fbpx

توتّر عشائري في مصر… مخاوف الثأر من الشرطة بسبب غياب المحاسبة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعيد حادثة مقتل فرحات على يد ضابط شرطة الحديث مجدداً حول استهداف أبناء القبائل في المناطق المُهمّشة على حدود مصر، وحتى الآن، لم تصدرْ وزارة الداخلية المصرية أي بيان أو تعليق حول الحادث وملابساته، رغم رد الفعل القوي من قبيلة الضحية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شيّع أهالي مدينة سيدي براني المصرية جنازة حفيظ عبد ربه (وشهرته فرحات المحفوظي)، المنتمي الى قبيلة “المحافيظ”، أحد أفرع قبيلة “أولاد علي” ذائعة الصيت في تلك المنطقة، بعد مقتله على يد ضابط مباحث بقسم شرطة سيدي براني.

أطلق الضابط على فرحات(ـ35 عاماً) رصاصات عدة خلال مشادة كلامية بينهما، ردًا على رفض الضحية توقيفه من جانب الشرطي، الذي أُطلق سراحه بعد يومين من الحادث من دون ضمانات، فيما قرر قاضي جنح مطروح تجديد حبس 8 من أهالي مدينة سيدي براني 15 يوماً احتياطياً، بتهمة إثارة الشغب والبلطجة، في أول ردّ فعل رسمي من جهة تابعة للدولة على واقعة القتل.

تعيد حادثة فرحات الذي يعمل تاجر سيارات، الحديث مجدداً حول اضطهاد أبناء القبائل في المناطق المُهمّشة على حدود مصر، وحتى الآن، لم تصدرْ وزارة الداخلية المصرية أي بيان أو تعليق حول الحادث وملابساته، رغم رد الفعل القوي من قبيلة الضحية.

تشير “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” إلى أن “الجريمة التي لم تتضح ملابساتها بعد، تأتي ضمن عمليات قتل المواطنين على أيدي ضباط وعاملين في وزارة الداخلية المصرية المستمرة، في ظل سياسة الإفلات من العقاب التى تمارسها السلطات المصرية على نطاق واسع”.

رداً على الواقعة، نظم أهالي سيدي براني احتجاجات على مقتل فرحات، وقطع المئات منهم الطريق الساحلي الدولي، الذي يربط بين مدينتي السلوم وبور سعيد، كما حاصروا قسم شرطة سيدي براني، وأشعلوا إطارات السيارات، واعتدوا بالضرب على عدد من أمناء الشرطة، ما استدعى تدخل قوات الجيش لإعادة السيطرة على المدينة القريبة من الحدود المصرية – الليبية.

واقعة مقتل فرحات، المعروفة بطبيعتها القبلية، أعادت شبحاً لم يكن يتمنى النظام المصري استحضاره في هذه اللحظة تحديداً، بينما يستعدّ للانتخابات الرئاسية المثيرة للكثير من الجدل.

الشرطة تختبئ من المحتجّين

لم تنتهِ الواقعة حتى الآن، ولا يزال التوتر المتبادل بين قوات الشرطة وقبيلة “المحافيظ” قائماً، خصوصاً أن القبيلة – وفقاً لعاداتها وتقاليدها – لا تتنازل عن الثأر، الأمر الذي دفعها الى محاولة الاعتداء على عدد من أمناء الشرطة والشرطيين للحصول على حقها وحق فرحات، بعدما رفعت شعار “الثأر” قبل أي مصالحة. وعزّز من رد الفعل ذلك، تقرير الطب الشرعي الذي أكّد القتل العمد، مشيراً الى أن سبب الوفاة طلق ناري متفرق في الجسد.

حاولت قيادات الجيش احتواء الموقف في منطقة سيدي براني ذات الطابع العسكري نظراً الى طبيعتها الحدودية، من خلال عقد لقاءات مع كبار قبيلة “المحافيظ”، وتوسيط مشايخ للتوصل إلى حل للأزمة من دون إضعاف هيبة الدولة، أو تربّص بأفراد من الشرطة.

كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن، لا سيما أن التوتر بين أهالي سيدي براني وقوات الشرطة ليس جديداً، إنما مرّ بمراحل صعبة سابقاً، إلا أن وصول الأزمات إلى مقتل أحد أفرادها أعاد الى الأذهان كل ما جرى من اضطهاد وعنف من جانب الشرطة تجاه المدنيين في تلك المنطقة.

