fbpx

تعالوا نفكّر كيف نهرب من “سوريا الأسد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من يعرف تراتبية شبكات الفساد في سوريا، يدرك أن المبالغ التي يدفعها من يحاولون الهرب من “سوريا الأسد” لن تذهب لموظف أو مهرّب واحد، بل سيكون لمن هم دونه حصة فيها، بينما تذهب الحصة الأكبر لمن هم أعلى في هرم الفساد وقد تصل إلى أعلى المناصب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتردد روعة (40 سنة)، قبل مغادرة سوريا. عليها أن تترك حلمها الذي بدأ حين دخلت قسم علم النفس في جامعة دمشق وتجاوزت امتحانات الفصل الأول بنجاح. كما أن عليها أن تفاضل بين السفر للعمل في صالون تجميل في الإمارات العربية أو محاولة الانتقال بمساعدة مهرّبين وسماسرة إلى ألمانيا وطلب اللجوء.

أفق كئيب وتحديات

قرار السيدة المطلقة بالمغادرة محسوم. فبالرغم من دخلها الجيد في عملها مربّية لدى إحدى العائلات النافذة في دمشق، إلا أنها تعبت من “مسايرة” أولاد الناس. كما أنها بدأت تشعر أن ابتعادها من ابنيها المراهقين لوقت طويل، ليس في صالح مستقبلهما الذي تسعى جاهدة لتأمينه بشتى السبل.

تقول روعة لـ”درج” إن الأفق مسدود في دمشق. “كل الناس معتّرة تفكر بالرحيل. السمّان والفرّان وسائق التاكسي ومعلمة ابنتي. حتّى سماسرة العقارات يرغبون في السفر”.

وبينما لن يكلّفها الانتقال إلى الإمارات العربية سوى الاتصال بصديقة لها في أبو ظبي وقطع تذكرة طائرة، فسيكون أمام روعة دفع مبلغ يتراوح ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف دولار للسفر إلى أوروبا. ومن حسن حظها أنها ادّخرت جزءاً من المبلغ وتسعى لتأمين الجزء الآخر عبر أقارب لها في ألمانيا وبيع منزلها الواقع بالقرب من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق.

وأمامها للوصول إلى أوروبا طريقان. الأول هو بالتهريب عبر عصابات تصل دمشق بأوروبا. والثاني عبر موظفين رسميين داخل النظام السوري باستطاعتهم تأمين سفرها بطرق نظامية. وفي الحالتين، على روعة دفع مبالغ هائلة.

في طريق التهريب، أمام روعة مساران. الأول براً عبر تركيا فاليونان ثم المضي سيراً إلى ألمانيا. وسيكون عليها دفع نحو 10 آلاف دولار للمهربين. أما المسار الآخر فجوي من دمشق إلى بنغازي الليبية، ثم الإبحار منها إلى إيطاليا قبل السير إلى ألمانيا.

وسيكلّف المساران روعة مشقّة وخطورة السير والجري في الغابات هرباً من القوات الحكومية وقطاع الطرق، وهو ما تعد له بممارسة الرياضة يومياً منذ نحو شهرين.

أما الطريق الثاني أمام روعة، فله احتمالات ثلاثة: أولها بالسفر تأشيرة إلى رومانيا سيؤمّنها لها موظف في السفارة السورية في بوخارست مقابل 10 آلاف دولار. ثم، في رومانيا، سيؤمّن لها الموظف ذاته مسح بصماتها من السجلات الرومانية الرسمية بطريقة لم يَكشف عنها؛ وتستطيع بعدها مغادرة البلاد لوحدها تهريباً إلى ألمانيا.

أما الاحتمال الثاني فهو السفر إلى إيطاليا بتأشيرة “شينغن” يؤمّنها لها موظّف في وزارة الخارجية السورية بدمشق بطريقة لم يُفصح عنها. وتكلّف العملية 15 ألف دولار أميركي.

بينما عليها أن تنتظر في الاحتمال الثالث أن يؤمّن لها موظف في وزارة التعليم العالي السورية منحة دراسية إلى هنغاريا أو سلوفاكيا أو رومانيا مقابل 15 ألف دولار.

