fbpx

نتانياهو: كيف حصر السياسة الخارجية الإسرائيلية بشخصه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يهوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التباهي بقدراته الديبلوماسية، ولا ينفك يروج للمنافع التي تحققت من طريق علاقاته الشخصية مع قادة العالم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يهوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التباهي بقدراته الديبلوماسية، ولا ينفك يروج للمنافع التي تحققت من طريق علاقاته الشخصية مع قادة العالم.

في حين يقر حتى منتقدو نتانياهو بأنه سياسيٌّ ماكر ذو شخصيّة مؤثرة. يشاطر رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ازدراءَه الصريح “للنخب” وانعدام ثقته في موظفي مؤسسة السياسة الخارجية. وقد اعتمد كلاهما على مهاراته الشخصية في التعامل مع القادة الأجانب وعلى أهمية العلاقات الفردية المباشرة.

في تموز/ يوليو الماضي، وبينما كانت إسرائيل بصدد بدء انتخاباتها الثانية هذا العام، جعل نتانياهو علاقاتِه القوية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وغيره من رؤساء الدول محورَ حملته الانتخابية، فأقام لافتات ضخمة بجوار مقر “حزب الليكود” الحاكم في تل أبيب، تعرض صوراً له مع ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكُتِب على تلك اللافتات “نتانياهو: عصبة مختلفة”.

فنون العلاقات الديبلوماسية

وبينما يتهيأ الإسرائيليون الآن على مضض لإجراء انتخابات ثالثة، بعدما فشل نتانياهو من جديد في تشكيل ائتلاف حاكم، يبدو أن رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمةً يرهن مستقبلَه السياسي بقدرته على إقناع المواطنين بامتلاكه -دون غيره- القدرةَ على إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة بفعالية.

وبينما شنَّ ترامب هجماتِه الخاصّة على الديبلوماسيّة الأميركيّة مستدعياً اسمَ السفيرة الأميركيّة في أوكرانيا ماري يوفانوفيتش ومشوِّهاً سمعتَها، وخافضاً ميزانية وزارة الخارجيّة، ذهب نتانياهو أبعد من ذلك في تفكيك جهاز الديبلوماسية الإسرائيليّ، بما في ذلك وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة التي أوكَل مسؤولياتها إلى مجموعة من الجهات الأخرى غالباً كشكل من المجامَلات السياسيّة.

في إسرائيل، الدولة التي لا تزال في حالة حرب منذ نشأتها، لعب الديبلوماسيون دوراً ثانويّاً مقارنةً بأعضاء المؤسّسة الأمنيّة، وبالتحديد في ما يتعلق بالميزانيات والتأثير في سياسات الدولة، ولكن خلال العقد الأخير من حكم نتانياهو تسارعَت هذه الظاهرة بشكل غير مسبوق.

في تشرين الأول/ أكتوبر وصلت الأمور إلى ذروتها، عندما أعلنت نقابة العاملين في وزارة الخارجية الإضرابَ، ما أدّى إلى وقف 103 مهمات خارجية إسرائيلية، كجزء من نزاعها مع وزارة المالية حول إعداد تقارير بدلات النفقات والضرائب المطبَّقة عليها. وكان هذا بمثابة النتيجة الحتمية لسنوات من تصاعد التوتر في العلاقات العماليّة.

عام 2011، أجبَر إضرابٌ في وزارة الخارجية الإسرائيلية الرئيسَ الروسي وقتها، ديميتري ميدفيديف، على إلغاء زيارة له كان طال انتظارها. وتبع ذلك بسنتين (2013) توقّفٌ عن العمل تسبَّب في إيقاف الخدمات القنصلية، وإضرابٌ عام 2014 أدّى إلى إغلاق أبواب مقر الوزارة في القدس والسفارات الإسرائيليّة في جميع أنحاء العالم.

