي، فكما نرى في شكل 3 تبدو معدلات نمو ميزانيات الأجور الحكومية مكبوحة، مقارنة بالمستويات المعتادة، وتسير الحكومة بشكل دؤوب في الخروج من دعم الوقود كما يظهر في الشكل أيضا.

والقفزة التي نراها في معدل نمو ميزانية الوقود خلال 2017 ترتبط بشكل أساسي بارتفاع قيمة الدولار الذي زاد من تكلفة الوقود المستورد بالرغم من ارتفاع أسعاره محليا.

وساهمت زيادة أسعار النفط العالمية مؤخرا في زيادة الحاجة للاقتطاع من ميزانية دعم الوقود ورفع أسعاره محليا، ويرى مراقبون أن تحقيق الخطة المستقبلية التي يطرحها الصندوق بشأن ميزانية دعم الوقود قد تكون صعبة التحقيق.
العنصر الثاني الذي يراهن عليه الصندوق بقوة لتحسين الوضع المالي في مصر على المدى البعيد هو زيادة الإيرادات الضريبية، لكن تلك الزيادة تأتي بشكل أساسي من ضرائب الاستهلاك، حيث مرر البرلمان قبل أسابيع من توقيع اتفاق الصندوق قانون ضريبة القيمة المضافة الذي رفع السعر العام لضريبة المبيعات من 10 إلى 14%، وكما نرى في شكل 4 فإن معدل نمو ضرائب الاستهلاك يفوق معدلات نمو الضرائب الشخصية وضرائب الشركات.

لكن أساسيات الاقتصاد، أو كما تبدو في سيناريوهات صندوق النقد الدولي، ما زالت تضع البلاد أمام تحديات لا يستهان بها، فعلى مستوى إيرادات النقد الأجنبي لا يبدو من توقعات الصندوق أن ثمة طفرة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة ستتحقق، إذ تقل توقعاته، كما يظهر في شكل 5، عن الهدف الذي أعلنته الحكومة مرارا بصافي استثمارات بـ 10 مليارات دولار، بالرغم من الامتيازات السخية التي قدمتها الحكومة مؤخرا في مجالي تأسيس الاستثمارات والتراخيص الصناعية.

ولم يساعد التعويم، بالرغم من عنف الخطوة الأخيرة، على الحد من الواردات وساهم بشكل محدود في زيادة الصادرات وهو ما جعل العجز التجاري ينتهي في توقعات صندوق النقد المستقبلية إلى نفس معدلاته تقريبا قبل التعويم، كما يظهر في شكل 6.

بشكل عام نستطيع أن نقول إن تجربة مصر مع الصندوق منذ نوفمبر الماضي كانت تحقيق استقرار مبني على أسس هشة ( يرتبط بالديون بالأساس ) وحلحلة للأزمة المالية بطريقة بعيدة عن العدالة الاجتماعية
( التوسع في ضرائب الاستهلاك والحد من الدعم والأجور)، مع إجراءات اجتماعية لاتزال محدودة الأثر
( مثل التوسع في معاشات الفقراء والدعم الغذائي)، وشبه غياب لإجراءات تصحح المشكلات المزمنة في الاقتصاد المصري والتي تدخله كل عقد تقريبا لغرفة الإنعاش ( مثل اعتماده على استيراد المدخلات والمعدات بشكل رئيسي سواء للإنتاج المحلي أو للنشاط التصديري).

وتحتاج مصر إلى صيغة أخرى أعمق في الإصلاح وأكثر إنصافا من ناحية توزيع الأعباء، فالصندوق نفسه يطالب مصر بتنويع مصادرها الضريبية بدلا من الركون لضريبة القيمة المضافة الأسهل في التحصيل والأكثر عبئا على الفئات الأقل دخلا.
كما تحتاج البلاد إلى نمو محفز على التشغيل، فبالرغم من تحسن معدلات النمو خلال الفترة الأخيرة لكن مؤشر البطالة لا يزال فوق مستوى الـ 10%، ناهيك عن مشكلات ظروف العمل غير اللائقة والأجر المتدني والتي بالطبع قد تكون تزايدت خلال الفترة الأخيرة في ظل الضغوط المعيشية والتي تجعل قطاعات من العمالة تتمسك أكثر ضعفا في موقفها التفاوضي أمام صاحب العمل خوفا من السقوط في هوة الفقر.
وقد تبنت الحكومة مؤخرا حزمة من التعديلات التشريعية لتحفيز التصنيع والاستثمارات التنموية والتي سنختبر فعاليتها خلال الفترة المقبلة.
وأخيرا هناك حاجة ماسة لرؤية متكاملة لبرنامج الحماية الاجتماعية، وليس حلولا جزئية مثل التوسع في المعاشات النقدية. تحتاج مصر الى حزم متكاملة من الحماية تضمن تحقيق أهداف الدستور في توفير الحياة الكريمة للمواطنين وهو ما كان يتطلب البدء مبكرا في مشروعات كبرى مثل التأمين الصحي الشامل الذي أقره البرلمان مؤخرا والذي لازال يقف أمامه العديد من التحديات لضمان تطبيقه بشكل عادل.
[video_player link=””][/video_player]

كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.