fbpx

لماذا تكتظ صناديق تمويل الحوكمة الرشيدة بالسندات السعوديّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خامس أكبر دولة تستحوذ عليها صناديق تمويل الحوكمة الرشيدة هي السعوديّة. الدولة التي تقيّد الحريّات الدينيّة والجنسيّة وغيرها من الحرّيّات، والتي قامت مخابراتها بتقطيع جثمان أحد المُعارِضين بمنشار.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صارت سندات الأسواق الصاعدة هي الساحة الأبرز للمستثمرين الذين لديهم مخاوف بشأن القضايا البيئيّة والاجتماعيّة وقضايا الحوكمة. فقَد استطاعت شركَتا “بلاك روك” و”ليغال وجنرال” جمعَ أكثر من مليار دولار في أقلّ من عام، من خلال صناديق مؤشّر “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات” ESG، إذ قامتا بشراء ديون حكومات الأسواق الصاعدة، ولكن هنالك ما يستدعي الوقوف هنا.

خامس أكبر دولة تستحوذ عليها تلك الصناديق هي المملكة العربيّة السعوديّة، التي تمتلك أكبر شركة نفط في العالم، والتي تقيّد الحريّات الدينيّة والجنسيّة وغيرها من الحرّيّات، وهي دولة ذات حكم ملكيّ مُطلَق قامت مخابراتها بتقطيع جثمان أحد المُعارِضين بمنشار. في الواقع، لن يصبح المستثمر في تلك الصناديق مجرد مستثمرٍ سلبيّ في السعوديّة لا يُلقي بالاً لنتائج مؤشر “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”. كيف ذلك؟

بطريقة ما فإن الجواب بسيط: هنالك دول أخرى سجلّها أسوأ. غير أنّ الشرح يُلقي الضوء على تعقيدات الأمور في مجال الاستثمار في “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”، التي يمكن أن تُربِك المستثمرين الذين يُكافحون في سبيل التوفيق بين قِيَمِهم وبين مؤشّرٍ تُفترَض فيه المسؤوليّة والاستدامة.

تأتي البداية مع مؤشّر “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات” الذي تُصدِره شركة “جي بي مورغان تشايس” بشأن السندات الحكوميّة في الأسواق الصاعدة التي يُهيمن عليها الدولار، وهو المؤشّر الذي انطلق العام الماضي بالتعاون مع شركة “بلاك روك” للمستثمرين الذين يرغبون في “الدمج التدريجيّ لهذا النوع من المؤشّرات والاستثمار المسؤول” في حقائبهم ومَحافظهم الاستثماريّة، وفقَ ما قِيل في ذلك الوقت. يأخذ هذا المؤشّر الذي تُصدِره شركة “جي بي مورغان” في اعتباره أعضاءَ المؤشّر القياسيّ لسندات الأسواق الصاعدة -والمعروف باسم “التنوّع العالميّ لمؤشّر سندات الأسواق الصاعدة” EMBI Global Diversified- ويَستثني أصحابَ أدنى العلامات وقليلين آخَرين، ثم يُعيد تقييم البقيّة وَفق نتائجهم في مجال “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”.

مضيفاً  “إن أيّ أمور أخرى -مثل قتل عملاء سعوديين الصحافيَّ المعارضَ جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في العام الماضي- لا تؤثّر في نتائج شركة RepRisk.

ولذا فإنّ أسس الحساب هي أوّل ما يشرح لنا لِمَ ينتهي المَطاف بالمستثمرين في مجال “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات” بامتلاك 3.6 في المئة من السندات الحكوميّة السعوديّة، في مقابل 3 في المئة بالنسبة إلى المستثمرين المعتادين في قطاع “مؤشّر سندات الأسواق الصاعدة”، تماماً مثلما هي الحال مع سندات “أرامكو”، عملاق النفط السعوديّ. ولكن يتم استثناء بلاد وشركات حكوميّة كثيرة تماماً، مثل نيجيريا ولبنان وباكستان وشركة النفط الضخمة المملوكة للدولة المكسيكيّة والكثير من الشركات الصينيّة والروسيّة التي تسيطر عليها حكومتا البلدَين. وبعد انتزاع 15 في المئة من “مؤشّر سندات الأسواق الصاعدة”، فما تبقّى ينبغي أن يشكِّل نسبة أكبر من قطاع “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”، كما أشارت شركة “ليغال وجنرال”.

