fbpx

التغير المناخي: المطر سيعقبه جفاف والسدود ليست حلاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يشير تقرير أصدره “معهد مصادر العالم” والبنك الدولي بداية هذا العام، إلى أن نطاق التغير المناخي وأنماط النمو على مستوى العالم، تزيد من التهديدات المتمثلة بشكل رئيسي بالجفاف والفيضانات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشير تقرير أصدره “معهد مصادر العالم” والبنك الدولي بداية هذا العام، إلى أن نطاق التغير المناخي وأنماط النمو على مستوى العالم، تزيد من التهديدات المتمثلة بشكل رئيسي بالجفاف والفيضانات. ويعيش وفق هذا التقرير، حوالى نصف سكان العالم في مناطق تعاني من شح في المياه، وقد يصل العدد إلى 6 مليارات بحلول عام 2050. أما المناطق التي تعيش تحت تهديد السيول والفيضانات، فتقطنها نسبة 20 في المئة من السكان، فيما لم تتجاوز هذه النسبة بحسب التقرير ذاته 96 مليون إنسان عام 2017. ويقترح الباحثون والخبراء في تقريرهم الذي يحمل عنوان “تكامل الأخضر والرمادي”، جيلاً جديداً من بنى تحتية مستمدة من الطبيعة مثل إعادة التشجير، إعادة بناء المناطق الرطبة، إدارة الفيضانات والجفاف، إدارة موثوقة لجهة مرونتها مع النظام الطبيعي. وذلك من أجل مواجهة التغير المناخي والتقليل من مخاطره على سبل العيش والنظام الطبيعي.

وحذّرت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيّر المناخي” التابعة للأمم المتحدة في وقت سابق (تشرين الأول/ أكتوبر 2018)، من أثر التغيّر المناخي على الناس والنظم البيئية وسبل العيش في جميع أنحاء العالم، وذلك نتيجة الجفاف أو الفيضانات التي تؤثر بشكل أكبر في المناطق الأكثر فقراً وهشاشة في العالم. ونظراً إلى طبيعتها الجافة وشبه الجافة، تأخذ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيزاً واسعاً من الاهتمام العالمي، كونها تضم 6 في المئة من سكان العالم، وأقل من 2 في المئة من المصادر المائية المتجددة من مجموع المياه الحلوة فوق الكرة الأرضية، بحسب البنك الدولي.

كانت موجات الأمطار التي اجتاحت الشرق الأوسط في شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل من هذا العام، وتسببت بفيضانات كبيرة، من النوع الذي أشار إليه التقرير المذكور، وأدى إلى خسائر كبيرة في المال والأرواح وسبل العيش، ناهيك بالأضرار الجسيمة التي لحقت بالنظام الطبيعي والتنوع الأحيائي. وكشفت في الوقت عينه، عن عدم استجابة البنى التحتية التقليدية لمثل هذه الأمطار الغزيرة، التي يعود سببها بحسب الباحثين إلى تداخل موجات باردة بهواء ساخن مشبع بالرطوبة في الجو، وذلك نتيجة الاحتباس الحراري على الأرض.

إن السدود وأنظمة المعالجة والخزانات وقنوات المياه التقليدية، لم تعد وحدها قادرة على الاستجابة للمتغيرات البيئية، وذلك بسبب قدمها من جهة وزيادة الطلب على المياه والطاقة بسبب سرعة النمو، من جهة أخرى، عدا عن احتياج النظم التقليدية إلى المزيد من الطاقة، بينما تستطيع الحلول القائمة على الطبيعة أن تتأقلم مع المتغيرات، ومع الإدامة المرنة للمصادر الطبيعية والاعتماد على الطاقة المتجددة. ويشير وزير المياه والري الأردني الأسبق الدكتور حازم الناصر في هذا السياق إلى محطة تنقية الصرف الصحي- الخربة السمراء في الأردن حيث تعمل بنسبة 90 في المئة، على الطاقة المتجددة وتخدم نحو 70 في المئة من سكان الأردن وتستخدم مياهها لري الأراضي الزراعية.

