fbpx

“ذكوريّة المجتمع أم الدين؟”… مَن وراء تعطيل تشريع قانون لحماية الطفل في العراق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقول الفتى الذي تطغى على بشرته سمرة بسبب الشمس الحارقة، إنه يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم مشهوراً -فهو يهوى تلك اللعبة التي هي مصدر فرحه الوحيد- لكي يخلص عائلته من فقرها. يدفع عربته وفي عينيه نظرة شك: “لكن لا أعرف إن كانوا سيقبلونني وأنا ليست لدي شهادة من المدرسة؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع خيوط الفجر الأولى، يتجمّع عشرات الأطفال في موقع “الطمر الصحي” بمنطقة العبور غرب مدينة الموصل (405 كم عن بغداد) بانتظار شاحنات النفايات التابعة للبلدية، لنبش ما تفرغه هناك بحثاً عن علب المياه والمشروبات الغازية والمواد البلاستيكية وقطع الحديد وأي شيء آخر يمكن بيعه، فضلاً عن إمكان أكله. 

لا يفوت الصبي جمال غانم (13 سنة) هذا الموعد منذ نحو ثلاث سنوات، وتحديداً منذ غادرت عائلته مخيم “السلامية” لنازحي حرب “داعش” شرق الموصل، ووجدت منزلاً صغيراً غير مكتمل البناء في حي العبور العشوائي، واستقرت فيه مقابل إيجار شهري بسيط يساهم جمال مع أشقائه الثلاثة الأكبر منه وأمهم في تأمينه من خلال عملهم بالشارع. 

هو لا يتذكر والده، وكل ما يعرفه عنه أنه كان سائق سيارة أجرة، قُتل منتصف 2011 إثر انفجار عبوة ناسفة قرب سيارته في الجانب الأيسر لمدينة الموصل. تقول أمه إنها كانت تستهدف رتلاً لمركبات الجيش الأميركي تزامن مرورها بالقرب منه.

جمال، واحد من بين عشرات الآلاف من الأيتام الذين نجوا من سنوات العنف الدموي، وفرد ضمن شريحة كبيرة من أطفال البلاد المحرومين بسبب فقر عائلاتهم، وضحية لتقاعس الدولة عن حماية أبنائها ورعايتهم حتى ولو بتشريع قانون يعطيهم على الورق حقوقاً للعيش الكريم وللحماية إذا ما تعرضوا للعنف، حسب ناشطين في مجال المطالبة بحقوقهم.

وفقاً لعبد الزهرة الهنداوي، المتحدث باسم وزارة التخطيط، فإن أكثر من مليون طفل عراقي، محرومون من الصحة والغذاء والتعليم، والكثير منهم زجّهم ذووهم في سوق العمل بسبب الفقر. ويقول إن “دراسات مختلفة” شخصت “وجود تمييز بين الذكور والإناث في الجوانب التعليمية والترفيهية، لا سيما في المناطق الريفية، وتعد حمايتهم مسؤولية تتحمّلها الدولة والمجتمع على حد سواء”.

لكن تلك الحماية تبدو مستحيلة التحقّق في ظل عوامل عدم الاستقرار الأمني والبطالة والفقر والفساد، التي تعطل برامج دعم الطفولة، وفي وجود عقلية مجتمعية ذكورية لا تسمح بالتدخل لمنع اضطهاد الأطفال داخل العائلة، بخاصة مع غياب القوانين الرادعة للعنف الأسري.

“خلال سنوات العنف، نزح نحو ثلاثة ملايين إنسان عن مناطقهم، وخسروا موارد معيشتهم الأساسية، وعاشوا في ظروف إنسانية وخدمية صعبة، يرجح أن أكثر من ثلثهم كانوا من الأطفال”. 

