fbpx

إبراهيم رئيسي في نيويورك… هندسة قمع الإيرانيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وحشية النظام المتواصلة في قمع المحتجين، واستمراره في العنف الدموي، وسياساته المتشددة، كانت الخلفية المباشرة التي سبقت صعود رئيسي الى منصة الأمم المتحدة وتزامنت معه، حتى يستكمل مشهد الانتصار المتوهم لـ”آيات الله”. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وصول الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما فيه من تناقضات جمّة، بعضها مرتبط بسجله الحقوقي المدان من الولايات المتحدة، وتورطه في الإعدامات الجماعية عام 1988، والبعض الآخر له صلة بوجوده على متن طائرة شركة “معراج” الخاضعة للعقوبات الأميركية، عزز سردية النظام في طهران وخطابه الإعلامي الذي يؤكد ألا شيء قد تغير، رغم مرور عام على اندلاع الاحتجاجات.

وحشية النظام المتواصلة في قمع المحتجين، واستمراره في العنف الدموي، وسياساته المتشددة، كانت الخلفية المباشرة التي سبقت صعود رئيسي الى منصة الأمم المتحدة وتزامنت معه، حتى يستكمل مشهد الانتصار المتوهم لـ”آيات الله”. 

فصفقة تحرير الرهائن من قبضة الملالي، بوساطة قطر، مقابل الإفراج عن ستة مليارات دولار، في ظل التصعيد الهجمي ضد النساء بتدشين قانون جديد للحجاب، يقضي بالسجن لمدة عشرة أعوام لمن يخالف “الزي المناسب”، أو حتى يسخر منه، تؤشر إلى اصطفاف الجناح الأصولي الذي يؤمم الحكم، ويفرض قبضته الثقيلة على مفاصل السياسة والمجتمع، بينما لا يضع أيّ فرصة باتجاه تخفيف حمولاته الأيديولوجية، أو التنازل أمام مقاربات إصلاحية، فضلاً عن الحراك المجتمعي، ومطالباته الحقوقية. 

فالانعطافة الى حاجة براغماتية ملحة كما حدث بين إدارة بايدن وطهران، بخصوص ملف مزدوجي الجنسية، لا تكشف عن مرونة أو انفتاح بقدر ما تفضح قدرة النخبة الحاكمة في إيران على استدعاء أوراق الضغط والابتزاز لديها.   

لم يكن مباغتاً ضلوع النظام في القمع والسياسات المتشددة بحق الانتفاضة، حتى اللحظة.

وفي ما يبدو، أنّ القانون الذي نوقش، سراً، في البرلمان، ثم تم قبوله أخيراً، ليدخل حيز التجريب لمدة ثلاثة أعوام، بحسب ما أعلن الإعلام الإيراني الرسمي، بالتزامن مع الذكرى الأولى لاحتجاجات مهسا أميني التي قُتلت على يد دورية “شرطة الأخلاق”، يؤكد ممانعة تامة تجاه الاستجابة للثنائيات التقليدية (إصلاحيون ومتششدون) التي كان يعتمدها النظام للعبور من الأزمات الاقتصادية أو الثقافية. ومن بين تلك الحيل، الالتزام بالمادة 59 من دستور “الجمهورية الإسلامية” التي تضع جملة شروط لتدشين استفتاء مجتمعي في القضايا الخلافية. وقد حاول الإصلاحيون المطالبة بتفعيل المادة، كما هي العادة، العام الماضي مع تنامي الاحتجاجات ضد إلزامية الحجاب. 

بطش النظام بات معلناً في إطار الانحياز الى عسكرة “الولي الفقيه”. وثمّة سواق عدة لذلك لها دلالات صريحة ومباشرة، كما حدث في الانتخابات الرئاسية التي شهدت أدنى مشاركة، واستبعاد المرشحين المحتملين كافة من القوى الإصلاحية المؤثرة. يترافق ذلك، بطبيعة الحال، مع توجس النظام من مرحلة انتقالية يباشر في ترتيباتها تحت وطأة تهديدات إقليمية وتحولات جيواستراتيجية، بينما يسعى الى تأمين الحكم وتقوية نفوذ الجناح الأصولي المتشدد القريب من الحرس الثوري، والذي بمقدوره، وحده، نقل أو بالأحرى تأمين منصب المرشد الإيراني في فترة ما بعد علي خامنئي.

 فإدارة هذا التغيير الصعب والمحتمل، باتت تلح على ذهنية حكام إيران بفعل عوامل سن الخامنئي ومرضه، بينما كان الحديث عن غيابه الوشيك همساً في  فترات متباينة. ولن يتحقق هذا العبور الآمن، في ما يبدو، سوى بتعميم رؤية القوى الصلبة الراديكالية وعدم التهاون في تحقيقها، مجتمعياً وإعلامياً وثقافياً، وبما يحقق امتيازاتهم السياسية والاقتصادية.

