fbpx

“الخديويّة الجديدة” في مصر… سكان العشوائيات “ضحايا” الأحياء النظيفة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حاولت خطة “الإسكان البديل” التي أطلقها عبد الفتاح السيسي حل مشكلة العشوائيات في مصر، لكن نقل الكتل البشريّة من مساكنهم نحو أخرى “نظيفة وحديثة” كشف عن أزمة اقتصاديّة عميقة، إذ وجد “السكان الجدد” أنفسهم عاجزين عن العمل، ويتحملون أعباء اقتصاديّة جديدة تفوق قدرتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُلقي القبض في مصر على شخص عُرف بـ”جزار المونوريل”خلال عيد الأضحى هذا العام، بتهمة “إتلاف المال العام والذبح خارج المجازر العامة وإشغال الطريق”، إذ أقدم اللحّام على العبث بعمود خرساني يحمل قطار المونوريل، المشروع الضخم الذي تنفذه الحكومة لتسهيل حركة المرور، وتوفير وسيلة مواصلات “راقية”.

الحادثة التي أثارت الجدل (والسخرية أحياناً) لا تخلو من مفارقة، فأبو علي، حفر بالعمود، وثبت قطعة حديدية ليعلق عليها اللحوم، وأحضر أدواته الى المكان، وحوّله الى ملحمة صغيرة بمنطقة مدينة نصر، شرق القاهرة، وبعد انتشار صورته على “السوشيال ميديا”، ألقت الشرطة القبض عليه، وأغلقت ملحمته المقابلة لمكان الحادثة.

برر أبو علي فعلته بأنه كان يحاول “ذبح أكبر عدد من الأضاحي في ساعات محدودة”، أي يمكن تفسير ذلك بالحاجة الاقتصاديّة، إذ يعيش “جزار المونوريل” حالياً،  في ما كان يعرف بعشوائيات القاهرة التي وسمت المدينة لسنوات طويلة، الى أن تبنت مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي مشروعاً ضخماًً، للقضاء على المناطق العشوائية، وبناء وحدات سكنية متنوعة، منها وحدات “الإسكان الاجتماعي”، التي يفترض أنها مخصصة لمحدودي الدخل، وهو مشروع يحتوي على مشروع أكبر وأضخم، يهدف إلى إنشاء 30 مدينة جديدة.

بيوت جديدة… “مخالفات عشوائيّة”

اتخذت السلطة المصريّة مسارات مختلفة تجاه المشاريع الضخمة رافعةً شعار “بناء الإنسان أولاً”، أهمها هدم الأحياء العشوائية وبناء تجمعات سكنية منظمة نظيفة بدلاً منها (الإسكان البديل)، إضافة إلى بناء مدن جديدة، تضم وحدات سكنية رخيصة (نسبياً) يسدَّد ثمنها بالتقسيط على سنوات قد تصل إلى 20 سنة، إلى جانب تجمعات سكنية “أرستقراطية ترفيهية”، ستستقبل آلاف الأسر من سكان المناطق العشوائيّة، إذ تحوي القاهرة 33 في المئة من سكان العشوائيات على مستوى مصر.

السياسة الإسكانيّة التي تبدو محاولةً لحل أزمة السكن في القاهرة، ترافقت مع أخبار عن حوادث ومفارقات، وأحياناً “مخالفات” يرتكبها السكان الذين نقلتهم الحكومة من بيوتهم العشوائية إلى تلك المساكن المنظمة، تصرفات تشابه ما قام به “جزار المونوريل”، تعكس عدم اتساق بين الصورة المثاليّة للمساكن البديلة، والوضع الاقتصاديّ للسكان “الجدد”، تصرفات فرضها الأمر الواقع  من فقر وإهمال حكوميّ، تمت مواجهتها بمحاولات النجاة في ظل ارتفاع الأسعار وغياب الدعم الاقتصاديّ، على رغم وعود محافظ القاهرة، بتقديم تدريبات للسكان (النساء خصوصاً) لبدء مشروعات صغيرة، وإعلان صندوق التنمية الحضريّة عن إطلاق مبادرة “إسعي” التي هدفت عام 2022، الى تقديم دورات تأهيل للشباب والسيدات تمتد الى أسبوعين، بهدف اكتساب مهارات “الأعمال اليدويّة”.

على رغم ما سبق من سياسة إسكانيّة – اقتصاديّة، نقرأ مثلاً، عن تحويل  شقة سكنية أو جزء منها إلى محل تجاري، واستغلال الأرصفة في تربية الدواجن أو الماشية، أو إنشاء ورش ميكانيكية أو غيرها. وهو ما تواجهه أجهزة الشرطة بصورة دوريّة، وتعد حملات لإزالة تلك المخالفات وتوقيع عقوبات على مرتكبيها لـ”النهوض بالمدينة لتكون من أفضل المدن بالجيزة”.

الملاحظ أن “السكان الجدد” يعيدون إنتاج نظامهم الاقتصاديّ الذي سبق ومارسوه في العشوائيات، المنازل الجديدة و”الحضاريّة”، لم تغير سوى الواجهة، في حين بقي الفقر قائماً، في ظل غياب فرص العمل، وتحوّل الفضاء العام إلى مساحة لـ”كسب الرزق”، بغض النظر عن جدّة مكان السكن.

