fbpx

قضيّة فلسطين رسالة ثقافيّة لا حدث تضامنيّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع عملية طوفان الأقصى، بدأت السرديات مرة أخرى تسترجع مواقعها في ذوات الناس والجماعات وأفكارهم. إذ بدأ الناس يتداولون الحرب كأنها صراع فكري، حضاري، مَشرقي-غربي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“غدا يموت الكبار وينسى الصغار”… هذه مقولة رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير. إذ من خلالها، حاولت أن تبرهن أن فلسطين هي قضية ستُنسى مع مرور الوقت وتعاقب الأجيال. سيموت من يحمل همّها من الأجيال الكبيرة. وستصعد الأجيال الصغيرة ناسية القضية وشعبها. مع كل حدث فلسطيني، صغر حجمه أو كبر، يتداول كثر هذه الجملة على أنها لا شيء، بل على العكس، يولد الصغار حالمين وحاملين همّ القضية الفلسطينية. والحقيقة، أن فلسطين وقضية تحررها يتذكرها وينساها، على السواء، الكبار والصغار. هذا التذكر والنسيان، ترافقه عوامل كثيرة، فردانية وجماعاتية، شخصانية ومؤسسَاتية، كل في سياقه التاريخي والفلسفي.

من هنا نتساءل، هل الأحداث الحالية غيرت موقعنا في الحياة؟ موقعنا بالنسبة الى ذواتنا، الى الآخرين والأشياء من حولنا، أم أنها أحداث، حين تنتهي، ينتهي بعدها كل شيء ونرجع إلى المواقع التي اعتدنا عليها؟ أو بمعنى آخر، من اخترنا أن نكون فيها، طوعاً أو جبراً، باختلاف النسب والظروف؟ وهذا ما نحاول الإجابة عنه في هذا المقال.

في نهاية العقد الأخير، أي بعد انهيار الثورات العربية، وحلول القمع بمفرداته من القتل والسجن والإخفاء والمنفى والخوف، بدلاً من المشاركة الفكرية والسياسية، ربما طغى ما عُرف أو اصطُلح قديماً بـ”موت السرديات الكبرى”، أي موت الأفكار والجماعات، وإحياء مفاهيم الاستهلاك والسرعة الإنجاز والفردَنة. هذا هو المشهد الذي عاشه كثر في السنوات الماضية، والمفسّر في سياقه وأسبابِه، دوافعه ونتائجه.

لكن مع عملية طوفان الأقصى، بدأت السرديات مرة أخرى تسترجع مواقعها في ذوات الناس والجماعات وأفكارهم. إذ بدأ الناس يتداولون الحرب كأنها صراع فكري، حضاري، مَشرقي-غربي. فحكومات العالم الغربي تقف مع إسرائيل في إبادتها الشعب الفلسطيني، والعالم يُشجع المُحتل على مزيد من الاحتلال والقتل والسجن، العالم الغربي تتضح رؤيته “الآخرية” للشعوب العربية، وفي قلبها فلسطين. كأنها شعوب أقل منهم حضارة، لا تهم العالم إبادتها وتجويعها.

هذه الازدواجية، التعالي، الادعاء المقيت، أدى إلى التأمّل وإعادة النظر في موقع العرب من كونية المواقف والصراعات والأفكار. هذا التأمل تُرجم في الكثير من المواقف والممارسات، مثل المشاركة في التظاهرات في الميادين من أجل فلسطين، كما مقاطعة منتجات الشركات المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، ومشاركة الدعم على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال كتابة منشورات وبث صور مقاطع فيديو تحث على التضامن وترفض العدوان، فضلاً عن إعلان مؤسسات مدنية مجتمعية تضامنها الكامل مع فلسطين، حتى لو كان تمويل هذه المؤسسات أوروبياً/أميركياً.

