fbpx

“حارسات الحجاب”… مصائد قتل النساء وتأديبهنّ في إيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلال الأشهر التي أعقبت وفاة أميني، طوقت الاحتجاجات مختلف المدن الإيرانية، لكن  لم يتوقف النظام لحظة عن استئناف الحرب التي شنها ضد النساء، فضلاً عن الممارسات الانتقامية بحقهن لفرض الهيمنة الثقافية بدعوى “العفة والحجاب”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرة أخرى، تعاود المشاهد ذاتها التي وّثقت النهاية المأساوية للفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني، حضورها مع فتاة أخرى هي أمريتا غراوند. ضحية جديدة على مذبح “آيات الله” وهمجيته السياسية، تبدأ من الاعتداء الوحشي في الساحات العامة، فترقد في غيبوبة بإحدى مستشفيات العاصمة طهران، بعدما تناوبت على ضربها “حارسات الحجاب”، في مترو الأنفاق، حتى تموت كمداً وقهراً. 

المفارقة، أنه وفي ذروة الاحتجاجات المتزامنة مع إحياء ذكرى مهسا أميني التي قُتلت على يد عناصر دورية شرطة “الأخلاق”، بينما لم يتجاوز عمرها العقد الثاني، تقع ضحية أخرى لم تبلغ 16 ربيعاً. بل تكشف هذه الضحية عن تطور لافت وممنهج في تقنيات التعذيب وملاحقة النساء. إذ إن النظام الإيراني عيَّن نساءً تحت مسمى “حارسات الحجاب” في محطات المترو لمراقبة سلوك الفتيات وحجابهن.

خلال الأشهر التي أعقبت وفاة أميني، طوقت الاحتجاجات مختلف المدن الإيرانية، لكن  لم يتوقف النظام لحظة عن استئناف الحرب التي شنها ضد النساء، فضلاً عن الممارسات الانتقامية بحقهن لفرض الهيمنة الثقافية بدعوى “العفة والحجاب”.

هذه الضحية تكشف عن المحطة الجديدة التي وصل إليها النظام الإيراني، بعدما عيّن 400 امراة في محطات المترو في آب/ أغسطس الماضي، لمنع غير المحجبات من استخدام خدمة القطارات، وتسلميهن للشرطة في حال مقاومتهن. وذلك مقابل 12 مليون تومان شهرياً، أي بزيادة عن الحد الأدنى للأجور في إيران بنحو 7 ملايين تومان، في ظل تدني الوضع الاقتصادي والتضخم الذي وصل معدلات غير مسبوقة خلال الخمسين عاماً الماضية وتجاوز الأربعين في المئة.

من كاميرات للمراقبة مروراً بتسميم الطالبات وعودة “شرطة الأخلاق” بعد فترة مناورة مؤقتة، وحتى صدور قانون أكثر تشدداً، مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، بخصوص الحجاب يقضي بالسجن لعشرة أعوام للفتيات اللواتي لا يلتزمن به وفق شروط “آيات الله” أو حتى السخرية منه، تفاقم آليات النظام القمعية وشبكته الجهنمية من أوضاع المرأة الإيرانية، في ظل بيئات غير أمنية متحفزة ضدها، وتتوجس من وجودها ونشاطها. 

تنتشر آليات المراقبة والتتبّع إلكترونياً ورقمياً، فضلاً عن المكون البشري، لتجعل من المجال العام مصائد للنساء ووسيلة لتدريبهن أو بالأحرى إرغامهن على الإذعان القسري. لكن في ظل هذه المنصات العلانية التي تنشر فيها السلطة إكراهاتها والرعب، لا تزال هناك مقاومة نسوية غير عادية لرفض تعميم الخطاب الأصولي الإقصائي الذي يجعل من المعارضين ضحايا محتملين أمام منطق المعممين المتعالي بغطرسة دينية.

مرة أخرى، تعاود المشاهد ذاتها التي وّثقت النهاية المأساوية للفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني، حضورها مع فتاة أخرى هي أمريتا غراوند.

الحجاب كأداة للحصار السياسي

ترى الناشطة والحقوقية النسوية هيفاء سارا الأسدي، أن‎ الحجاب القسري في إيران هو بمثابة “حصار سياسي” لطيف وفق رؤى الملالي وقناعاته. فالنظام يرفض الاعتراف بأي مكونات لا تتماهى أو بالأحرى لا تحقق الدعاية الكافية له من الناحيتين السياسية والأيدولوجية.

توضح سارا الأسدي لـ”درج”، أن النظام في طهران يلغي فكرة المواطنة. وبالنسبة الى هذا النظام، فالشعوب الإيرانية بمختلف مكوناتها هي كتلة واحدة متجانسة ليست بينهم تمايزات ثقافية أو قومية أو دينية. فهم “مكون واحد يصنع للولي الفقيه سياساته ودعايته محلياً وإقليمياً. فالإسلام السياسي في طوره الشيعي منذ أربعة عقود بعد صعود الخميني الى الحكم عام 1979، لا يحتاج إلى مواطنين لهم حقوق أو مكتسبات مدنية وشركاء في السياسة، إنما هو بحاجة ملحّة إلى جماعة متخيلة يستغلها في حروبه مع الآخر لتراكم امتيازاته. هذا الآخر في عقله عبارة عن خصوم وأعداء لا يمكن الحوار مع أي منهم، بل من الضرورة قتلهم وتصفيتهم دموياً”.

إذاً، نحن في صدد نظام يسعى إلى “تعميق سياساته المتشددة بالعنف المادي والرمزي لإدامة النظام الأبوي والدموي. فنضال النساء ضد الحجاب القسري هو ‎تعبير عن رفض النظام الإيراني البطريركي، والذي يستخدم أجساد النساء لفرض مزيد من الهيمنة وتعميم الخوف”، وفق قول سارا الأسدي.

