fbpx

“هل نعلن هزيمة الربيع العربي؟”:
مأزق الديمقراطيين العرب في ظلّ مصالحات الأنظمة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ضمن ملف “هل نعلن هزيمة الربيع العربي؟”، تناقش ديانا مقلّد المتغيرات التي شهدتها المنطقة على المستوى السياسيّ، التي “توّجت” بوقوف الأسد في القمة العربيّة، أمام فشل أميركي وأوروبي في ردعه، وتغير خطاب أنظمة الخليج التي دعمت الثورات بداية، ثم رحبت بمن وأدها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نطرح في “درج” سؤال الهزيمة والربيع العربي، بعد 13 عاماً على شرارة الثورات في الساحات والميادين، المتغيرات الجديدة من التطبيع العربيّ مع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى ديكتاتورية عبد الفتاح السيسي وقيس سعيد، وقائع دفعتنا إلى التأمل، ماذا تبقى لنا من الربيع العربي؟

نجرؤ على السؤال، بعد انهيار العواصم العربية التقليديّة، بغداد، دمشق، بيروت، القاهرة، والملاحقات التي يتعرض لها فنانون وصحافيون ونشطاء في عالم عربي يعلن أن السلطة لا يمكن التنازل عنها، وأن السجن هو مصير كل من يطرح سؤالاً.


“شو بعدنا عم نعمل هون…شو الفايدة؟”

لا أستطيع إحصاء عدد المرّات التي طرح فيها هذا السؤال أو ما يعادله. نثيره دون انتظار جواب بالضرورة، فالخيارات تكاد تكون معدومة. البقاء والعيش في بلاد منهارة وفي ظل الديكتاتوريات، بات قدراً حتى حين نحاول تجميل الواقع في فضاءاتنا الصغيرة بنقاش طموح حول عدالة اجتماعية وسياسية ونظم اقتصادية، إذ نجد أنفسنا في النهاية أمام أفق مسدود.

استُهدفت بيروت بانهيارات اقتصادية وبتفجير مرفأها، ودمشق استردها الظلام الأسدي، والقاهرة في قبضة العسكر فيما الخرطوم تنازع، وبغداد تتعثر أما تونس فتحثّ الخطى نحو العودة إلى ما قبل الثورة.

هذا الواقع جعل الخذلان وفقدان الرغبة في فعل أي شيء يطغيان على جموع عربية واسعة، لم تعد تحركها انتهاكات أو فضائح فساد. لم يعد الاحتجاج خياراً تلقائياً، وكأننا بتنا حيال مجتمعات لا مبالية، تم تسليح يأسها وخيبة أملها الذي تحول إلى قدرة هائلة على ابتلاع القمع والظلم بوصفهما الوضع الراهن الجديد.

هل نعلن هزيمتنا؟ 

مع تمدد الطور المعتم والمسدود الذي تمرّ به المنطقة، وهو طور مُقلق بالمعنى الوجوديّ، يبرز سؤال حول ما إذا كانت أكلاف الثورات، بعد سحقها وتدميرها أكبر من أن تتحملها أجيال هتفت وحشدت وهُجّرت وسُجنت وقُتلت وحلمت وتحطمت في السنوات الماضية.

كانت الهموم مشتركة بين محتجي الموجة الأولى من الثورات من مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، ولاحقاً بين محتجي الموجة الثانية في العراق والسودان ولبنان. ثورات بدأت سلمية تطرح أفكاراً تغييرية من حرية وعدالة اجتماعية، كانت النساء فيها ضمن موقع متقدم، قبل أن تنقلب القوى الحاكمة والمتشددة عليها.

هزيمة مطالب التغيير والحرية أمام الاستبداد ووحشية الأنظمة والميليشيات، تردنا إلى الأسئلة الكبرى المؤجلة: كيف نخرج من الانحطاط الذي تراكم حتى بات بنى سياسية طائفية وثقافية واقتصادية استحوذت على الفضاء العربي!

