fbpx

أمي معتقلة في سوريا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

العتمة وفقدان الانترنت القسريّ أدخلا السوريين في تجربة جديدة من العزلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يخطر في بالي يوماً أنني سأعجز عن سماع صوت أبي حتى على الهاتف، أو أنني سأنتظر اليوم بطوله لأكلّم والدتي لبعض الوقت وعلى عجل، وأنني في حال اتصلت عائلتي ولم انتبه أو كنتُ نائمة بسبب الاختلاف بين توقيت البلدين، سأشعر بذنب وحرقة، ففرصة تواصلنا الوحيدة تكون قد ضاعت حتى يوم آخر.

فقد أهلي داخل سوريا كل وسائل التواصل مع العالم الخارجي، مع انقطاع شبه كامل للانترنت والكهرباء، يمنحهم السجان بين الحين والآخر بعض الوقت ليخرجوا ويتنفسوا ثم يعيدهم مجدداً إلى سجنهم.

كما سجن صيدنايا وسجن تدمر، تمكن نظام الأسد من إنشاء سجن أكبر اسمه سوريا، الذي يمتد إلى كل المدن الخاضعة لسيطرة النظام. يجلس الناس في بيوتهم، أو ربما يعتقدون ذلك، إلا أنهم في الحقيقة يقبعون في سجن كبير، أعتقد أنه لم يخيل للسوريين يوماً أن يفقدوا القدرة على التواصل بين بعضهم البعض، إذ تعاني المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام منذ أشهر من انقطاع شبكة الاتصالات الخليوية والأرضية والانترنت بشكل شبه كامل، بينما لا تأتي الكهرباء إلا لوقت قصير، جاء هذا الانقطاع الحاد، بحسب حكومة النظام، بسبب فقدان الفيول، وعدم القدرة على تشغيل أبراج الاتصالات.

العتمة وفقدان الانترنت القسريّ أدخلا السوريين في تجربة جديدة من العزلة، إذ يعجزون عن طلب النجدة مثلاً إذا أصاب فرد من عائلاتهم طارئ صحي فالاتصالات مقطوعة، وكذلك الوقود، سيارات قليلة تمشي في الشوارع، في ظل عجز عن الوصول إلى الخدمات الطبية، إنها بعض أساليب النظام في قتل الناس. “أخشى أن يصاب أحد أفراد عائلتي بالمرض، قريتنا بعيدة ولا يملكون سيارة والاتصالات مقطوعة ووالدي مريض قلب، ماذا لو أصيب بأزمة في وقت متأخر؟”، يقول صديقٌ يخشى المستقبل كما أخشاه أنا تماماً. نحن الجالسين على الضفة الأخرى، نشاهد عائلاتنا مكسورة ومقهورة، نعجز عن الاستمتاع بحياتنا، فيما نعجز أيضاً عن إنقاذ الذين نحبّهم من الجحيم.

“ما كانت العتمة صعبة هالقد بس مع قطعة الإنترنت، صرت حس حالي مخنوقة

تتسلل العتمة إلى قلب أمي، هكذا تخبرني، وبدل التحدث عن أشياء طبيعية، كزيارة للأقارب أو وصفة طبخة لذيذة، تواصل إخباري عن وضع الكهرباء المزري، وتذكرني كل بضع الدقائق: “إذا رحتْ فجأة بكون فصل النت”، وأفكر إلى أين ستذهب أمي فجأة؟ نعم إلى السجن الكبير، هي الآن في فسحة التنفس وستعود بعد قليل إلى سجنها، تتحول محادثتي مع والدتي إلى شكوى عن العتمة وانقطاع الاتصالات والخوف الذي تشعر به، عن أبي العجوز الذي تُخبِئ مصباح اليد الأخير له كيلا يتعثر ويقع، أمي التي تضع “بيل” بحجم إصبع اليد، تحت وسادتها حتى تضيئه ليلاً حين تذهب إلى الحمام. وسط كل هذا، أعجز عن مواساتها، لا يمكن أن تواسي شخصاً يعيش في العتمة معزولاً عن العالم الخارجي.

تغيب الكهرباء من 5 إلى 13 ساعة، تأتي ساعة أو أقل ثم تغيب مجدداً، ويختلف هذا بين مدينة وأخرى، في بعض الأحيان تأتي الكهرباء ربع ساعة فقط، لا تكفي لشحن بطاريات الليدات ومصابيح اليد، في الغالب يأتي الانترنت مع قدوم الكهرباء، تكون خلالها الإشارة ضعيفة.

“ما كانت العتمة صعبة هالقد بس مع قطعة الإنترنت، صرت حس حالي مخنوقة”، تقول أمي، التي تعجز عن التواصل مع أبنائها المنتشرين في هذا العالم، صورٌ متقطعة، أصوات تروح وتجيء، هكذا يبدو السلام والشوق اليوم، بين الأبناء البعيدين والأمهات الملوعات، وكأن النظام، ولأنه لم يتمكن منّا، ينوي معاقبة أمهاتنا الوحيدات بطريقة أو بأخرى. 

قد يبدو الوضع في المدن الكبيرة أفضل بقليل من ناحية الكهرباء ليس لأن الكهرباء تأتي بشكل أكبر، بل لأن القرى تعاني من مشكلات إضافية، إذ تعاني وبخاصة النائية منها من عتمة خانقة، حيث البيوت متباعدة، فيبدو مجرد الخروج ليلاً تحدياً وسط انتشار الكلاب الضالة والذئاب والضباع في مناطق كثيرة، هاجمت الذئاب المتوحشة قطيعاً من الأغنام في محافظة السويداء في الجنوب السوري، ماذا كانت ستفعل هذه الذئاب لو خرج إنسانٌ أمامها؟ السوريون هدفٌ لنظام الأسد وللذئاب والضباع.

انقطاع الكهرباء وسط الشتاء عقاب آخر لعائلاتنا، إذ يجتمع البرد والعتمة والخوف والمستقبل المظلم، بينما الهواء يعصف في الخارج، الأبواب والشبابيك تهتز، ويتسلل صفير الهواء إلى القلوب، يزيد الشتاء قسوةَ العتمة، ربما لأن الشمس تغيب باكراً، في الشتاء شيء يجعل العتمة أكثر قسوة وثقلاً. 

أفكر لماذا نواصل الحديث عن الآلام ذاتها؟ ربما لأننا لا نريد اعتيادها، لا نريد أن تصبح العتمة شيئاً عادياً، لذا أجد في غضب أمي ووالدي طريقة لرفض الواقع، تخيفني فكرة الاعتياد على الظلم، وأجد الكتابة حلاً أخيراً أملكه لأقول أنه في سجنٍ يدعى سوريا، هناك عائلات يحاصرها الديكتاتور الذي يستخدم سلاح العتمة والعزلة ضد أمهاتنا وأبائنا، ضد آخر من تبقى لنا في تلك الأرض.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.