ويرى الناصر، أن المنطقة معرضة أكثر من غيرها في العالم للتأثر بالتغير المناخي، وذلك بسبب مناخها وقلة مواردها المائية ناهيك بارتفاع درجات الحرارة. ولهذه الأسباب من المتوقع أن تشهد، “تراجعاً في المياه، والمزيد من الجفاف والارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة والفيضانات غير المعهودة كما شهدتها المنطقة من المغرب العربي إلى إيران في شهري آذار ونيسان الأخيرين”.

ولمواجهة النتائج المترتبة عن التغير المناخي، يقول الناصر، “لاستدامة الموارد المائية، لا بد من المواءمة بين الحلول المستمدة من الطبيعة وبين المشاريع التقليدية أو ما يسمى البنية التحتية الرمادية، وذلك من خلال إعادة التشجير والحصاد المائي وإعادة استخدام المياه، زد على ذلك الابتعاد من الأنماط الزراعية التي لا تناسب بيئة منطقتنا”. ويشير الناصر في السياق ذاته، إلى المحافظة على الموارد المائية من التلوث واستخدام مياه الفيضانات لتغذية المياه الجوفية طالما أن ذلك ممكن من الناحية الفنية.

بالنسبة إلى الباحث اللبناني نديم فرج الله، مدير برنامج التغير المناخي والبيئة في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، لا يمكن جمع الشرق الأوسط في منطقة واحدة كبيرة، فهي تتألف من ثلاث مناطق متشابهة مناخياً وجغرافياً وثقافياً وهي، ساحل البحر المتوسط (لبنان والمناطق الساحلية في مصر وتونس والجزائر والمغرب)، بلاد الشام (سوريا والأردن والعراق) وشبه الجزيرة. ويوضح فرج الله أن “معظم المناطق الداخلية في مصر والمغرب وتونس والجزائر وليبيا، مناطق قاحلة ويعيش فيها عدد قليل من السكان، باستثناء العاصمة المصرية القاهرة بطبيعة الحال. ويعيش أكثر من 50 في المئة من سكان المنطقة على طول الساحل وحوالى 60 في المئة في المدن”. تالياً، يجب أن يتطور نهج التكيف مع التغير المناخي في قطاع المياه وفقاً لهذه الخارطة.

إن الشبكات التقليدية لمياه الأمطار كما يصفها فرج الله، تقوم بجمع المياه الجارية وتصريفها إلى أقرب مجاري للمياه. وكذلك الحال بالنسبة إلى مياه الصرف الصحي، التي يتم تفريغها إلى يومنا في الأحواض المائية، “بينما هناك طرائق وأفكار أفضل وأكثر استدامة ترى في مياه الأمطار والصرف الصحي، مصادر مياه بديلة، يجب جمعها ومعالجتها وتخزينها من أجل الاستخدام لاحقًا”. تالياً، إن البنى التحتية الخضر أو الحلول القائمة على الطبيعة، والتي تعمل وفقاً للمبدأ المذكور، قد تناسب بعض المناطق الساحلية المتوسطية، إنما نظراً للامتداد المديني الكثيف، قد لا يكون ذلك ممكناً في المدن، بينما يمكن بالمقابل استخدامها في المناطق الريفية والزراعية. المطلوب كما يقول فرج الله “وضع مجموعة سياسات وقوانين تفرض إعادة استخدام مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار”.

إن سياسات الإدارة المائية تقتضي إنشاءات جديدة على نطاق المباني، والتنمية، والطرق، وما إلى ذلك. والمثال على ذاك هو قدرة المباني الحديثة على جمع مياه الأمطار ومعالجتها وتخزينها. ولا بد أن تفرض قوانين البلديات استخدام الأماكن العامة للحصاد وتخزين مياه الأمطار وتشجيع التعديل التحديثي للمباني الحالية، ناهيك بضرورة إصدار قوانين وطنية لفرض معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي. بإمكان هذه السياسات في حال تطبيقها وفقاً لفرج الله، “تطوير التقنيات والتصاميم وتكييفها للتغلب على ندرة المياه المتوقعة”.

