fbpx

هؤلاء ليسوا مهاجرين يا ماكرون !

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الشوارع الفرنسيّة يطرد منها المشردون وطالبو اللجوء لإساءتهم لمظهر المدينة، هذه الشوارع ذاتها، تتبنى عمارة عدوانيّة لطرد المُشردين، هذه الضواحي ذاتها، يعاد بناؤها وتزاح منها الأحياء والمرافق العامة كالحدائق استعداداً لأولمبيات باريس ذات التذاكر التي يصل سعرها إلى 1000 يورو.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حضر الرئيس الفرنسي  إيمانويل ماكرون، حفل إلتون جون في باريس في 28 حزيران/ يونيو، ورقص على  أنغام الموسيقى، بينما فرنسا تشتعل بأعمال الشغب، إثر مقتل الشاب نائل ذو الـ17 عاماً، برصاصة أطلقها عليه شرطي بصورة مباشرة. الجريمة التي وثقتها كاميرات من كانوا في موقع الحدث، أشعلت الغضب في شوارع فرنسا، ما دفع ماكرون، بعد الحفل، إلى عقد اجتماع طارئ للوزارات، في  ما يشبه خليّة أزمة، لمناقشة الغضب الشعبي الذي تحول إلى عنف استهدف الشرطة، والبلديات، والممتلكات العامة والخاصة.

اللافت في حديث ماكرون حينها، بعيداً من التعازي، وضرورة تحقيق العدالة، هو إشارته إلى أن المسؤولية تقع على “الأهل كي يبقى الشباب في منازلهم”، كما أشار إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في تحريك الجموع، وفسر ما يحدث من عنف بأن “بعض الشباب يظنون أنهم شخصيات في ألعاب الفيديو التي سممتهم”.

لا نعلم إن كان ماكرون جدياً في ما يقول، لوم ألعاب الفيديو واحد من أشد الأسباب سذاجة في تفسير العنف، ولوم الأهل على سوء التربية أيضاً شأن مشين، العطب واضح والمشكلة واضحة، الشرطة الفرنسيّة والنظام السياسيّ الذي يهمّش الطبقات الأكثر فقراً.

 تحطيم المرافق العامة يمكن تفسيره كغضب من السلطة نفسها، التي تُدفعُ الضرائب لها لتأمين متطلبات الحياة، وتحقق الفرص المتساويّة، وإن خذلت هذه السلطة مواطنيها، وقام جهاز الدولة التنفيذيّ بارتكاب جريمة، فالغضب لا بدّ أن ينصب على رموز هذه السلطة، البلديات ورجال الشرطة، طبعاً نناقش العنف المدني هنا، كونه يحصل ضمن إطار قانونيّ، أي ضمن دولة ذات سيادة، وقضاء مستقل، العنف هنا له نتائج، تحملها كثيرون، إذ اعتقل ما يقارب 3200 شخص، 60 في المئة منهم يعتبرون أن هذه هي المرة الأولى التي توقفهم الشرطة.

اشتعل الجدل الطبقيّ إثر الاحتجاجات، واتهم المخربون بأنهم لصوص. نعم حطم المحتجون الغاضبون الممتلكات الخاصة، لكن هناك شاب قتلته الشرطة مباشرة من دون تردد، الإحالة ولو بصورة غير مباشرة إلى سوء التربيّة، تهرب من الحقيقة، التي رفعها المحتجون والمتضامنون بشعار يختزل كل ما يحصل: “الشرطة تقتل”.

ما يميز هذه الاحتجاجات العنيفة، هو أنها لا تطالب بموافقات مسبقة، هي أعمال شغب نعم، لكنها ترفض موافقة السلطة وما تفترضه من تأمين لحياة المتظاهرين

اليمين المتطرف حد العار

أطلق الإعلامي اليميني المتطرف والاقتصادي، الفرنسي- المصريّ، جان مسيحة، حملة لجمع التبرعات لأهل الشرطي الذي قتل نائل، وصلت قيمة التبرعات إلى نحو مليون ونصف المليون يورو، في حين أن التبرعات لأسرة نائل لم تتجاوز الـ60 ألف يورو، واللافت أن النشطاء بدأوا بالتبليغ عن حملة تبرعات مسيحة، من أجل إبطالها، “إذ لا يمكن لمن قتل نائل أن يحصل على مليون يورو”.

