fbpx

الطفل وديع الفيومي قُتل لأنه فلسطيني… مَن المسؤول عن خطاب الكراهية  في أميركا اليوم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السلطات الأميركية ألقت القبض على القاتل، ووجهت إليه تهمة ارتكاب جريمة كراهية، ولكن لماذا قُتل وديع وهو لا يعرف عن هذا العالم إلا القليل، ربما لا يعرف عن وطنه الأصلي أيضاً إلا القليل، لم يعش انتفاضات سابقة كما عاشها الشعب الفلسطيني بكباره ومراهقيه، ولكنه دفع ثمن “نصف الصورة”، كما قال كثر ممن تحدثنا معهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طرقات متتالية على الباب من دون توقف، ركض الطفل وديع الفيومي نحو الباب وفتحه  ليعانق الجار الذي اعتاد أن يلعب معه، لينتهي الأمر بـ 26 طعنة أودت بحياة وديع. يتابع الجار بعدها اعتداءه على الأم، التي ترقد حالياً في حالة خطرة في المستشفى. طوال وقت الجريمة، كان الجار يردد”أنتم المسلمون يجب أن تموتوا”.

قُتل الطفل وديع الفيومي (6 سنوات، من أصول فلسطينية) في بلدة بلينفيلد في ولاية إلينوي بشيكاغو، ووفقاً لحديث مقتضب من عم الضحية، فالقاتل هو مالك العقار الذي تسكن فيه الأم برفقة نجلها قبل نحو عامين، وكانت تربطه علاقة صداقة بالطفل الذي كان يعانقه عند رؤيته دوماً، إلا أن الأمر تغير تماماً عقب الحرب التي بدأت بين إسرائيل و”حماس” في الأراضي الفلسطينية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ليدفع ثمنها وديع بلا ذنب.

السلطات الأميركية ألقت القبض على القاتل، ووجهت إليه تهمة ارتكاب جريمة كراهية، ولكن لماذا قُتل وديع وهو لا يعرف عن هذا العالم إلا القليل، ربما لا يعرف عن وطنه الأصلي أيضاً إلا القليل، لم يعش انتفاضات سابقة كما عاشها الشعب الفلسطيني بكباره ومراهقيه، ولكنه دفع ثمن “نصف الصورة”، كما قال كثر ممن تحدثنا معهم.

 منذ بدء المواجهات بين إسرائيل وفلسطين، كررت المواقع الغربية رواية واحدة، وتبنت جانباً واحداً، وهو أن “حماس” تقتل الأطفال وتعتدي على النساء، في حين تركت النصف الآخر من الصورة، لم تذكر قتل إسرائيل آلاف الفلسطينيين (ثلثهم تقريباً من الأطفال)، ومحاولات تهجيرهم قسراً.

يمكن أن نفترض أن القاتل (71 عاماً)، استمع الى روايات رُددت في وسائل الإعلام الغربية حول قتل 40 طفلاً إسرائيلياً وقطع رؤوسهم، الرواية التي لم يؤكد أحد صحتها، بل تراجع عنها من روج لها من البداية، يأتي ذلك بالتزامن مع الدعم العلني لإسرائيل من حكومات الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ليتّجه الغضب والكراهية نحو أصحاب الأصول العربية. ربما مشهد مماثل لما حدث بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وهو أمر ذكره الرئيس الأميركي جو بادين في حديثه من إسرائيل، في إشارة منه إلى أن الأخيرة تواجه إرهاباً مماثلا لما واجهته أميركا سابقاً.

شُيع جثمان وديع الصغير في أحد المساجد بشيكاغو، بينما توافد المعزون خارج المسجد لتقديم واجب العزاء لأسرته على مسافات بعيدة، ربما خوفاً من مصير مماثل، كما شهدت الجنازة وجوداً أمنياً مكثفاً وفقاً لما أكده عدد من شهود العيان لـ”درج”. ومن شيكاغو الى نيويورك، لم يختلف الوضع كثيراً، فتتذكر سارة عبد الله (32 عاما) أحداث 11 أيلول التي غيرت حياتها وحياة عائلتها، رغم أنها حينها كانت لم تتعدَّ العشر سنوات.

