fbpx

لبنان وأشكاله الهندسية الفريدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خطوط لبنان الحمر كثيرة: رئيس وزراءٍ سابق متّهم بمخالفة الدستور يضمّه شيخ الطائفة إلى صدره ويعلنه خطاً أحمر، فنانٌ شعبيّ يعنّف زوجته فيخرج أبناء قريته ليطوّبوه خطاً أحمر، رجل دينٍ أدين بالتحرش بالأطفال تعتبره المرجعيّة خطاً أحمر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“فلنبدأ بوضع النقاط على الحروف”. الساسة في لبنان كلهم يحبّون هذا الشعار، يرفعون أصواتهم في المؤتمرات الصحافيّة، يلوّحون بالملفات في جلسات مجلس النواب، يرفعون الأصابع في المقابلات، ويهدّدون بوضع النقاط على الحروف، علماً أنّ التنقيط في اللغة العربيّة جاء متأخراً، وكذلك وعودهم وتهديداتهم بفضح بعضهم بعضاً، التي تبقى حبراً على ورق.

تضامن أبناء زحلة مع الفنان وائل كفوري بعد اعتدائه على زوجته

والمسافة الأقرب بين نقطتين، هي خطّ مستقيم، والخطوط المتوازية لا يمكن أن تلتقي، إلا في لبنان. يمكن أن يلتقي حزبان طائفيان عقائديان مؤمنان بالآخرة أكثر من الدنيا، يومياً على طاولات صنع القرار لتقسيم غنائم السلطة، سبحان الله. وللخطوط ألوان، الخط الوهمي الأخضر الذي قسم بيروت إبّان الحرب الأهليّة اختفى، إلا من أذهان سائقي السيارات العموميّة ويستعاد التلميح إليه عند كل خلاف على الحصص. وحده الخط الأزرق الذي يفصل بين جنوب لبنان و”فلسطين المحتلّة” باقٍ، ولا يذكره أحد إلا في نفقٍ من تحته، وغارةٍ من فوقه. أهم الخطوط هو الأحمر، وخطوط لبنان الحمر كثيرة: رئيس وزراءٍ سابق متّهم بمخالفة الدستور يضمّه شيخ الطائفة إلى صدره ويعلنه خطاً أحمر، فنانٌ شعبيّ يعنّف زوجته فيخرج أبناء قريته ليطوّبوه خطاً أحمر، رجل دينٍ أدين بالتحرش بالأطفال تعتبره المرجعيّة خطاً أحمر، رؤساء الأحزاب خطوطٌ حمر، الشعائر الدينيّة خطوط حمر، أصغر حاجب يتبع لزعيمٍ طائفيّ خط أحمر أيضاً. في لبنان، تضيق بك المساحة لتمشي بين الخطوط الحمر يومياً، وويحك إن دست أحدها، فهي ألغامٌ معدّة للتفجير اجتماعياً. وبعض الخطوط لا لون له: توتر عالٍ للكهرباء، خط عسكريّ لنقل البضائع والسلاح والأفراد، وأهمها خطّ سكّة الحديد الوهمي الذي احتفل بالذكرى 124 على انطلاقه، منذ بضعة أيام.

ثلاث نقاطٍ كفيلة بصنع مثلث. المثلث صفقة كل خمس سنوات تنزل على أصحاب السيّارات ليبتاعوها خوفاً على سلامتهم، تنظم لها حملات توعية ومحاضر ضبط، فتنفق البضاعة المستوردة حتّى يأتي تاجرٌ آخر صديق لوزيرٍ جديد. وفي لبنان عرقٌ بلديّ مثلّث، يمنع شربه وبيعه في خمس مساحة أراضي الوطن، احتراماً للعادات والتقاليد، التي برعايتها يُزرع العنب ويقطّر ويُطرح في الأسواق. ومن مشتقات المثلث، أسقطت النقطة الثالثة عن حرف الثاء، فأصبح لبنان متيمّاً بفعل الـ”تتليت” الذي يمارسه سنوياً: مجلس نيابي مقفل أم مجدد لنفسه، تشكيل حكومة يستغرق أشهراً، كرسي رئاسي فارغ حتّى ولو… (إملأ الفراغ من دون مخالفة المادة 384 من قانون العقوبات التي تحذر المس بمقام رئيس الجمهورية). والمثالثة هي الهدف المنشود، إذ إنّ المناصفة لم تعد تكفي.

لبنان بين الأوائل في الرياضيات عالمياً. وحدها موازنته الرسميّة تتأخر نصف عام، وقطوع حساباته 6 أعوام.

ضع نقطة إضافيّة احصل على المربّع: مربعات حزبيّة تمتد من معراب إلى الضاحية. مربعات أمنيّة رسميّة لأربعة أجهزة رسميّة. مربعات أمنيّة غير رسميّة لأجهزة خارجيّة في قوسايا والناعمة وغيرهما. مربعات أمنيّة وسكانيّة وقهريّة تمارس بحقها أسوأ أنواع الظلم في ما اصطلح على تسميته “مخيّمات”. مربعات ليليّة. لبنان شكل هندسي مستطيل معقّد، ولا مستطيلات تضاهيه.

أمّا الدوائر فحدّث ولا حرج. دوّار العدليّة قبوٌ لظلم الفقراء والمهمشين من العاملات والعاملي في المنازل، ضحايا نظام الكفالة والعبوديّة. وعلى كل مستديرة “مسلّة” أم تمثال لرمزٍ طائفيّ. وكيف ننسى الدوائر الحكوميّة؟ رشى، فتقاعس وظيفي، فضياع معاملات، فوظائف مقنّعة، فـ”روح عمول برمة وارجع تعا”. أمّا دوائر المياه العموميّة فكثيرة، أهمّها مكبّان في برج حمود والكوستا برافا يستقبلان الوافدين إلى عاصمة الحرف بالروائح الذكيّة. أما دوائر صنع القرار فخارج الحدود اللبنانيّة.

لبنان بين الأوائل في الرياضيات عالمياً. وحدها موازنته الرسميّة تتأخر نصف عام، وقطوع حساباته 12 عاماً. ولبنان فيه علومٌ أخرى، جغرافيا لم ترسم حدودها حتّى اليوم، وتاريخ ضُرِب له موعد مع المستقبل طمساً بسدود المياه، وأدب تفوح به نشرات الأخبار، وثقافة منع الحفلات الموسيقيّة، وفيزياء العوالم المتوازية بين قاطنيه، وأفضل مدرسة علوم أحياء لشعبٍ لا يثور، إلا عند المس بعلومه المنطقيّة: الطائفة والزعيم.

في بلاد الحرية المغشوشة: “كبّر عقلك” 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.