لا شك في أن المسمار الأخير في جثمان الثورات العربية التي تقدمها شبان وشابات عام 2011 شهد صفحة النهاية، مرحلياً على الأقل.  ذروة تلك المشهدية تجلت في قمة جدة لزعماء الدول العربية، حيث كان ذاك الاستقبال الاحتفائي بديكتاتور سوريا بشار الأسد،  بمثابة ستار النهاية.

تهدف العودة الرسمية للأسد إلى جامعة الدول العربية إلى الاحتفاء بانتصار الاستبداد، وهذه الحقيقة يحاول مؤيدوها عقلنتها بأنها براغماتية، لكنها ليست سوى تلخيص للتضامن بين ديكتاتوريي المنطقة وتقديمهم الجماعي للاستبداد على أي إصلاحات وتطوير.

يحصل ذلك برضا غربي ضمني مهما تباينت الرسائل. صحيح أن عواصم غربية بينها واشنطن لاتزال ترفض التطبيع مع نظام الأسد لكن  مد السجادة الحمراء للأسد والاحتفاء به هو انعكاس مباشر لعيوب السياسة الخارجية الأمريكية والغربية عموماً في المنطقة. فالدعم الانتقائي لـ “المبادئ الديمقراطية” يشبه عدم الوقوف إلى جانب أي شيء. الفشل في ردع الأسد وحلفائه عن ارتكاب جرائمه هو نتيجة التضعضع الأميركي والغربي وضيق الأفق والخطوط الحمراء غير القسرية.

شاهد العالم مجرم حرب يقف لالتقاط الصور في قمة إقليمية بعد تشريد نصف شعبه. هذا الحضور هو مسمار في نعش التزام عالمي يتم تجاهله وهو حماية السكان. 

منذ بدء الاحتجاجات عام 2011، قُتل أكثر من 30 ألف طفل في هجمات شنتها قوات النظام السوري في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، فإن أكثر من 47 في المئة من 5.5 مليون لاجئ يقيمون في البلدان المجاورة هم دون الخامسة والعشرين، وأكثر من ثلثهم لا يحصلون على التعليم. آمالهم في مستقبل أكثر أماناً وديمقراطية – الآمال ذاتها التي أشعلت ثورة 2011 في البداية – لم تعد ممكنة في سوريا الأسد.

صحيح أن الخيبة السورية ليست الخيبة الوحيدة في المنطقة لكنها الأكثر قسوة بلا منازع. ولا تزال ذكرى الثورات العربية التي انطلقت عام 2011 حاضرة دائما في أذهان قادة المنطقة، خوفًا من اندلاع موجة أخرى من الانتفاضات بسبب الإحباطات الاقتصادية المتصاعدة.

سلطت القمة العربية، التي عقدت في 19 أيار/ مايو الماضي في جدة بحضور بشار الأسد للمرة الأولى منذ 12 عاماً، الضوء على مشروع إعادة تموضع إقليمي بقيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

تقف خلف هذا التموضع شخصية بن سلمان الذكية والمتهورة والقاسية، إذ شرع الأمير البالغ من العمر 37 سنة، في جهود دبلوماسية كبيرة تهدف إلى إعادة تموضع الشرق الأوسط على الخريطة العالميّة.

وفعلاً نجح بن سلمان، كما بات معروفاً، في تغيير الأوضاع من خلال ثورة اجتماعية اقتصادية في بلاده، بالتزامن مع قمع سياسي وسيل من الإعدامات، فيما اعتمد إقليميا مبدأ الخلط بين الانتهازية والبراغماتية، في تجديد علاقات بلاده مع كل من تركيا وقطر، ما أدى إلى تقدم السعودية على الإمارات العربية المتحدة، بعدما كانت الأخيرة قد سبقته إلى التطبيع مع الأسد، لكنها أيضاً سبقته الى اتفاقات إبراهام مع إسرائيل.