وُلدت سارة في مصر وانتقلت بعد إتمامها العام الثاني مع أسرتها للعيش في أميركا “فاكرة كويس الفترة دي عمري ما هنساها مكنتش فاهمة أوي تفاصيل بس شفت ذعر وخوف في عين أهلي، وأمي اضطرت انها تقلع الحجاب لفترة علشان محدش يعرف إن أصولها عربية أو مسلمة، وطلبت مني متكلمش عربي في الشارع برغم إنها كانت حريصة طول الوقت إني منساش اللغة العربية”.

في حديثها لـ”درج”، توضح سارة أن المناخ الآن يقترب من السنوات التي لحقت بهجمات 11 أيلول، فالخوف عاد مجدداً الى أسرتها ومحيطها من الأصدقاء العرب، “أنا حاليا معنديش أطفال بس حاسة إني مكان مامتي في الوقت ده من 22 سنة، لأنه اللي بيحصل إنه في شحن إعلامي طول الوقت، ويمكن الأجيال الجديدة متبقاش فاهمة الأوضاع ويتنقل لها صورة غلط، ويتحول ده لغضب ويمكن ياخذ منحنى أكبر زي ماحصل مع طفل صغير”.

قتل وديع الفيومي استدعى الى أذهان كثيرين ممن عاشوا أحداث 11 أيلول تلك الفترة، وأيضاً جعل آخرين لم يشهدوا الأحداث يشعرون بالخوف، كما هي الحال مع عبد الرحمن الجندي، كاتب وباحث، أمضى الـ 6 سنوات الأخيرة في السجن بمصر، ليخرج منه بحثاً عن تجربة جديدة في الحياة، ليتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، ربما بحثاً عن مساحة جديدة تتيح له التعبير بحرية من دون خوف من القيود.

“المناخ في أميركا بيتغير بشكل مرعب كل يوم مع كم البروباغاندا الكارثي للصهاينة في الإعلام والسوشيال ميديا، لدرجة إن كل الأميركان والمهاجرين اللي عايشين هنا من سنين طويلة بيقولوا إن ده مناخ ما بعد أحداث 11 أيلول ورايح للأسوأ كمان. قتل الطفل الفلسطيني وديع الفيومي خلى الرعب يتضاعف بشكل كبير لأن بعد ما كان الكلام نظري وتحذيري بقى خلاص واقع عند عتبة بيتك”، هكذا وصف الجندي مشاعره في حديثه لـ”درج”.

مشاعر الخوف انتقلت من المشاعر الداخلية الى أمور تؤثر على الحياة اليومية، “دلوقتي بقيت خايف أنزل الجامعة أحضر محاضراتي لأني خايف في الباص حد يهاجمني على أقل تقدير لفظياً ويمكن جسدياً وانتهاء إنه يضربني بالنار في الشارع، وده للأسف مش شيء غريب ولا بعيد في بلد زي أميركا. حتى في الولايات الديمقراطية الأكثر ليبرالية وأماناً للمختلف والأقليات في العادي، كله بييجي عند فلسطين ويتحول. الواحد بيوطي صوته أما يقول كلمة فلسطين زي ما كان بيعمل في مصر لو اتكلم في السياسة، بخاف افتح انستغرام في الباص لحسن حد جمبي ولا ورايا يشوف ستوريز فلسطين ويشتمني أو يهاجمني. حتى مش متأكد لو الشرطة في حالة الاعتداء عليا هتحميني ولا هتكون شايفاني إرهابي وهمجي. لأول مرة من بعد خروجي من مصر أرجع أعيش شعور عدم الأمان التام وإني مليش تمن أو قيمة أو حد يسأل عليا ويطالب بحقي”.

يتفق محمود هدهود، كاتب مصرى مهتم بالشأن السياسي والحركات في العالم العربي، مع الجندي في أن الولايات المتحدة الأميركية منذ أحداث 11 أيلول إلى اليوم تشهد ما وصفه بالجرح العميق في العقل الأميركي تجاه المسلمين، وهذا الجرح عمقته بعض الحكومات الأميركية، وبالتحديد في فترة إدارة دونالد ترامب، مشيراً إلى أن جهوداً قد تمت بالفعل خلال إدارة باراك أوباما لمداواة هذا الجرح، وتحسنت الأمور كثيراً، لكن إدارة ترامب أعادت الأمور الى نقطة الصفر، من خلال الكثير من الأمور، والتي واكبتها أحداث الربيع العربي وما ترتب على هزيمته من ظهور لتنظيم “داعش”، وهو ما ساهم كثيراً في تعميق هذه الروح.

