fbpx

من يخشى انتقاد إسرائيل؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من يحقّ له أن يحشد المعارضة ضد مجموعة ما، هي مسألة جدلية معاصرة وقديمة. يمكن للنكتة أو الاحتجاج، بين اليهود، أن يكون تأكيداً لصحّة المعتقدات القاتلة إذا سمعها أو رآها مُعادو السامية. لكن يحق لكل جماعة أن تتحدّث دائماً عن نفسها بأمانة وبغضب، عندما يستحق الأمر ذلك، دون خوف من كراهية الغرباء المنحازين بالفعل ضدهم. فهل يعني ذلك التوقّف عن إطلاق النكات حول المحرقة – أم إطلاق المزيد منها؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا الربيع، وخلال الحقبة الوجيزة لإحياء مسيرة روزان بار ثم انحسار بريقها كنجمة تلفزيونية،  ظهرت صورٌ مسيئة على الإنترنت. فقد ظهرت بار في الصورة بمئزر أحمر مربوط حول خصرها، ترتدي شارب مستعار يشبه شارب هتلر وشعر بنّي مستعار مقسوم حول مقدمة رأسها. يزيّن قميصها البنّي شريط أحمر دموي حول الذراع وصليب معقوف أسود. كانت تمسك طبق “بسكوت” مقطّع على هيئة أشكال بشريّة متفحّمة بصورة بائسة من المفترض أنها تشير لمقرمشات ساميّة.

انهار بريق روزان، التي تهاوت سجلات تقييمها منذ أول ظهور إعلامي لها في أواخر مارس، بسبب سلسلة من التغريدات العنصرية التي وجّهتها بار إلى فاليري جاريت، كبيرة مستشاري أوباما. وأشار مُغرّدون غاضبون إلى الصورة التي يقترب عمرها من عقد من الزمان كدليل طويل الأمد على تعصّبها.

كتبت سيدة ” لا أصدق أن روزان متعصّبة مضطربة العقل. لو كان هناك دلالات فقط”. تحوّلت الصورة إلى صورة فكاهية (meme) مصحوبة بعبارات: “ماذا، أنا؟ متعصّبة؟!!”. اعتذرت بار في النهاية عن التغريدات وأُلغي عرض البرنامج فجأة، ولكن ليس قبل أن تتّهم “حزب الاندماج والتنوع والتفهّم وقبول الآخر” -الديمقراطيون، ربما؟- بـ”الإعدام الغوغائي لليهود”.

اتّضح أن الصورة جزء من مجموعة صور التقطتها مجلّة أمريكية يهودية تُسمّى “Heeb” لبار كـ”إلهة مطبخ النازية”. أوقفت Heeb نسختها المطبوعة في 2010، وكانت مجلة ساخرة وأحياناً تحريضية. لاحظ أن العنوان، على سبيل المثال، وصورة الغلاف لسارة سيلفرمان، التي وقفت خلف مفرش أبيض به ثقب، في إشارة لطقوس الزواج لدى المتعصّبين اليهود الأرثوذكس. قامت بار بالتصوير عام 2009 عندما كان الوقت سانحاً في عصر ما قبل مشاكل الفكاهة. ولكن حتى في هذا العصر الوقح، كانت النكتة بالنسبة لمن فيها تُعتبر “حادة”.

اعتُبرت الصورة على نطاق واسع – كما هو الحال الآن – على أنها معادية للسامية، على الرغم من ظهور يهودية فيها، ونشرها على يد يهود، في مجلة يهودية قرأها اليهود في الغالب، وبالتأكيد سُوِّقت لهم. وصلت الضجّة في ذلك الوقت إلى مرحلة دفعت جوشوا نيومان، ناشر مجلة “Heeb” إلى نشر شرح لما كان يفكر فيه. كتب نيومان أن فكرة “Heeb” هي “استجواب” الصور النمطية والأفكار حول اليهودية المعاصرة والهوية المعاصرة. بار و”بسكوتها اليهودي” (عنوان المقالة: ” مشاعر الفرن”) في هذا الوقت، كانت طريقة لخرق ” قدسية عدم المزاح عن المحرقة والنازية” واختبار ما يمكن أن يقال أو لا يقال عن المحرقة. يُكمل نيومان “يُلقي اليهود النكات عن المحرقة منذ وقوع المحرقة (أعتقد أنه كان حي اليهود في وار صوفيا حيث أشار السكان اليهود إلى هتلر بشكل منتظم باسم” هورويتز).”لكن هذه النكات تُطلق في المحادثات الخاصة أو في الخفاء. وجدت هذه النكات طريقها في السنوات الأخيرة نحو أكثر المحادثات علانية”.