تركة سنوات العنف

الأمن الموتور في البلاد عقب سقوط نظام حزب البعث في 2003 وبروز “فصائل المقاومة المسلحة” التي قاتلت ضد الوجود الأميركي، وأيضا تنامي نشاط الجماعات الدينية المسلّحة والحرب للتخلص منها لغاية صيف 2017، ووجود ميليشيات دينية مسلّحة، تسبب ذلك كله في مقتل عشرات آلاف العراقيين الذين تركوا خلفهم الكثير من الأرامل والأيتام.

رافق مسلسل الحروب ودوامات العنف المتكررة، تعطّل تام في المشاريع الاستثمارية وتوقف شبه كامل للحركتين الزراعية والصناعية في البلاد، مع فساد مستشر بنحو كبير في مؤسسات الدولة، ما أدى إلى رفع مستويات البطالة إلى 40 في المئة في بعض المحافظات. وبالتالي، شاع الفقر الذي لم يترك أمام الأسر المعدمة غير أن تدفع بأطفالها إلى العمل للمساهمة في إعالتها.   

يأخذ جمال إلى المنزل ما يجمعه بواسطة عربة دفع خشبية صغيرة، لتعينه والدته في فرزه ومن ثم تسليم ما يباع بعد وزنه لتجار وناقلين ينتظرون مع شاحناتهم في نقاط محددة بالقرب من منطقة سكناهم، التي تتنوع فيها مصادر التلوث وتكاد تنعدم فيها الخدمات. ومن ثم يعود الى جولة نبش مسائية أخرى في مكب النفايات، وفي بعض الأيام يرافق أحد أشقائه لبيع عبوات “بنزين السيارات” على جانب الطريق العام. 

يقول الفتى الذي تطغى على بشرته سمرة بسبب الشمس الحارقة، إنه يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم مشهوراً -فهو يهوى تلك اللعبة التي هي مصدر فرحه الوحيد- لكي يخلص عائلته من فقرها. يدفع عربته وفي عينيه نظرة شك: “لكن لا أعرف إن كانوا سيقبلونني وأنا ليست لدي شهادة من المدرسة؟”.

الأطفالُ ضحايا

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونسيف” في بيان صدر عنها في شهر حزيران/ يونيو 2023، مقتل أكثر من تسعة آلاف طفل عراقي أو تشوّههم منذ سنة 2008 حتى نهاية 2022، بمعدل تشويه أو إصابة طفل أو أكثر يومياً. لم يستبعد البيان أن يكون العدد أكبر من ذلك، لأن الأرقام المقدمة هي لحالات تم التحقق منها فعلياً، مرجحة بذلك أن تكون هناك حالات كثيرة أخرى غير مسجّلة.

ونقل البيان عن ممثلة اليونيسيف في العراق، شيما سين غوبتا، تأكيدها الحاجة إلى إعادة دمج الأطفال في العراق “بعد سنوات عدة من الصراعات، ومنهم الأطفال العائدون من شمال شرقي سوريا (مخيم الهول) والأطفال الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى الجماعات المسلّحة، وغيرهم من الأطفال المعرّضين للخطر”.

ودعت المنظّمة الأممية، عبر بيانها، الحكومة العراقية إلى “دعم وتفعيل القوانين والمعايير الدولية النافذة لحماية الأطفال في الحرب، ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الطفل، وتكثيف الموارد المهمة لتمويل حماية الأطفال في النزاع بالحجم والسرعة المطلوبين”.

الباحث الاجتماعي المتخصص، عبد السلام غازي، يشكك في الأرقام المقدمة من الأمم المتحدة أو وزارة التخطيط العراقية بشأن أعداد الضحايا من الأطفال أو المحرومين من حقوقهم، إذ يقول إن سكان العراق وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط لسنة 2023، يبلغون أكثر من 43 مليون نسمة، 40 في المئة منهم تقل أعمارهم عن 15 سنة. 

ويتابع: “خلال سنوات العنف، نزح نحو ثلاثة ملايين إنسان عن مناطقهم، وخسروا موارد معيشتهم الأساسية، وعاشوا في ظروف إنسانية وخدمية صعبة، يرجح أن أكثر من ثلثهم كانوا من الأطفال”. 