يضيف هدهود لـ”درج”، أن الوضع الحالي يقترب من الوضع عقب أحداث أيلول، ولكن لفهمه أكثر علينا تفكيكه وقراءته، “صعود ترامب كانت نتيجة أن هناك مجموعات كثيرة من الأميركان شعروا بالتهميش أو أنهم غير ممثلين في خطابات المجموعات التقدمية، وهذا الشعور أدى بهم لاختيار ترامب لأنه النقيض، لكسر شعور التهديد بالخطابات التقدمية، حتى جاءت إدارة بايدن، وهي الإدارة التي تتصرف اليوم بشكل شديد من عدم الاتزان”.

يتابع هدهود في حديثه، أن محللين كثراً كانوا ينتظرون تدخلاً من الإدارة الأميركية عقب الهجوم الذي شنه الجانب الإسرائيلي على الفلسطينيين، ليكون تدخلاً يحقق نوعاً من الاتزان في السياسات الإسرائيلية، بعد اندفاعها نحو حكومة متطرفة، ولكن ما حدث هو العكس، إذ انحازت أميركا الى إسرائيل في مواقف وصفها هدهود بـ”اللاعقلانية”، ومنها فكرة طرح مشروع إعادة توطين الفلسطينيين في سيناء، صفقة القرن نفسها التي طرحها ترامب لم تكن تحتو على هذا الأمر، وهو مشروع غير قابل للتنفيذ عملياً”.

تقارب الموقف بين التاريخين رغم سنوات عدة مرت، جاءت بسبب مساهمة الإدارة الأميركية في “البروباغندا” ضد هجمات “حماس”، والتي تخلو من وقائع محددة، وتأخذ معلومات من جانب واحد من دون التأكد من صحتها، ما أجج الرأي العام والمشاعر، وهو ما يصفه هدهود بأنه إعادة فتح جرح 11 أيلول مجدداً تجاه المسلمين، وما يمكن أن يكون اتهاماً مباشراً للإدارة الأميركية بأنها المسؤولة عن عملية طعن الطفل وديع الفيومي بسبب تبنيها هذا الخطاب.

بالعودة الى سارة، فهي تؤكد عودة مشاعر الخوف التي عاشتها وهي طفلة، وتعيشها الآن مجدداً، “الحي اللي ساكنه فيه كثير من العرب منهم أصدقاء، منهم كتير خايف يودي أولاده للمدارس لأنه ممكن حد يتعرض للطفل او يمكن مصيره مماثل للطفل وديع، واللي عندهم أولاد في سن أكبر شوية بيأكدوا عليهم ميتكلموش في أي أمور مع أصحابهم أو المدرسين في اللي بيحصل حاليا”.

أسئلة كثيرة تدور الآن حول مشهد لا يخلو يومياً من الدماء، لكن من المسؤول عن سفكها، ومن يدفع الثمن؟ لتأتي الإجابات جميعها بأن التحريض على الكراهية والتعصب يأتي من الحكومات التي من المفترض أن ترفع راية الديمقراطية والحفاظ على حقوق الناس وأرواحهم أولاً، لكن الخطاب مخيب للآمال، بخاصة لمن سعوا الى البحث عن مكان آمن، كما هي الحال مع عبد الرحمن الجندي، الذي يرى أنه خرج من سجن كبير في مصر سُجن داخله 6 سنوات من دون جريمة، ليأتي الى سجن أصغر، “الواحد بيحاول يلاقي مجتمع داعم من مناصرين للقضية الفلسطينية من كل الخلفيات والأقليات يحاوط نفسه بيه. ده مش دايماً سهل لأن الناس مش بتقول موقفها الداعم بصوت عالي اللي ممكن يحصلهم، وده تهديد تاني الواحد عايش تحته”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.