تكفّلت قوات الجيش بحماية الضابط المتهم بالقتل، عبر إيداعه في أحد معسكرات المنطقة، خوفاً من تعرضه للقتل، أو الهجوم على سيارة ترحيله إلى القاهرة، أو التهجّم على مقرات الشرطة.

يقول سعيد الحفيان، رئيس المجلس المحلي لمرسى مطروح سابقاً، في فيديو نشره عبر موقع فيسبوك، إنه رصد خلال الفترة الماضية، سلوكاً عدوانياً من جهاز مباحث سيدي براني تجاه المواطنين من دون سبب يُذكر.

ويضيف: “السلطات تتعرض بشكل مبالغ فيه، ومن دون أسباب، لشباب القبائل، فعلى سبيل المثال تم إيقاف شبان كانوا في طريقهم إلى واحة سيوة لشراء زيتون وتمور، وتفتيش سيارتهم وسرقة كل ما يملكونه، وقدره 40 ألف جنيه، فضلاً عن شكاوى أخرى، مثل القبض على أشخاص بشكل عشوائي، ولأسباب تافهة، كادّعاء أن أحدهم عامل الضباط معاملة سيئة، وتعذيب بعضهم… أحدهم قال إن الضابط أجبره على تقبيل قدم مخبر”.

وأوضح: “في مناطق كثيرة، يتعرض السكان للترهيب، وكثيراً ما يجدون الشرطة في غرف نومهم، توقظهم تمهيداً للقبض عليهم من دون أسباب”.

وطالب الحفيان بالتحقيق، وعدم مرور الواقعة مرور الكرام من دون محاسبة، حتى لا تتفشّى اعتداءات الشرطة في المدينة، فيما تعاني قرى ومناطق كثيرة مهمّشة من تغول أفراد الشرطة وصلاحياتهم ومصالحهم، وتحولهم إلى أشخاص ذوي نفوذ، إلا أنّ الوقائع التي تثبت ذلك لا تلقى الرواج أو الانتشار لعدم وصولها إلى القتل، إنما تنتهي عند حفلات التعذيب. وشهدت الأيام الماضية، مقتل مواطن في أحد أقسام الإسكندرية بعد 12 يوماً من اعتقاله، وفق ما أعلنت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان”، وأعقبت ذلك واقعة دهس سيدة وإصابة أبنائها بسيارة ضابط جيش، في كمباوند “مدينتي”.

 أكدت شهادات حقوقية أن الضابط المتهم بقتل فرحات، قام بانتهاكات ضد أهالي منطقة سيدي براني خلال الأشهر الماضية، ما أدى الى طغيان الكراهية على علاقاته بالكثير من أهالي المدينة وأبرزها الإخفاء القسري. إذ ألقى قسم شرطة سيدي براني القبض على 4 شباب خلال عيد الأضحى، واحتجزهم في مقر القسم من دون سند قانوني. وبسبب ذلك، تقدم 10 من أهالي المدينة بشكاوى ضده.

اختمر الغضب لدى أهالي سيدي براني، خلال الأشهر الماضية، إثر أزمات ومشكلات فرّغت الحاضنة الشعبية للشرطة، بخاصة حين كانت تطارد قوات الأمن أحد المشتبه بهم في الإتجار بالمخدرات، وخالفت تلك المطاردة قواعد الأمن والسلامة المعتادة، فأدت إلى وقوع سور على أحد الأطفال ووفاته في الحال.

“عقاب جماعي” لأهالي سيدي براني

تفرض الشرطة المصرية قبضتها الحديدية على سيدي براني ومدن وقرى كثيرة قريبة من الحدود الليبية، منذ أشهر عدة، بحجة مكافحة الهجرة غير النظامية، وذلك بعدما تزايدت أعداد المصريين على ممر الهجرة إلى إيطاليا، فيما أغلقت السلطات منافذ عبور المراكب من مصر تماماً، فصار المسار الليبي هو البديل الآمن.

تتمّ عمليات التهريب وتخزين (احتجازهم حتى موعد رحلاتهم) الشباب المقبل على الهجرة عبر سيدي براني والسلوم، طبقاً لشهادات عدة، ويدير تلك العملية أفراد من محافظة مرسى مطروح والمدن المحيطة بها على الحدود الليبية، ما خلق توتراً شديداً في تلك المنطقة ضاعف عنف السلطات المصرية في مواجهة المهرّبين، أو من يشتبه بتورطهم في عمليات التهريب. وأجّج ذلك القبض على 9 مصريين في اليونان، واتهامهم بتهريب البشر بطرق غير قانونية بالاتفاق مع مهربين ليبيين وأشخاص مجهولي الهوية في محافظة مرسى مطروح، بعد غرق مركب هجرة غير نظامية بالقرب من اليونان.

