fbpx

سقوط “الكبير أوي” وعودة الروح إلى الكوميديا المصريّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشكلة كوميديا “الكبير أوي”  وما شابهها، أنها استنزفت كل ما يصلح للبارودي والسخرية من عقدي الثمانينات والتسعينات، وفقدت الشعرة الفاصلة بين النقد الاجتماعي والوعظ المباشر، ليتحول إلى عمل ثقيل الوطأة والظل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أشاهد الجزء الثامن من مسلسل “الكبير أوي” مضطراً، وهو ما فعلته في الموسم السابق أيضاً. لا ينجح المسلسل في أن يجبرني على الابتسام حتى، لكني أستمر في المشاهدة، وأقنع نفسي بأني فعلت ذلك إخلاصاً للأيام الخوالي، بينما أنا في الحقيقة مضطر لأنه يضحك ابنتي ذات السبعة أعوام، فقد تحوّل بامتياز إلى مسلسل أطفال، معذّب للكبار ولمن تعلقوا به في زمن مضى.

مشكلة كوميديا “الكبير أوي”  وما شابهها، أنها استنزفت كل ما يصلح للبارودي والسخرية من عقدي الثمانينات والتسعينات، وفقدت الشعرة الفاصلة بين النقد الاجتماعي والوعظ المباشر، ليتحول إلى عمل ثقيل الوطأة والظل.

 تجاوز أحمد مكي نفسه في ارتداد غريب، حوّله من ناقد لتلك المرحلة إلى مؤمن بها، وبدلاً من التخلّص منها بتفكيكها والسخرية منها – وهو الأمر الذي قُتل بحثاً وضحكاً من الأصل، ولم يعد مجدياً- يتحوّل إلى عاشق خفي لها.

 كأن تلك السنوات كلها التي أمضاها مكي في السخرية من تلك المرحلة، لم تجد نفعاً مع تقدمه في العمر، ليصبح في النهاية أسير “نوستالجيا” تلك الفترة، التي لم يعشها إلا جيلي الذي تخطى الآن الأربعين من عمره. أما الأجيال الجديدة، فلم ترَ هذا العالم أصلاً لتشعر بالتناقض الذي يولد الضحك، باستثناء الأطفال تحت سن السابعة، الذين تضحكهم الغرابة.

أزمة النوستالجيا

هذه النوستالجيا التي ترغب في الرجوع بالزمن إلى الخلف، أمر مختلف عن فحص تلك المرحلة نقدياً بعين الحاضر. ففي 2017، صدمتني أغنية “وقفة صحاب زمان”، لأحمد مكي، وكانت العلامة الأولى والواضحة على هذا الارتداد إلى تلك الفكرة العبثية، أن القديم أجمل بالضرورة. 

على رغم استمرار فشل “الكبير أوي” لأحمد مكي وتراجعه للعام الثاني على التوالي، في موسمه الثامن، إلا أن ذلك الفشل كان علامة جيدة لمعيار كوميديا الاسكتشات والغباء التي طغت على الأعمال التلفزيونية في العقد الأخير، حتى صارت هي علامة كوميديا لممثلين مثل مكي والثلاثي هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمي، الذين كانوا في زمن مضى وراء اختراق آفاق جديدة للكوميديا، الكوميديا اللامبالية، الجريئة الى درجة القسوة، والتي لا يخشى السخرية من “الرموز والأيقونات”.

تلك الكوميديا أدعي أنها كانت أول طفرة حقيقية في الكوميديا بعد جيل سمير غانم وعادل إمام،  لكنهم دخلوا جميعاً في المنظومة التي لم تعد تبحث عن موضوع، بل عن اللاشيء، ليصبح من الصعب التفريق بينهم وبين مسرح مصر، علامة كوميديا اللاموضوع، بينما لم يعد جيل هنيدي يُضحك سوى تركي آل شيخ في موسم الرياض.

