fbpx

مسرحية “بحلم أحلم”…كسرٌ لقيود المخيّلة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تروي المسرحيّة قصص نساء قررن المقاومة، يتحدينَ الدولة وينتهي بهنّ الأمر وراء القضبان، وهناك يجب عليهن الاختيار بين الكشف عن أحلامهن وتذوق الحرية، أو التضامن مع النساء الأخريات. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قدمت مجموعة من اللاجئات السوريات والنساء اللبنانيات على مسرح الكنيسة الشرقية البازيليكية في زحلة، عرضاً بعنوان “بحلم أحلم” من إخراج نانسي صوايا، تسردُ فيه النساء قراراهنّ بإنهاء الحجر المفروض عليهن في قرية تضبطُ المخيّلة والأحلام.

صممت العرض المسرحي مجموعة من الهاويات اللاتي يدخلن رحلة الأداء المسرحي للمرة الأولى، إذ خضعن لمرحلة تدريبية مع ورشة “سيناريو للمهارات المسرحية”، إذ تدربت النساء لمدة 14  لقاء لتصميم الحركة، والارتجال معاً لخلق مسرحية تجمع أفكارهن الخاصة. 

تروي المسرحيّة قصص نساء قررن المقاومة، يتحدينَ الدولة وينتهي بهنّ الأمر وراء القضبان، وهناك يجب عليهن الاختيار بين الكشف عن أحلامهن وتذوق الحرية، أو التضامن مع النساء الأخريات. 

المفارقة، أن رحلة الشخصيات النسائية في البحث عن الأحلام تجري ضمن جدران الزنازين وغرف الاعتقال، لتبدو المسرحيّة كمحاولة دمج عالم الاعتقال الضيق والعديم الخيال، وبين عالم الأحلام الواسع والإبداعي. المقاربة التي يمكن تلمسها في أعمال سوريّة أخرى، إذ سبق للفنانة السوريّة عزّة أبو ربيعة، أن سردت حكاية أيام اعتقالها عام 2015،  تلخصها بـ””في أحد الأيام، حلمنا بحوت يحملنا على ظهره خارج السجن”، ترجمته لاحقاً في لوحة بحجم “50X35 سم” باسم “اللوح 16”.

تعكس المسرحية إرادة المعتقلات والشخصيات النسائية في تغيير مصير أحلامها، وقرار الفاعلية في تحقيق المصير درس واضح في العمل المسرحي.

 الحقّ بالحلم

الدفاع عن الأحلام شأن أساسي في سبيل الحريّة، فشخصيّة خولة مثلاً، هي أول من تُعبر عن أزمتها مع الأحلام، إذ تنتظرها وتناجيها بصورة شعريّة قائلةً: “أراه في نهاية الدرب يضيء/ أقترب لألتقطه فأراه كئيب/ ترتجف وصالي خوفاً من أن يضيع/ ينبض له قلبي متلهفاً فهل سوف يستجيب/ أيا حلما وإن طال اتجاهك الحبا/ سألقاك من بعد أجل قريب”.

تكشف المسرحيّة عن قوانين الاعتقال التي تمنع الأحلام، إذ تروي حارسة السجن (آبات) على المعتقلات قواعد الاعتقال الأخلاقية، والسلوكية، حيث الانتهازية وسيادة الاستغلال، إذ تقول: “في قوانين بدكن تسمعوها واطبقوها كلها… إن كنتوا راضيين أو لأ… ممنوع تفكروا بأحلامكن وإذا فكرتوا في جرس سحري متصل بعقولكن… دغري منعرف من هي ومنقصلها ضفيرها… لي بتعطينا أخبار عن البنات و عن الأحلام، منخليها تشوف ولادها”.

إن كان الحلم يحتمل عالماً منشوداً، فإن الكابوس هو الذي يعبر عن مخاوف في رؤية الذات، وعن هواجس الأنا في الحياة والوجود، خصوصاً بالنسبة الى المهاجرين والفارّين من سوريا، الشأن الذي تكتشفه مسرحياً المخرجة مي سعيفان، ضمن أرشيف الأحلام السوريّة الذي أنشأته وتنتج منه عروضاً عن علاقة المنفى مع الحلم والحريّة. أرشيف يحوي كوابيس متكررة لدى”جميع من اختبروا الحروب”، وهذا ما نراه في عرض “بحلم أحلم”، إذ تخبرنا  صابرين عن كوابيس فقدان الأحباء والأقارب، وفقدان الذات، وكراهية الذات، وانغلاق الذاكرة، وكأن هناك خزّاناً من أحلام يشرب منه كلّ من فرّ من بلده.

تروي المعتقلة (جنى) في المشهد السادس مصيرها المحكوم عليه بالظلم، وحتمية التخلي عن الحرية، وفقدان الشعور بالأمان، تقول: ظلمتني الحياة، ظلمتنا كلنا،  أنا من زمان هربت لجوا، تخليت عن حريتي،  بس ولا مرة حسيت بأمان غير ورا هالقضبان”.

هواجس المعتقلة تتعلق ببلوغ الذات مرحلة الضياع واليأس، وهذا ما يمكن اعتباره لسان حال المرأة العربية عموماً في الشرط القانوني والسياسي والاجتماعي المفروض عليها، فالمصير المفروض على النساء اللاجئات والمعتقلات يشكل هاجساً في غالبية الحكايات والقصص، ما يولد تلك المشاعر الكارهة والمضطربة مع الذات. تقول المعتقلة (نيفين) في العلاقة مع الذات والجسد: “كبرت وصرت إكره جسمي، اكره حالي، صرت خاف أوقف قدام المراية، بدي كسر المرايات حتى مبقى إقشع حالي”.   