ويضيف: “الكثير من هؤلاء ولدوا قبل وأثناء موجة النزوح الكبيرة في منتصف 2014 مع سيطرة تنظيم “داعش” على ما يقرب من ثلث مساحة البلاد، ووجدوا أنفسهم محاصرين في مخيمات مؤقتة، ومحرومين من أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم، وقسم كبير منهم تنقلوا لمرات مع عائلاتهم بين مكان وآخر، الأمر الذي أثّر عليهم سلباً”.

وذكّر بأن عشرات الآلاف من العائلات اضطرت، بسبب الفقر الذي وصل في بعض المحافظات إلى مستويات قياسية مثل (المثنى 52 في المئة وميسان 48 في المئة) أو التدهور الأمني مع تصاعد العنف المسلّح في 2006 وصولاً إلى حرب القضاء على “داعش” في 2017، أو فقدان المعيل أو الأملاك، للاستعانة بجميع أفرادها لكسب لقمة العيش، ومن ضمنهم الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة وانخرطوا في سوق العمل.

ولفت الباحث إلى إجراءات اتخذتها الحكومة العراقية للحدّ من ظاهرة عمالة الأطفال، مثل ما نصت عليه المادة 52 من قانون الموازنة العامة لسنة 2023 و 2024 و2025، بصرف منحة مالية للطلبة والتلاميذ من ذوي الأسر المشمولة بشبكة الحماية الاجتماعية، وتبلغ 30 ألف دينار شهرياً، أي ما يعادل نحو 23 دولاراً.

ويستدرك: “ذلك غير كافٍ، من الضروري أن يشرع مجلس النواب العراقي قانوناً للطفل، ليس فقط لحمايته من العنف داخل العائلة وخارجها، بل أيضاً من الاستغلال ودفعه الى العمل، وسن قانون بمنع ترك الأطفال المدارس لغاية سن معينة، مثلاً 16 سنة”. 

وذلك كله بشرط “تحقيق الاستقرار الاقتصادي لكبح جماح الفقر”، فمن دون هذا يعتقد الباحث عبد السلام، أن الكثير من الأطفال في العراق سيظلون محرومين من حقوقهم، وقبل كل شيء من طفولتهم.

نائب رئيس لجنة التربية النيابية محمود حسين القيسي، أكد بدوره أن منحة الطلاب شملت فقط الأسر المسجلة ضمن برنامج الرعاية الاجتماعية، مبيناً أن مخصصاتها “التي لم تصرف الى الآن” وردت ضمن موازنة 2023، وتحدد مبلغ المنحة بحسب ما هو منصوص في قانون منحة تلاميذ وطلبة المدارس الحكومية رقم (3) لسنة 2014، وقانون منحة طلبة الجامعات والمعاهد العراقية الحكومية رقم (63) لسنة 2012 من تخصيصات وزارتي التربية والتعليم العالي.

في بيئة تشريعية فقيرة، لا توجد فيها قوانين ضامنة لحقوق العمال، يرى الكثير من المتخصصين والمعنيين بحقوق الطفل أن إرسال الأطفال إلى سوق العمل يعد ضرباً من ضروب العنف، لأن الكثير منهم يتعرضون لشتى أنواع الاستغلال، منها الجنسي، فضلاً عن العنف الجسدي والنفسي، مع ضرر بليغ يتعلق بمستقبلهم، إذ إنهم يحرمون من التعليم وبالتالي من أي فرصة لتحسين وضعهم المهني. 