إن الدرس المستفاد من هذا الموقف، وهو في الحقيقة يدور حول حدود النقد المسموح بها داخل المجتمعات اليهودية وخارجها، قد أصبح أكثر أهمية. وينعكس ذلك بشكل صارخ في الشباب ومعظمهم من النساء من الناشطين اليهود، من مجموعة تدعى  (إن لم يكن الآن) “IfNotNow” الذين انسحبوا مؤخراً من جولة مؤسسة “بيرثرايت” في إسرائيل. تُقدّم “بيرثرايت” لأولئك الذين لا يعرفونها، رحلة مجانية “تُغيّرالحياة” إلى إسرائيل لليهود من سن 18 إلى 26، بهدف “تحويل المستقبل اليهودي”.

رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يلقي كلمة خلال الحفل السنوي لجمعية “بيرثرايت”

في كتاب من تأليفي عن اليهودية، وصفتها بأنها “جولة اقتسام عاطفي للوقت في أرض الميعاد” مُصمَّمة لتقوية الروابط مع إسرائيل، أو، وهذا على الأرجح أكثر أهمية، لإقناع المشاركين يوماً ما بأن يُنشئوا أطفالاً يهوداً. مؤسسة “بيرثرايت” التي تأسست في عام 1999 على يد فاعلي الخير اليهوديين تشارلز برونفمان ومايكل شتاينهارد، واليوم، أكبر مموّل لـ”بيرثرايت” هو المُتبرّع الصهيوني الكبير المثير للجدل من الحزب الجمهوري، شيلدون أديلسون.

نشرت إحدى المتظاهرات، وتُدعى كاتي فنستر، وهي يهودية علمانية من ولاية ساوث داكوتا، وتبلغ من العمر 25 عاماً، بثاَ مباشراَ للاحتجاجات على “فيسبوك”، وانتشر الخبر عالمياً. (خرجت لاحقاً مسيرتان أُخريان من قبل مجموعة مختلفة من نشطاء IfNotNow وعدد آخر من المتظاهرين). نشرت “مجلة نيويورك” تقرير مُطوّل عن الاحتجاج، والذي ضمّ عدد من المحتجين يرفعون لافتة كتب عليها “انهوا الإحتلال” أثناء مسيرة بالجمال في الصحراء، وأثار التقرير تساؤلات منظمي الاحتجاج حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين.

هذه ليست المجموعة الناشطة اليهودية الوحيدة التي تنتقد إسرائيل علناً. هناك جماعات أخرى مثل (اليهود من أجل حق العودة الفلسطيني)، (صوت اليهود من أجل السلام)، و(التوراة: الدعوة الحاخامية لحقوق الإنسان)، وآخرين. تضمّ حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والتي تسعى إلى عزل إسرائيل مالياً وثقافياً، العديد من الأعضاء اليهود في صفوفها وكذلك من الداعمين لها. فاق هذا الاحتجاج التصوّر العام، حيث بدت المشاعر الليبرالية الشعبية وكأنها انقلبت ضد إسرائيل للأبد.

“هل يعني ذلك التوقّف عن إطلاق النكات حول المحرقة – أم إطلاق المزيد منها؟… أنا أدعم الاقتراح الأخير”

بالإضافة إلى إضرابات “بيرثرايت” (حق البكورية)، كانت هناك لحظات مهمّة للغاية مثل إطلاق برنامج Black Lives Matter (حياة السود مهمة)، الذي شمل معارضة للصهيونية، ومنع مجموعة من المتظاهرين اليهود يحملون علم نجم داود من تنظيم مسيرة فخر المثليين في شيكاغو. كثيراً ما ينتقد أو يتحفّظ يهود إسرائيل والشتات أو تراودهم مشاعر  انتقادية وأحياناً عدائية تجاة البلاد، لكن في الخفاء، كما قال نيومان. أما الآن، يبدو أن اليهود لم يجاهروا بهذه الانتقادات وحسب، بل كان مُتوقّعاً منهم، أو ربما مرغمين على القيام بذلك.

