fbpx

عودة ظاهرة “النينو”
مستويات قياسية في درجات الحرارة والجفاف والحرائق تهدّد الكوكب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حين تكون النينو قوية وعنيفة جراء ارتفاع حرارة الأرض وغلافها الجوي، تطول فترتها وتفاقم الأزمة المناخية، أي المزيد من الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات وانخفاض الغذاء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أظهرت بيانات جديدة صادرة عن المراكز الوطنية لحماية البيئة في أميركا، أن حرارة الأرض وصلت إلى أعلى درجة مئوية لها منذ بدء حفظ بيانات مناخ الأرض عام 1850، ما أثار مخاوف مستمرة بشأن الاحتباس الحراري الذي يسببه الإنسان وعودة ظهور ظاهرة النينو. وقد شهد يوم 3/7/2023 متوسط درجة الحرارة العالمية 17.01 درجة مئوية، بناءً على البيانات ذاتها، ويعد متوسط حرارة الأرض في حدود 14 درجة مئوية هو الأنسب لاستمرار الحياة والنظم البيئية على الكوكب الأزرق.

ما يبرز دور النشاط البشري في ارتفاع الحرارة بشكل يقودنا الى عالم غير مألوف، هو أن درجة حرارة سطح الأرض ارتفعت عالمياً بمقدار 1.1 درجة مئوية خلال العقد الأخير (من 2011 إلى 2020) مقارنة بالفترة الواقعة بين 1850 و1900. وعلى رغم أن ظاهرة النينو جزء من المناخ الطبيعي للمحيط الهادئ، إنما لم تصل آثارها الى المستويات التي نراها اليوم منذ حفظ البيانات المتعلقة بالطقس والمناخ وتسجيلها. أي أن هناك ما يمكن تسميته بالتبادل الغذائي بين المتغيرات المناخية وبين ظاهرة النينو الطبيعية. فحين تكون النينو قوية وعنيفة جراء ارتفاع حرارة الأرض وغلافها الجوي، تطول فترتها وتفاقم الأزمة المناخية، أي المزيد من الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات وانخفاض الغذاء. 

بحسب علماء المناخ والمؤرخين العلميين، ترتبط أحداث عالمية كبيرة بالآثار التي تركتها ظاهرة النينو على الزراعة، ولا يُستبعد دور تراجع المحاصيل جراء الظاهرة في إحداث اضطرابات اجتماعية في أوروبا مهدت الطريق للثورة الفرنسية عام 1789.

ما هي ظاهرة النينو؟

لأشهر عدة، ظلّ علماء المناخ يناقشون ما إذا كانت ظاهرة النينو في المحيط الهادئ ستؤدي إلى عام ساخن آخر مشابه لعام 2016 في سخونته. واستمر النقاش العلمي الى تاريخ 9 \ 6 \ 2023، إذ أعلنت إدارة المحيطات والغلاف الجوي الأميركية رسمياً، أن الظاهرة في طريق حدوثها وستسبب عاماً حاراً وجفافاً وعواصف في أنحاء كثيرة في العالم. وتقع أستراليا وأجزاء من قارة آسيا في الجزء الشرقي من محيط الهادئ تحت العبء الثقيل لهذه الظاهرة الطبيعية، التي ازدادت وتيرتها جراء تغيّر المناخ وآثاره على مناخ العالم. ومن الجانب الغربي للمحيط، تزيد هذه الظاهرة من أخطار الفيضانات في بيرو وبلدان أخرى في أميركا الجنوبية، وأمطار غزيرة في غرب الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن آثاره السلبية على صيد الأسماك في بحر تشيلي في غرب أميركا الجنوبية.

تعد ظاهرة النينو دورة طبيعية في المحيط الهادئ وتحدث كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر عادةً من عام الى عام ونصف العام. تبدأ الظاهرة عندما تتباطأ الرياح التجارية في المحيط الهادئ. وتبدأ الرياح التجارية غرباً من منطقة حزام المحيط المداري باتجاه أستراليا وآسيا، وتدفع المياه السطحية بعيداً من ساحل جنوب الولايات المتحدة باتجاه غرب المحيط، الأمر الذي يؤدي الى ارتفاع المياه العميقة بالقرب من القارة الأميركية، وتحمل معها غذاء جيداً للأسماك. ولا تساهم وفرة الأسماك جراء صعود الغذاء من عمق البحار، في ازدهار موسم الصيد في سواحل أميركا الجنوبية فحسب، بل تساهم في توفير الغذاء للطيور التي تعيش على الأسماك أيضاً. أي أن الرياح التجارية هي عيد للأسماك والصيادين والطيور معاً.