قانون الحماية المعلّق

الناشطة المدنية هناء أدور، التي تقود إحدى المنظمات المهتمة بحقوق الأطفال والنساء،  ذكرت بأن هناك متغيرات طرأت على المجتمع العراقي، تستدعي تشريع قوانين جديدة، لحماية الأسرة والأطفال، وأكدت أن قانون العنف الأسري قدّمته الحكومة العراقية إلى مجلس النواب سنة 2015، وبعدها قدمت مشروع قانون لحماية الطفل لكن لم تتم المصادقة عليهما لغاية الآن رغم الحاجة الماسة الى ذلك. 

وأضافت: “هنالك أصوات في مجلس النواب، تعارض تشريع القانونين، لأنهما سيهزان سلطة أصحابها الذكورية داخل الأسرة”، ثم بينت:”أعني بالسلطة الذكورية، أن السلطة في المنزل كاملة لرب الأسرة وهو يتحكم بها كيفما يشاء، وهذه الفكرة تنشأ عنها جرائم عدة، مثل زواج القاصرات على سبيل المثال، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية والنفسية، والإجبار على العمل”.

الباحث الاجتماعي الدكتور وعد إبراهيم خليل، يتفق مع أدور في أن المجتمع العراقي بطبيعته “مجتمعٌ ذكوري يمنح القوة للرجل، الذي هو الأب، الزوج … ما يسمح له بشكل أو بآخر باستخدام العنف ضدّ الأطفال الذين هم بطبيعة الحال الفئة الأضعف اجتماعياً”.

لكنه يشك في قدرة أي قانون على تغيير مثل هذه الأعراف، المتناقلة جيلاً بعد جيل، خصوصاً المتعلقة بالسلطة داخل الأسرة. وهو يرى أن من الصعب على مشروع قانون حماية الطفل مُعالجة جميع ظواهر العنف ضد أطفال العراق، “لأن العنف ليس ظاهرة حديثة، وهو يرتبط بجذور أعمق ومُسببات كثيرة في المجتمع العراقي، فالشائع في العراق أن أسلوب تأديب الطفل يكون عبر ضربه أو معاقبته صورياً أو مادياً”.

بناءً على ذلك، يعتقد د. وعد باستحالة تقبّل المجتمع القانون، وبالتالي محدودية إمكان تطبيقه، “لأن القانون بذلك يُخالف التنشئة الاجتماعية المتوارثة”.

لكن، هل حقاً السلطة الذكورية في المجتمع العراقي هي التي تمنع تشريع قانون لحماية الطفل؟ سؤالٌ أجاب عنه المحامي علي يونس، بقوله إن لكل مجتمع خصوصيته، وإن الطابع القبلي يغلب على المجتمع العراقي، وأيضاً صفة “التدين الظاهر على الفرد بنحو عام”، لذا فهذان العاملان (القبلي والديني) وفقاً ليونس، يقفان في طريق تشريع قوانين تتعلق بالأسرة والطفل.

ويضيف: “معظم أعضاء مجلس النواب، خلفياتهم قومية قبلية أو دينية، لذلك فمن الصعب جداً، تشريع قوانين تتعارض مع أفكارهم وتوجهاتهم، وسيعملون جاهدين على تعطيلها أو تعديلها بشكل يتوافق مع ما درجوا عليه”.

لكن يونس يرى أن بالوسع تفعيل القوانين التي تمنع دفع الأطفال الى العمل، من خلال تعزيز رقابة جادة بواسطة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفرض عقوبات رادعة بحق أرباب العمل الذين يقومون بتشغيل الأطفال، لا سيما في الأعمال والمهن غير المتوافقة مع أعمارهم وقابلياتهم الجسدية، والتي تُعرّضهم للخطر. 

يلفت يونس إلى أن مخاطر كثيرة تترتب على وجود الأطفال في الشارع بدلاً من المدارس، “ليس فقط على المدى الطويل، بل حتى في الوقت الراهن، إذ نرى قضايا عدة في المحاكم تتعلق باستغلال أطفال في الترويج للمخدرات، لأنهم يكونون في العادة بعيداً عن الشبهات ورقابة الأجهزة الأمنية”.