الاختلاف في قيمة التبرعات يكشف طبيعة التوجهات في  فرنسا، جان مسحية الذي لا يستح من التعبير عن آرائه العنصرية على الشاشات العربيّة، ناطقاً بالعربيّة، عمل كناصح لكل من مارين لوبين، و إيريك زمور، مرشحا اليمين المتطرف للرئاسة، هذه الحركة “الاستفزازيّة” التي قام بها لجمع التبرعات، وصفتها ميديا بارت بـ”حملة تبرعات العار”، شارك بها حتى الآن، ما يقارب 45 ألف شخص، 45 ألف شخص يرون أن ما ستمر به أسرة الشرطي “القاتل” أشد وطأة من والدة نائل.

هناك أيضاً لوم واتهام للمخربين بأنهم مُهاجرون، أو من أصول مهاجرة، هذا التركيز على الغضب  بوصفه نتاج عرقي من “القادمون الجدد”، ليس إلا إمعاناً في تنميطهم. المخربون فرنسيون، مهما كان لونهم، وهنا المفارقة، الحس بالخوف من الشرطة والمؤسسة الرسمية وعمق الإيمان بـ”أخلاق الأبيض”، تنفي عن هؤلاء المخربين فرنسيتهم فجأة، ليتحولوا إلى مهاجرين.

على الطرف المقابل، أثناء احتجاجات السترات الصفراء، والعنف الذي شهدته فرنسا، نعت المتظاهرون المواطنين الغاضبين، وهنا بالضبط تظهر “العنصرية الدفينة”، وأثرها على الرأي العام، فالمخرّب فرنسي، وما حصل نتاج عنف الشرطة المنهجيّ ضد فرنسيين، لا فقط مهاجرين، هكذا خطاب ينزع الوطنيّة عن مرتكبي العنف، والأهم، يبرئ “فرنسا” التي فشلت في تأمين متطلبات حياة جزء من مواطنيها، بإحالة ما يحدث إلى أصولهم، ما يحصل ببساطة، مشكلة فرنسيّة 100 في المئة، لا علاقة لها بأصول الأفراد ولونهم وأسمائهم، وكأن الفرد لا يمكن إن يكون فرنسياً إذاً،مهما مضى على سلالته من زمن في فرنسا، تلك التي تهمل مواطنيها.

نائل ليس الأول ولا الأخير

قبل 15 يوماً من مقتل نائل، قتلت الشرطة في مدينة Angoulême الشاب “الحسين كامارا”، ذو الـ19 دون أن تضج وسائل الإعلام بالحدث، هالة من التجاهل أحاطت بالحادثة، والسبب أن الصمت السابق حول عنف الشرطة نتاج الروايات الرسميّة في محاضر التوقيف، التي تصوغها الشرطة بما يبرئ ذمتها، إذ اتهم نائل بـ”رفض الامتثال لأوامر الشرطة، ومحاولة قتل موظف يمارس مهامه الرسميّة”، أي أنه لو لم نر الفيديو، لمضى الحادث هكذا، من دون أن يحرك أحد ساكناً، كما حصل مع الشاب الحسين.

وصل عدد الفرنسيين الذين قتلتهم الشرطة الفرنسيّة عام 2021 إلى 53، بحسب إحصائية Basta. يعزو البعض السبب إلى قانون 2017 لحماية الشرطة، الذي يبيح لرجال الشرطة إطلاق النار على المركبات المتحركة إن “شعر” الشرطي بخطر قريب يهدد حياته، ناهيك بالقوانين التي تحمي رجال الشرطة بوصفهم أيضاً مواطنين، إذ يمنع تصوير وجوههم، ويمكن تغريم من يقوم بذلك.

 لكن هناك سؤال مُعلق، هل يمكن أن يدافع شخص ما عن نفسه بوجه الشرطة إن اشتد عنفها؟ إن كان التقدير يعود للشرطي في استخدام الرصاص الحيّ إن “شعر” بخطر على حياته، فمتى يحق للمواطن الأعزل أن يدافع عن نفسه ضد عنف الشرطة؟ هذا السؤال بلا جواب.

