fbpx

حرق المصحف… عن الابتزاز الإيراني للسويد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمكن القول إن إيران سخّرت كل أوراقها في قضية حرق المصحف، محاولة إخضاع السويد. فالسجادة التي نسجت خيوطها بصبر لسنوات، باتت مهيأًة لصفقة مهمة: مبادلة سجين لديها بسجين لدى السويد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لماذا تتحرك إيران في قضية حرق المصحف في السويد اليوم، على الرغم من إحراقه هناك منذ عام 2016؟ هو ضغط لإجبار السويد على مبادلة سجين مقرّب من الرئيس الإيراني، ومتورط في إعدام آلاف السجناء السياسيين.

ظهيرة يوم 27 حزيران/ يونيو الماضي، وبعد بضع ساعات من أداء صلاة عيد الأضحى، تجمع صحافيون بالقرب من مسجد ستوكهولم الكبير في العاصمة السويدية، محاولين التقاط صور إلى جانب عشرات المحتجّين السويديين والأجانب.  

شهد المكان وجوداً كثيفاً للشرطة، التي نشرت سياراتها، ووضعت أشرطتها البيضاء والزرقاء لتفصل المتظاهرين عن رجل أسمر يضع نظارة شمسيّة وقف بعيداً.

بدأ الرجل، الذيّ شمّر كمّي قميصه الأزرق الفاتح عن ساعديه، حديثه بالعربية بلكنة عراقية عبر مكبر في يده، رافعاً علم السويد بيده الأخرى. شتم الإسلام والقرآن والنبي محمد. ثم التقط ولاعة وأشعل النار في المصحف. ذلك الرجل هو “الميليشياوي” العراقي الغامض سلوان موميكا.

أسرعت الشرطة إلى اعتقال شاب عربي، حاول أن يقفز فوق السور الحديدي الفاصل بين موميكا والمتظاهرين. كان الشاب يصرخ بلكنة فلسطينية قائلاً إن “غضب الله من زلازل وأعاصير ومجازر قد حلّ بنا بسبب صمتنا عن حرق القرآن”.

في تلك الأثناء، كان شابان فلسطينيان يوزّعان الشوكولاته على المتظاهرين والصحافيين، ويشرحان بالسويدية “مبادئ الإسلام السمحة”، قال أحد الشابين للصحافيين: “لا يعني هذا أنني لست غاضباً، لكن ديني يأمرني بأن أُعرِض عن الجاهلين”.

ما عدا ذلك، سارت الأمور من دون صدامات جسديّة، باستثناء شتائم بالعربية بلهجات متعددة بين المتظاهرين وموميكا، بينما وقف عناصر الشرطة متأهبين في المسافة الفسيحة بين الجانبين.

موميكا… من “الحشد” إلى “ديمقراطيي السويد”

عمد موميكا، 37 عاماً، إلى حرق المصحف بغرض الحصول على إقامة دائمة في السويد، حيث يُمنع الترحيل منها إذا كان يُعرّض حياة المرحَّل للخطر. وكان قد حصل في نيسان/ أبريل 2021 على تصريح الإقامة في السويد لثلاث سنوات ثم انتسب إلى حزب “ديمقراطيي السويد” اليميني القومي الشعبوي المتطرف المناهض للهجرة.

أنكر مسؤولون في الحزب معرفتهم بموميكا واعتبروا عضويته شكلية، لكن المعروف أن جذور الحزب تعود  إلى الفاشية السويدية والقومية البيضاء. ونشط  أول رئيس له في حزب الشمال الاسكندنافي النازي.

أصرّ موميكا على صب جام غضبه على القرآن، الذي يراه “أصل الشرور”. مع أنه، وقبل وصوله إلى السويد، قاتل في صفوف ميليشيا الحشد الشعبي العراقية الشيعية المدعومة من إيران، وهو المسيحي المولود لأسرة سريانية كاثوليكية في سهل نينوى شمال العراق.

