fbpx

حي الأرمن في القدس: حربٌ صغيرة داخل حرب غزة الأكبر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بينما لا تزال الحرب مشتعلةً على غزة، يواجه أرمن القدس حرباً من نوع آخر، تهدد وجودهم في حيهم التاريخي، الأرمن في القدس. إذ حصلت في الأشهر الأخيرة، مناوشات قانونية واجتماعية حول أرض تشكّل نحو ربع مساحة الحي، اشترتها شركة إسرائيلية – إماراتية من البطريركية الأرمنية، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وبرز في عملية البيع اسم رجل الأعمال الإسرائيلي، من أصل أسترالي، داني روتمان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


في عام 2020، تم توقيع اتفاق بين البطريركية الأرمنية وبلدية القدس، بهدف تسوية جزء من الأرض، أُنشئ إثره موقف سيارات يتكون من 180 مكاناً للوقوف، نصفه لسكان الحي اليهودي ونصفه الآخر لسكان الحي الأرمني. أثار القرار في حينها جدلاً لأنه يقلّص المنطقة المخصّصة لسكان القدس الأرمن، ويشكل جزءاً من عملية تهويد البلدة القديمة.

الصفقة كان يشوبها غموض كبير وأسئلة كثيرة، إذ اكتشف السكان الأرمن لاحقاً، أن الصفقة تضم كذلك مباني ومناطق أخرى على أرض المواقف، منها قاعة مدرسة الأرمن للرهبان، وحديقة، وخمسة بيوت سكنية، بمساحة إجمالية 11.5 دونم. ولكن البطريركية لم تعلن تفاصيل الاتفاق، ولم تخبر سكان الحي بأنه يشمل مناطق أخرى إلى جانب موقف السيارات، وتمتد تلك الأراضي والعقارات من باب النبي داوود، أحد أبواب البلدة القديمة للقدس، وحتى باب الخليل، وتشكل نحو 25 بالمائة من مساحته الإجمالية.

لكن الاحتجاج الأكبر سُجِّل لاحقاً، ففي تموز/ يوليو 2021، وُقِّع على اتفاق يتم في إطاره تأجير المنطقة التي تمتلكها البطريركية لشركة “حدائق زانا” لمدة 49 سنة، مع فرصة تمديد لـ 49 سنة إضافية، ما يعني أنه سيتم تأجير المنطقة 98 سنة حسب الاتفاق، الأمر الذي سيحوّل التأجير إلى بيع فعلياً، بحسب ما أوردته صحيفة هآرتس.

ويبلغ ثمن الأرض المدفوع مليونَي دولار فقط، وتعهدت الشركة بحسب الاتفاق بإقامة فندق كبير على الأرض، وتحويل نسبة ثابتة من أرباحه الى البطريركية، إلى حين إقامة الفندق. وتم الاتفاق أيضاً على أن تدفع الشركة للبطريركية 300 ألف دولار سنوياً بحسب هآرتس.


عندما بدأت الأعمال على الأرض في نيسان/ إبريل الماضي، حدثت احتجاجات وردود فعل غاضبة، ما أدى إلى تراجع البطريركية عن الصفقة، لكن ما زالت هناك شكوك حول فعالية إلغاء الصفقة.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر وبدء الحرب على غزة وانشغال العالم بها، ازدادت تعديات المستوطنين على حي الأرمن، إذ اقتحم مستوطنون الحي في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، وتحديداً قطعة أرض في حي الأرمن يُطلق عليها اسم “حديقة البقر”، وهدموا جزءاً من سور موقف المركبات. ثم أعادوا الكرة في 15 و16 من الشهر الجاري، بدعم من الشرطة الإسرائيلية، التي أمرت سكان الحي من المسيحيين الأرمن، بالإخلاء الفوري.

اتّهم الأرمن البطريرك نورهان منوغيان والمسؤول عن أملاك الكنيسة الأب بارت يرتزيان بالفساد وبتجاوز صلاحياتهما. في المقابل، اعترف البطريرك مانوغيان بأنه وقع على عقد تأجير الأرض لكنه قال إنه خُدع من كاهن آخر يعمل لديه بحسب الـ”بي بي سي”.

ويعاني الأرمن بشكل شبه يوم، من اعتداءات المستوطنين بسبب موقع حيّهم القريب من الحي اليهودي وفي الطريق إلى جبل صهيون. وتشمل التعديات الشتم والبصق والعنف الجسدي بحق الأرمن الذين بالأصل نسبتهم قليلة، إذ يُعتبرون من الطوائف الصغيرة في المدينة.

ويعد يوم الأحد 12 أيلول/ سبتمبر من عام 1948 أحد التواريخ الدموية في حياة الأرمن في القدس، إذ رمى الإسرائيليون قنبلة في ساحة دير الأرمن بينما الناس يخرجون من الصلاة.

تاريخ الحي


الأرمن موجودون في القدس منذ القرن الرابع الميلادي، ويشغلون منطقة تعتبر من أقدس المواقع المسيحية في المدينة القديمة، وتحديداً في الزاوية الجنوبية الغربية. ومن أبرز معالم الحي، دير الأرمن الذي كُتب على بابه باللغات الثلاث، الأرمنية واللاتينية والعربية: “دير الأرمن مار يعقوب” الذي يعتبر ثاني أكبر مكتبة للأرشيف الأرمني في العالم. ومن بين الوثائق التي تحويها، وثائق تاريخية شديدة الأهمية ترجع إلى القرون الأولى من المسيحية، وتحيط بالدير كنائس عدة، أكثرها شهرة كاتدرائية سانت جيمس، إضافة الى مبنى البطريركية، ومقر البطريرك، ومساحات مكشوفة، وحدائق، ومكتبة، ومتحف، ومطبعة، ومدارس ابتدائية وثانوية، وبيوت للسكن. كما يتّصل بحارة الأرمن دير الزيتونة، حيث يُحتفظ بجميع سجلات الطائفة الأرمنية. أمّا المنطقة السكنية المجاورة  للدير، فهي تتصل به عن طريق الشوارع الصغيرة الضيقة التي تشتهر القدس القديمة بها، وهي تحمل أسماء أرمنية، مثل “طريق أرارات”.

يستقر في الحي ما بين 2000 إلى 3000 أرمني، بينما تقول مصادر إن أعدادهم أقل من 1000. وتتعامل معهم إسرائيل كالفلسطينيين في القدس الشرقية، عبر منحهم هويات إقامة دائمة وليس الجنسية الإسرائيلية.

وعلى رغم أن حدود حي الأرمن في خرائط البلدية واسعة في الواقع، لكن أجزاء كبيرة مشمولة فيها بشكل رسمي ليست تحت سيطرة الأرمن منذ سنوات كثيرة، من بينها القشلة – مركز الشرطة الكبير ومنطقة متحف برج داود وأجزاء من موقف الحي اليهودي ومؤسسات مسيحية أخرى، بحسب صحيفة هآرتس. واليوم، تكمن خطورة الصفقة في أنها ستؤدي إلى قطع التواصل الجغرافي والديمغرافي للبلدة القديمة، وستزرع المستوطنين في وسطها.

يُذكر أن منظمة الأمم المتحدة للثقافة “اليونسكو”، صنّفت الحي الأرمني ضمن قائمة التراث العالمي المهدَّد بالخطر.

حرب إسرائيل على حي الأرمن ومحاولة سلبه من سكانه، جزء من حرب أكبر تشنّها منذ أكثر من شهرين على غزة. ومثلما تبيد الغزاويين بوحشية، تحاول إسرائيل في حي الأرمن إبعاد سكان الأرض عن منازلهم.