fbpx

كيف تتجنّب المنطقة العربية مخاطر الأمن الغذائي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يكمن فشل السياسات البيئية في العالم العربي، في الاستجابة للأحداث في أوقات الشدة، ويعود سبب ذلك إلى غياب ما يسمى بالاستدامة في رسم السياسات العامة، بما في ذلك سياسة إدارة الموارد الطبيعية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للموسم الثالث على التوالي، تتعرض أقاليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لجفاف غير مسبوق نتيجة تراجع ملحوظ في نسبة الهطول المطري الموسمي. وقد أدت سنوات الجفاف المتعاقبة ليس إلى تدهور الإنتاج الزراعي وحسب، بل عرّضت مدناً عربية في المنطقة إلى أزمة العطش أيضاً؛ ذلك أن خزانات المياه (السدود) التي تغذي مدناً في تونس والمغرب وسوريا ولبنان والعراق، تعاني من تراجع مقلق، قد يؤدي إلى حالة الطوارئ المائية. 

وعلى رغم اختلاف الآثار الناجمة عن الجفاف من إقليم الى آخر، تبدو أزمة الحصول على الغذاء هي القاسم المشترك لها بين معظم البلدان، الأمر الذي يقود سكان مناطق واسعة في العالم العربي إلى مخاطر الأمن الغذائي والهجرة المحلية والاضطرابات الاجتماعية. وتُعد بلدان شمال أفريقيا من بين البلدان الأكثر تأثراً بأزمة الجفاف المتواصلة منذ سبع سنوات؛ تونس والمغرب والجزائر بشكل خاص، إذ تبدو خزانات المياه فيها شبه فارغة.

وقد وصل تهديد العطش إلى العاصمة التونسية نتيجة تراجع مخزون السدود المائية إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ البلد. ففي سد سليانة على سبيل المثال لا تتجاوز كميات المياه الحالية أربعة ملايين متر مكعب بينما يتّسع السد لنحو 27 مليون متر مكعب، ما حيّر الفلاحين في مواجهة موسم زراعي صعب للغاية. ولا يختلف الوضع في المدن المغربية والجزائرية عما تعانيه المدن التونسية من أزمة المياه والغذاء. ويصنف “معهد الموارد العالمي” كلاً من المغرب وتونس وليبيا والجزائر من بين الدول الـ30 الأكثر تعرضاً لشح المياه على كوكب الأرض.

وفي سياق متصل، تشير نتائج استطلاع أجراه مركز الباروميتر العربي في عامي 2021-2022، إلى أن معظم المواطنين في 6 من أصل 10 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقد نفد طعامهم قبل أن يحصلوا على الأموال لشراء المزيد. وجاء في الملخّص التنفيذي للاستطلاع المذكور والذي شمل مصر، موريتانيا، السودان، العراق، تونس، ليبيا، لبنان، الأردن، المغرب وفلسطين: “أفادت غالبية السكان في هذه البلدان بنسب تتراوح بين 53 في المئة في ليبيا و68 في المئة في مصر، أن غذاءها كان ينفد قبل أن تحصل على المال لشراء المزيد”. وأعرب نصف المواطنين في 9 بلدان عن قلقهم إزاء نفاد الغذاء، في ظل عجز عن شراء المزيد بحسب الاستطلاع. 

إن نمت هذه النتائج عن شيء، إنما تنم عن مأزق تواجهه بلدان عدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ فترة طويلة، نتيجة أسباب متعددة أدت الى ارتفاع هائل في نسبة المواطنين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في بلدان متوسطة الدخل، بينما تسجل في جوانب أخرى معدلات متوسطة أو مرتفعة من مؤشرات التنمية البشرية. ويمكن فهم هذا التفاوت بين هبوط المستوى المعيشي وارتفاع التنمية البشرية، في حال مقارنة التكاثر السكاني بتراجع الموارد الطبيعية في منطقة توصف عالمياً بالنقطة الساخنة مناخياً.

على رغم اختلاف الآثار الناجمة عن الجفاف من إقليم الى آخر، تبدو أزمة الحصول على الغذاء هي القاسم المشترك لها بين معظم البلدان.

الأسباب الكامنة خلف أزمة الغذاء

تعود أسباب تردي الأمن الغذائي وفقاً لبيانات هذا الاستطلاع، إلى تحديات تواجه المنطقة، صُنِّفت في الدراسة على النحو التالي: 

أولاً: يبلغ الشعور بالإعياء من الديمقراطية، ذروته في أوساط الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حتى وإن ظلوا يفضلون الديمقراطية على بدائلها. وتشير هذه النقطة إلى أن إمكان الحصول على الغذاء تأثر سلباً بالتحولات السياسية والاجتماعية والصراعات الدائرة في العالم العربي. وازداد عدد من يعانون من سوء التغذية في المنطقة من 44 مليون نسمة بين 2004 و2006 إلى 55 مليون بين عامي 2016 و2018، ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى الفشل في بناء الديمقراطية ودولة القانون، ناهيك بالنزاعات الدائرة في كل من العراق، ليبيا، الصومال، سوريا واليمن.

ثانياً: تشير الفجوة بين الجنسين في تقارير انعدام الأمن الغذائي مجدداً، الى العواقب المترتبة على عدم التكافؤ الحاد بينهما في سوق العمل. فعلى مدار السنوات العشرين الماضية، كانت مشاركة النساء في سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي الأدنى مقارنة بمناطق أخرى في العالم، فنجمت عن ذلك عواقب مدمرة على صحة الأداء الاقتصادي في المنطقة، تحديداً على النساء أنفسهن.