على رغم استمرار فشل “الكبير أوي” لأحمد مكي وتراجعه للعام الثاني على التوالي، في موسمه الثامن، إلا أن ذلك الفشل كان علامة جيدة لمعيار كوميديا الاسكتشات والغباء التي طغت على الأعمال التلفزيونية في العقد الأخير

هل عادت الكوميديا المصريّة؟

بحسب الناقد سيد محمود، تعود أهمية المسلسلات الكوميدية المصرية، والتي حظيت باهتمام بالغ هذا العام، الى عجز المسلسلات الاجتماعية والتاريخية عن حل تناقض رئيسي يتعلق بالشرائح المجتمعية التي ترغب في تمثيلها على الشاشة، فهي إما تعبر عن طبقة فقيرة مهمشة، أو طبقة مرفهة، وهي الدراما التي غرقنا فيها لسنوات، وسميت عن حق بدراما الكومباوندات.

غيّب التناقض السابق الطبقة الوسطى وقضاياها، وهو أمر يترجم غياب تلك الطبقة نفسها، وتآكلها في المجتمع. أما المسلسل التاريخي “الحشاشين”، فيتورط في عمليات الإسقاط التاريخي المتعسفة، بينما تملك الأعمال الكوميدية القدرة على الخروج من هذا المأزق، بقدرة الكوميديا في الأساس على السخرية من الطبقات كلها، لتتحمل وحدها طيلة عقدين على الأقل عبء التعبير عن الطبقة الوسطى بعيداً من أي استقطابات فكرية أو سياسية.

التغيرّ من كوميديا الاسكتشات الى كوميديا الموقف، بدأت إرهاصاته الأولى مع المسلسل الكوميدي “100 وش” الذي عرض في رمضان 2020، لمخرجة لم يعرف عنها الأعمال الكوميدية، وهي المخرجة كاملة أبو ذكرى، بل إن نجوم المسلسل ليسوا نجوم كوميديا كآسر ياسين ونيللي كريم، وعلى رغم ذلك نجح المسلسل، ما أعطى إشارة الى أن ثمة طريقاً آخر للكوميديا غير كوميديا الإيفيهات.

 خلال العامين الماضيين، بدأنا نرى أثر هذا المسلسل في شكل إرهاصات، كمسلسل “بالطو” لعمر المهندس، والذي حقق نجاحاً كبيراً، على رغم اعتماده على وجه شاب وهو عصام عمر، وكان من إنتاج منصة ” واتش إت” التابعة لجهة سيادية. 

المسلسل يناقش مشكلة حقيقية، موضوعها الأطباء الذين يتلقون تكليفهم في مستشفيات بعيدة بأجور زهيدة وبأقل الإمكانات، مع الأخذ بالاعتبار أن المشكلة لم تعرض كاملة وبعمق، بل من خلال صورة ملطفة، كشكل الوحدة الصحية النظيف الذي يلمع ولا يوجد به خطأ واحد من جانب وزارة الصحة التي تراقب وتتابع وتعاقب، على رغم أننا كمواطنين مصريين نعلم عن يقين أن حال المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية، يُرثى لها.

دخول “واتش إت” إلى الحلبة بأعمال جيدة، جاء بسبب إدراكها المتأخر أنها تنافس منصات أخرى كـ”شاهد” السعودية، والتي ستمنح بالتأكيد حرية أكبر للدراما المصرية.

شهد العام الماضي ثلاثة أعمال تعتبر الأكثر نجاحاً في السينما المصرية على مستوى الإيرادات والإشادة النقدية، وهي ثلاثة أفلام لمخرجين شباب، اعتمدوا فيها على كوميديا الموقف ك”فوي فوي فوي” لعمر هلال، و”وش لوش” لخالد الحلفاوي، وهو كوميديا اجتماعية، وأخيراً “الحريفة” من إخراج رؤوف السيد، والذي تخطت إيراداته في آذار/ مارس الماضي، حاجز الـ72 مليون جنيه بعد 9 أسابيع من عرضه، ليحتل المركز السابع في قائمة أعلى إيرادات السينما المصرية في تاريخها.

تفوق “الحريفة” على أفلام عرضت معه في التوقيت نفسه كـ”أبو نسب” لمحمد عادل إمام وماجد الكدواني، و”الإسكندراني” الذي قام ببطولته أحمد العوضي وحشد من النجوم من إخراج خالد يوسف، فضلاً عن أن معدل الدعاية للفيلمين، بما فيها “الدعاية المدفوعة الأجر” على صفحات النقد السينمائي على السوشيال ميديا، تتفوق بما لا يقاس على ما حقق “الحريفة”.

ما نستخلصه من هذا  كله هو تغير المزاج، الذي لم يعد يقبل ما يقدم إليه كما هو، وأن بوصلة النجاح والفشل ستفرض شكلاً جديداً.