بصيغة أخرى، فإنّ السعوديّة قد لا تكون في أفضل حال، لكنّ دولاً أخرى في أحوالٍ أسوأ منها.

غير أنّ هناك المزيد في هذا الصدد. يضع المؤشّر الدول الباقية في فئاتٍ وَفقاً لِنتائجهم في مجال “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”، ولا يأبَه كثيراً لذوي النتائج الأضعف. تمكنت المملكة العربيّة السعوديّة من أن تكون ضمن الفئة الثالثة، بما يعني أنّ المؤشّر يضعها في اعتباره أكثر من غيرها من الدول ذات النتائج المنخفضة، مثل تركيا أو الأردن أو كينيا.

غير أنّ من العسير استيعاب الأسباب التي تجعل نتيجة المملكة العربيّة السعوديّة ليست أسوأ من غيرها. لدى شركة “جي بي مورغان” نظاما نتائج، وهما ما تصدره شركة Sustainalytics الهولنديّة وشركة RepRisk السويسريّة.

الدول التي تتصدَّر النتائج

تختلف بشدّة نتائج وعلامات “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات” لأبرز 10 دول في النسخة المتعلّقة بالقضايا البيئيّة والاجتماعيّة والحوكمة في معيار السندات الدولاريّة في الأسواق الصاعدة، الذي تُصدِره شركة “جي بي مورغان”.

تصنِّف شركة Sustainalytics السعوديّة في المرتبة 157 من 170 دولة، ويُعزَى ذلك جزئيّاً إلى تراجع الجدل حول التمييز والقمع الذي تُمارسه الدولة.

يقول فيكرام بوبالا، مدير أبحاث المخاطر القُطْريّة في شركة Sustainalytics، إنّ “السعوديّة، من جهة تصنيفها في نتائج الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات، تقترب من نتائج دولة من دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، ولكنّها من جهة المخاطر القُطْريّة طويلة المدى تقع في منتصف التقييم، وذلك بسبب ما تحظى به من ثروات”. ويرى أن السعوديّة أحرزت نتائج أفضل من المتوسطة في ما يتعلق بسيادة القانون وفعاليّة الحكومة وسهولة ممارسة الأعمال التجاريّة ومكافحة الفساد، إلى جانب أمور أخرى، لكنها الأسوأ في الحقوق السياسيّة والحريات المدنيّة والخضوع للمساءلة. وعموماً، تُحرِز السعوديّة نتائج جيّدة في المجالات التي تُطلِق عليها شركة Sustainalytics، اسمَ “رأس المال البشريّ” أو “الثروة البشريّة”، مثل التعليم وإمكان الوصول إلى الإنترنت وتعزيز الصحة العامة ومتوسط العمر المتوقع.

سنجد أنّ المستثمرين الذين يهتمون بأن تكون الحكومات ديموقراطيّة أو الذين يراعون حقوق المرأة يفضِّلون المكسيك بالتأكيد – على رغم مشكلاتها- على المملكة العربيّة السعوديّة.

تعمل شركة RepRisk، بطريقة مختلفة، فهي متخصصة في استخدام مجموعات ضخمة من البيانات لتحديد مخاطر السلوك التجاريّ، بخاصة في ما يتعلق بالمثابرة المهنيّة من جانب الشركات.

ويقول فيليب إيبي، الرئيس التنفيذيّ لشركة RepRisk، “إذا كان الأمر مرتبطاً بالشركة أو المشروع فإنّه يدخل ضمن نطاق اهتمامنا”، مضيفاً أن أيّ أمور أخرى -مثل قتل عملاء سعوديين الصحافيَّ المعارضَ جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في العام الماضي- لا تؤثّر في نتائج شركة RepRisk.