قاد موميكا ميليشيا كتيبة “روح الله عيسى بن مريم”، إحدى مجموعات ميليشيا كتائب الإمام علي، التابعة “للحشد”. كما قاد ميليشيا قوات “صقور السريان” وترأس حزب الاتحاد السرياني الديمقراطي “المستقل والممثل للشعب السرياني الآرامي في العراق”. ثم اعتُقل إثر خلافه مع ريان الكلداني، قائد ميليشيا كتائب بابليون المسيحية العاملة ضمن قوات “الحشد”. ويخضع الكلداني لعقوبات أميركية منذ 2019؛ وتوجَّه إليه والى الميليشيا التي يتزعمها،  اتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

يستمر موميكا اليوم بالتظاهر أمام السفارات مشعلاً صفحات المصحف والتواصل الاجتماعي، ومسبباً موجات من الصدمة داخل السويد وخارجها.

على الرغم من إدانة غالبية المسؤولين السويديين عملية حرق المصحف، إلا أنهم لا يستطيعون منعها بسبب قيود قانونية تحمي حرية التعبير.

استهداف السويد 

بسبب ذلك المشهد، باتت المملكة الاسكندنافية هدفاً محتملاً للهجمات الإرهابية بسبب حرق المصحف، وفقاً لأجهزة استخباراتها. قيمها الديمقراطية وصورتها المتنوعة النابضة بالحياة كملجأ للباحثين عن أمان من الأنظمة الاستبدادية، بدأت بالتشوه مع إشاعات من نوع “السويد تحرق المصحف، السويد تخطف أطفال المسلمين، السويد تضطهد المسلمين…”.

أكد ذلك اعتقال الأخوين أنس وأحمد كيوان (28 و24 عاماً على التوالي) في ألمانيا بتهم التخطيط لهجمات إرهابية في السويد انتقاماً لحرق المصحف. كما تلقى الكثير من الأشخاص في السويد رسائل نصية فيها تهديدات بأعمال انتقامية ضد من أحرقوا المصحف.

ارتفع احتمال شن هجمات إرهابية في السويد منذ أن أحرق بالودان المصحف أمام سفارة تركيا في ستوكهولم في كانون الثاني/ يناير الماضي. ومطلع آب/ أغسطس الحالي، هاجم مسلح القنصلية السويدية في مدينة إزمير التركية، ما أدى إلى إصابة موظف بجروح خطيرة. وبحسب وسائل إعلام سويدية، فإن الهجوم أتى على خلفية تأخر تأشيرة سفر تخوّل المهاجم دخول السويد.

ومع انطفاء الصفحات التي أحرقها موميكا، اشتعلت التظاهرات في عدد من الدول العربية والإسلامية، التي أصدرت بيانات إدانة للواقعة مترقّبة استجابة السويد. وانتقد رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون ووزارة الخارجية، حرق المصحف، مع تمسكهما بضمان حرية التعبير؛ مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أن ذلك “يعكس العنصرية وكره الأجانب”. ربّما تُجري السويد تغييرات في قوانينها تمنع حرق الكتب المقدسة، لكن ذلك الاحتمال يثير انتقادات داخلية بأنه يقوّض حرية التعبير.

على الرغم من إدانة غالبية المسؤولين السويديين عملية حرق المصحف، إلا أنهم لا يستطيعون منعها بسبب قيود قانونية تحمي حرية التعبير. وكانت الشرطة السويدية قد رفضت طلب موميكا في شباط/ فبراير حرق المصحف أمام السفارة العراقية في ستوكهولم لاحتمال تأثير ذلك سلباً على الأمن السويدي؛ لكن القضاء، وهو صاحب الكلمة الفصل هنا، وافق عليه.

ليس موميكا أول من يحرق المصحف في السويد. فقد سبق وأحرقه الكاتب المصري عمر مكرم، 37 عاماً، عام 2016، للحصول على تصريح بالإقامة الدائمة. ومنذ عام 2020، ولأسباب انتخابية، أحرق اليميني المتطرف الدنماركي-السويدي راسموس بالودان، 41 عاماً، المصحف في السويد وعدد من الدول الأوروبية. لكن ذلك كله كان قبل قضية المسؤول الإيراني حميد نوري.