تتعرض القاهرة لحرجٍ بالغ، طالما تمّ الزج بها في عمليات تهريب البشر والهجرة غير النظامية، نظراً الى عقدها اتفاقيات عدة مع الاتحاد الأوروبي وإيطاليا تحصل في مقتضاها على تمويلات، مقابل وقف تدفق اللاجئين على السواحل الأوروبية، وهو ما يدفع النظام المصري للسعي إلى إيقاف ذلك التدفق مهما كلفه الأمر.

تزامنًأ مع غرق مركب الهجرة غير النظامية في اليونان ومقتل المئات، شنّت السلطات المصرية حملة اعتقالات مستمرة شملت أي مشتبه بتعاونه مع عصابات الهجرة غير النظامية، أو أحد أقاربه، لحسم ذلك الملف في الجانب المصري، من دون وعيٍ كافٍ بطبيعة تلك المجتمعات القبلية والعشائرية، التي تشعر بالتهميش، وتثور حين يُمسّ أحد أفرادها. ومن نتائج حملة الاعتقالات والتضييق، التي طاولت كثيرين بغض النظر عن تورطهم في عصابات الهجرة غير النظامية من عدمه وعلى اختلاف مهنهم، أن تحولت إلى نوع من “العقاب الجماعي” للمدينة والمدن المجاورة لها، بسبب شكوك السلطات في تعاون بعض أفرادها مع مهرّبي البشر وسماسرة “الهجرة”.

حملات اعتقال عشوائيّة

انفجرت الأمور بشكل مبالغ فيه نظراً الى غضب القبائل، التي تتخذ خطوات جادّة نحو إيقاف قوات الشرطة، وتحديداً قطاع المباحث، عن الجور على أفرادها والتغول في أداء دوره وممارسة العنف والاعتقالات على أي مشتبه به من دون سند أو دليل، وهو ما يضاعف شعورهم بأنهم مهمّشون ومواطنون “درجة ثالثة” تُنسب إليهم اتهامات كثيرة ضمن سلسلة من التحقيقات والتحريات غير العادلة، إذ يُضطر الضباط لتقديم “كبش فداء” في القضايا الكبرى، وإذا لم يجدوا المتورط والفاعل الحقيقي، يتقدمون نحو توزيع الاتهام على المشتبه بهم وتقديمهم كمتهمين لغلق الملفات مؤقتاً.

يرى إبراهيم عرفة، محامي مجموعة من الشباب المقبوض عليهم على خلفية احتجاجات سيدي براني، أن “جهاز الشرطة في سيدي براني لا يدخر جهداً في ترويع الآمنين من أهالي المدينة وقطع أرزاقهم وإخضاعهم لتحقيقات لا تنتهي، والقبض عليهم من دون سبب، وإيداعهم الزنازين لأجل غير مسمّى، ولا يمكن تفسير ذلك بالمصلحة العامة أو رغبته في اكتشاف المتورطين في تسهيل الهجرة غير النظامية، إنما تتداخل في الأمر مصالح شخصية كثيرة”.

ويقول لـ”درج”، “على رغم وضوح الرؤية في قضية مقتل فرحات المحفوظي، تم إطلاق سراح الضابط، وحبس المحتجين، ولا نعرف حتى الآن إلى أين تتجه القضيتان، ونخشى أن يكون هؤلاء كبش فداء للمدينة، لإثارة الخوف في قلوب الآخرين، الذين يمكن أن يحتجوا لأجلهم أو يعلنوا غضبهم من القبض عليهم”.

تدخّل قادة في القوات المسلحة في مرسى مطروح وسيدي براني لاحتواء الأزمة، عبر علاقاتهم القوية مع مشايخ القبائل، وقد ينتج من تلك المفاوضات تقديم الضابط الى المحاكمة وإخلاء سبيل المحتجين، إلا أن أي صيغة للحل لم تتبلور حتى الآن.

