fbpx

“أقف بين القاتل والقتيل”: اشتباكٌ في شارع الرشيد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يبدو قائد المجموعة في عجلة من أمره. يريد تبديد الوقت في الطريق إلى الاشتباك. مهمة ثقيلة الوطأة عليه، أن يقتل شباناً يافعين، سيصعب عليه حين ينفذها أن ينظر في عيون أولاده. وحين ينام ستخيم عليه الكوابيس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الطريق إلى سوق الكتب في شارع المتنبي، جذبني الاشتباك في شارع الرشيد. قبله رأيت العجب: أمامي تماماً مدرعة خاصة بـمكافحة الشغب تتحرك ببطء بسبب الزحام. لا يبدو قائد المجموعة في عجلة من أمره. يريد تبديد الوقت في الطريق إلى الاشتباك. مهمة ثقيلة الوطأة عليه، أن يقتل شباناً يافعين، سيصعب عليه حين ينفذها أن ينظر في عيون أولاده. وحين ينام ستخيم عليه الكوابيس. 

من بين جدران المدرعة وقف عسكريان مقنعان رشاشاتهما في حالة تأهب قصوى، موجهة نحو الناس على الجانبين. في طريقة العرض يقلدون مدربيهم الأمريكيين: الحبة في بيت النار، والعين على الفرضة والشعيرة. الغريب في المشهد أن أربعة من المتظاهرين لفَوا الأعلام العراقية حولهم وتعلَقوا بالمدرعة. لابد أنهم سألوا الشرطة عن اتجاههم ووافق رجال الشرطة على أن يأخذونهم إلى الموقع حيث سيشتبك الاثنان. أمام المدرعة تماماً سيارة من نوع بيك اب، تكدّس في حوضها صبيان يرقصون لمشاكسة ومداعبة الشرطة، التي سيطلق عناصرها النار عليهم بعد قليل. خارج ساحة المعركة وعلى مسافة دقائق يبدو الأمر كما لو أنها مباراة ودية، لكن عند الحواجز سينقسمون إلى قاتل وقتيل. 

توقفتُ على مسافة أمتار من الحواجز الكونكريتية التي تسد الطريق إلى البنك المركزي. هل أذهب إلى الكتب في شارع المتنبي أم أراقب المشاهد وهي تغنيني عن الكتب؟ أراقب أجساد الشبان وقد تقوست استعداداً للقفز. لماذا يصرّون على اقتحام الموقع مع أنه بعيد عن الجسر؟ لا أصدق أن الهدف هو المال وحده، أن ينهبوا البنك. طبيعتي تقول لي الناس طيبون بالفطرة. لا يمكن لهذه التضحيات أن تكون من أجل المال وحده. الاعتصام دائماً هو الخطوة التي تسبق احتلال المجال العام، والمجال العام يتجه نحو الجسور. الجسور توحد الغضب على جانبي النهر. والجسور هي القوس النموذجي لمعركة حيث لا مكان للاحتماء. ما من مكان للسلامة سوى الاندفاع قاتلاً أو قتيلًا. المتظاهرون الشبان ملّوا من البقاء ساكنين في الخيام، فخرجوا للاستيلاء على الفضاء الأوسع. حشدٌ من الأفعال الصغيرة يقوم بها شبان مجهولون. من مجموع هذه الأفعال سيُصنع التاريخ الذي سيتجاهل تفاصيل الأحداث والجنود فيها. ستختصر الشهادات ببضع كلمات باردة (الاضطراب عم البلد…) وتدفن هذه المشاهد الباهرة تحت قبور من الكلمات. 

مع الاشتباك تغيرت الحياة المسترسلة في ساحة الرصافي. انكسرت دائرة باعة الخضار. انزاحوا إلى الجانبين بعيداً عن قنابل الغاز التي تريد أن تبعد المتظاهرين عن الحواجز. شابان غادرا مكان احتمائهم وراء أعمدة الشارع، وخرجا إلى العراء، ليلتقطا القنبلة ويطفآها في قدر طعام. صبي اختبأ خلف الساتر الكونكريتي، أرى نصف وجهه المتأهب، بانتظار توقف الرصاص ليتسلق الحاجز أو يسقطه. حفنة من شبان وصلوا وهم يركضون بمرح عجيب. أراقب المشهد وقد مددت ساقاً متوترة لأعبر إلى الجهة الأخرى. أردتُ أن أقلد خفة الصبية وقفزاتهم ثم ترددت وقد أدركت أن المشهد لا يليق بشيخ مثلي. سألني الصبي قبل أن يقفز:

ـ هل تريد مساعدة يا حاج؟

أنا عالق بين عمود الإسمنت وبين الرصاصة المحتملة. خوفي يعلمني تلقائية الفعل القادم. الحركات تتقاطع. هناك صبي خلف العمود قفز إلى جهتنا. لم يفكر طويلاً إنما فعلها تلقائياً. قلّص جسده وغار الرأس بين الكتفين وسار لولبياً ليتيه القناص…

-من أين تعلم هذه الحركات؟ 

من المشاركة، أقول لنفسي. من خلال فعل الناس القريبين والتحاور معهم بالأفعال. أسمع آخر، لابد أنه أكبر عمراً، يصرخ من وراء العمود:  

“ديروا بالكم هذا رصاص حي”.

الغريب في المشهد أن أربعة من المتظاهرين لفَوا الأعلام العراقية حولهم وتعلَقوا بالمدرعة.

أترك القتلى لأبحث عن القاتل. هل ارتجفت يده؟ لابد أنه لعن المهنة وأطلق رصاصة؟ في البداية كان تصور القاتل كما رآه أحد فناني “فيسبوك” شبحياً مقنعاً، يختفي وراء عسكري رسمي، هو من سماه عادل عبد المهدي (طرف ثالث)، لكن بعد سلسلة المجازر وختامها في الناصرية، توضح وجه القاتل، وهو السلطة. السلطة متأزمة، ليس لديها الوقت للدخول في التفاصيل التي ستلي. تعطي الأوامر دون أن ترى التنفيذ. لا الجثث ولا الدم، ولديها تبريرها الجاهز: “الوطن أهم من الدم”! 

يبدو كلام مرتضى ليناً إزاء شباب الحواجز الذين يرونها “سلطة عدوة رهينة عدو خارجي”. ولذلك يبدو المولوتوف مجرد بداية. 71٪ من المتظاهرين حسب استطلاع رأي أجرته إحدى منظمات المجتمع المدني يريدون تغيير النظام بكامله.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.