المفارقة السابقة تدفعنا الى السؤال حول استراتيجيّة “إعادة التوطين” هذه، أو لنسمّها (الترقي الطبقي الإلزاميّ)،  التي تتبنى فرضيّة مفادها أن الفقر مسألة مكانيّة يمكن  القضاء عليها بمجرد نقل الإنسان من بيئة مهملة عشوائية إلى أخرى “منظمة نظيفة”، لكن هل الانتقال إلى “منزل جديد” هو الحل، أمام انخفاض مستوى التعليم والدخل المادي المقبول؟ والأهم، هل المواطن المصري مقتنع بجدوى المشروعات التي تشيدها حكومته، أم أنه يرى أنها ليست أولوية بالنسبة إليه؟ 

السياسة الإسكانيّة التي تبدو محاولةً لحل أزمة السكن في القاهرة، ترافقت مع أخبار عن حوادث ومفارقات، وأحياناً “مخالفات” يرتكبها السكان الذين نقلتهم الحكومة من بيوتهم العشوائية إلى تلك المساكن المنظمة

لا عمل في “الإسكان البديل”

أشارت أكثر من دراسة إلى أن سكان العشوائيات الذين نقلتهم الحكومة من أحيائهم القديمة (التي كان بعضها مهدداً بالانهيار)، إلى تجمعات سكنية مخططة نظيفة، يعيشون أوضاعاً اقتصاديّة سيئة، وقد زادت أعباؤهم المادية والنفسية، إلى حد تمنّي العودة إلى الواقع الجديد.

الباحثة ثناء حسن علي حسن، أعدت  عام 2022 رسالة دكتوراه ناقشتها بجامعة عين شمس بعنوان “نمط الحياة لقاطني الإسكان الاجتماعي ومدى تغيره – دراسة تطبيقية على حي الأسمرات بالمقطم”، وتوصلت من خلالها إلى أن السكان يعانون “أعباء مالية كبيرة، قياساً بما كانوا يتحملونه قبل انتقالهم الى المساكن الجديدة، بخاصة النفقات التي يدفعونها للدولة، والمتمثلة في رسوم الكهرباء والمياه والغاز، وإيجار الشقة”.

أشارت الدراسة  أيضاً إلى غياب فرص العمل، ما يضطر السكان إلى الخروج من مناطق الإسكان الجديد يومياً إلى أماكن أخرى يستطيعون مزاولة أعمالهم فيها، ما يحملهم تكاليف مواصلات لم يكونوا يتحملونها في أحيائهم القديمة، حيث كانت الورشة أو المحل في المنزل، ولم يعد ذلك متاحاً بعد الانتقال إلى السكن الجديد.

تلك النتائج تلتقي مع ما توصل إليه الدكتور أحمد فخري هاني، مدرس علم النفس البيئي بجامعة عين شمس، خلال دراسته التي حملت عنوان “العلاقة بين إعادة توطين ساكني العشوائيات وأساليب التعايش في ضوء العوامل الخمسة الكبرى للشخصية: دراسة على ساكني حي الأسمرات (نموذجاً) وعشش أم حجاج”.

أكد هاني أن سكان العشوائيات المنتقلين للإسكان الاجتماعي بمصر “يشعرون بالقلق والعجز والإحباط والاستسلام والنظرة السلبية للحياة، لسوء وضعهم المادي والمعيشي، وعدم القدرة على توليد فرص عمل داخل مجتمعهم الجديد، وافتقادهم المساندة والدعم الاجتماعي الذي كانوا يلقونه في أحيائهم القديمة”.

ويشير إلى أن غالبية سكان هذه المناطق لا يملكون وظائف، سواء حكومية أو خاصة، وليست لهم تأمينات اجتماعية، وإنما يعملون في غالبيتهم في مهن حرة غير منتظمة الدخل، كالمهن الحرفية، أو الخدمة في المنازل.

وفّرت المساكن العشوائيّة نظاماً اقتصادياً (كما في كل المساكن العشوائية في العالم) خاصاً بالمنطقة، فرضه الأمر الواقع، والتقصير الحكومي في توفير مقومات العيش، فبعض سكان العشوائيات كانوا يستغلون سكنهم كمصدر للدخل، حيث يمكنهم أن يربوا فيه طيوراً داجنة، أو يفتحوا ورشة لحرفتهم، أو يبيعوا بعض البضائع البسيطة مثل البقالة.

الأشكال الاقتصاديّة هذه، خصوصاً الخدميّة منها، من الصعب تكرارها  في المناطق الجديدة، رغم المحاولات، إذ تقف السلطات في وجهها، ودورة خياطة من أسبوعين، لن تكفي لإعالة عائلة في ظل التضخم وغلاء الأسعار.

حتى من كان لا يستغل منزله في العمل، افتقد شبكة علاقاته التي كانت توفر له فرص عمل، كالميكانيكي والنقاش والسباك والكهربائي الذي كان يقصده أصحاب الأعمال، من الأحياء المحيطة بسكنه القديم، وأصبحوا يفتقدونه الآن بعد نقله إلى مكان بعيد، أي المهن القائمة على المهارات اليدويّة، والتي لا تتطلب مقرّ عمل، لم تعد مجدية في ظل الأحياء الجديدة.