بحلول عام 2018، كانت الحكومة أعلنت التوقُّف المتوقَّع لسبع مهمّات خارجية، ومع نهاية العام تداولَت وسائل الإعلام أن الوزارة تواجِه عجزاً في الميزانية قيمته 95 مليون دولار. لم تمثل هذه الأنباء مفاجأةً، إذ أورَدَت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تقاريرَ توضح أن ميزانيّات الوزارات تضاعفَت بمعظمها خلال العقدين الماضيين، بينما ظلّت ميزانية وزارة الخارجية تتقلّص حتى وصلت إلى أسوأ حالاتها بميزانية لا تتعدّى 1.3 بليون شيكل (367 مليون دولار).

يقر حتى منتقدو نتانياهو بأنه سياسيٌّ ماكر ذو شخصيّة مؤثرة.

في محاولة منها لشرح السبب وراء انقطاع العمل هذا العام، على خلفية الإعلان عن خفضٍ كبير في الميزانية، إضافة إلى التقرير الرقابي التابع للدولة الذي أشار إلى أن بعض المباني الديبلوماسية التابعة للحكومة في الخارج متداعية وتكاد تكون غيرَ قابلةٍ للسكن، قالت وزارة الخارجية إن وزارة المالية قرَّرَت “خرقَ اتفاقاتٍ… وفرضَ إجراءاتٍ أحاديّة على ممثّليها في الخارج، أدّت إلى تغيير ممارسات ظلّت ساريةً عقوداً”.

قال حانان غودر -السفير الإسرائيليّ غير المقيم إلى جنوب السودان- متحدّثاً نيابةً عن نقابة العاملين في وزارة الخارجية، في تصريح له لمجلّة “فورين بوليسي” خلال اجتماع عُقِد أخيراً في مقر وزارة الخارجية في القدس، “نحن لم نُضرِب بسبب الميزانية في حدِّ ذاتها، ولكن بسبب ظروف العمل. إنّنا مفلسون، وليست لدينا ميزانية”، شاكياً وهو يبحث في مطبخ صغير عن علبة القهوة التي وجدها على مكتب موظّف آخر، قائلاً “نحن نَعُدّ الكؤوس”.

وأضاف: “لا نملك مالاً لشراء أعلام الطاولة البلاستيكية”، التي تضعها الوزارة خلال لقاءات مع الزوار الأجانب، مستشهداً بتوجيهات صدرت عن وزارة المالية.

قال غودر إن ثمة حالات “لم يكن بوسع السفراء غير المقيمين المكلفين بتمثيل إسرائيل في عواصم مختلفة، تحمل نفقات السفر وتقديم أوراق اعتمادهم”، ما تسبب في إساءة كبيرة للبلدان المعنية، وأضاف “إنها إهانة، كما أنهم لا يدركون أنه لا ميزانية”.

وبصرف النظر عن المشكلات التي تواجهها الوزارة، فإن القضية التي دفعت زملاءه من موظفي الخارجية إلى الإضراب تتعلق أكثر بأمور داخلية، فقد حصل الديبلوماسيون الإسرائيليون على رواتب للنفقات من قبل وزارة المالية، إضافة إلى رواتبهم المعتادة لسنوات، والتي سمحت لهم باستضافة الأحداث الديبلوماسية والسفر في جميع أنحاء البلاد المكلفين بها، بيد أن وزارة المالية مارست ضغوطاً لإدخال تغييرات على هذا الترتيب، وأعلنت أن تلك الأموال خاضعة للضريبة كما تطلب بيانات مفصلة للنفقات.

وقال غودر إن السفراء يشغلون في كثير من الأحيان مناصب عمل تتضمن مهمات وظروف عمل تتسم بالمشقة، فضلاً عن أن كثرة سفرهم تجعل من المستحيل تقريباً على الأزواج الديبلوماسيين الحصول على وظيفة، وبذلك تقتصر مصادر دخلهم على راتب واحد فقط. وبينما يعتقد غودر أن طلب توثيق النفقات كان منطقيا، فقد اعترض هو وزملاؤه على فرض ضرائب على الأموال المستخدمة لأغراض العمل.

