fbpx

“طفلة المنية”… السبق الصحافي وانتهاك خصوصيّة الضحايا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الضروري التوازن بين حق العامة في المعرفة وحقوق الضحية في السرية والكرامة. يجب أن تتعاون المؤسسات الإعلامية وناشطي\ات وسائل التواصل الاجتماعي وجمهورهم على الالتزام بحقوق الأطفال والطفلات، بخاصة الضحايا،  وتعزيز الثقة في عدالة للأطفال ونظام حماية وقائي متكامل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على عادتها، تحركت وسائل الإعلام كافة ومعها وسائط التواصل الاجتماعي، لتناول قضية “طفلة المنية” التي قتلها العنف الجنسي. وفي التفاصيل المتداولة، فإن والدة الطفلة كانت نقلتها إلى مستشفى المنية الحكومي، وكانت حرارتها مرتفعة، قبل أن تعود وإياها أدراجهما رغم أن الطبيب طلب دخولها الفوري إلى المستشفى. وفي اليوم التالي، توفيت الطفلة في منزل جدّيها لأمها.

كما تردد أن “طفلة المنية” وصلت إلى المستشفى مصابة بفقر دم حاد نتيجة نزيف، بعد تعرضها لاعتداء جنسي متكرر بحسب تقرير الطبيب الشرعي، الذي أكد تعرض الطفلة لكدمات على الوجه وتورّم في الشفتين، واعتداء جنسي متكرّر.

انتشر الخبر مع تفاصيله في الإعلام مع معلومات إضافية عن الطلاق، وأن الأب قد أعاد الطفلة قبل يوم إلى منزل أهل الأم لتمضية العطلة معها، مع تلميح إلى مسؤولية الأم “المطلّقة” عن إهمالها الطفلة وعدم إدخالها المستشفى. هكذا تعاون الناشطون والناشطات ومعهم الوسائل الإعلامية على استباق التحقيق عبر نشر سيناريوهات متعددة لهذه الجريمة، مع التلميح إلى فرضية تواطؤ الأم. هكذا تم استثمار الجنوح التنميطي الذكوري في تعزيز فرضية إهمال الأم، مضافة إليها صفة المطلّقة، على حساب الإضاءة على ضرورة تحرّك نظام حماية الأطفال ومعه النيابات العامة والقضاء للكشف عن المجرم الفعلي والاقتصاص منه انتصاراً للطفلة أولاً، ومن ثم كرادع استباقي لكل مجرم عن استسهال الانقضاض على الأطفال بهذه الوحشية.

هكذا تناوبت الوسائل الإعلامية ومعها وسائل التواصل الاجتماعي، على نشر صورة الطفلة وذكر اسمها بالكامل، منتهكةً بذلك حق الطفلة، ورغم وفاتها، بالسرية، وذلك حفاظاً على سرية التحقيق وأيضاً احتراماً لخصوصية ما تمكّن أطفالاً وطفلات آخرين\ات، وعائلاتهم\ن، من الإفصاح عن انتهاكات مماثلة من دون الخوف من الفضيحة والوصم. وهنا لا بد من التذكير بأن فضح هوية المجرم ضرورة كرادع لكل احتمال انتهاك، أما السرية فهي حقّ مطلق للضحية، بخاصة الأطفال، ولا سيما من قتلهم\ن العنف.

 يساهم الحفاظ على سرية هوية الأطفال في توفير الحماية اللازمة لهم وزيادة فرص تحقيق العدالة، وتعزيز التعاون بين السلطات المعنية والأسر والمنظمات غير الحكومية لضمان عدم الكشف عن هوية الأطفال والطفلات المتضررين\ات وحمايتهم \ن من الضرر الإضافي الناجم عن الإفصاح.

يشكّل الحفاظ على سرية هوية الأطفال قضية حساسة ومهمة للغاية، بخاصة عندما يتعلق الأمر بأطفال صغار يتعرضون لأحد أشكال العنف والاعتداء الجنسي. ومن المهم التأكيد على أن الحق بالسرية لا يسقط مع وفاة الضحية، وذلك بهدف ضمان شفافية التحقيق وسرّيته حتى جلاء الحقيقة ومحاكمة المعتدي. وهنا، يكتسب الإشهار بهوية المعتدي وكل المتواطئين والمتستّرين، أولوية قصوى كرادع للتكرار. 

