fbpx

أنقرة تغازل الجهاديين… أين الخطورة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو جلياً أن السكان المدنيين هم الضحايا المباشرون للتدخل العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، إضافة إلى تبدد حلم الأكراد بالتمتع بالاستقلال والحكم الذاتي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يبدو جلياً أن السكان المدنيين هم الضحايا المباشرون للتدخل العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، إضافة إلى تبدد حلم الأكراد بالتمتع بالاستقلال والحكم الذاتي. وقد يكون اللاجئون السوريون في تركيا هم الضحية التالية، من خلال ترحيلهم ليكونوا بمثابة حراسٍ لحدود الدولة التركية في خضم علاقاتها المضطربة مع الأكراد. وعلى رغم ذلك، فإن التحالف التركي مع الجماعات الجهادية يُشكل عاملاً آخر من عوامل الخطر الطويلة الأمد. وثَمّة سؤال جوهريّ صار يطرح نفسه بقوة، كيف سينتهي التحالف الحالي بين أنقرة والجماعات الجهادية؟

اتسمت الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنها كانت صادمة ومشينة. إذ كشفت عن الحالة البائسة التي تشهدها العلاقات الدولية في وقتنا الراهن. فقد افتقر الرئيس الأميركي أثناء كتابته لنظيره التركي -في محاولة لتجنب الحرب في سوريا بين الجيش التركي والحكم الذاتي الكردي، وهو الصراع الذي نجم إلى حد كبير عن قراره المُتقلب- إلى المبادئ الأساسية للديبلوماسية والإدراك السليم. بيد أن هذه الرسالة تكشف أيضاً عن أحد العناصر المهمة: إذ جاء فيها أن القائد العام لـ”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) “الجنرال مظلوم عبدي على استعداد للتفاوض”.

ما الذي لا تمكن مناقشته بين أنقرة والقوات المسلحة الكردية في سوريا؟ وما هي المشكلة بين القادة الأتراك والأكراد في تركيا التي لا يُمكن حلها من خلال المفاوضات؟ الواقع أن الحل العسكري، الذي تصدر جدول الأعمال منذ 33 عاماً، لم يُسفر عن الكثير من النتائج الملموسة. فقد قيل في الماضي، إن ذلك الصراع كان نتيجة للنزعة القومية، ومن الممكن التوصل إلى حل سلمي في إطار الرؤية الموحدة للإسلام، وهو الدين المشترك للأتراك والأكراد. فهل سيُسفر خوض حرب جديدة ضد الأكراد في سوريا عن أي “حل” بخلاف المزيد من الصراعات على الهوية، والشعور المتزايد بين الأكراد -بما في ذلك ملايين الأكراد في تركيا- بأنهم ضحايا للدولة التركية وسياساتها؟

تنطوي “عملية نبع السلام” على بُعد جديد: وهو دفع ما يُقارب الثلاثة ملايين لاجئ سوري المقيمين الآن في تركيا للعودة إلى سوريا من أجل تكديس المناطق الكردية باللاجئين العرب. مع الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء اللاجئين السوريين أنفسهم وقعوا ضحايا بالفعل لهجمات البراميل المتفجرة التي شنتها عليهم حكومتهم. فضلاً عن استغلال هؤلاء اللاجئين البؤساء وتنصيبهم “حراساً للحدود” التركية، وسيكونون أسرى في مرمى نيران العلاقات التركية – الكردية التي لم تُحَسم بعد. إلا أن وضع ثلاثة ملايين لاجئ في المناطق التي يسكنها الأكراد لن يُسفر عن أي حل. فقد حاول النظام البعثي في كل من سوريا والعراق فعل ذلك في الماضي، ولكن القضية الكردية لم تنتهِ، بل على العكس تماماً.

كان يمكن أن تتطور العلاقات التركية – الكردية بشكل مختلف تماماً. من يتذكر اليوم أنه في كانون الثاني/ يناير عام 2013 أُعلن وقف إطلاق النار بين أنقرة والجماعات الكردية المسلحة؟ فقد قدم ذلك فرصة حقيقية، إذ انسحبت الجيوش التركية من مراكز القُرى وقللت أعداد نقاط التفتيش، ما أتاح إمكان إجراء مفاوضات حقيقية. ولكن في نهاية ذلك العام، تدهورت العلاقات مرة أخرى: فقد آثرت أنقرة الرهان على الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا وخارجها، وأوقفت المحادثات مع الأكراد.

تنطوي “عملية نبع السلام” على بُعد جديد: وهو دفع ما يُقارب الثلاثة ملايين لاجئ سوري المقيمين الآن في تركيا للعودة إلى سوريا من أجل تكديس المناطق الكردية باللاجئين العرب.