ثالثاً: تبدو الاختلافات بين المناطق الحضرية والأرياف واضحة من ناحية الأمن الغذائي كما جاء في تفاصيل الاستطلاع. على سبيل المثال، نسمع في لبنان والمغرب وتونس عن أخبار نفاد الغذاء أو الخوف منه في أوساط مواطني المناطق الريفية، بتواتر أكثر مقارنة بسكان المدن. إضافة إلى نقص الخدمات وتدني معدلات التعليم، يشير جانب آخر من الشرخ الملحوظ بين المناطق الريفية والحضرية، الى أن انعدام الأمن الغذائي قد يكون أعلى في المناطق الريفية بسبب التحديات الزراعية التي يواجهها سكان الأرياف، بخاصة أن المناطق الريفية تعد الحزام الزراعي في البلدان الثلاثة المذكورة. 

رابعاً: على رغم تباين آراء المواطنين بخصوص أزمة المناخ على مصادر الغذاء وسبل الحصول عليها، إلا أنها تركت آثاراً موثقة وواضحة في الغذاء ومياه الشرب، بخاصة في ظل تقاعس الحكومات عن معالجة التحديات المناخية من جانب، والتدهور البيئي الحاصل نتيجة البصمة البشرية على النظم البيئية من جانب آخر. فإلى جانب الجفاف غير المسبوق الذي يهدد تونس بالعطش والمخاوف من انهيار القطاع الزراعي في المغرب والجزائر، وبلدان في الشرق الأوسط، لا تبدو السياسات الحكومية فاعلة للحيلولة دون تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي.

لماذا هذا الإهمال كله؟

يكمن فشل السياسات البيئية في العالم العربي، في الاستجابة للأحداث في أوقات الشدة، ويعود سبب ذلك إلى غياب ما يسمى بالاستدامة في رسم السياسات العامة، بما في ذلك سياسة إدارة الموارد الطبيعية. ولو استجابت الحكومات قبل عقد من الآن للتحذيرات والتوقعات بخصوص حصول جفاف كبير ومتواصل في المنطقة العربية، لكانت آثار الأزمة الحالية أقل وطأة على كاهل المجتمعات في الوقت الراهن. ففي تقرير شامل أصدره “معهد مصادر العالم” في آب/ أغسطس 2015، تصدر 14 بلداً عربياً لائحة 33 بلداً تواجه شح مياه حقيقياً. ومن الناحية الزمنية، توقع التقرير في ذلك الوقت، حصول شح المياه بعد عقدين ونصف العقد من وقتها، وها نحن لم نكمل عقداً واحداً، فيما بدت ملامح الأزمة واضحة على جميع مناحي الحياة. 

ومن بين تلك البلدان التي ذكرها التقرير في المنطقة: السعودية، البحرين، الكويت، الإمارات، لبنان، فلسطين، قطر، إيران وإسرائيل، مشيراً إلى أن عوامل مثل الإدارة السيئة، التبذير وازدياد عدد السكان في هذه البلدان، تعد من العوامل الإضافية لموجات الجفاف، والتي تضرب مناطق في العالم بسبب أزمة المناخ الناجمة عن الانبعاثات الحرارية. إضافة الى التقرير المشار إليه، أكدت دراسات أكاديمية أخرى، من بينها تقارير وكالة الفضاء الأميركي، أن أقاليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تواجه مثل أزمة الجفاف الحالية منذ 900 سنة. وهي بالتالي تعاني أكثر من أي منطقة أخرى في العالم من ناحية نقص المياه في المستقبل.

وفي السياق ذاته، أظهرت دراسة علمية أخرى صدرت عن “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” عام 2020، تأثر منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل حاد بأزمة المناخ. وتوقعت تلك الدراسة أن تتناقص نسبة الهطول المطري 40 في المئة في العقود الثلاثة المقبلة، ما يؤدي إلى نقص كبير في الإنتاج الزراعي في منطقة تعاني أساساً من مشكلات مثل ندرة الموارد، الجفاف والصراعات، ناهيك بالتفاوت الاجتماعي المستفحل والتكاثر السكاني.

نتيجة عدم استجابة البلدان لتلك التحذيرات بشأن الإدارة الفعالة للموارد الطبيعية والقضاء على التبذير ووضع استراتيجية للصحة الإنجابية، نشهد اليوم نوعاً من التخبط في مواجهة شح المياه وانعدام الأمن الغذائي الناتج منه. ففي الجزائر مثلاً، أعلنت الحكومة عن إنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي البالغ طوله ألفاً ومائتي كيلومتر مربع، تجنباً لتداعيات ندرة تساقط الأمطار. كما استحدثت الحكومة (شرطة المياه) للقضاء على هدر هذه الثروة الثمينة، إنما تقتضي الأزمة خططاً وطنية وإقليمية مستدامة تتصدرها المسألة المائية. 

لن تحل الإجراءات الآنية الأزمة، وعلى العالم العربي أن يعيد رسم السياسات العامة، الاقتصادية والتنمية البشرية والسياسية – الأمنية والتعليمية وفق “الماس الأزرق”؛ من دون ذلك سوف لن ينتشله أحد. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.