fbpx

انهيار الليرة: سوريا ولبنان أزمة واحدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المصرف المركزي السوري تماماً كمصرف لبنان، يعاني أزمة دولار حقيقية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليست الأزمة المعيشية التي يواجهها السوريون اليوم جديدة على البلاد، بل هي حصيلة سنوات من الحرب والصراعات والدمار، لكن يمكن القول إن هذه الأزمة انفجرت في أيلول/ سبتمبر 2019، مع تدهور سعر صرف الليرة السورية، والانتفاضة اللبنانية التي طرقت الأبواب، على وقع أزمة اقتصادية ومصرفية كبيرة في لبنان. فكان أن انضم أهل السويداء وجبلة إلى صرخة اللبنانيين المعيشية ونزلوا في تظاهرات شعبية مطالبين بمعالجة الوضع القائم. وفيما تستمر التظاهرات في السويداء، تنتشر دعوات إلى التظاهر في أكثر من منطقة لا سيما في مدن الساحل السوري وحلب.

يتطرق الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم إلى العلاقة بين أزمتي لبنان وسوريا موضحاً أنه “منذ منتصف 2018، كان هناك في لبنان مستويان، الصرافون والمصارف. المصارف توسعت في منح قروض ائتمانية لتجار لبنانيين وسوريين للاستيراد، علماً أن لبنان كان يستورد ضعف حاجته على أن يتم البيع للتجار التابعين للنظام السوري، على أن يقوم هؤلاء في ما بعد يإعادة السداد، ما يؤكد الربح السريع. وذلك بدعم من التيار العوني وحزب الله”. ويتابع: “ما حدث أن النظام قام بهذا الاستيراد من دون أن يسدد الديون، ما أدى إلى انهيار المصارف اللبنانية”.

ويردف الكريم: “بالنسبة إلى الصرافين، كان التجار السوريون والموالون للنظام يذهبون إلى لبنان ويشترون الدولار، ما أدى إلى تجمّع كمية كبيرة من العملة السورية لديهم. ومن عادة المصرف المركزي السوري أن يساهم في خفض سعر الليرة السورية ويرفع سعر الدولار، ثم يقوم بالتدخل بسعر الصرف، فينخفض الدولار ويزداد الطلب على الليرة السورية، ما يحقق أرباحاً. لكن هذه المرة المصرف المركزي لم يتدخل، وتراكمت كميات الليرة السورية عند الصرافين وارتفع سعر الدولار بشكل غير مسبوق”.

انضم أهل السويداء وجبلة إلى صرخة اللبنانيين المعيشية ونزلوا في تظاهرات شعبية مطالبين بمعالجة الوضع القائم.

وكانت الليرة السورية سجلت في مطلع أيلول 2019 أدنى مستوى لها منذ استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي عام 1946، حين شهدت انهياراً لافتاً في الأسواق ووصلت قيمتها آنذاك إلى 680 ليرة مقابل الدولار، ما أدى إلى ارتفاع في الأسعار. أما الآن فتجاوز سعر صرف الدولار حاجز الألف ليرة سورية، وسط ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع.

المصرف المركزي السوري تماماً كمصرف لبنان، يعاني أزمة دولار حقيقية. وهذه الأزمة اشتدت كثيراً مع إقرار الإدارة الأميركية قانون “سيزر” أو قيصر بشكل رسمي، على رغم أنه لم ينفّذ، لكن آثاره امتدت إلى الاقتصاد السوري الذي يقوده نظام بشار الأسد. وكان مجلس النواب الأميركي أقر بالإجماع “قانون حماية المدنيين” أو ما يعرف بقانون “سيزر” الذي يتيح للولايات المتحدة معاقبة أي شركة دولية تساهم في قطاعات الطاقة أو البناء أو الهندسة في سوريا.