إذاً، لم يكن مباغتاً ضلوع النظام في القمع والسياسات المتشددة بحق الانتفاضة، حتى اللحظة، ورغبته في إعلان القوة والهيمنة (توظيف منصة الأمم المتحدة دعائياً وسياسياً) رغم التصدعات التي تلاحقه بفعل الحراك وخروج قطاعات من حواضنه وحلفائه من طاعته. لكن رئيسي لم يفوت الفرصة في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعزا انتفاضة الشعب الإيراني إلى حرب إعلامية شنّها الغرب. وقال: “في العام الماضي، كان الشعب الإيراني هدفاً لأكبر هجوم إعلامي وحرب نفسية في التاريخ. وتابع: “بعض الدول الغربية وأجهزتها الاستخبارية أخطأت في حساباتها العام الماضي”.

عدّ الرئيس الإيراني “مشروع أمركة العالم” بالفاشل. فيما لم يتوان عن تأييد ممارساته الإقليمية. بل وصف “الأمن” الذي تحظى به دول عدة في المنطقة بفضل القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني، معتبراً مقتله بمسيرة أميركية “مكافأة لداعش”.

إذاً، خلّفت موجة الاحتجاجات التي شهدها المجتمع الإيراني، في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، أكثر من 600 قتيل، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين، وحُزماً جديدة من العقوبات الدولية، كما يوضح الباحث الأردني المتخصص بالشأن الإيراني، الدكتور محمد الزغول، وقد استمرت الاحتجاجات لأكثر من ستة أشهر في غالبية المحافظات الإيرانية، ثم فرضت السلطات خلالها حظراً شاملاً على شبكات التواصل الاجتماعي، وأطلقت حملات اعتقال واسعة النطاق. 

فيما لم تكن تلك الموجة من الاحتجاجات إلا “حلقة واحدة”، من مسلسل طويل من الاحتجاجات مختلفة الحجم، التي شهدها الشارع الإيراني، على مدى الأعوام الماضية. وفق الزغول لـ”درج”. 

وتضمنت هذه السلسلة حلقات أخرى، لا تقل أهمية عن هذه الأخيرة؛ إذ كان من أوسعها احتجاجات الغلاء عام 2017، واحتجاجات المياه عام 2018، واحتجاجات الوقود عام 2019، واحتجاجات الطائرة الأوكرانية عام 2020، واحتجاجات انهيار مبنى المتروبول عام 2022. وذلك إلى جانب موجات متواصلة من الإضرابات العماليّة والمهنيّة التي شغلت الشارع الإيراني طيلة العقد الماضي، وكان من أهمها: إضراب المعلمين، وإضراب عمال قطاع النفط، وإضراب سائقي الشاحنات، بالإضافة إلى تظاهرات المتقاعدين المتكررة.

ولعلّ أبرز ما يميز العقد الماضي في التاريخ الإيراني المعاصر، تحول الاحتجاجات من ظاهرة عقدية، تتكرر كل عشر سنوات تقريباً، إلى ظاهرة سنوية، ينتظرها النظام الإيراني في كل عام. وقد أدخل هذا التحوُّل الشارع الإيراني في حالةٍ متواصلةٍ من السخط الاجتماعي، وفق الزغول. بينما يكرسها تسارع الاحتجاجات، ويُحفِّزُها استمرار الأسباب التي تُحرِّك المجتمع، وطبيعة السلوك الذي تبديه المؤسسات في مواجهة تلك الاحتجاجات، والحلول غير العمليّة التي تبتكرها لإدارة هذا المجتمع الساخن.

وفيما تؤكد الدراسات الدولية أنّ كل موجة احتجاج حملت معها خسائر تقدر بنحو 1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، فإنّ تطور تلك الاحتجاجات إلى حالة السخط الاجتماعي المتواصل التي يعيشها الشارع الإيراني حالت دون استرجاع الاقتصاد لياقته، والتقاط أنفاسه، ما بين كل موجتي احتجاج، وحملت معها خسائر اقتصادية باهظة سواء من خلال الأضرار المباشرة التي لحقت بالنشاط الاقتصادي اليومي وبالأعمال الصغيرة والمتوسطة، أو من خلال النيل من الاستقرار الاجتماعي والسياسي الضروري لتحقيق نمو اقتصادي مؤثر، أو من خلال موجات الضغوط الدولية التي تعرض لها النظام السياسي/الاقتصادي على خلفية طريقة تعامله مع تلك الاحتجاجات.