هدف روعة النهائي أن تستطيع جلب ابنيها من سوريا إلى أوروبا وألا يضطرا للخدمة في الجيش السوري النظامي أو الاختفاء في سجن ما وتخضع هي لابتزاز مخابراتي لإخراجهما.

وقالت في حديث لـ”درج”: “أهم شيء أولادي. أفضل أن أصرف المال لنقلهما إلى ألمانيا على أن أصرفه لحمايتهما في سوريا”. 

آل الأسد… أرباح وسفن غارقة

من يعرف تراتبية شبكات الفساد في سوريا، يدرك أن المبالغ التي يدفعها من يحاولون الهرب من “سوريا الأسد” لن تذهب لموظف أو مهرّب واحد، بل سيكون لمن هم دونه حصة فيها، بينما تذهب الحصة الأكبر لمن هم أعلى في هرم الفساد وقد تصل إلى أعلى المناصب.

فعلى سبيل المثال، بيّن تقرير لصحيفة “بادش تسايتونج” (Badische Zeitung) الألمانية، أن آل الأسد يستفيدون مالياً من عمليات تهريب البشر إلى أوروبا عبر شركة “أجنحة الشام للطيران” السورية. وقدرت الصحيفة أنهم يتقاضون 1500 دولار عن كل شخص، بمن فيهم بعض من كانوا على متن المركب الذي غرق قبالة الساحل اليوناني في 14 حزيران/ يونيو. 

وأضافت الصحيفة أن عائلة الأسد، وبالنيابة عن شبكات دولية لتهريب البشر، سهلت نقل المهاجرين إلى مدينة بنغازي الليبية بواسطة شركة “أجنحة الشام للطيران” التي تقوم برحلات إلى بنغازي من دمشق وكراتشي منذ ربيع عام 2022 مرتين في الأسبوع. 

وتتقاضى مجموعات إجرامية في المطار من كل لاجئ 2000 يورو (2187 دولاراً) نقداً، مقابل تذكرة سفر على متن “أجنحة الشام”، وفقاً لتقرير نشرته في نيسان / أبريل الماضي صحيفة “مالطا توداي” (MaltaToday) التي تصدر باللغة الإنكليزية.

وتأسست “أجنحة الشام” على يد رجل الأعمال السوري محمد عصام شموط في دمشق في تموز/ يوليو 2007، كأول شركة طيران خاصة في البلاد. 

ويربط محللون اقتصاديون “أجنحة الشام” برامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري ورجل الأعمال السوري القوي. وقد قوضت أسماء الأسد، زوجة الرئيس، نفوذ مخلوف وسيطرت على معظم أعماله وشركاته.

وقدرت وسائل إعلام عدد السوريين الذين كانوا على المركب بحوالى 120 شخصاً؛ نجا 35 منهم وفق مصادر أهلية سورية. وتضيف المصادر أن معظم الركاب السوريين هم من محافظة درعا في الجنوب السوري.

وبعد حادثة غرق مركب المهاجرين، أعلنت باكستان واليونان الحداد على أرواح الضحايا. بينما لم يصدر عن النظام السوري أي تعليق.

ويرى ماهر شرف الدين، الكاتب السوري المعارض، أنه من الطبيعي أن يتجاهل النظام مأساة غرق المركب كما تجاهل جميع ضحايا المجازر التي ارتكبها على امتداد سوريا طوال السنوات الـ12 الماضية.

وأكد أن فاجعة غرق المركب كارثة إنسانية فيها جانب سياسي فاقم المأساة. وأضاف أن “السوريين الذين كانوا على متن المركب لم يكونوا في سياحة أو رحلة صيد، بل هجرهم نظام الأسد وطردهم في غالبيتهم من الجنوب السوري؛ وأجبرهم على صعود المركب لإيجاد وطن جديد، بعدما سلبهم وطنهم الأصلي”. 

وبالتالي، وفقاً لشرف الدين: “هم لم يموتوا لسبب طبيعي، بل بسبب التهجير وهي جريمة سياسية ومجزرة يمكن إضافتها لقائمة المجازر التي ارتكبها النظام”.

