fbpx

في ذكراها التاسعة ماذا بقي من ثورة السوريين؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على السوريين جميعاً قلع أِشواكهم بأيديهم، واستعادة قرارهم الوطني المستقل المنفصل عن أي أجندات أخرى، فدول العالم منشغلة بشؤونها الداخلية ومصالحها الذاتية

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

9 سنوات مرت على انتفاضة الشعب السوري في ثورة وصفها أحد أبرز منظريها ومفكريها الدكتور برهان غليون في كتابه “عطب الذات” بأنها ثورة لم تكتمل، إذاً بعد هذه السنوات أين هي هذه الثورة؟ أين أبناؤها؟ ماذا بقي منها؟ وما هي مآلاتها؟ 

أسئلة على السوريين كلهم أو معظمهم الإجابة عنها على الأقل إن أرادوا إنقاذ ما تبقى من وطنهم، ومن أبنائه في ضوء أرقام لتضحيات فاقت حدود التصور، ودمار لحق البشر والحجر والشجر.

ضحايا ومهجرون ونازحون 

أطفال درعا الذين خطت أصابعهم على جدران مدرستهم في آذار/ مارس عام 2011، عبارات مثل “اجاك الدور يا دكتور”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”، لم يعوا وقتذاك أن عباراتهم ربما ستغير شكل سوريا إلى الأبد دولة وشعباً، ولم يكن يتوقع من شارك في أولى تظاهرات الثورة السورية مطالباً بالحرية والكرامة، أن السوريين كلهم سيدفعون ثمناً لا يمكن تحمله. واليوم بعد 9 سنوات لا يوجد سوري رابح، فالكل قد خسر وأي حل مقبل في سوريا هو اتفاق بين خاسرين.

“الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وهي منظمة حقوقية سورية غير حكومية نشرت تقريراً تضمن توثيقاً لما حصل في سوريا خلال سنوات الثورة السورية، استعرضَت فيه حصيلة أبرز الانتهاكات التي نفَّذها أطراف النِّزاع الرئيسيون الفاعلون في سوريا منذ آذار 2011 حتى آذار 2020. وأشار إلى مقتل226247 مدنياً، بينهم 29257 طفلاً، و16021 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار 2011، 91.36 في المئة منهم قتلوا على يد قوات الحلف السوري- الروسي، وتفوق نسبة الضحايا من الأطفال والسيدات إلى مجموع الضحايا الإجمالي، حاجز 18 في المئة، وهي نسبة مرتفعة جداً وتُشير إلى تعمُّد قوات الحلف السوري- الروسي استهداف المدنيين. 

وقدَّم التقرير إحصاء تحدّث عن 129989 شخصاً لا يزالون قيدَ الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التابعة للنظام السوري، مُشيراً إلى أنَّ 14221 شخصاً قُتِلوا بسبب التعذيب في سجون النظام السوري.

وبحسب التقرير فإن ما لا يقل عن 3087 شخصاً لا يزالون قيدَ الاعتقال أو الاختفاء القسري في سجون قوات سوريا، وسجل التقرير اعتقال التنظيم ما لا يقل عن 8648 شخصاً منذ تأسيسه حتى آذار 2020، فيما ذكر أن ما لا يقل عن 2057 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد “هيئة تحرير الشام”. كما أن فصائل في المعارضة المسلحة نفَّذت عمليات اعتقال استهدفت 3044 مدنياً. 
كما ذكر التقرير أنَّ ما يقارب 15.2 مليون شخص تعرَّضوا للتشريد القسري منذ آذار 2011، بينهم 9 ملايين شخص تم تشريدهم داخل سوريا، كما تشرَّد قرابة 6.2 مليون لاجئ خارج سوريا، وبحسب التقرير ظلَّت قوات الحلف السوري- الروسي هي المسؤول الأكبر عن عمليات التشريد القسري.

وفي هذه الحرب المستعرة لم يتبقَ نوع من أنواع الأسلحة المحرمة دولياً لم يستخدمه نظام الأسد وحلفاؤه لإخماد ثورة السوريين، وجعلهم عبرة لشعوب المنطقة التي قد تفكر يوماً بالثورة على حكامها، ابتداءً بالأسلحة الكيماوية والذخائر العنقودية مروراً بسلاح الحصار والتجويع وانتهاء بالتشريد والتغيير الديموغرافي.