من جانبها، صرحت وزارة المالية لـ”فورين بوليسي” بأنها تعتقد أن “موظفي وزارة الخارجية يفضلون تجنب دفع الضرائب”، وهو ادعاء رفضه غودر.

وصف الموظفون الحاليون والسابقون في وزارة الخارجية الذين تحدثوا مع “فورين بوليسي” الوضع الحالي بعبارات قاسية، ورسموا صورة للوزارة حيث “تُحرم القدرات من الموارد إلى أن تموت”. وقال مسؤول كبير سابق إن الوزارة “بلا دفة توجهها”، وأضاف “إنه أمر محبط للغاية للأشخاص الذين عليهم إدارة ديبلوماسية إسرائيل، أعرف مسؤولين في عواصم أجنبية اضطروا إلى دفع تكاليف الوجبات والانتقالات خلال قيامهم بعملهم، كما اضطر عدد قليل منهم إلى إلغاء فعاليات بسبب عدم توفر ميزانية، وذلك يضر بعلاقاتنا الديبلوماسية وصورتنا في العالم وقدرتنا على توقيع الاتفاقيات”.

فروع الحكومة

يُعزو جزء من المشكلات المالية التي تعاني منها الوزارة إلى النفوذ المتنامي لفروع أخرى من الحكومة، التي استأثرت بمجالات الاختصاص الخاضعة للإدارة الخارجية، فعندما عاد نتانياهو إلى مكتب رئيس الوزراء عام 2009 بعد غياب 10 سنوات، بدأ تطبيق اللامركزية على مهمات السلك الديبلوماسي، وذلك بإعادة فتح وزارات التعاون الإقليمي والشؤون الاستراتيجية المنتهية صلاحيتها آنذاك، ومنحها كجوائز تقديرية للحلفاء السياسيين.

وكما كتب آرون كليمان، أستاذ فخري متخصص في الديبلوماسية في جامعة تل أبيب، منذ سنوات في “مجلة الشؤون الخارجية الإسرائيلية” (Israel Journal of Foreign)، حين فاز نتانياهو في انتخابات 2013، أن “تلك المهمات والوظائف المختلفة المرتبطة عادة بوزارات الخارجية تم توزيعها بشكل تعسفي بين 6 هيئات منافسة أو أكثر، فضلاً عن الوزراء الطموحين”.

يشاطر رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ازدراءَه الصريح “للنخب” وانعدام ثقته في موظفي مؤسسة السياسة الخارجية.

تولت هيئات مثل مكتب رئيس الوزراء، ومجلس الأمن القومي، ووزارة شؤون يهود الشتات، ووزارة التعاون الإقليمي، مهمات معينة، وتسلمت هيئات أخرى مسؤولية قضايا تتفاوت ما بين يهود الشتات إلى عملية السلام والعلاقات مع الولايات المتحدة، علاوةً على ذلك، تولت وزارة الشؤون الاستراتيجية قضية مكافحة المقاطعة الدولية وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS)، التي تنفق الملايين على مشاريع الديبلوماسية العامة التي يراها كثيرون في عالم الديبلوماسية الإسرائيلية مضيعة للمال.

على رغم الميزانية السنوية التي تبلغ نحو 300 مليون شيكل (86 مليون دولار)، واجهت الوزارة اتهامات بعدم إحراز تقدم كبير في الحرب ضد العزلة المزعومة لإسرائيل، وإنفاق ملايين الشيكلات (العملة الإسرائيلية) على “مقاطع الفيديو سريعة الانتشار” والتطبيق الذكي الذي يعرض لانتقادات حادة بسبب “ارتباطه الوثيق بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية”. ووفقاً لصحيفة “غلوبس” المتخصصة في الشأن الاقتصادي الإسرائيلي، فإن الأموال التي أنفقت على هذه الجهود لم تفعل شيئاً يذكر، مضيفة أنها “ليس لها أي تأثير في المشاريع الإسرائيلية”.

صرح تشاك فرايليك، نائب مستشار الأمن القومي الأسبق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، لـ”فورين بوليسي”، أن المشكلات التي تواجهها وزارة الخارجية ترجع “في جزء منها إلى أخطاء تضطلع فيها الوزارة نفسها، وفي جزء آخر بسبب حلقة مفرغة”.