حكومة النظام السوري التي تعيش ضياعاً حقيقياً أمام أكبر أزمة معيشية تواجهها البلاد منذ سنوات، أطلقت عام 2017 ما يعرف بالبطاقات الذكية، التي يحصل المواطنون من خلالها على كميات ضئيلة من المواد والسلع، مقابل أسعار مدعومة. بداية كانت البطاقة تشمل المازوت (الديزل)، ثم أدخل إليها البنزين في كانون الثاني/ يناير 2019، والآن تم إدخال الأرز والسكر والشاي في نطاق البطاقات الذكية، على أن يبدأ العمل بذلك في شباط/ فبراير 2020. وبذلك يحصل كل شخص في العائلة على كلغ سكر بـ300 ليرة سورية، كلغ أرز بـ400 ليرة سورية، و200 غرام من الشاي شهرياً، على ألا تتجاوز حصة العائلة مهما بلغ عدد أفرادها 4 كلغ سكر وكيلو شاي واحد.

هذه الكميات الضئيلة جداً من السلع والمواد الأولية، حتّمت على المواطنين شراء ما يحتاجونه من سلع ومواد أساسية وفق الأسعار الحرة، لأن الحكومة لم تعد قادرة على تحمّل تكاليف الدعم لكميات كبيرة من هذه المواد، أو أنها تظن أن ما تمنّ به على المواطنين في البطاقات الذكية يكفي وأكثر!

هذا كله في مقابل رواتب هزيلة، فمتوسط الراتب في سوريا الآن حوالى 80 ألف ليرة سورية، علماً أن تكلفة تأمين أسطوانة غاز تبلغ 15 ألف ليرة سورية، هذا في حال توفرها.

“بالنسبة إلى الصرافين، كان التجار السوريون والموالون للنظام يذهبون إلى لبنان ويشترون الدولار، ما أدى إلى تجمّع كمية كبيرة من العملة السورية لديهم”.

وتجدر الإشارة إلى أنه بحسب المكتب المركزي للإحصاء، تحتاج العائلة السورية إلى 600 ألف ليرة سورية للعيش بشكل مقبول.

في هذا الإطار، الكريم أن “نسبة الذين يعيشون دون خط الفقر (معدل إنفاقهم أقل من يورو و20 سنتاً) وصلت إلى 80 في المئة”، مشيراً إلى “تراجع القدرة الشرائية بشكل كبير، أي أن هناك تضخماً وارتفاعاً في المستوى العام للأسعار، في ظل انهيار العملة السورية”.

“معظم السوريين يعملون الآن برواتب هي تحت خط الفقر 1.9 دولار، معظم الرواتب تتراوح بين 35 ألفا إلى 70 ألف ليرة سورية في القطاع الخاص، أي ما لا يتجاوز بين 30 و100 دولار ومعدل الأسرة السورية هو 5 أفراد، وبالتالي مستوى العجز في الأسرة يتخطى 88 في المئة وبالتالي المواطن غر قادر على تأمين سوى 12 أو 13 في المئة من احتياجاته”، وفق الكريم.

علماً أن تكلفة تأمين أسطوانة غاز تبلغ 15 ألف ليرة سورية، هذا في حال توفرها.

ويضيف الكريم: “يجد المواطن نفسه مجبراً على ترتيب أولوياته وقد يضطر إلى العمل في أكثر من وظيفة، كما أننا نشهد تسرباً مدرسياً وتردياً صحياً، وبالتالي سوريا تتجه إلى اقتصاد الظل، أي تسرب المواطنين من الخط المقرر للمجتمع، وذلك لتأمين التزاماتهم. واقتصاد الظل هو إنتاج كتلة اقتصادية لا تدخل ضمن الموازنة، وبالتالي لا يكون هناك أي ولاء للدولة، التي تكون دائماً بحالة فساد ورهينة، ويتم الاتجاه إلى أشخاص أو كيانات معينة لتأمين الخدمات والمتطلبات”.

وعن تظاهرات السويداء، يرى الكريم أنها “صرخة في وجه الوضع المعيشي الصعب، وهي أيضاً رفض للحرب وأمرائها، لا سيما أن الدولة فقدت قدرتها وهناك اتجاه إلى الخصخصة لا سيما من قبل الروس، وهناك توقف للورش والخدمات. نشهد تردياً في مختلف القطاعات، من الزراعة إلى الصناعة والتجارة، وهو وضع خطير يشمل مختلف الفئات”.