وهنا يتكرر السؤال، بخاصة من بعض الناشطين والناشطات في المجال الحقوقي، عن ماهية هذه السرية، لا سيما أن الطفلة قد فقدت الحياة أصلاً. فالموت، وربما يصلح تعبير القتل المتعمد عبر العنف الجنسي، هو أقسى أشكال الانتهاك، ولا قيمة، بحسب رأيهم\ن، للحق بالسرية.

هنا لا بد من التذكير بأنه، عندما يتعلق الأمر بالأطفال والطفلات الذين\اللواتي تعرضوا\ن للعنف الجنسي إلى حد الموت، يكون من الضروري التوازن بين حق العامة في معرفة الحقيقة وحقوق الضحية، بما في ذلك حق السرية. 

ففي كندا على سبيل المثال، وفي عام 2019، توفيت طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات في غرانبي، مدينة صغيرة في مقاطعة كيبيك الكندية. وكما جاء في التقرير الصادر عن الشرطة، فإن الطفلة تعرضت للاعتداء الجسدي والعاطفي لفترة طويلة قبل وفاتها. هذه الحادثة المأساوية أثارت صدمة وحزناً كبيراً في كندا، وأُجبرت السلطات المحلية على إعادة النظر في نظام حماية الأطفال وسرية هويتهم.

آنذاك، أضاءت قضية “طفلة غرانبي” على أهمية تطوير نظام قوي للكشف المبكر عن حالات الإهمال والإساءة للأطفال، وتوفير الدعم والموارد اللازمة للعائلات والمؤسسات للتعامل مع هذه المشكلة الحساسة مع تدعيم المؤسسات الحكومية والمجتمعية بالموارد اللازمة للتحقيق في الشكاوى والتدخل الفوري لحماية المعرّضين\ات للخطر.

وأشار تقرير صادر عن لجنة حقوق الإنسان والشباب في كيبيك، وهي اللجنة المعنية بحقوق الأطفال والطفلات، إلى أوجه قصور في كل مرحلة من مراحل الإجراءات السريرية والقانونية التي كان من المفترض أن تحمي الطفلة. وقدم التقرير توصيات إلى وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية، ووزارة العدل، ووزارة الأسرة، ووزارة التعليم العالي. تشمل التوصيات تدريباً أفضل لمعلمي الطفولة المبكرة على قانون حماية الأطفال، ومراجعة من وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية لظروف عمل العاملين\ات في مجال حماية الأطفال لتأمين استجابة استباقية ملائمة.

عندها، تناولت وسائل الإعلام قضية الطفلة من زاوية أنها تعبير عن مشكلة منهجية، وأن وفاة “طفلة غرانبي” لم تكن حادثة فردية أو متأتية من شخص واحد أو موقف واحد، بل هي دليل على فشل نظام الحماية بصيغته العاجزة عن الرصد والكشف والتدخل المبكر.

حظيت وفاة “طفلة غرانبي” باهتمام واسع من سكان كيبيك، وحضر جنازتها آلاف المتضامنين\ات رافعين\ات الصوت حول ضرورة الاقتصاص من الجاني ومحاسبة نظام حماية الأطفال عن هذا التقصير الذي جاء كشريك في عملية القتل.

وأدى الضغط الاجتماعي إلى تنازل الأب وزوجة الأب المتّهمين بوفاة الطفلة، عن حقهما في جلسة استماع أولية، ومن ثم تمت محاكمة الأب، وهو رجل يبلغ من العمر 30 عاماً، بتهمة الإهمال والتسبّب في الوفاة والفشل في توفير ضروريات الحياة. كما جرّمت زوجة الأب(36 عاماً)، بتهمة القتل من الدرجة الثانية والحبس. سنتان من جلسات الاستماع والتحقيقات ولم يتم الإفصاح ولو مرة واحدة عن هوية “طفلة غرانبي”، وبقيت هوية الزوجين المتسبّبين بقتل الطفلة تخضع لحظر النشر بهدف حماية هويتها على الرغم من وفاتها.