يوضح فرايليك، وهو أستاذ مساعد في مجال العلوم السياسيّة في جامعتَي كولومبيا وتل أبيب، أنّه نظراً لتقسيم مسؤوليّات وزارة الخارجيّة على هيئات كغنائم سياسيّة، مع ترك الوزارة، على نحوٍ متزايِد، “من دون أيّ شيءٍ ذي قيمة تقريباً”، أصبح موظّفوها يشعرون بمزيدٍ من الإحباط والانقباض.

ومع أنّ الوضع الأمنيّ الإسرائيليّ المتزعزع يُعطي المؤسّسة الدفاعيّة دوماً مزيداً من النفوذ في عمليّة صنع القرار، لم تصبح الوزارة – التي كانت في السابق تُترَك غير مُسيَّسة قدرَ الإمكان- إلّا في العقود الأخيرة غنيمة مرغوبة في المفاوضات الائتلافيّة. وأضاف فرايليك أنّه حينئذٍ بدأت مشكلاتها حقّاً.

وقال “لقد أصبحَت وزارة الخارجيّة مُسيَّسة، مع أنّ كثيراً ممَّن تولّوها سابقاً لم يأبَهوا لها حقّاً، إذ كانت بالنسبة إليهم مجرَّد مدخلٍ ونقطة انطلاق في استئناف مسارهم السياسيّ”.

وأضاف أنّه على مرّ السنين “حتّى الجوانب المهمّة من الإدارة اليوميّة” إمّا أُسنِدَت إلى مكتب رئاسة الوزراء أو إلى جيش الدفاع الإسرائيليّ أو إلى المؤسّسة الدفاعيّة. وقد عُولِجت العلاقات مع مصر والأردن من خلال وزارة الدفاع، فيما تمَّت تسوية عمليّة السلام من خلال مكتب رئاسة الوزراء، وتناوَل الموساد البرنامج النوويّ الإيرانيّ.

وقال إنّ الوزارة “خسرت كلّ ما له قيمة وأهمّية”، ونتج عن هذا أنّ كثيرين في الوزارة “فقدوا أيَّ دافعٍ كان لديهم” وأحبط أيضاً المنتسبين الجدد إليها.

ومع أنّ كثيرين من رؤساء الوزراء استفادوا من المبعوثين الشخصيّين والعلاقات المحوريّة مع حلفائهم الرئيسيّين ضمن حدود مكاتبهم الخاصّة لسنوات، تزايَد هذا التوجُّه في عهد نتانياهو. يقول ألون بينكاس، الديبلوماسيّ الإسرائيليّ السابق الذي شغل منصب مدير مكتب اثنين من وزراء الخارجيّة وعمل مستشاراً لرئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، إنّ “نتانياهو لا يحبّ وزارة الخارجيّة، ولم يحبّها يوماً”.

على رغم الميزانية السنوية التي تبلغ نحو 300 مليون شيكل (86 مليون دولار)، واجهت الوزارة اتهامات بعدم إحراز تقدم كبير في الحرب ضد العزلة المزعومة لإسرائيل.

وواصَل القولَ إنّ نتانياهو “يراها معقلاً للمشاعر العدائيّة تجاه بيبي”، وهو لقب شائع لنتانياهو. وأضاف أنّ نتانياهو “يعتقد أنّه يدرِك السياسة الخارجيّة بصورة أفضل، وأنّه يرى الوزارة والعاملين فيها متهيّئين لتقويض ما يريد القيام به في ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة”. إلّا أنّ المشكلة وَفق ما يقول بينكاس، هي أنّه “عند العمل مع مبعوثين شخصيّين لن تكون هناك متابعة أبداً وستكون هناك دائماً نهايات فضفاضة”.