عندما تتباطأ الرياح التجارية، تبدأ ظاهرة النينو، وذلك لأن ارتفاع المياه العميقة الباردة بالقرب من القارة الأميركية يتوقف وترتفع درجة حرارة سطح المحيط تحت أشعة الشمس المدارية، ما يجعل المحيط مسبحاً ساخناً ويتصاعد الهواء الدافئ الرطب في السماء فوقه. كما ستحدث الظاهرة أمطاراً غزيرة في جنوب غربي أميركا الجنوبية. 

علاوة على ذلك، إن الهواء الساخن الذي يرتفع جراء النينو، ينزل مرة أخرى، وبمجرد وصوله إلى الغلاف الجوي، فإنه يتحرك الى أعلى خطوط العرض العليا وأسفلها (30 درجة شمالاً و30 درجة جنوباً)، ويعطل التيارات المتدفقة التي تشكل مصدر هطول الأمطار في أماكن أخرى من العالم.  وتظهر تأثيرات ظاهرة النينو  طويلة المدى بطرق مختلفة، مثل انخفاض هطول الأمطار في إندونيسيا وشمال أميركا الجنوبية، وهطول الأمطار الغزيرة في شرق إفريقيا وأميركا الجنوبية. ونتيجة لذلك، فإنها تسبب تدمير المحاصيل والفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة.

ومع تباطؤ ارتفاع مياه المحيط الهادئ الباردة العميقة للسطح جراء ظاهرة النينو، تقل قدرة المياه على امتصاص الحرارة، ما يسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى حوالي 0.06 درجة مئوية. وهذا ما يحدث عالمياً الآن، إذ تشهد أجزاء من الكوكب موجات حر وجفاف وفيضانات وحرائق الغابات. وبطبيعة الحال، فإن العامل الأول في انتشار آثار ظاهرتي النينو ولانينيا على معظم أنحاء العالم، هو أن المحيط الهادئ يحتل أوسع مساحة على الأرض، وتؤثر المتغيرات التي تحصل فيه على جميع أنحاء عالم.

آثار النينو على المجتمعات في التاريخ

بحسب علماء المناخ والمؤرخين العلميين، ترتبط أحداث عالمية كبيرة بالآثار التي تركتها ظاهرة النينو على الزراعة، ولا يُستبعد دور تراجع المحاصيل جراء الظاهرة في إحداث اضطرابات اجتماعية في أوروبا مهدت الطريق للثورة الفرنسية عام 1789.

تشير مصادر تاريخية إلى أن ثلاث مجاعات كبرى على الأقل في أواخر القرن التاسع عشر كانت مرتبطة بظاهرة النينو. إذ أدى الطقس القاسي وانهيار دوران الرياح الموسمية إلى موجات جفاف شديدة وعدد قليل من الفيضانات في 1876-1878، و1896-1897، و1899-1900. ما بين 30 إلى 60 مليون شخص لقوا حتفهم في الهند والصين والبرازيل، مئات الملايين عانوا من الجوع وتفشي الأوبئة والنزاع الاجتماعي والسياسي في بلدان أخرى. 

بحسب الكاتب الأميركي ميك ديفيس، تم تسجيل ما لا يقل عن 26 من ظاهرة النينو في القرن العشرين، جلبت كل وحدة منها آثارها الخاصة على الزراعة والنظم البيئية وأثارت اهتمام العلماء. تسببت الظاهرة في 1957-1958 بأضرار جسيمة في غابات عشب البحر قبالة كاليفورنيا. وفي 1965-1966 حطمت سوق الأسمدة المستنتجة من ذرق الطائر في بيرو، فضلاً عن دفع المزارعين الى استخدام فول الصويا لتغذية الحيوانات بدلاً من مسحوق السمك. في 1972-1973، نجم عن الظاهرة انهيار في أعداد نوع من أنواع الأسماك المعروفة بالأنشوفة، وهي تشكل مصدر غذاء الطيور البحرية، ما أدى إلى نفوق ملايين الطيور وزعزعة استقرار الاقتصاد والحكومة في بيرو.