تحطيم مرافق المدينة احتجاج على السلطة التي تضبط الحياة فيها، وفي حالة نائل، السلطة التي تتحكم بالموت والحياة، عبر شرطيّ قرر قتل أحدهم. لكن، هل التخريب والعنف سيحقق العدالة لنائل؟ لا، التخريب نفسه لن يغير من قضية نائل، كون المؤسسة القضائيّة تحركت مباشرة، الشرطي يخضع للتحقيق ومُتهم بجرم القتل،  لكن التخريب معادل لعدالة ضائعة سبقت الإجراء القضائي، عدالة لا تكتفي بحالة واحدة فقط، عدالة هي نتيجة عطب وسياسة منهجيّة في التهميش والعنف المبني على العنصريّة.

ما يميز هذه الاحتجاجات العنيفة، هو أنها لا تطالب بموافقات مسبقة، هي أعمال شغب نعم، لكنها ترفض موافقة السلطة وما تفترضه من تأمين لحياة المتظاهرين، فهذه السلطة نفسها قتلت عبر جهازها التنفيذي شخصاً أعزل، فكيف يمكن أن نثق بجهاز يقتل شاباً ثم يريد حماية جمع يحتج على قتل الشاب نفسه؟

لا نبرر العنف هنا، لكننا أيضاً لا نبرئ السلطة، قام المحتجون في بعض الضواحي بتحطيم كاميرات المراقبة المنتشرة في الشوارع، تلك التي ترصد المخربين، علماً أن فرنسا ما زالت تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في برامج تشغيلها مع اقتراب الأولومبيات في باريس. أي بصورة ما، سطوة السلطة على الفضاء العام ومراقبة من فيه، تنتهكان بصورة دائمة هوية من في الشارع، لتصيد المشتبه بهم، فالشوارع التي تقتص الضرائب من رواتب الموظفين والعمال بل وحتى المستقلين (Auto-entrepreneur) مصممة لضبط سلوكهم تحت المراقبة الكليّة.

هذه الشوارع ذاتها يطرد منها المشردون وطالبو اللجوء لإساءتهم لمظهر المدينة، هذه الشوارع ذاتها، تتبنى عمارة عدوانيّة لطرد المُشردين، هذه الضواحي ذاتها، يعاد بناؤها وتزاح منها الأحياء والمرافق العامة كالحدائق استعداداً لأولمبيات باريس ذات التذاكر التي يصل سعرها إلى 1000 يورو.

سؤال العدالة هنا والغضب المرتبط به، يتجاوزان نائل، نحو سؤال سياسيّ واضح، هناك مواطنون في فرنسا متخلفون في درجة “فرنسيتهم”، بعضهم يقتل ويوقف تعسفياً في الشارع، فما الحل؟

من هؤلاء “الزعران”؟ 

 تمكنت صحيفة “ميديا يارت” من حضور جلسة محاكمة أحد المتهمين بالتخريب ، يامادو ذو الـ21، الذي ترك المدرسة في المرحلة الإعدادية، ومتهم بإطلاق الألعاب النارية باتجاه شرطة الـBAC، (الذين يرتدون خوذة مضادة للشغب، قناع وجه، سترة تكتيكية مضادة للرصاص)، ومبنى بلديّة Villeneuve-la-Garenne، نقرأ الحوار التالي بين القاضية ويامادو الذي حكم بـ4 أشهر في السجن.

القاضية: لم كنت هناك؟ لمَ لم تكن نائماً في سريرك؟

يامادو: كنت عائداً من العمل.

القاضية: في منتصف الليل؟

يامادو: أنهي عملي الساعة 10، أعمل في تركيب مقاعد السيّارات، ومكان عملي بعيد.

القاضية: ولم أتيت إلى هنا؟

يامادو: أنا أسكن هنا، خطئي الكبير أني أخذت الألعاب النارية، كانت على الأرض، بجانب مبنى البلديّة.

القاضية: كانت هناك، بمتناول الناس؟

يامادو: كان هناك الكثير منها.

القاضية: كيف ذلك ونحن نراك تطلقها باتجاه الشرطة؟

يامادو: حضرة القاضية، لم أعلم ما الذي أصابني، واجهت الكثير من الحوادث مع الشرطة… أندم على ما قمت به، هذه آخر مرة.

القاضية: هل أطلقت الألعاب النارية؟

يامادو: أشعلتها ووجهتها نحو السماء. كان يمكن أن أًصيب أحدهم، أنا آسف… حضرة القاضية، حاولي أن تفهميني، عام 2019، أطلق النار على قريبي  6 مرات (من قبل الشرطة)! ومنذ 15 يوماً، قريبي الصغير أطلقت 6 رصاصات على سيارته!”.