ورَسَم دان شابيرو -الذي كان مبعوث الرئيس الأميركيّ باراك أوباما إلى إسرائيل بين عامَي 2011 و2017- صورةً مشابهة، موضحاً أن نتانياهو “كان يفضّل تركيز العلاقات الأميركيّة- الإسرائيليّة إلى درجة كبيرة، وأنّه مثّل تحدّياً للأقسام الأخرى في الحكومتَين” عند محاولتهما تنسيق الأعمال.

لم تكن هناك استجابة من المتحدّث الرسميّ باسم وزارة الخارجيّة أو مكتب رئاسة الوزراء لطلبات التعليق.

شكاوى وامتعاض

تردّدت أصداء شكاوى مسؤولي وزارة الخارجيّة لدى ديبلوماسيّين إسرائيليّين في الخارج. وصرَّح أحدهم لمجلّة “فورين بوليسي”، بعدما طلب تعريفه فقط بأنّه من كبار السفراء، بأنّ الخفض المتواصل للميزانيّة قد جعل “من الصعب متابعة الفرص التي خلقها نتانياهو، وصعَّب على السلك الديبلوماسيّ خلق فرصه الخاصّة”.

وفيما أشرَف نتانياهو على ما وصفته “فورين بوليسي” بأنّه “تمديد دراماتيكيّ للأثر الديبلوماسيّ الإسرائيليّ”، مع تعزيز الروابط والعلاقات مع أميركا اللاتينيّة ودول شرق أوروبا وإعادة بناء الروابط مع الدول الأفريقيّة التي بدأت تتفكّك خلال سبعينات القرن الماضي، إلّا أنّ عدم وجود متابعة أعاق بالتأكيد إنجازات نتانياهو عن تحقيق العوائد المتوقّعة.

وأوضح الديبلوماسيّ أنّ العمل على مشاريع طويلة الأمد في الخارج يتطلّب كثيراً من الموارد، و”من أهمّ الأدوات فيها هو بدل التمثيل، لكي يكون بإمكاننا الترفيه عن الناس وتطوير علاقات معهم، ولكن ليست لدينا ميزانيّة كافية للنفقات التشغيليّة”.

وقال السفير “ليست لدينا ميزانيّة حتى لنفقات السفر خارج العاصمة. وليست هناك ميزانيّة للأمور الأساسيّة، كالقهوة والمخبوزات. ليس لدينا ما يكفي من المال لرعاية الأنشطة الثقافيّة، أو لتخصيص يوم للاقتصاد الإسرائيليّ”.

وانتقدَ أيضاً، مثل زملائه، وزارةَ الشؤون الاستراتيجيّة، قائلاً إنّها “تلقّت أموالاً ضخمة، كانت اقتُطِعَت من وزارة الخارجيّة. وحتّى اللحظة لا نرى -أو على الأقل لم أرَ أنا- نتائجَ تبرر هذا القرار”.

أضر تقويض الخدمات الديبلوماسية الخارجيّة بمصالح إسرائيل في ما يتعلق بتوجّهها نحو أفريقيا، إذ ترتبط إسرائيل الآن بعلاقات مع 41 دولة جنوب الصحراء الكبرى (ولها سفارات في 10 منها)، لكن تمويل المشاريع والمبادرات الديبلوماسيّة فيها ضئيل للغاية.

أما الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي للتنمية، “ماشاف” التي لعبت دوراً واضحاً في رسم سياسة إسرائيل في أفريقيا لعدة عقود، فقد دمرها نقص التمويل، و”يحاول الدبلوماسيّون الإسرائيليّون في القارّة القيام بعملهم بعيون معصوبة وأيدٍ مكتوفة”، كما يقول رجل الأعمال الأميركيّ-الإسرائيليّ يوسف أبراموفيتز، الذي تقيم شركته “إنرجيا غلوبال” أعمالاً تجاريّةً عبر القارّة الأفريقيّة.

تردّدت أصداء شكاوى مسؤولي وزارة الخارجيّة لدى ديبلوماسيّين إسرائيليّين في الخارج.