“الخديويّة الجديدة” لن تطعم أفواهاً جائعة!

يُتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم تقدير الأولويات الاقتصادية والمشروعات التي يحتاجها المواطن، نتيجة توسعه الكبير في إنشاء مشروعات بنية تحتية وترفيهية وإسكانية، فيما يعاني المواطن من ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، من طعام ودواء وملبس ومسكن وغيرها، بشكل غير مسبوق.

انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، إذ زادت قيمة الدولار بأكثر من الضعف خلال عام واحد فقط، ووصل إلى 32 جنيهاً مصرياً في عام 2023، بعدما كان 15.75 عام 2022.

يضاف إلى ذلك الغلاء، إذ وصلت نسبة التضخم إلى 41 في المئة في حزيران/ يونيو 2023، وفقاً لأرقام البنك المركزي المصري، ويرى خبراء ومؤسسات دولية أنها أقل بكثير من الواقع، وأن التضخم الحقيقي في مصر يجعلها ضمن أسوأ 20 دولة بالعالم في ارتفاع معدلات التضخم.

وعلى رغم هذه البيانات غير المسبوقة بالنسبة الى مصر، ينكر السيسي أن سياساته هي التي صنعتها، ويرى أنها نتيجة الزيادة السكانية. هذه السياسة جعلت بعض الأصوات المؤيدة للسيسي شخصياً، ترى أن المشروعات القومية ومنها إنشاء مدن جديدة ومنتجعات سياحية، وخطوط مواصلات كالمونوريل والقطار السريع، أرهقت في الواقع المواطن، ويجب وقفها، أو على الأقل تأجيل تنفيذها.

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار، إن أولوية المواطن تكمن في نمو اقتصادي يعود بالنفع المباشر عليه، من خلال مشروعات ترفع من مستوى معيشته بشتى جوانبها، إلا أن الدولة تتوسع في الإنفاق ببذخ على مشروعات العقارات والمواصلات والبنية التحية، من خلال قروض دولية ضخمة، على حساب المواطن الذي تطالبه الدولة بالتقشف.

في المقابل، تنفق الحكومة ببذخ على المسؤولين وتغدق عليهم العطايا، فقد ارتفع ما يعرف ببدل انتقال المسؤول بنسبة 433 في المئة خلال عام واحد، وهي الميزانية المخصصة لسيارات المسؤولين وتنقلاتهم.

علت أصوات ترى أن الهدف من تلك المشروعات ليس رفاهية المواطن، كما تدعي السلطة، بقدر تباهي هذه السلطة بها أمام العالم، في تقليد وصفه المفكر السياسي أنور الهواري بـ”الخديوية الجديدة”، معتبراً أن النظام الحاكم في مصر ما هو إلا تطور لنظام ملكي استبدادي يسعى إلى مجده الشخصي، الذي يتصوره مرتبطاً بمشاريع باذخة تعنيه وتعني نظامه فقط، ولا تعني الشعب في شيء، مؤكداً أن هناك انفصالاً تاماً بين ما يريده الشعب وما تتجه إليه السلطة.

العمل أولاً

انتقال إنسان من طبقة اجتماعية إلى طبقة أعلى في السلم الاجتماعي، يتطلب مجموعة عوامل مختلفة، اقتصادية وثقافية واجتماعية ونفسية، والتوسع في جانب بسيط مثل التنمية العمرانية وتحسين جودة المرافق هو مجرد جزء بسيط من مجموعة عوامل أخرى لم يحصل عليها السكان، ما وسع فجوة الفقر بين المصريين.

السلوكيات التي نراها في “المدن الجديدة” وليدة تقصير وقراءة ساذجة لمفهوم التطوير الذي تتبناه السلطة في مصر، هي أشبه بعمليات “الجنترفيكيشن-Gentrification” بصورة ما، يتم “انتزاع” المواطنين من منازلهم، نحو أخرى أكثر “رقياً” إن صح استخدام هذه الكلمة، واستحداث مرافق وعلاقات، لا يمتلكون القدرة الاقتصاديّة على مواكبته، وفي حال العودة إلى “أعمالهم” السابقة، تواجههم السلطة وتمنعهم من مواجهة الفقر.

العمل هو ما يساهم في الارتقاء الطبقيّ، لا تغيير المنزل، وهذا بالضبط ما يكشف المفارقة بين السلوكيات الاقتصاديّة العشوائيّة (التسمية التي تتبناها وسائل الإعلام الرسميّة المصريّة)،  والمساكن الجديدة التي تشكل واجهة مصر الحديثة التي يسعى السيسي إلى إنجازها، هذه المفارقة تكشف بساطة أن تحريك الكتل البشريّة نحو أماكن أكثر تنظيماً، لا يعني حل مشكلة الفقر، ذلك الذي لا بد من مواجهته، ولو بسلخ اللحوم على الأعمدة أسفل الجسور “الحديثة”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.