النضال بالرقص وابتكار الأحلام

ينقلنا المشهد الخامس في المسرحية إلى أداء كوريوغرافي حركي، يعبر عن نضال المعتقلات في وجه القمع المفروض عليهن. تعبر الحركة الجماعية عن عالم الأحلام في خلايا السجون السفلية، وعن قدرة النضال في أصعب الشروط، أو ما يمكن تسميته بـ”تقنيات إنتاج الذات”، وهي الأساليب التي تتبع في السجن للحفاظ على “الإنسان” في ظل القمع الذي يخضع له، الشأن الذي يكتشف في الحالة السورية بصورة يوميّة، فأدب السجون مليء بشهادات عن الموسيقى والرقص والمسرح داخل الزنزانة نفسها، كوسائل للمقاومة والنجاة.

تتحرك المعتقلات في حركة جماعية تواجهن فيها على خشبة المسرح حارسات السجن، ليروي المشهد الأدائي ما يشبه التمرد، أو الثورة النضالية التي تحققها المعتقلات في وجه السجان. اللافت أن حركات المؤديات مُختلفة، إذ تؤدي (نيفين) حركات ذراع كبيرة ولكن بطيئة مثل الساعة، بينما تحفر (ماجدة) على يمين المسرح بالأذرع والأرجل لأعلى، وتختار (أصالة) حركة أكثر تعبيراً عن الحرية، فتقف على أطراف أصابعها وتقوم بحركات اليد مثل الطيور من اليمين إلى اليسار. بكل حركة، يكافحن، ويحاولن بجهد كبير، لكن يجبرهن الإنهاك على الاستسلام، هي  رقصة نضال غير معروفة الخاتمة.

الحلم… أول خطوة في سبيل الحريّة

ينقلنا النضال في سبيل الحلم إلى القدرة الخلاقة التي تتمتع بها مخيلة المعتقلات، فالبحث والنضال عن الحلم هما بحث عن الخصوصية، وتجريب قدرات الذات، وابتكارات الخيال. العرض المسرحي دعوة إلى تحقيق الأفراد أحلامهم، فالحلم هو قدرة الذات الخلاقة لكل معتقلة على مقاومة الوضع القائم.

قراءة الحلم بوصفه ابتكاراً وتحقيقاً للذات يشرحها نص للكاتب خورخي لويس بورخيس باعتبار العالم والوجود، فالحياة هي كلها من ابتكار حلم إنسان واحد، وهذا الإنسان ليس إلا كل واحد منا. يوسع بورخيس قدرتنا كأفراد ودورنا في ابتكار العالم والوجود: ” فلنتخيل أن هناك حالماً واحداً، في هذه اللحظة بالذات يخلق العالم في حلمه، يوجد فقط حالم واحد، يحلم السيرورة الكونية كلها، يحلم تاريخ العالم كله، يحلم كل شيء، في هذه اللحظة بدأ بالتشكل، حالم بدأ يحلم، وهو كل واحد منا، ليس نحن، بل كل واحد منا. كما إنني أحلمكم، فإن كل واحد منكم يحلمني الآن ويحلم بـالآخرين”.

تعكس المسرحية إرادة المعتقلات والشخصيات النسائية في تغيير مصير أحلامها، وقرار الفاعلية في تحقيق المصير درس واضح في العمل المسرحي. ففي نهاية العرض، وبأسلوب الغناء الزجلي، تردد جوقة النساء المعتقلات أبيات زجل من تأليفهن، تشكل أغنية تروي حكايتهن، وتوصف ظروفهن، وتبين مقدار إرادتهن في التغيير: “أووف، أووف، أووف، الحكاية/ في مجموعة من النسوان/ في بإيدن كومة خيطان/ حبكو كثير وحكيو كثير/ وعرفو مين سرق الاحلام/ أووف، أووف، أووف، القمع/ هالعجوز وهالشرير/ ما عطاهن أي تبرير/ خبا أحلامن بالبير/ وصار الكل عندو أسير/ أووف، أووف، أووف، النضال/ كلنا شدينا الحبال/ لنهرب من هيدي الحال/ قدرنا برطلنا الساحر/ وخلصنا من هلإبليس/ ولما جينا تنهرب/ إجا ولقطنا البوليس/ نحن هون معذبين/ عم ننام مقهورين/ بدنا ننام مرتاحين/ بدنا نعيش مبسوطين./ من هالشوب من هالحبس/ بدنا نطلع منتصرين”.  

بطاقة العرض:

الفرقة: رنيم العجمي، نينفين عبد الرحمن، أصالة الشيخ، ماجدة بيضون، سيرين العجمي، ولاء العلي، خديجة قيسانية، خولة قيسانية، فتون الحلاق، جنى محفوظ، آيات الإبراهيم، صابرين خروب، شمسة الخضر، منار الزهوري، رهام غزال.

إخراج: نانسي صوايا.

مساعدة مخرجة: مي عدرة.

تنسيق المشروع: رنا جلخ.

تصميم الإضاءة: أنطونيلا رزق.

تصميم البوستر: رواد كوركيس كنعان.