ويقول أيضاً، “هناك اندفاع دوليّ كبير لإقامة المشروعات في جميع أنحاء القارّة وإسرائيل فقدت إحدى أهم أدواتها لبناء العلاقات هناك. فالصين وروسيا ودول أوروبيّة كثيرة تعمل الآن في أفريقيا، وحتى الولايات المتّحدة تحاول أن ترفع أسهمها هناك. تلك القوى العالميّة توظِّف الكثير من البشر والكثير من رؤوس الأموال لدعم مجموعات القطاع الخاص التابعة لها، وهي تستولي على حصة من السوق”.

إن عدم وجود مبعوثين دائمين في الكثير من الدول تسبَّب في شعور القادة الأفارقة بأنهم “مهملون، على رغم مزاعم رئيس الوزراء بأن إسرائيل عائدة إلى أفريقيا”.

قدّم أبراموفيتز مثالاً واحداً لفشل إسرائيل في متابعة نجاحات نتانياهو في أفريقيا في مقال لصحيفة “جيروزاليم بوست”، وصف فيه كيف صوتت 7 دول أفريقيّة فقط لقرار الأمم المتّحدة المدعوم أميركيّاً بإدانة إطلاق حماس الصواريخ باتّجاه إسرائيل.

وأضاف، “كل سفير إسرائيليّ لأفريقيا تحدَّثتُ معه ذكر أنهم ليست لديهم ميزانيّة للسفر أو للأنشطة، ولذلك تظل العلاقات مع تلك الدول رمزيّة وغير فعّالة. كان من السهل أن نكسب تأييدهم في الأمم المتحدة، لكن إسرائيل لم تكن لديها القوَّة اللازمة لإتمام المهمّة”.

بينما قوبلت إدراة نتانياهو الماهرة في العلاقات مع روسيا بالإشادة لأنها أعطته حريّة التصرُّف اللازمة لإطلاق هجمات على أهداف إيرانيّة وأهداف تابعة لـ”حزب الله” في سوريا، وأثار توجّه رئيس الوزراء نحو دول أخرى أقل ليبراليّة اعتراضات الديبلوماسيين.

يرى نمرود غورين، رئيس “معهد ميتفيم الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية”، أن الديبلوماسية على طريقة نتانياهو، التي تتضح في علاقاته مع قادة استبداديّين، مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، تتعارض مع ما تدعو إليه القيادة المهنية.

ذكر غورين تقليل نتانياهو من أهمية معاداة المجريّين السامية في مواجهة اعتراضات المجتمع المحليّ اليهوديّ، ما يوضح أن النقص في المسؤوليّة والميزانيّة يتحوّل في نهاية المطاف إلى نقص في التأثير في السياسة.

ومع ذلك، هناك سبب آخر لأسلوب نتانياهو في التعامل مع دول مثل المجر، وهو أنه يرى أن جهود وزارة الخارجيّة لتقوية العلاقات مع الديموقراطيّات الليبراليّة في غرب أوروبا لم تؤت ثمارها من حيث السياسات المتعلقة بقضايا مثل إيران والفلسطينيّين.

في السنوات الأخيرة، عمل نتانياهو بجد لتقوية العلاقات مع مجموعة “فيشيغراد”، وهي الكتلة التي تضم المجر وجمهورية التشيك وبولندا وسلوفاكيا، والتي يرى أنها قد تشكّل ثقلاً قوميّاً موازناً لسياسات الشرق الأوسط التي تتبنّاها بروكسيل وباريس وبرلين.

لكن تلك الجهود كثيراً ما اقتضت التغاضي عن معاداة الساميّة وإنكار الهولوكوست وانتهاكات حقوق الإنسان، ما أثار انتقادات حادة من جانب الإسرائيليّين الليبراليّين ويهود الشتات على حد سواء. كما هي الحال مع ترامب، كثيراً ما يتهم نتانياهو بتفضيل السياسة الواقعيّة على الأخلاق في إدارة الدولة.