هذا النظام ليس أبوياً وأصولياً فقط، بل يستخدم أيضاً العنف المنهجي ضد القوميات غير الفارسية، كما تقول سارا الأسدي. إذ إن جينا (مهسا) أميني، الضحية الأولى التي قُتلت على يد دورية “شرطة الأخلاق” كردية، والضحية الجديدة تنتمي إلى اللورية. وتردف: “ضحيتان للعنف الأبوي بمنطق العصور القروسطية، وكذا عنف الدولة الذي يطاول الكرد والعرب والأتراك والبلوش والتركمان واللور وغيرهم من القوميات والمجموعات منذ ما يقرب من أربعة عقود بلا توقف”.

العنف الأبوي/الذكوري ليس “سلوكاً فردياً” وأحادي الجانب، فلا يمكن تبرير ما يحدث على أنه نابع من مجموعات متفلّتة أو أفراد متشدّدين، إنما ينبع من النظام السياسي والاقتصادي القائم، وفق سارا الأسدي، إذ يستخدم هذا النظام لفرض سياساته وأهدافه “أدوات عنف الدولة”، وهذه الأدوات العنيفة (مثل الحرس الثوري الإيراني والباسيج وقوات الشرطة ودوريات التوجيه وحارسات الحجاب) تتحرك أيضاً بناءً على الأجندة الطبقية والعنصرية لهذا النظام. وفي المحصلة، الحجاب هو “تكتيك سياسي. فهذا النظام القمعي يستخدم الحجاب لتوسيع سيطرته وتعزيز استقرار نظامه الاستعماري والاستعلائي”.

حقوق النساء “شأن داخليّ”!

أوضح موقع “هنغاو”، المعني بحقوق الإنسان في إيران، أن والدة أرميتا غراون اعتُقلت بعد محاولتها الدخول إلى غرفة ابنتها في المستشفى. وإثر إدانة مسؤولين أميركيين وبريطانيين وألمان الحادث الأخير، عاودت الخارجية الإيرانية الخطاب التقليدي ذاته تجاه الغرب. وقال الناطق بلسان الخارجية في طهران ناصر كنعاني، إن حديث المسؤولين الغربيين عن أوضاع المرأة في إيران يعد “تدخلاً مغرضاً وغير صادق في شؤوننا الداخلية”.

ووفقاً للمنظمة غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، مقرّها في النرويج، فإنّ الفتاة أرميتا غراوند تعاني من جروح خطرة بعد مشاجرة اندلعت مع “حارسات الحجاب” أثناء وجودها في مترو بالعاصمة الإيرانية. 

لكن الرواية الرسمية، كما هي العادة، عمدت إلى التلفيق وتصوير الحادث على غير حقيقته، بالطريقة المراوغة نفسها مع مقتل مهسا أميني. إذ زعمت وكالة الأنباء الإسلامية “إرنا”، أن “تلميذة تبلغ 16 عاماً” تعرضت للإغماء أثناء صعودها على متن القطار نتيجة “انخفاض في ضغط الدم”. ثم نفى الرئيس التنفيذي لمترو الأنفاق في طهران، مسعود دوروستي، وقوع أيّ “مشادة لفظية أو جسدية” بين الفتاة “وركاب المترو أو كوادره”.

من جهتها، غرّدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، على منصة “إكس”، أنّ “في إيران، شابة تقاتل من أجل حياتها مرة أخرى، لمجرّد أنّه أمكن رؤية شعرها في مترو الأنفاق. هذا أمر غير مقبول”.

كما قال المبعوث الأميركي الخاص لإيران، أبرام بالي، على المنصة ذاتها، إن واشنطن “مصدومة وقلقة بسبب التقارير التي تفيد بأنّ ما يسمّى بالشرطة الأخلاقية الإيرانية اعتدت” على الفتاة. وتابع: “نراقب وضعها الصحّي، ونواصل دعم الشعب الإيراني الشجاع، ونعمل مع العالم لمحاسبة النظام على انتهاكاته”.

ولفت مدير المنظمة الحقوقية في النرويج، محمود أميري مقدم، الى أن “الجمهورية الإسلامية تواصل مضايقة النساء وقمعهن بحجة مكافحة انتهاكات الحجاب الإلزامي”.

الباحثة المتخصص في الشأن الإيراني، منى السيلاوي، والتي يقبع والدها في السجون الإيرانية على خلفية نشاطها السياسي المعارض، ترى أن ما حصل مع المراهقة الإيرانية في محطة مترو أنفاق طهران هو بمثابة تكرار لسيناريو مهسا أميني.

وتؤكد السيلاوي لـ”درج”، أن النظام لن يتراجع عن مسألة فرض الحجاب الإجباري، بل هو في مرحلة تأمين وصول التيار الأصولي الى الحكم وتمكين “طبقة المتشدّدين بمرجعيتها الحوزوية. وهنا يمكن القول إن الحرس الثوري النافذ في شؤون الحكم والنخبة الدينية المتسيدة المشهد العام ومفاصل السلطة، أو ما يصطلح عليه بـ”عسكرة النظام”، لن يسمحا إلا بخط الدفاع عن الثورة ونظام الولي الفقيه في نسخته القصوى. ولن تسمح مركزية الأمن ومؤسساته الفاعلة في المشهد بمرونة أو خطاب إصلاحي يصنع هامش حرية ولو بسيط. وفي ظل هواجس النظام وشعوره باحتمالية الفوضى، فإن القوى الصلبة ستظل هي الحاكمة لمنع أي فراغ يهدد الحكم”.  

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.