في السياق ذاته، يشير الخبير في مجال حصاد المياه والأستاذ في جامعة كرميان في إقليم كُردستان سَركَوت غازي، إلى أن الإدارة المتكاملة للمياه قادرة على امتصاص شدة الآثار التي تتركها الفيضانات، ذاك أنها تتخذ سبلاً وتدابير علمية مسبقة وقائمة على الطبيعة بكفاءة عالية. ويقول غازي بهذا الخصوص: “إن حصاد المياه من خلال المشاريع العملاقة التي تتكفل الدولة ببنائها أو من خلال المشاريع الصغيرة التي يمكن أن يقوم المواطنون ببنائها، يعدّ واحداً من الإجراءات المتخذة لتخفيف المخاطر من جانب ولتلبية حاجات المواطنين إلى المياه من جانب آخر”.

إن أسباب تأثر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنتائج التغير المناخي، أكثر من غيرها، إضافة إلى انها منطقة جافة، “تعود إلى تخلف نظام السيطرة، والتوزيع، واستغلال الطبيعة ونظام الحماية، وإلى عدم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في إدارة المياه وعدم تحديث البنى التحتية القديمة”، هذا ما يقوله مدير سد دربنديخان في إقليم كُردستان العراق رحمان خاني. تالياً، إن التحديات المذكورة في المنطقة، بحسب خاني، تقتضي سياسات وأدوات جديدة لمواجهة التغير المناخي، وذلك من خلال إدارة كفؤة ومرنة تعتمد على قواعد بيانات متكاملة حول مصادر المياه من المنبع إلى المصب، وعلى إعادة تشجير المناطق المعرضة للجفاف والتصحر، إنشاء مراكز لإدارة الأزمات وتدريب الكوادر على التعامل مع الكوارث الناتجة عن التغير المناخي، ناهيك بالتعاون الإقليمي.

إن الإدارة المرنة للتأقلم مع التغيرات المناخية بغية التقليل من مخاطرها، يستوجب اللجوء إلى الحلول القائمة على الطبيعة وإشراك المجتمعات المحلية. ويشير الناصر إلى ضرورة ادخال مسألة التغير المناخي في المناهج المدرسية من أجل تأسيس جيل جديد يعي المخاطر وسبل مواجهتها. ويرى أن استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل محطات المياه وتنقية الصرف الصحي، مثال مناسب لمواءمة النظم الخضر مع النظم التقليدية.

في ما خص هشاشة المناطق الجافة أمام المتغيرات المتمثلة بالفيضانات والجفاف وموجات الحرارة العالية، يشير غازي إلى إمكان بناء سدود شبه غاطسة تعتمد على طبيعة المكان الجغرافية والجيولوجية والمناخية، والتي تمتاز بمرتفعات منخفضة وانحدارات قليلة. “ونظراً إلى ملاءمتها البيئة الجافة، فبإمكان السدود شبه الغاطسة لحصاد المياه، المحافظة على إبقاء التوازن الطبيعي من جهة، وتلبية الاحتياجات المائية للسكان المحليين من جهة ثانية” يقول الباحث.

صفوة الكلام، من شأن الإدارة المرنة والمستمدة من الطبيعة تجنيب السكان مخاطر الفيضانات في المواسم الممطرة وتوفير المياه لهم في فصول الجفاف. وتستوجب مثل هذه السياسة إعطاء الإدارات المحلية الصلاحية وإمكان اتخاذ القرارات، وإشراك السكان المحليين والقطاع الخاص، إضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه المراكز العلمية والأكاديمية، وفقاً للنظام الطبيعي والحلول المستمدة منه.

 

تم انجاز هذه المادة بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ 

المطر في العراق يوقظ الوعي بالغرق

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.