هذا النهج لم يؤت ثماره في جميع الأوقات، بخاصة أن الإسرائيليّين لم يكونوا مستعدين للتغاضي عن الأمر. بعدما أقرت بولندا قانوناً عام 2018 يجرّم الادّعاء بأن “الأمة البولنديّة أو جمهوريّة بولندا مسؤولة عن جرائم ضد السلام أو جرائم ضد الإنسانيّة أو جرائم حرب”، واجه نتانياهو غضباً جماهيريّاً وأجبر على مواجهة محاولات وارسو تبرئة البولنديّين من أي لوم على أعمال العنف المعادية للساميّة قبل وأثناء الهولوكوست.

ومع ذلك، بعد أشهر من النزاع (وتعديل بولندا القانون)، بدا وكأن نتانياهو يتراجع، حين أصدر بياناً مشتركاً مع رئيس الوزراء البولنديّ ماتيوز موراوسكي نظر إليه من قبل المؤرخين على أنه استسلام لإعادة تفسير الهولوكوست.

عمل نتانياهو بجد لتقوية العلاقات مع مجموعة “فيشيغراد”، وهي الكتلة التي تضم المجر وجمهورية التشيك وبولندا وسلوفاكيا، والتي يرى أنها قد تشكّل ثقلاً قوميّاً موازناً لسياسات الشرق الأوسط.

على رغم الجهود الحثيثة التي بذلها نتانياهو، لم يتمكن من حلّ المشكلة الأساسيّة، وهي الحقيقة التي باتت واضحةً في شباط/ فبراير الماضي عندما ظهر وزير الخارجيّة المُعيّن حديثاً، يسرائيل كاتس، بعد أقل من يوم على شغله منصبه، على شاشات التلفزيون، مُدعيّاً أن أصحاب العرق البولنديّ “يرضعون معاداة الساميّة مع حليب أمهاتهم”. الأمر الذي دفع بولندا إلى الانسحاب على الفور من قمة “مجموعة فيشيغراد” المقرر انعقادها في القدس، فأفشلت بذلك الاجتماع.

يرى بينكاس أن إعادة وزارة الخارجية إلى الحياة قد لا تقتصر على “إمدادها بالملايين” فحسب، ولكن يتطلّب أيضاً “تغيير الثقافة”، بيد أن تحقيق هذه الغاية قد يكون أصعب كثيراً مما يبدو.

وفقاً للمبعوث الإسرائيليّ السابق لدى الأمم المتّحدة، دوري غولد، الذي شغل منصب المدير العام لوزارة الخارجيّة في عهد نتانياهو بين عامي 2015 و2016، فإن تأثير وزارة المالية في الأمور الداخلية في وزارة الخارجيّة يجعل من الصعب عليها للغاية أن تتدخل في أي تعديلات داخليّة. (إذ تتمتّع وزارة الماليّة بنفوذ كبير ولديها السلطة التي تمكِّنها من التدخُّل في مسائل تتفاوت ما بين توفير الخدمات في وزارة الصحة إلى ميزانيّة الدفاع).

خلال الفترة التي عمل فيها غولد، قرّرت وزارة الماليّة بدء فرض الضرائب على الأموال الممنوحة للديبلوماسيّين لأخذ عائلاتهم في إجازات قصيرة داخل إسرائيل عند العمل خارج مقر الوزارة في القدس. وعندما قرر غولد وقف نشاط العديد من المشاريع التي شعر أنها لا توفر عائداً كافياً للاستثمار، قال “علمت أنني، بصفتي المدير العام، لا أملك أي سيطرة، فإن الأمر كله بيد وزارة الماليّة”.

على رغم شكاواه بشأن قضايا الميزانية، أعرب غولد عن وجهة نظر أكثر دقةً واتزاناً إزاء نتانياهو الديبلوماسي مقارنةً بالكثير من أعضاء الوزارة الآخرين المخضرمين، قائلاً “إن القضايا المتعلّقة بمكانة إسرائيل في العالم تُشكّل أهميّة بالغة بالنسبة إليه”، وأنه “كرّس قدراً هائلاً من الوقت” لتحسين العلاقات الخارجيّة بين إسرائيل والعالم. وبحسب ما قاله غولد، فإن قدرة نتانياهو على تحقيق النتائج من خلال علاقاته بالقادة الأجانب “خدمت مصالح إسرائيل بشكل مباشر”.