“أشغال شقة”: إعادة النظر في الكوميديا

بعدما حقق مسلسل “تحت الوصاية” نجاحاً لافتاً، عاد خالد وشيرين دياب  هذا العام بمسلسل كوميدي جديد بعنوان ” أشغال شقة”، استطاع انتشال هشام ماجد من كوميديا الإيفيهات التي أغرقت مشروعه مع الثلاثي، وهو من إنتاج “شاهد”.

تدور أحداث المسلسل حول حمدي الطبيب بالطب الشرعي (هشام ماجد) والإعلامية ياسمين (أسماء جلال) اللذين يرزقان بتوأم، وبسبب حاجتهما إلى المساعدة يضطران إلى البحث عن خادمة تقدم لهما المساعدة المنزلية، وفي كل مرة تورطهما الخادمة الجديدة، فيواجهان مشكلة من نوع جديد.

فكرة العمل سبق تقديمها في فيلم “صباح الخير يا زوجتي العزيزة” عام 1969، من بطولة صلاح ذو الفقار ونيللي، لكن في حين ينتهي الفيلم إلى أن الحل هو استقالة المرأة من عملها للتفرغ من الأولاد، ثم أن تكون مهنتها الجديدة متعلقة بالتربية متمثلة في افتتاح حضانة، وهو حل مرتبك بين التقدمية والرجعية.

 إلا أن ” أشغال شقة” لا يضع حلاً من الأساس، ولا يطرح فكرة تفرّغ المرأة للتربية طيلة الخمس عشرة حلقة، من دون أن يغفل أن سبب المشكلة الرئيسي هو عدم قدرة الزوج على التعاون.

يُحسب لكوميديا المسلسل أنها قفزة نحو نوع لم تعرفه الكوميديا المصرية من قبل، وسبقت إليه الكوميديا البريطانية والأميركية، في مسلسلات مثل ” ذا أوفيس”، إذ يذهب الخيال الى أكثر المواقف تعقيداً و إحراجاً كمشاهد الجنازة وأكل المدير كبد رجل ميت.

هذه الكوميديا بحسب الناقد محمود عبد الشكور، تعود في الأصل الى كوميديا الإخوة ماركس في تطوير المشاهد الكوميدية في أفلامهم واكتشاف العبث في أكثر المواقف عادية، ثم تحويل العبث إلى مسخرة كاملة بمضاعفة جرعته من داخل المشهد، وليس من خارجه، مع مزج ألوان متعددة من الكوميديا في الموقف الواحد.

ما يعيب المسلسل في بعض الحلقات، هو لجوئه الى كليشيه “ذهول الرجال كأنهم أطفال بأي امرأة جميلة، عادة ما يلجأ المخرجون الى ممثلة لبنانية للعب هذا الدور، وهو ما لم يختلف في اختيار المخرج خالد دياب، فقد جعلها سورية، كأن كون المرأة المصرية الجميلة والمثيرة للرجال، أمر يعيبها.

اختيار “السورية” يذكّر بلجوء المخرجين الى الأجنبيات في المشاهد التي تتطلب ارتداء مايوه، وما يبدأ كمجرد تحايل على استفحال الرقابة، ينتهي لكوميديا تسيء إلى المرأة بشكل عام، وتقلل من أثر التطور في اختراق المسلسل مجالاً غير معتاد على الكوميديا المصرية.

“بابا جه”: تفكيك الأبوّة التقليديّة

من اللافت أن يختار نجم كأكرم حسني الذي عرف بكوميديا الاسكتشات والارتجال، موضوعاً كالأبوة وأسئلتها الشائكة،  واللافت أكثر أن يربح رهانه بفوز مسلسل “بابا جه” بنسب مشاهدة عالية.

يتمثل الرهان في أن الكوميديا أقل لصالح عمل أكثر تماسكاً، وعلى رغم خطورة الانزلاق في مسلسل يتلامس مع الأسرة والتربية ومع أفخاخ الوعظ والتلقين، ولنا في أجزاء “ونيس” لمحمد صبحي مثلاً، صار أشبه بالتروما في أذهان الأجيال، حيث الإدانة الأساسية للأبناء، في المسلسل ثمة إدانة واضحة لنطاعة الرجل الشرقي وتصوّره عن الأبوة.