في الفترة ما بين عامي 1982 و1983، بناءً على السرد التاريخي للكاتب ديفيس في كتابه المعنون “المحرقة الفيكتورية المتأخرة: مجاعات النينو وصناعة العالم الثالث”، عادت الظاهرة بشكل عنيف وتخلت الطيور البحرية جراءها في جزيرة الكريسماس عن صغارها، وحلّقت فوق المحيط الهادئ في بحث يائس عن الطعام. ومات ما يقارب 25 في المئة من فقمة الفراء وأسود البحر قبالة سواحل بيرو تحت تأثير الجوع.

التغذية المرتدة

وتمت الإشارة في بداية هذا المقال، الى أن ظاهرة النينو وشقيقتها (لانينيا)، تعدان جزءاً من مناخ المحيط الهادئ الطبيعي، ولكن ما يحدث اليوم هو تراجع الرياح التجارية، أي حالة الطقس الطبيعية في المحيط لصالح تكرار ظاهرتي النينو ولانينيا. ففي 29 شباط/ فبراير 2023، أعلن علماء المناخ نهاية ظاهرة لانينيا بعد استمرارها ثلاث سنوات متتالية، وبدأوا في الوقت ذاته بمراقبة بوادر عودة ظاهرة النينو التي من المتوقع أن يستمر الى نهاية 2024. 

ما يُلحظ في هذا السياق، هو غياب التذبذب الجنوبي المحايد، أي درجات الحرارة والرياح والحمل الحراري (ارتفاع الهواء)، وكذلك هطول الأمطار عبر المحيط الهادئ الاستوائي بشكل طبيعي. لقد انتقل العالم من ظاهرة باردة شاذة الى ظاهرة ساخنة شاذة، ما يؤدي الى حبس الأنفاس لعام آخر جراء الأحداث المناخية التي ستنجم عنها كالجفاف والحرائق والأمطار الغزيرة. 

وفق الأبحاث العلمية، فإن الاحتباس الحراري العالمي يغذي سرعة حدوث النينو ولانينيا، كما تساهم الآثار الناجمة عنهما في المزيد من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. من هنا، يمكن الحديث عن تغذية مرتدة بين تغير المناخ وظاهرتي النينو ولانينيا. وتعد هذه الأخيرة (La Niña) ظاهرة معاكسة تماماً في مياه المحيط الهادئ الاستوائية. تكون الرياح السطحية عبر المنطقة الاستوائية من المحيط بكامله أقوى من المعتاد، أما درجة حرارة مياه وهواء المنطقة فتكون أكثر برودة من المتوسط. بعكس اتجاهات الرياح من شرق المحيط الى غربه خلال ظاهرة النينو، تكون اتجاهات الرياح أثناء لانينيا من غرب المحيط الى شرقه وتؤدي الى انخفاض درجات الحرارة فوق وسط المحيط الهادئ الاستوائي.  

في لانينيا، يزداد هطول الأمطار فوق إندونيسيا حيث تظل مياه سواحلها دافئة، كما تحدث حركة جوية متزايدة وضغط سطحي أقل، علاوة على المزيد من حركة الهواء الغاطس فوق المياه الأكثر برودة في وسط المحيط الهادئ وشرقه. تؤدي الظاهرة الى تراجع الأمطار في الكثير من المناطق في العالم، وذلك جراء منع لانينيا التبخر فوق المحيط الهادئ.

عادة، تتشكّل السحب الممطرة نتيجة رفع الهواء الدافئ الرطب الى الجو. وعندما يكون الهواء فوق شرق المحيط الهادئ بارداً بشكل غير طبيعي، يمنع تشكل السحب المحملة بالرطوبة في مناطق واسعة في العالم، بينما تكون المياه في غرب المحيط الهادئ دافئة، ما يؤدي إلى زيادة الرطوبة ودرجات حرارة الغلاف الجوي الأكثر دفئاً. تالياً، يرتفع الهواء ويزداد عدد العواصف المطيرة وكثافتها في غرب المحيط. ومع تغير الهواء في هذه المواقع الإقليمية، يتغير نمط الدوران في الغلاف الجوي، ويؤثر على ااخ في جميع أنحاء العالم.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.