لكن هذه الممارسات أو بعضها، تحدث في كل حرب على فلسطين. فما الذي يجعلها هذه المرة، تُعرّف نفسها كموقفٍ أصيل، رسالة ثقافية يتم التأسيس والبناء عليها، ولا تقف عند بدء الحدث ونهايته فقط؟ فلا شيء يضمن تماسك الممارسة، في ما بعد، وتحولها إلى سردية تستمر مع المتضامنين إلى ما بعد انتهاء الحرب الوقتية (الحرب إن وقفت فهي مستمرة)… إذ ربما خلال الأسابيع المقبلة، ستقف الحرب الحالية، ويوماً بعد يوم، يتناسى الناس، الكبار والصغار، الحرب، التضامن، سردية المقاطعة والمقاومة والتحرر من الاحتلال. ويرجع الناس إلى موقعهم الذي كانوا عليه بالنسبة الى قضية تحرير فلسطين.

 من هنا، يأتي دور إحياء السردية الثقافية، أو بمعنى آخر، استمرار إحيائها وعدم تركها مرة أُخرى للموت والاختفاء. وهنا، تتحول الممارسة الوقتية ذاتها إلى فعل ثقافي مستمر ومُمتد، لأنها بنيت على أواصر ذاتية وجمَاعاتية، بالمعنى السياسي، إذ يستمر العمل على مقاومة الاحتلال، من خلال المقاطعة كحركة جماعية، مثلما تفعل حركة مقاطعة إسرائيل BDS. وتستمر الكتابة والتدوين عن فلسطين وحق شعبها في العيش من دون احتلال وحصار وقصف وقتل وسجن. كما من خلال الشبكات الاجتماعية والسياسية، تتأسس روابط جماعية، من خلالها، تستطيع إقامة أعمال تضامنية وتحررية من أجل فلسطين. وقتها، لن تكون قضية فلسطين قضية عابرة، تأتي وفقاً للحدث، للحرب والقتل، تبدأ وتنتهي، بل تكون قضية وجدانية تمتلك سردية ثقافية ثابتة تطول وتمتد جيلاً عبر جيل.

لكن، ما يمنع استمرار الرسالة الثقافية وموتها مرة أخرى، هو جمود وتصَّحر السرديات والتنظيمات الفكرية والسياسية في بلداننا العربية. إذ بفعل القمع السياسي الذي أنتجته وتُعيد إنتاجه السُلطويات الاستبدادية في بلداننا العربية، فقد شهدنا في بلدان مثل مصر والأردن منع المتظاهرين من التضامن مع فلسطين، بل وملاحقتهم والقبض عليهم من الشوارع ومقرات السكن. فما تُريده السُلطويات هو تضامن شعبي وفقاً لمزاجها السياسي الذي يتقارب ويتباعد مع دولة الاحتلال وفقاً للبراغماتية السياسية التي تراها السُلطوية.

مع القمع السُلطوي للشعوب، يترافق نمط الحياة الاستهلاكي، الذي يُترجم في نموذج عيش فرداني، لا يتأسس وفقه أي ترابط أو تضامن اجتماعي لفترات طويلة. أي أن التضامن والعمل ضمن مجموعات من أجل قضية تحررية ضمن رسالة ثقافية، شيء تنعدم فيه الفردنة والظهور. شيء غير محبب في عصرنا الحالي، عصر عبادة الصورة والاستهلاك والإنجاز، من خلال المشاهدات والأرقام.

هنا الأمر نسبي، متفاوت، بين من يموت وينسى، ويحيى ويتذكر، بين من يريد تأسيس أو إحياء سردية/رسالة ثقافية يتعايش وفقاً لمبادئها، منجزاً من الممارسات ما يدلل عليها. ومن يريد الرجوع مرة أخرى للعيش اليومي العادي من دون أي رسائل ثقافية تخصّ قضايا جماعاتية، نموذج يومي فرداني معتمد على الإنجاز الشخصاني فقط. وهذا التفاوت تتشكّل نسبه وفقاً لعوامل ودوافع كثيرة، منها الذاتية، أي الشخصنة في الفعل، ومنها ما هو بيئي/ مُحيط مرتبط بالحاضنة التعليمية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وبينهما الكثير من التداخلات والتناقضات.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.