من الجملة الصادمة لابنته في حفل بالمدرسة، التي تحمل على قسوتها الحقيقة، أن أباها “مالوش لازمة”، يضطر والدها للعمل كأب للإيجار، وحلال رحلته يتعلم رويداً رويداً معنى دور الأب.

يأتي “بابا جه” ضمن موجة مسلسلات تحمل نظرة نسوية، حتى لو كان الأب هنا هو البطل، أو كان كتابه من الذكور، فالمسلسل في الأساس مقتبس من رواية لكاتبة كورية بعنوان ” أعيرك أبي”، ويفكك اعتقاد الآباء في مصر والوطن العربي بأن دورهم يقتصر على الرعاية المادية، تاركاً حمل التربية الحقيقية على الأمهات.

 يبتعد الدور السابق  من الوصاية الأبوية التقليدية، نحو فلك الرعاية النفسية أو نقل المهارات اللازمة لتعامل الأبناء مع المجتمع، كما يشير إلى الغفران لجيل أقدم من الآباء، لم يعرف إلا القسوة كوسيلة للتربية، كي تتمكن حياة أبنائهم من الاستقامة، وكي لا يقعوا في فخ تكرار دائرة الإساءة.

المسلسل موجع، ولا تخفف الكوميديا من أثر تلك الصفعة اللازمة والموجهة إلى تصورات مغلوطة عن الأبوة من الذكور الشرقيين، كوميديا تضع أكرم حسني على خطى فؤاد المهندس الذي عرف بكوميديا الإصلاح الاجتماعي، ثمة ضحك أقل، لكنْ هناك إمتاع أكثر، يحث مشاهده على التفكير من دون وعظ محمد صبحي السمج أو استعادة شكل السلطة الأبوية الصارم.

“كامل العدد”: العائلة الكبيرة والعصريّة

قدم المخرج خالد الحلفاوي الجزء الثاني من مسلسله “كامل العدد”، بنجاح لا يقل عن سابقه، وفكرة العمل مقتبسة من فيلم سبق تقديمه في منتصف السبعينات، “عالم عيال عيال”، من بطولة رشدي أباظة وسميرة أحمد وإخراج محمد عبد العزيز.

 وإن كان العمل السينمائي لم يتجاوز فكرة المفارقة عن رجل وامرأة أنجب كل منهما عدداً كبيراً من الأطفال من زواج سابق، وما ينشأ عن تلك المفارقة من منزل مزدحم بـ 14 طفلاً، أما الحلفاوي وكاتبا المسلسل: رنا أبو الريش، ويسر طاهر، فيتجاوزون المفارقة إلى مفهوم العائلة الكبيرة.

 الأهم أن المسلسل يتجاوز الفكرة السخيفة التي حاولت شركة المتحدة إقحامها في أعمال عدة عن العائلة، بوصفها معياراً ونموذجاً لشكل المجتمع، يجب ألا ننحرف عنه.

لسنوات ظلت مسلسلات المتحدة، تحرص على بث فكرة العودة إلى “العائلة المصرية المحافظة”، مستلهمة في ذلك خطابات الرئيس، وهي تدفع تلك الفكرة إلى الواجهة لتكون بديلاً عن مناقشة أي مشكلة حقيقية، وكانت الإشارة الضمنية داخل تلك الأعمال أن المواطنين بانحرافهم عن قيم الأسرة في الثمانينات وتسعينات القرن الماضي، بما يعني الضياع الأخلاقي، هم سبب الأزمات التي نعيشها، وأن الحل السحري الذي تفتق عنه ذهن المسؤول عن قطاع الدراما لحل لتلك الأزمات هو العودة إلى قيم العائلة.

“كامل العدد” في جزأيه يتجاوز هذه “التعليمات”، فيقدم من ناحية عائلة كبيرة عصرية، ليس بوصفها نموذجاً معيارياً، إذ لا يبدو الأب أو الأم مثالين لأي شيء سوى الرغبة في الترابط وتجاوز العقبات، وتبدو العائلة هنا كما ينتبه الناقد سيد محمود كملاذ، بل الصراع ينشأ بين الأبطال من التناقض حول مفهوم العائلة لدى كل منها ودورها، والجميع في النهاية ضحايا ظرف كتب عليهم إيجاد فرصة للتناغم داخله.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.