ويلفت الانتباه إلى الوضع المتردي في مناطق الساحل السوري، مشيراً إلى “إمكان حصول تحركات لا سيما في أحياء دمشق الفقيرة (الغوطة)، وسنشاهد عودة الاضطرابات إلى هناك، إضافة إلى مناطق بعيدة من سيطرة النظام مثل دير الزور وحماة وحمص والساحل السوري”. ويوضح أن “النظام بدأ يعي أن هناك وضعاً سيئاً، ما قد يؤدي إلى انتشار الجريمة وتفكك المجتمع أخلاقياً، إضافة إلى إمكان حصول تحركات شعبية، لذلك يحاول النظام احتواء الوضع عبر محاولة رفع سعر الصرف قليلاً ومنع استخدام العملات الأخرى، حتى أنه يسعى إلى شراء عقارات الناس وبيوتهم بالليرة السورية التي يطبعها مجاناً، وبالتالي هو يشتري هذه الأملاك مجاناً وهذه مسألة بغاية الخطورة”.

فيما رفع أهالي السويداء في تظاهراتهم أرغفة خبز كتبوا عليها “بدنا نعيش”، كان بشار الأسد يحضّر لتشديد العقوبات على التعامل بالقطع الأجنبي بعد تدهور سعر صرف الليرة إلى 1200 مقابل الدولار الأميركي.

ويشرح وضع النظام، قائلاً: “النظام اليوم عبارة عن أربعة أجنحة، جناح تابع لإيران وآخر محسوب على روسيا، وجناح هو الحرس القديم من البعثيين ورجال الأسد القدامى الذين يرون أن النظام هو الذي يجب أن يتحكم بالدولة السورية، وجناح تابع لأسماء الأسد التي لا مانع لديها بالتضحية ببعض الإمكانات والصلاحيات في سبيل بقاء الأسد على رأس سوريا. والجناح الأخير هو الذي ينتصر الآن مع الجناح الروسي”. ويردف: “الآن هدف أسماء الأسد والروس هو جعل دمشق منطقة ملاذ ضريبي آمن، وهدف روسيا هو بيع خدماتها وسلعها بالدولار وعدم استخدام الليرة السورية المنهارة”. ويتابع: “سنشهد اتجاه الأوضاع إلى الأسوأ وسنرى إغلاق محلات تجارية في أسواق دمشق وغيرها وسنرى النظام يعيد فتحها لخدمة مشاريعه، في منطقة الملاذ الضريبي التي يريد بناءها، ويكون خلال عام تقريباً اشترى المنازل والعقارات التي يريدها. ثم بعد ذلك سيسمح بالتعامل بالدولار بحجة التشجيع على الاستثمارات. الآن النظام حاصر الناس بالليرة السورية وفتح المجال لأصدقائه الروس والمستثمرين للتعامل بالدولار”.

“بدنا نعيش”

وفيما رفع أهالي السويداء في تظاهراتهم أرغفة خبز كتبوا عليها “بدنا نعيش”، كان رئيس النظام السوري بشار الأسد يحضّر لهم الحل السحري للأزمة المعيشية المحدقة بالبلاد، مفادها تشديد العقوبات على التعامل بالقطع الأجنبي بعد تدهور سعر صرف الليرة إلى 1200 مقابل الدولار الأميركي. وبذلك يسجن 7 سنوات مثلاً كل من يتعامل بغير العملة السورية.

 وجاء المرسوم تعديلاً للمادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013، والذي كان يعاقب المتعامل بغير الليرة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

وأصدر الأسد مرسوماً ثانياً أكد فيه فرض عقوبة “الاعتقال الموقت، وبغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية، لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية في إحدى الوسائل لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.

ويبدو أن الثورة السورية الأولى التي قامت عام 2011 ضد النظام السوري، ستتجدد الآن إنما بطابع معيشي بحت، والسياسات التي عملت على إسكات ثورة السوريين الأولى، سيصعب عليها الآن إسكات وحش الجوع، إذ غزا البلاد.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.