هل فَكّرت فينستر والمحتجّون الآخرون في “بيرثرايت” في هذه القضايا – الانتقادات العامة والخاصة، والتمييز بين الانتقاد داخل الجماعة وخارجها – قبل البدء في الإضراب؟ أخبرتني فينستر أنهم فعلوا ذلك. كانت “بيرثرايت” على الرغم من ادّعائها بأنها “غير سياسية”، ترى أنه من ممارسة الدعاية الصهيونية أن تخبرها إحدى المرشدات السياحية “بغض النظر عن كونه رجل أو امرأة، لابد أن تتزوّجي بشخص يهودي”. يعتقدون بضرورة مواجهة مثل هذه الأمور. ومع وجود نحو 650 ألف يهودي ممّن استفادوا من سخاء “بيرثرايت”، وقبلوا مذهبها المؤيد للصهيونية، “فالأمر أصبح علنياً بالفعل”.

أخبرتني فينستر أنها قررت الذهاب إلى “بيرثرايت” للتقرب من هويتها اليهودية، ولا سيما مسؤولياتها الأخلاقية وتناقضاتها في العصر الحديث. تؤكد رغبة فينستر في فهم فكرة “إصلاح العالم”، و “التصالح مع العنف الذي تراه في نشرات الأخبار عن غزة وأماكن أخرى”، على أنها يهودية حتى الصميم. إنه أمر شجاع للغاية – ليس أمراً بسيطاً أن ينتقد يهودي أميركي إسرائيل داخل إسرائيل، في رحلة تعتبر تجربة مهمّة جداً بالنسبة للكثير من اليهود الأميركيين المهتمّين بدينهم وهويّتهم العرقية.

قالت إن المشاركين في الجولة والمنظّمين لم يرغبوا في النقاش معها ومع زملائها النشطاء بشأن معضلة الاحتلال والمنفى، وهي مواضيع يهودية عميقة. تقول “من المهم ليهوديتنا أن تقف وتقول إن الاحتلال لا يمثل اليهودية أو القيم اليهودية. كان هذا هو أكثر شيء يهودي قمت به على الإطلاق”.

من يحق له أن يحشد المعارضة ضد مجموعة ما، هي مسألة جدلية معاصرة وقديمة. هذا هو السبب الذي جعل بعض اليهود يتراجعون عن IfNotNow أو Heeb. يمكن للنكتة أو الاحتجاج، بين اليهود، أن يكون تأكيداً لصحة المعتقدات القاتلة إذا سمعها أو رآها مُعادو السامية. لكن يحق لكل جماعة أن تتحدّث دائماً عن نفسها بأمانة وبغضب، عندما يستحق الأمر ذلك، دون خوف من كراهية الغرباء المنحازين بالفعل ضدهم.

هل يعني ذلك التوقّف عن إطلاق النكات حول المحرقة – أم إطلاق المزيد منها؟ (أنا أدعم الاقتراح الأخير). من جهته، أخبرني نيومان أن احتجاجات IfNotNow ربما لم تكن مختلفة عن استفزازات Heeb السابقة. وقال “نحن نرى الأمر من وجهات نظر مختلفة. ولكن ما هي قيمة الفكاهة الآن؟ ماذا فعلت لنا النكات؟ اليوم، ربما نحن نفعل نفس ما يفعلوه”.

ثيودور روس

هذا المقال مترجم عن موقع New Republic ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

إقرأ أيضاً:
المؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال يعيد تعريف معاداة الصهيونية ومعاداة السامية
دولة إسرائيل مقابل الشعب اليهودي
كيف تعلّم يهود أميركا أن يكونوا ليبراليّين؟

كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.