بيد أنه من المؤسف أن الفرصة ضئيلة لعلاج المشكلة على المستوى التشريعي، على حد قول ميراف ميخائيلي، وهي عضو في الكنيست الإسرائيلي عن “حزب العمل” الذي يمثل المعارضة، وعضو سابقة في لجنتي الشئون الخارجيّة والدفاع التابعتين للكنيست، وأشارت إلى أن الكثير من المحاولات الرامية إلى تمرير التشريعات التي تحدّد مهمّة وزارة الخارجيّة في الأعوام الأخيرة، باءت بالفشل بسبب عدم دعم التحالف.

وأضافت أن اللجنة تُركز غالباً على قضايا الدفاع. وحتى عندما نناقش وضع وزارة الخارجيّة فإننا لا نملك سوى القليل من الأدوات لإرغام الحكومة على القيام بأي شيء حيال ذلك في الواقع.

وأردفت، “إذا أمعنا النظر في الأساليب التي سلب من خلالها بيبي السلطة والنفوذ من وزارة الخارجيّة، سنجد أن جميعها أمور لا تمرّ عبر الكنيست على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، لم يتطلب إبعاد وزارة الخارجيّة من التصدي لـ”حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” وإيلاء تلك المسؤوليّة لوزارة أخرى، موافقة الكنيست، ولذا ليس بوسعنا أن نفعل أيّ شيء تجاه هذا الأمر”.

يبدو أن ثمّة توافق في الآراء بين معظم الذين تحدّثوا لمجلّة “فورين بوليسي”، يتلخّص في أن الفرصة الوحيدة المتاحة لتغيير حظوظ وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، تكمن في تغيير الحكومة.

انتقد سياسيّون معارضون، مثل يائير لبيد، نائب زعيم “حزب أزرق أبيض”، نتانياهو بسبب شخصنته السياسة الخارجيّة.

فقد اختير لبيد، الذي كان في السابق في صراع مع الديبلوماسيّين الإسرائيليّين أثناء فترة ولايته كوزير للماليّة، ليرأس وزارة الخارجيّة إذا تمكن “حزب أزرق أبيض” من الفوز على نتانياهو. وعلى رغم صراعاته السابقة مع الوزارة، فقد عمل لبيد جاهداً على صقل أوراق اعتماده في السياسة الخارجيّة، فالتقى بزعماء أجانب على مدى العام الماضي، وصرح علناً أنه “على غرار قوات الدفاع الإسرائيليّة التي نتوقع منها أن تتصدّر كلّ معركة، فأنا أتوقّع من وزارة الخارجيّة أن تتصدّر هي الأخرى كلّ معركة”.

ولكن حتى في مرحلة ما بعد نتانياهو، فمن غير الواضح ما إذا كان بوسع أي شخص في إسرائيل أن يعكس الاتّجاهات التي بدأها رئيس الوزراء وأن يعيد تجميع أجزاء مؤسّسة السياسة الخارجيّة الإسرائيليّة معاً من جديد. من شأن إعادة إحياء الديبلوماسيّة الإسرائيليّة، أن يعود بفوائد جمة، وأن يخلق الحيز المطلوب في سبيل تحقيق توافق حزبي بشأن مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، ما يُمكن الديبلوماسيين من استقطاب الحلفاء على نحو أفضل للمساعدة في دفع أجندة إسرائيل في المحافل الدوليّة، وتمهيد الطريق لعلاقات تجاريّة أفضل مع الدول النامية في مختلف أنحاء العالم.

وحتى بالنسبة إلى مؤيّدي نتانياهو الذين يرون، عن حقّ، أن رئيس الوزراء لديه موهبة طبيعيّة في ممارسة الديبلوماسيّة، فلا جدال في أن وجود سلك ديبلوماسيّ قويّ ومموّل بالشكل اللائق لن يقوّض إنجازاته. بل سيتيح ذلك لهم الفرصة لمزيد من التطوّر.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.