وتؤدي “حالة السخط الاجتماعي” التي يشهدها المجتمع الإيراني إلى خسائر اقتصادية وغير اقتصادية واسعة تنال من حياة المواطنين اليومية، كما تنال من بنية الاقتصاد الإيراني. يقول الزغول.

ويردف: “فيما يحتاج الإيرانيون إلى قرارات/حلول تعالج أسباب السخط، وتخرج الاحتجاجات من دائرة الظواهر السنوية، إلا أنّ طبيعة القرارات الصادرة عن المراكز السيادية لا تشير إلى رغبتها في تطبيق مثل هذه الحلول. بل على العكس من ذلك، هناك ما يشير إلى تبني مزيد من القرارات التي من شأنها ترسيخ حالة السخط الاجتماعي”. ولعلّ التناقض في ذلك يمكن أن يحله من خلال درك المصالح الاقتصادية المتشكلة حول حالة السخط الاجتماعي، والتي يمكن تسميتها بـ “اقتصاد السخط الاجتماعي”.

تشكلت في إيران شبكة اقتصادية مستفيدة من استمرار حالة السخط الاجتماعي. وهذه الشبكة تستحوذ على حصة لافتة من كعكة الاقتصاد، وتتشارك في “غنائمها” قوى سياسية عدّة، وهي تسن قوانين لإبقاء “حالة السخط الاجتماعي”، على حد تعبير الزغول. كما أنّ هناك قوى عسكرية تجد في استمرار حالة الطوارئ سبباً لبسط مزيد من الهيمنة، والحصول على مزيد من السيولة، علاوة على وجود شبكة من المؤسسات الاقتصادية التي تتبع هذه القوى العسكرية والسياسية المستفيدة من حالة السخط. إنّها شبكة قوى تجمعها مصالح اقتصادية مشتركة، تحت يافطة اقتصاد السخط الاجتماعي. واستناداً إلى هذه المصالح، تحاول هذه القوى ممارسة نمط خاص من الإدارة يتضمن استمرار “حالة السخط الاجتماعي”. كما تقاوم أيّ تحرك نحو تجاوز هذه الحالة عبر بلورة حلول لها.

ويمكن ملاحظة نماذج من هذه القرارات في الجهود التي تبذلها التيارات السياسية المقربة من هذه الشبكة في البرلمان لإقرار قوانين لتحديد الإنترنت، وإنشاء الإنترنت المحلي، وإعادة تطبيق قوانين فرض الحجاب بتشدد أكبر. كما يمكن ملاحظة نماذج من هذه المقاومة للحلول التي من شأنها إنهاء حالة السخط الاجتماعي، عبر الحملات الإعلامية المضادة التي توجّهت ضد الرئيس السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، وضد تيارات معتدلة حاولت إيجاد حلول لتهدئة الشارع المنتفض غداة مصرع مهسا أميني في معتقل الشرطة. 

ويبدو أنّ ثنائية “حالة السخط الاجتماعي”، و”اقتصاد السخط الاجتماعي” ستبقى ثنائية متلازمة خلال المرحلة المقبلة، حيث يدعم كل جزء منها الجزء الآخر، وفق المصدر ذاته، وتعمل على الحؤول دون بلورة حلول من شأنها إنهاء حالة السخط الاجتماعي، نتيجة هيمنة القوى التي تعيش على اقتصاد السخط الاجتماعي من استمرار الحالة.

وفي ضوء هيمنة هذه القوى السياسية/الاقتصادية/العسكرية على مراكز صنع القرار السيادي في إيران، ليس مرجحاً أن يخرج الشارع الإيراني من حالة السخط الاجتماعي التي يشهدها منذ أعوام، إلا إذا وجدت قوى سياسية/اقتصادية غير مرتبطة باقتصاد السخط الاجتماعي سبيلها إلى مراكز صنع القرار السيادي.

في المحصلة، تبدو ترسانة القوانين مماثلة للواقع الذي تتم هندسته بوسائل عسكريتارية ليس فيها هامش للحرية، ولو ضئيل، بل مستوى من الملاحقة الأمنية تجعل المواطنين كافة مرشحين للعزل والعقاب والتأديب. فللأقفال التي تغلق الحواجز الحديدية الفاصلة بين النساء والرجال في عربات مترو الأنفاق بطهران، الدور الاستعمالي الوظيفي نفسه بتوسيع دائرة الاتهام التي تشمل هؤلاء المحبوسين بين سجون النظام، وقضبانه، سواء المرئية والملموسة، أو الخفية غير المعلنة في شرايين المجتمع.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.