الغضب الإيراني والسجادة المكتملة

في الواقع، لا يبدو موميكا أكثر من بيدق على رقعة شطرنج إيرانية. ما فعله حجة لتأجيج آلة طهران الدعائية، التي بدأت حملة منظّمة ضد السويد حرصت فيها على ربطها بإسرائيل.

حرّض المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي على السويد. واعتبر أنها اتخذت موقفاً “حربياً تجاه العالم الإسلامي” من خلال دعمها الضالعين في حرق المصحف. وكانت تصريحاته شبه إعلان حرب. كما زعمت إيران أن موميكا منتسب إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “موساد”، وأنه “ولقاء خيانته وتحركاته المشينة، حصل على تصريح الإقامة في السويد، الذي يشهد نشاطاً استخبارياً صهيونياً غير محدود”.

وتوالت ردود الفعل المنسّقة لتوابع إيران. إذ أكد أمين عام “حزب الله” اللبناني المدعوم إيرانياً، حسن نصرالله، وجود علاقة بين موميكا و”موساد”. وقالت إيران إنها لن تستقبل السفير السويدي الجديد بعدما أرجأت تعيين سفير جديد لها في ستوكهولم. 

أصدر العراق كذلك مذكرة توقيف بحق موميكا وطرد سفيرة السويد وسحب القائم بالأعمال في ستوكهولم. كما أحرق أتباع الزعيم مقتدى الصدر، قائد تنظيم جيش المهدي العراقي الشيعي، السفارة السويدية في بغداد. ونظم مركز الإمام علي في ستوكهولم، المعروف شعبياً باسم ‘السفارة الإيرانية الثانية’، تظاهرات في كبرى مدن السويد. ويعد المركز أكبر مساجد الشيعة في الدول الاسكندنافية، ويتعاقب على إدارته أئمة قادمون من مدينة قم الإيرانية.

يمكن القول إن إيران سخّرت كل أوراقها في قضية حرق المصحف، محاولة إخضاع السويد. فالسجادة التي نسجت خيوطها بصبر لسنوات، باتت مهيأًة لصفقة مهمة: مبادلة سجين لديها بسجين لدى السويد. إذ يعود أصل التوتر بين طهران وستوكهولم إلى نيسان 2016، حين اعتقلت إيران الطبيب الإيراني-السويدي أحمد رضا جلالي، 51 عاماً، وحكمت عليه بالإعدام بتهم “الإفساد في الأرض” والخيانة والتجسس والتعامل مع إسرائيل” من دون أدلة ملموسة.

في المقابل، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، اعتقلت الشرطة السويدية في مطار ستوكهولم المسؤول الإيراني حميد نوري، المسؤول السابق في سجون إيرانية. وكانت المعارضة الإيرانية قد استدرجت نوري إلى السويد حيث صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد لتورطه في إعدامات عام 1988؛ والتي راح ضحيتها ما بين 2500 إلى 30 ألف سجين سياسي إيراني. وقبل ذلك بأيام، تلقت الشرطة السويدية ملفاً قانونياً من محامٍ إيراني-بريطاني ينذر بوصول نوري الوشيك إلى السويد ويؤكد الاشتباه في مشاركته في الإعدامات.

خطورة نوري أنه مرتبط بالرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي. وفي آب 2016، نشر أحمد منتظري، تسجيلاً قديماً لوالده الراحل، آية الله حسين منتظري، الذي كان الذراع الأيمن لمرشد الثورة الإيرانية الراحل روح الله الخميني. وكشف التسجيل عن تورط الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، في إعدامات 1988، إذ يُتهم بأنه واحد من “جلادي الموت”، الذين عملوا على تصفية المعارضين، خصوصاً “مجاهدي خلق”.