ويذكر أن المراكز الصحية المتخصصة سجلت حالات إدمان للحبوب المخدرة بين أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 15 سنة، “وهذا يعني خطراً محدقاً يواجهه المجتمع العراقي إن لم تُتخذ الإجراءات السريعة الفاعلة لمواجهة المشكلة”.

وكان مجلس النواب العراقي قد قرأ مشروعاً لقانون حماية الطفل، قراءة أولية في جلسته الثامنة التي عقدت في بغداد في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر2022، تضمن 14 مادة، حددت مادته الأولى سن الطفل بأقل من 18 سنة، وأهداف القانون في مادته الثانية أولاً “توفير حياة حرة آمنة وكريمة للطفل”، وثانياً “تأمين الحماية اللازمة للطفل من جميع أشكال العنف والقوة أو الإساءة البدنية والنفسية، أو الإهمال أو الاستغلال”.

وثالثاً، “حظر الإتجار بالطفل واسترقاقه أو إكراهه على العمل أو استغلاله بأي شكل أو زجه بالنزاعات المسلحة او استغلاله في البغاء والأمور الجنسية والإباحية ولأي غرض كان”.

وعلى رغم مرور عشرة أشهر على القراءة الأولى، لكن مجلس النواب تعطل في تقديمه القراءة الثانية للمضي في إقراره، ما أثار الشكوك في شأن احتمال ترحيل إقراره الى دورات مقبلة في ظل الاعتراض على بعض بنوده رغم تزايد أرقام الانتهاكات المسجلة بحق الأطفال (وفق بيانات وزارة الداخلية). إلا أن مصادر من المجلس تذكر أن المشروع لم يؤجل وأن التعطيل حصل على خلفية المناقشات المستفيضة لتعديل بعض المواد والفقرات التي تم الاعتراض عليها في المجلس. 

المصادر أكدت أيضاً، أن لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية، تعقد اجتماعات لمناقشة المشروع. وكانت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب قد أعلنت عن عقد اجتماع بشأن المشروع في 22 أيار/ مايو 2023 بحضور مستشارين قانونيين، أبدوا ملاحظات تعديلية، منها، “ضرورة الاهتمام بالتعاريف، بيان ما هو العنف وأسبابه والعقوبات الواجب ذكرها”.

مصدر في مجلس النواب، حجبنا اسمه بطلب منه، ذكر أن العراق صادق في حزيران 1994 على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وهو ملزم الآن بتشريع قانون للطفل، وسيتم إصداره لا محالة، “لكن هنالك من لا يرغب في أن تكون بنوده متعارضة مع أعراف المجتمع العراقي، لا سيما في ما يتعلق بشكوى الأطفال ضد أولياء الأمور، وغيرها”.

وكان العراق احتلّ المرتبة  163 من أصل 189 دولة، في مؤشر سنة 2021 لمؤسسة حقوق الطفل Kids Rights، وهي مؤسَّسة للدفاع ومساعدة الأطفال حول العالم، ومقرُّها أمستردام في هولندا. وقد جاءت في توصياته، أن العراق الذي يوجد فيه أكثر من خمسة ملايين طفل يعاني من ضعف مؤسساتي في ما يتعلق بحقوقهم، لأن الموجودة منها دون المستوى المطلوب، وهي جزء من مؤسسات أخرى وغير مستقلة، مثل الصحة والتربية والثقافة. 

ينبغي في العراق التركيز على التعليم النوعي، وليس الكمي، وتوفيره بالمستوى المطلوب. كما أن الأطفال في العراق محرومون من الحصول على مستوى صحي جيد، ولا بد من العمل على تطوير قطاع صحة الأطفال وتوفير المستشفيات والكوادر المطلوبة. وأخيراً، العمل على بناء ثقافة تنظر الى الطفل بوصفه إنساناً له حقوق لا بد من توفيرها وحمايتها والعمل على تعزيز المنظومة القانونية والقضائية والأمنية المسؤولة عن حماية حقوق الطفل. 