غير أنّ الشركة تضع المملكة العربيّة السعوديّة في مرتبة “المخاطر العالية” مع إحرازها 52 من 100 (كلما زادت الدرجة كانت المخاطر أعلى)، إذ رفعتها من مرتبة “المخاطر المتوسطة” التي حلّت فيها الصيفَ الماضي. يتم التوصّل إلى النتائج من خلال دمج البحث الذي تجريه الشركة في الأخبار مع معايير الحوكمة الخاصة بالبنك الدوليّ. وعموماً، أحرزت المملكة نتائجَ سيّئة في ما يتعلق بالأخبار الاجتماعيّة وأخبار الحوكمة، لكن عدم وجود أخبار سيّئة حول سجلّها البيئيّ جعل تصنيفها العام لدى شركة RepRisk أفضلَ من تصنيف المكسيك.

يضع متوسط نتائج شركتَي RepRisk وSustainalytics، تصنيفَ المملكة في بداية الفئة الثالثة من مؤشر “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”، لكن من المرجَّح أن تهبط بها نتائجها التي تزداد سوءاً إلى الفئة الرابعة قريباً، وهو ما يعني أن تبيعَ صناديقُ المؤشرات ثلثَ سنداتها. وفوقهذا، فإن الإدراج المقرَّر لشريحة صغيرة من أسهم “أرامكو” في السوق السعوديّة سيجعل سندات الشركة غير مُستحِقّة للإدراج ضمن مؤشرات السندات الحكوميّة، وتبلغ نسبة الأسهم المطروحة نحو 0.5 في المئة من المؤشر.

من المرجَّح أيضاً أن يكون المستثمرون -الذين لم يريدوا سوى شراء سندات الحكومات الأفضل في الأسواق الصاعدة- في حالةٍ من التخبط الآن، لأن المشكلة أضرَّت بجميع أشكال “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات”. وهنا يبرز سؤال: ما المهمّ حقاً في هذا كله؟

سنجد أنّ المستثمرين الذين يهتمون بأن تكون الحكومات ديموقراطيّة أو الذين يراعون حقوق المرأة يفضِّلون المكسيك بالتأكيد – على رغم مشكلاتها- على المملكة العربيّة السعوديّة. أما مَن تشغلهم جرائم العنف أو تفشّي الفساد فربّما يفضّلون المملكة العربيّة السعوديّة.

وعن كيفيّة الموازنة بين هذه التفضيلات، يقول بوبالا إنّ “الأمر لا يستند إلى أيّ طريقة علميّة مطلَقاً”. فقد قرّرت شركة Sustainalytics، بعد التشاوُر مع العملاء، أنّ قضايا الحوكمة ستمثل 50 في المئة من النتيجة، أما القضايا الاجتماعيّة كالتعليم فستمثّل 35 في المئة، في حين ستمثّل القضايا البيئيّة 15 في المئة، مع العلم أن جميع النتائج -لكل فئة- متكافئة وتحظى بالقدر ذاته من الأهميّة، فعلى سبيل المثال قد تُحرِز دولة قمعيّة نتائجَ جيّدة في الجانب الأمنيّ، ما يعوِّض نتائجها السيّئة في الحقوق السياسيّة.

تنطبق المشكلة ذاتها على الشركات، إذ قد تُصنَّف شركة “تيسلا موتورز” باعتبارها أكثر شركة سيارات صديقة للبيئة، لأنّ سياراتها كهربائيّة. وفي الوقت ذاته، قد تُصنَّف باعتبارها الأسوأ على البيئة بسبب عدم كفاءة مصانعها. تختلف نتائج مؤشر “الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشركات” جزئيّاً بسبب عدم وجود إجابة صحيحة.

في حالة الدول، تنتقل القرارات الصعبة إلى الحيِّز الأخلاقي: هل الديكتاتوريّة الفعّالة أفضل من الديموقراطيّة الفاسدة؟ وهل الدولة الفقيرة الحرّة أفضل أم الدولة الغنيّة القمعيّة؟ لكن بدلاً من تقديم إجابة واضحة، تُرسَل مليارات الدولارات حول العالم بناءً على مدى تداخل النتائج المعقَّدة، ويتم تجنّب الفصل في مثل هذه التساؤلات الافتراضيّة.

هذا المقال مترجم عن wsj.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.