تسويات وتغيير ديموغرافي

وكانت سلطات النظام السوري في درعا قد انهمكت في الأسابيع الأخيرة في عقد آلاف “التسويات” لنحو 45 مدينة وقرية في محافظة درعا.

و”التسوية” طلب رسمي مكتوب يقدم للأجهزة الأمنية من قبل الشخص المطلوب لها؛ ثم مقدم الطلب للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية ويتعهد بعدم العمل ضد النظام بأي وسيلة. في حال تمت الموافقة على الطلب من قبل الأجهزة الأمنية، يتم إصدار “بطاقة تسوية” بيضاء لمقدم الطلب. وتُبرز تلك البطاقة تاريخ الإصدار، وصورة مقدم الطلب واسمه الكامل واسماء والديه وتاريخ ميلاده وعنوانه، وتوقيع اللواء محمود القوزي، رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في المنطقة الجنوبية. ويتبع ذلك إعطاء مقدم الطلب مهلة زمنية محددة ما بين شهر وستة أشهر لتسوية وضعه القانوني بالانضمام إلى جيش النظام أو مغادرة البلاد. 

وتعدّ هذه “التسوية” الثالثة منذ سيطرة النظام على درعا، منتصف تموز/ يوليو 2018.

وفي 5 حزيران/ يونيو، قال حسين الرفاعي، أمين فرع درعا لـ”حزب البعث” الحاكم، إن الآلاف في محافظة درعا راغبون بتسوية أوضاعهم من المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والفارين من الجيش السوري النظامي والمطلوبين للأجهزة الأمنية بتهم أخرى.

وقدّر الرفاعي عدد الطلبات ما بين 1300 إلى 2000 طلب في اليوم الواحد. وتوقع أن يكون عدد الراغبين بتسوية أوضاعهم في المحافظة أكثر من 13 ألفاً؛ معتبراً أن “التسوية” تعزز الأمن والأمان والاستقرار في المحافظة.

وكانت المحافظة تعيش ظروفاً خانقة من التضييق الأمني بسبب انتشار حواجز التفتيش العسكرية والأمنية وإدراج الآلاف من أبنائها على قوائم المطلوبين للنظام. وأفسحت “التسويات” مجالاً لحركة المطلوبين بالخروج من البلاد.

وأكد مصدر أمني من النظام في درعا في 4 حزيران / يونيو أن “التسوية” تجري بمتابعة دقيقة وأن هناك توجيهات لجميع الحواجز العسكرية والأمنية لتسهيل إجراءات وصول الشباب الراغبين بتسوية أوضاعهم. وأكد المصدر أن كل من يسوّي وضعه من المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية يشطب اسمه من اللوائح الأمنية ويحق له استصدار ما يريد من الوثائق والأوراق الشخصية كأي مواطن بالشكل الطبيعي، في إشارة إلى جوازات السفر وغيرها.

وأكدت مصادر محلية لـ”درج” أن طلب “التسوية” يتم تقديمه في “مجمع قصر الحوريات السياحي” بدرعا مقابل رشوة 100 ألف ليرة سورية (15.30 دولار)، وهو معدّل راتب الشهري للموظف الحكومي اليوم في سوريا.

ويعتقد شرف الدين أن “التسوية” جزء من مخطط إيراني هدفه الأول تطويع المحافظة، بهدف التغيير الديموغرافي.

وقال شرف الدين لـ”درج” إن إيران تريد الجنوب السوري جسداً رخواً بلا عظام خالياً من الشباب لتسهل السيطرة عليه. “ومن لا يملك فكرة عن الأعداد الضخمة للشباب الذي سافر من الجنوب السوري، فلينظر إلى عدد الشباب الذين غرقوا في قارب اللاجئين منذ أيام قبالة الساحل اليوناني”.

وأكد شرف الدين أن الجنوب السوري في المشروع الإيراني أصبح منصة لابتزاز العرب بعدما حوّله “حزب الله” اللبناني إلى مصنع ضخم للمخدرات وممراً لتهريب المخدرات منه. 

ويختم شرف الدين أن “الأسوأ من كل ذلك أن النظام السوري يقدم خطوة  التسوية باعتبارها تنازلاً من النظام تجاه الدول العربية”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.