مديرة مكتب هيئة رعاية الطفولة غادة محسن الرفيعي، ذكرت في تصريحات صحافية، أن نسبة الالتحاق بالدراسة الابتدائية لعام 2023 بلغت 89 في المئة. وهذا يعني أن 11 في المئة متسربون أو لم يلتحقوا أصلاً بالمدارس، وتزيد أعدادهم عن مليون طفل في أقل تقدير وفقاً لمتخصصين. 

وقالت الرفيعي إنه وفيما يشرف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على هيئة رعاية الطفل، إلا أن هنالك ضعفاً في تنفيذ القانون المتعلق بقضايا الطفولة، وأن الهيئة تسعى الى تشريع قانون حماية الطفل، لا سيما أن الاتفاقيات الدولية تجبر العراق على سن قانون للطفولة.

إجراءات غير مكتملة

حسن عبد الصاحب، مسؤول شعبة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ذكر أن شعبته تقوم بالرصد الميداني اليومي لعمالة الأطفال في سوق العمل ببغداد والمحافظات عبر اللجان التفتيشية المنتشرة”. وأشار  إلى أن هذه اللجان ترصد الأطفال والأحداث دون السن القانوني عملاً بالمادة 7 من قانون العمل 37 لسنة 2015 التي “تحظر عمالة الأطفال”.

ولفت الى أن الكثير من الأطفال المرصودين في سوق العمل، يرغبون في العودة إلى مقاعد الدراسة، وتمت مفاتحة وزارة التربية بذلك خلال العام الجاري، وكذلك الأعوام السابقة.

موظف في وزارة العمل طلب عدم ذكر اسمه، قال إن اللجان التفتيشية لا تملك سلطة تلزم أرباب الأعمال بمنع تشغيل الأطفال، لا سيما إذا كان رب العمل ولي أمر الطفل العامل، كما أن اللجان تمارس عملاً روتينياً في بعض الأسواق من دون نتائج ملموسة، في حين أن الشوارع مليئة بأطفال “باعة جوالين، صبية في الورش الميكانيكية في المجمعات الصناعية، في متاجر المواد الغذائية، متسولين، فتيات قاصرات في دور الدعارة والمراقص الليلية”. 

وأضاف أن ذلك يحصل في نطاق المدينة، أما في القرى والأرياف: “فمن الطبيعي أن يمارس الأطفال أعمال الرعي والمساعدة في الحقول والبساتين، حيث اللجان لا تصل إليها مطلقاً، وحتى إن فعلت، فستواجه سلطة عشائرية أقوى حتى من سلطة القانون” على حد تعبيره. 

وتابع أن قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 في مادته السابعة، نصت على أن “الحد الأدنى لسن العمل في جمهورية العراق هو 15 عاماً”. لكن في الواقع، فإن هنالك أطفالاً بأعمار أصغر يمكن رصدهم في سوق العمل، منهم زيد مخلص (12 سنة) الذي يعمل في متجر للمواد الغذائية يملكه عمه في مدينة الصدر بالعاصمة بغداد. يقول العم إن شقيقه متوفٍّ منذ أربع سنوات، وقد ترك ثلاثة أبناء من ضمنهم زيد. وأردف: “وجوده أمام عيني في محلي، أفضل من أن يكون في الشارع، وهنا سيشتد عوده ويعرف كيف يتعامل مع الناس، ويتعلم صنعة يعتاش منها، ويساعد أهله”. 

ثم استدرك: “أنا لا أوفر له العمل فقط، بل الحماية كذلك، سيحتاج الى سنوات طويلة للدراسة للحصول على شهادة ثم لن يجد وظيفة أنا أوفرها له من دون أي شهادة!”.

أنُجز التقرير بدعم وإشراف من شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية وبدعم من “صندوق دعم التحقيقات في شمال إفريقيا وغرب آسيا”.