الواضح أن إيران تتريث في تنفيذ حكم الإعدام بجلالي حتى تستطيع مبادلته بنوري، فقد حركت في أيار/ مايو الماضي الملف حين أعدمت المعارض الإيراني-السويدي حبيب فرج الله كعب، 48 عاماً، بتهمة التورط في هجوم على عرض عسكري في إيران عام 2018 أودى بحياة 25 شخصاً. 

زجّت إيران اسم السويد في كل اتهام ساقته ضد كعب، الذي كان زعيماً سابقاً لجماعة حركة النضال العربي لتحرير الأحواز الانفصالية المعارضة. واتُّهم بالتورط في هجمات منذ عام 2005 “تحت حماية جهازي استخبارات إسرائيل والسويد”. 

زعمت إيران أيضاً أن قادة آخرين للجماعة اتخذوا من الدنمارك وهولندا والسويد مقراً لهم، وأن المجموعة تلقت دعماً مالياً ولوجستياً من المملكة العربية السعودية. وكان النظام الإيراني قد استدرج كعب إلى تركيا واختطفه منها ونقله إلى طهران بعد أقل من عام من اعتقال نوري في السويد.

ما يشير إلى احتمال عقد الصفقة، هو قول المتحدث باسم القضاء الإيراني مسعود ستاشي، إن نوري “سيُطلق سراحه قريباً”. وأذاعت في الوقت نفسه وسائل إعلام سويدية تقارير عن إمكان تبادل السجناء بين السويد وإيران. كما نشرت جماعة القرصنة “ثورة حتى الإطاحة بالنظام” وثيقة حصلت عليها عبر اختراق مؤسسة الرئاسة الإيرانية، تطرح مبادلة جلالي مع نوري باعتباره “خياراً متاحاً”.

يرتفع احتمال حصول صفقة التبادل بالنظر إلى أن إيران تمكنت في أيار الماضي من استعادة أسد الله أسدي، الدبلوماسي الذي حُكم عليه بالسجن في قضية التخطيط لتفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانية (مجاهدين خلق)  في باريس عام 2018. وأُطلق سراح أسدي مقابل إطلاق سراح عامل إغاثة بلجيكي.

ووصف علي رضا أخوندي، عضو البرلمان السويدي من أصل إيراني، الإجراء بأنه “خطأ جسيم وتهديد مباشر لجميع المواطنين السويديين”. وأضاف أن التبادل سيكون استهزاء بالنظام القانوني السويدي.

الهدف الإيراني الأبعد

في مقالتها المنشورة في تموز/ يوليو الماضي، توضح الصحافية الفرنسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، كاثرين بيريز شكدام، أن الغرب فشل في فهم النظام الإيراني، وانشغل بإطفاء الحرائق التي أشعلها عملاؤه. وأضافت: “كل ما نحن عليه هو قيم يعتبرها رجال الدين في طهران إهانة لحساسياتهم الدينية”.

وتابعت أن إيران استغلت على مدى عقود، مبادئ المجتمعات الديمقراطية لتقويضها وإفساد مؤسساتها. كما استغلت حرية التجمع لصالحها من خلال تنظيم مجموعات مختلفة ودعمها. وخلصت شكدام إلى أن إيران تهدف إلى إضعاف المجتمعات الديمقراطية من الداخل، وجعلها عرضة للخطاب والسياسات المثيرة للانقسام التي تقوض أسس ديمقراطياتنا.

ختمت بقولها: “نحن في معركة من أجل بقائنا. الخسارة ليست خياراً، لأنها تعني التخلي عن جوهر وجودنا – حرية التفكير والتصرف باستقلالية. وتتطلب مواجهة التكتيكات التخريبية الإيرانية، إعادة التفكير في استراتيجيتنا، ولكن الأهم من ذلك هو رسم خريطة لدوائر نفوذ النظام، وموارده المالية، ومنهجيته. ستكون هناك حاجة إلى العزم… والشجاعة أيضاً”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.