وتوحي الطريقة التي تُدار بها أزمة واقعة مقتل فرحات المحفوظي، وحالة التعتيم التي تحيط بها، بأنّ النظام المصري لا يريد الحديث حول تجاوزات جهاز الشرطة، تحديداً في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، نظراً الى أهميتها في ضبط الأداء الانتخابي، والمساعدة في لملمة بعض الأوراق الانتخابية، وتشير إلى أن ما يجري في تلك المناطق المتاخمة للصحراء الليبية من اعتقالات عشوائية وعقوبات جماعية، كان بتعليمات من القيادة السياسية، وليس تصرفاً فردياً.

القتل يقصّر أعمار الأنظمة

يشبه د. عبد الغفار محمد، أستاذ العلوم السياسية، مقتل فرحات المحفوظي بواقعتي تعذيب عماد الكبير ومقتل خالد سعيد، اللتين كتبتا نهاية عصر مبارك، لا سيما أن الواقعة تسبق الانتخابات الرئاسية بوقت قليل، كما أنها تأتي في وقت حسّاس بالنسبة إلى النظام المصري، الذي يكافح حالياً للإمساك بجميع الأوراق بيده، ويعاني حالة من عدم الاستقرار أو الثقة، لتراجع أسهمه في ملفات محلية ودولية عدة، كما أن مشهد الهجوم على قسم شرطة، يكسر هيبته ويجعله قابلاً للتكرار مع أقسام أخرى.

يقول أستاذ العلوم السياسية لـ”درج”: “الجيش المصري بعمق علاقاته مع القبائل في جميع المناطق الحدودية المصرية قادر، بشكل مؤكد، على إنهاء الأزمة عبر تقديم تسهيلات أو ضمانات، فضلاً عن تقليم أظافر جهاز الشرطة بمنطقة سيدي براني والمناطق المحيطة بها، وربما تحدث تلك الصفقة، بخاصة أن ما يهمّ القبائل هو تسهيل تجارتها، والتوقف عن إهانة أبنائها أو اعتقالهم”.

ويرى محمد “ألا حلّ نهائي لتلك القضية، بخاصة أنها حدثت وتتكرر باستمرار، نظراً الى طبيعة القبائل وأبنائها، وتعاونها مع الأمن لتحقيق بعض المصالح، وحدوث بعض الخلافات، لكن الحل المؤقت هو الذي سيحسمه قادة القوات المسلحة مع كبار القبائل ومشايخها، الذين ساعدوا النظام المصري سابقاً في التواصل مع القبائل الليبية وجذبها إلى صف مصر، وبالتالي هناك عمق في العلاقات، لكن بعض التصرفات الفردية لعناصر بجهاز الشرطة، قد تفسد صفوها”.  

ويشير محمد إلى دلالة الحوادث المشابهة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، موضحاً أن “القتل العمد من الأجهزة الأمنية قد يقصّر أعمار الأنظمة السياسية، ولدينا في مصر مثال خالد سعيد، الذي كان سر سقوط نظام مبارك والثورة ضده”. ويضيف: “هناك بعد آخر لواقعة المحفوظي، وهو انتماؤه الى قبيلة كبيرة، وهي أولاد علي ذات النفوذ الكبير، وتمثل تلك القبائل ثقلاً سياسياً حقيقياً في مدنها، كما أن بعضها يكون مسلحاً ولديه قدرة على إثارة الفوضى والشغب، وهو ما يعرفه النظام المصري جيداً، وبالتالي لا حل سوى التسوية مع القبيلة مهما كانت شروطها، وأعتقد أن القضية ستشهد تطورات، حتى لو أطلق سراح الضابط المتهم بالقتل الآن، ربما تكون خطوة ضمن المفاوضات”.

لم يُسدل الستار على واقعة قتل فرحات المحفوظي في سيدي براني، وقد تغيِّر كثيراً من الأمور الخاصة بمواجهة الهجرة غير النظامية والتعامل مع أبناء القبائل ومواطني القرى الحدودية والمهمّشة، وكذلك التشديد على جهاز الشرطة، لمنعه من التورط في جرائم جديدة قد تهدد السيناريوهات المُعدّة لانتخابات الرئاسة، لا سيما أن الواقعة جاءت في فترة ساخنة، يجري خلالها الحوار الوطني، فضلاً عن تفاهمات أخرى، ما أدى إلى حالة ارتباك وتجاهل تام من الإعلام المصري لما جرى، وكذلك، عدم التعليق على الحادث رسمياً من جانب أي جهة. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.