والآن، بعد مرور خمس سنوات، ما الذي حققته أنقرة؟ فقد استثمرت السلطات التركية موارد هامة لدعم نسخة مقبولة من السلفية الجهادية، وهي الجماعة التي يُطلق عليها “حركة أحرار الشام الإسلامية”، التي اتسمت بقدرتها على إمساك العصا من المنتصف وتوجيه خطاب “ليبرالي” إلى الغرب، وخطاب “جهادي” لأنصارها في الداخل. بيد أن المشكلة الوحيدة هي أن “حركة أحرار الشام” تعرضت للدمار، ليس فقط نتيجة الهجمات التي شنها الموالون لدمشق، أو الطائرات المسيرة الأميركية: بل نتيجة تعرض قادتها وجنودها للقتل على أيدي الجهاديين الحقيقيين، وهم جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

في الحقيقة تركيا ليست الدولة الأولى التي تخطب ود الجهاديين. ففي الثمانينات، استثمرت ثلاث دولٍ -وهي باكستان والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة- الأموال والأسلحة وقدمت الدعم اللوجستي للجيل الأول من السلفيين الجهاديين، المعروفين باسم الأفغان العرب، وذلك لاستخدامهم ضد الجيش السوفييتي المحتل لأفغانستان. وبعد بضع سنوات، وبمجرد تغيُّر الأوضاع السياسية وخروج السوفيت من المشهد، نفذت الجماعات الجهادية هجمات ضد الدول الثلاث، من بينها الهجمات وجرائم القتل الجماعي يوم 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 التي شهدتها الأراضي الأميركية، وأيضاً هجمات متعددة أقل دموية داخل باكستان والسعودية. وبعد عقدٍ، عندما غزا الجيش الأمريكي العراق واحتله عام 2003، قامت بعض بلدان الشرق الأوسط -مثل سوريا في ظل حكم حزب البعث- بالأمر نفسه، وذلك بتسهيل مرور المتطوعين الجهاديين الذاهبين إلى العراق عبر أراضيها، حيث انضم معظمهم إلى خلية أبو مصعب الزرقاوي، سلف “داعش” سيئة السمعة. وبعد بضع سنوات عندما بدأت الثورة السورية، اتخذت الجماعات الإسلامية الأصولية من سوريا أرضاً لجهادها.

اتسمت الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنها كانت صادمة ومشينة.

هل يظن الخبراء الاستراتيجيين في أنقرة أن بإمكانهم السيطرة على الجماعات السلفية الجهادية في الوقت الذي فشلت فيه باكستان والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وسوريا ودول كثيرة أخرى في تحقيق ذلك؟ على ما يبدو تظن أنقرة أن الجهاديين ينتمون إلى فصيل الإسلام السياسي الأكبر والأعم، ربما تسوقهم الحماسة أكثر من غيرهم، لكنهم في النهاية أحد أفراد الفصيل ويمكن السيطرة عليهم. لكن هناك حجتان تنقضان هذا الافتراض. الأولى عقائدية، وهي أن السلفيين الجهاديين يمكنهم بكل بساطة اتهام أنقرة بالتعاون مع الكفار -المخابرات المركزية الأميركية والروس البغيضين- والسماح بوجود قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، وهو السبب ذاته الذي أدى إلى احتدام العداء بين أسامة بن لادن والقيادة السعودية. كما يمكن أن يتهموا القيادة التركية بأنها علمانية مرتدة، ألم يُجروا انتخاباتٍ بدلاً من تطبيق قواعد الشريعة؟ وإذا تابعت الخطابات الجهادية ستعرف أنهم يرددون ذلك بالفعل في منصاتهم الإعلامية على الإنترنت.

أما الحجة الثانية، فهي أن الحركة الجهادية السلفية لم تنطوِ يوماً تحت لواء جماعة واحدة ذات هياكل تنظيمية وقيادة موحدة. فهي عبارة عن شبكة سائلة غير مستقرة تضم شخصيات قيادية مؤثرة مختلفة تتنافس في ما بينها من أجل الاستحواذ على اهتمام المجتمع. وهذه هي نقطة ضعف الحركة الجهادية وقوتها على حد سواء، فإذا إذا قُمعت إحدى الجماعات وأُبيدت، فستحل البقية محلها. لكن تنافسها الدائم خلق دوامة من التطرف والعنف جعلت الحركة كلها تبدو وكأنها قنبلة موقوتة. وإذا عقدت أنقرة اتفاقاً مع جماعة جهادية أو جماعتين أو حتى عشرة جماعات، فستظل هناك دائماً جماعة تسعى لجذب الاهتمام عبر الادعاء بأن أفرادها هم المجاهدون الحقيقيون ونعت جميع الجماعات الأخرى بالكفر. هذا على خلاف التنظيمات الكردية، والتي على رغم من جميع إخفاقاتها، تظل منظمة ومنضبطة. وإذا أسفرت المفاوضات عن إبرام اتفاق مع المقاتلين الأكراد، فسيحترمه الجميع على الأرجح.

تُعد الحرب في شمال شرقي سوريا كارثة على سكان المنطقة، سواء كانوا أكراداً أم عرباً أم آشوريين. كما ستكون كارثة أيضاً على اللاجئين السوريين الذين قد يتم إرسالهم للإقامة في المنطقة المحتلة من قبل الجيش التركي ووكلائه. في المقابل، ستقوي الحرب شوكة الجماعات السلفية الجهادية، وستعزز حضورهم على الأراضي التركية من ضواحي إسطنبول إلى الجنوب في مدينة أديامان. ما الذي سيحدث عندما يصل هذا التحالف التكتيكيّ بين أنقرة والجماعات الجهادية إلى نهايته؟

إذا افترضنا أن البغدادي هو أمير المؤمنين وخليفتهم، فهل سيقبل يوماً أن يخضع لأوامر رئيسٍ انتخب وفقاً لقوانين علمانية؟

لماذا تُحارب تركيا الأكراد في سوريا؟

 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.