ربما الأجدى اعتبار أن عودة بشار الأسد في القمة وما سبقها وتبعها من “حرارة” لقاءات متبادلة بين دمشق وعواصم خليجية وعربية، بمثابة عودة الديكتاتور السوري إلى موقعه الطبيعي بجانب أشباهه من المستبدين.

زمن ادعاء بعض الزعماء، الذين لا يقيمون وزناً لحرية شعبهم، وقوفهم الى جانب حرية السوريين او حرية أي شعب آخر انتهى، والجيد راهناً هو أن هذه الخديعة التي استمرت لسنوات قد انتهت تماماً.

نحن في زمن المصالحات…

قناة “الجزيرة” لم تعد تلاحق قتلة جمال خاشقجي ولا سجاني الناشطات السعوديات، تماماً كما لم تعد قناة “العربية” مهتمة بكشف اللثام عن تمويل قطر للجماعات الإسلامية المتشددة.

الآن مع المصالحة السعودية- الإيرانية ينطوي فصل آخر من اللعبة، وكأنما عودة بشار الأسد أنهت أوهاماً حاول كثيرون تصديقها. 

ماذا نفعل؟

عاد المستبدون إلى نصابهم وانتهت الخطابات الفارغة التي هدفت للإيحاء بأن أنظمة الاستبداد النفطية تدعم ثورات محقة! أو أن الخلاف بين مستبد مُطبّع ومستبد مُمانع هو على مقاومة إسرائيل؟ همد جنون الصراع العربي- الإيراني، وعاد الجميع إلى حظيرة البؤس والقمع. 

صارت مصالحات المستبدين ممكنة بعدما زال خطر التغيير، وساد اليأس والفقر والمهانة. وهذا أكثر ما يؤلم، أي أن أسباب اندلاع الثورات تضاعفت وتفاقمت فيما السجن والنفي باتا يستهدفان كتلاً هائلة تتكبد أثمان هزيمة حريتها. 

الثورات اشتعلت في وجه أنظمة عسكرية وانقلابية وفاسدة تحمل ملامح طائفية وقبلية. المجموعات التي حملت شعارات التغيير ودافعت عنه، فهي تعيش ضياعاً وتصدعاً ليس واضحاً بعد كيف ستقوم منه، وكأنما صار المطلوب، فيما نحن نرفض هذا الواقع، أن نفكّر أكثر ونحشد بشكل مختلف ربما. 

لا أحد يملك وصفة جاهزة، لكن الأكيد أننا لا نملك ترف الاستكانة واليأس مع استمرار هذه الزمر في التحكم في مصائرنا، وهذا يعني حتماً المثابرة في تطوير دورنا الذاتي كأفراد ومجموعات تحاول أن تكون متحررة من القيود الطائفية والعائلية والاثنية، وتؤمن بقيم ديمقراطية عادلة ولا تردعها تهم من هنا وهناك.

الانهيار الذي نحن فيه، والتعثر الذي نواصل الاصطدام به، لا يعنيان النهاية، مهما بدا التسليم والإحباط مسيطرين، والوهم بأن التغيير يمكن أن يحصل في لحظة احتجاج أو خلال فترة قصيرة، دفعنا أثماناً باهظة بسببه، ومن يحمل وهم الثورة التي ستقلب كل شيء، يفوته أن حجم الخراب الذي أحدثته هذه الانظمة جوهري وعميق، ورأبه هو عملية بناء طويلة المدى.

الثورة أو الاحتجاج الشعبي هي خطوة من خطوات كثيرة مطلوبة لرأب الصدع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تسببت به أنظمة عسكرية وشمولية وأتوقراطية، لكنه ليس كافياً وليس محكوماً بالنجاح بحسب ما علمتنا السنوات الماضية، لكننا في المقابل لا نملك ترف اليأس والاستكانة لأننا محكومون بمزيد من الأزمات إن فعلنا ذلك. 

إن كان من حاجة للاستفادة من عثرات الثورات العربية فهي أن التغيير مسار طويل ومراكمة لخبرات وتعلم من الفشل والخيبة وليس استسلاماً للأخيرة.. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.