فلماذا هذه السرية والطفلة ماتت؟ 

قضية اعتداء جنسي إلى حد الموت هي بالفعل حادث مؤلم ويشكل صدمة للعائلة القريبة أولاً وللمحيط الاجتماعي ثانياً. ولكنها حادثة تهزّ الرأي العام وتصل إلى مسامع الأطفال والطفلات. وبالتالي، يتوجب علينا كناشطين وناشطات أن نحرص على أن نظهر أهمية الاقتصاص من المجرم وتأمين الاستجابة الوقائية  والإجراءات الرادعة، مع إيلاء حماية هوية الضحية أهمية قصوى كي لا يدب الرعب وتتحول الأنظار من القضية العاملة إلى بصبصة وقحة والدخول في تفاصيل مكانها في التحقيقات السرية.

 يساهم الحفاظ على سرية هوية الأطفال في توفير الحماية اللازمة لهم وزيادة فرص تحقيق العدالة، وتعزيز التعاون بين السلطات المعنية والأسر والمنظمات غير الحكومية لضمان عدم الكشف عن هوية الأطفال والطفلات المتضررين\ات وحمايتهم \ن من الضرر الإضافي الناجم عن الإفصاح.

كذلك، يساهم في التأسيس لبيئة أكثر أمانًا ،كما أنه يعزز فرص تحقيق العدالة والاقتناص من الجاني. يجب أن تكون هذه المسألة في صلب الأجندة العامة للحكومات والمجتمعات والأفراد، حتى نتمكن من تحقيق تغيير حقيقي وحماية حقوق الأطفال. تعتبر السرية جزءاً أساسياً من إجراءات حماية الطفل وتحقيق العدالة. يجب أن يكون لدى المحققين والمتخصصين في القضية واجب السرية، ويجب أن يتعاملوا مع المعلومات بحساسية واحترام. كما يجب على السلطات المعنية اتخاذ إجراءات ملائمة لحماية هوية الطفلة وعدم الكشف عنها للعامة. 

في عودة الى قضية “طفلة المنية”، يشكل الحفاظ على سرية هوية الطفلة المتوفاة أمراً حساساً وضرورياً. فالموضوع يتطلب توفير بيئة آمنة لأسرتها للتعامل مع الخسارة والمصاب بطريقة خاصة، وذلك من دون أن يتم التعرض لضغوط إضافية من وسائل الإعلام أو العامة، علماً أن ضغط الرأي العام قد يساهم في كثير من الأحيان في حماية المجرم.

هناك حاجة إلى إجراء تحقيقات جنائية موضوعية وعادلة للتأكد من الحقائق وتحقيق العدالة. لكن السيناريوهات المعروضة تجنح الى تذنيب الأم كونها لم تدع طفلتها في المستشفى. هكذا وبسطحية مطلقة، استسهلنا الانقضاض على الأم، فهي مطلقة وبالعرف العام كل مطلقة مشكوك في أمرها.

وهكذا، تحوّل الانتصار للطفلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بطريقة غير محمية، إلى اعتداء إضافي عن غير قصد. فللطفلة الضحية حقوق ويجب احترامها، وسرية هويتها جزء أساسي من هذه الحقوق. ويجب تشجيع وسائل الإعلام والجمهور على تقدير حاجة الأسرة إلى الخصوصية وعدم تعريضها للضغوط الإضافية.

في النهاية، يجب أن يكون هدفنا الأول هو الحفاظ على كرامة الطفلة المتوفاة وتوفير العدالة. يتطلب ذلك إجراءات قانونية صارمة ونظام عدالة قوياً يحمي حقوق الضحية ويعاقب المتسببين في الجريمة. يجب أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات وفقاً للقوانين المحلية والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الأطفال وحقوق الضحايا.

من الضروري التوازن بين حق العامة في المعرفة وحقوق الضحية في السرية والكرامة. يجب أن تتعاون المؤسسات الإعلامية وناشطي\ات وسائل التواصل الاجتماعي وجمهورهم على الالتزام بحقوق الأطفال والطفلات، بخاصة الضحايا،  وتعزيز الثقة في عدالة للأطفال ونظام حماية وقائي متكامل.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.