تحولات مسار الثورة السورية 

مرَّت الثورة السورية منذ انطلاقها وحتى الآن بتحولات وتبدلات وإرهاصات لا يمكن حصرها، ولكن على رغم انطلاقتها السلمية بتظاهرات عمت قسماً كبيراً من المدن والقرى السورية، إلا أنها فشلت في الوصول إلى نهاية تحقق فيها أهدافها بفعل عوامل ذاتية، داخلية وخارجية بسبب التدخل الإقليمي والدولي لمناصرتها أو استعدائها والعمل على إنهاء حلم السوريين بدولة جديدة، دولة العدالة والقانون والمواطنة التي نشدها ملايين من السوريين. ونتيجة للعقلية الأمنية والقبضة الحديدة التي واجه بها نظام الأسد الثورة السلمية، عبر عمليات القتل والاعتقال الواسعة والزج بمؤسسة الجيش بمواجهة الانتفاضة الشعبية، تحولت الثورة إلى صراع مسلح، الغلبة فيه لقوة السلاح لا لقوة الفكر والتغيير لتتحول إلى حرب مستعرة غير متكافئة الأطراف، وبخاصة بعد التدخل الإيراني العسكري المباشر، وبعده التدخل الروسي في نهاية عام 2015، وتمسك النظام السوري بالسلطة حتى وإن كان على حساب دمار الدولة ومؤسساتها واستجلاب احتلالات متعددة.

فدول العالم منشغلة بشؤونها الداخلية ومصالحها الذاتية وبناء مجتمعاتها وتطويرها، والدول المشتركة في الصراع السوري تتهيأ لتقاسم هذا الجسد الممزق المريض المسمى سوريا، ومجتمع دولي لم يحركه مليون ضحية وملايين النازحين والمشردين، لن يتحرك لتحرير بلد محتل وبناء وطن مدمر

رافق تلك العوامل الخارجية عوامل ذاتية داخلية في بنية الثورة وكياناتها السياسية والعسكرية أهمها: فشل المعارضة السياسية في قيادة الحراك ودفة الثورة سياسياً عبر عدم امتلاكها برنامجاً وطنياً جامعاً، وخطة عمل واستراتيجية تصل بالثورة وأبنائها إلى بر الأمان، ليتحول المشهد السياسي للمعارضة الى ممثلين للدول الداعمة لهم بدل أن يكونوا ممثلين لشعبهم. الائتلاف السوري وحكومته الموقتة تابعان للسياسة التركية واستراتيجيتها تجاه الملف السوري، ومثلها منصة القاهرة تتبع لمصر، وهيئة المفاوضات تتبع للسعودية ومنصة موسكو تتبع لروسيا، ووحده الشعب السوري الرازح تحت القصف والخيام ودول الشتات، ما زال يناضل لتحقيق أهداف ثورته أو ما تبقى منها. 

وفي الجانب العسكري وعلى رغم انطلاق الجيش السوري الحر والذي تشكَّل من المنشقين عن جيش النظام والمدنيين وحمل في بداياته أهداف الثورة السورية وشعاراتها، إلا أن قسماً كبيراً منه تحول بعد سنوات قليلة الى كتائب تقاتل تحت رايات ومسميات متعددة لا تجمعها راية ولا هدف محدد ولا يعنيها الحرية ولا الديمقراطية. رافق ذلك ظهور مجموعات وكتائب إسلامية بمشروعات خاصة لا تمت للثورة السورية بصلة وترتكب انتهاكات تشبه ممارسات نظام الأسد، إلى أن ظهرت التنظيمات الجهادية الإرهابية مثل  تنظيم “داعش” وجبهة “النصرة” منذ عام 2013. وهذه الجماعات منحت نظام الأسد ما كان يتمناه من دعم لروايته بوصم هذه الثورة بالإرهاب والتطرف، عبر ما قامت به من ممارسات وجرائم جعلت أولوية المجتمع الدولي التخلص من هذه التنظيمات ذات الخطر عابر الحدود بدل دعم الشعب السوري، ومساعدته على الوصول إلى حريته التي ضحى لأجلها. ثم استكملت هذه الفصائل الجهادية دورها في محاربة فصائل الجيش الحر والسيطرة على المناطق التي كانت تحت حكمه، ليستعيد نظام الأسد بمساندة حلفائه الروس والإيرانيين أجزاء واسعة من سوريا لتعود تحت حكمه وسيطرته العسكرية.

سوريا إلى أين؟

ربما يكون الرأي الغالب بأن سوريا قبل عام 2011 لم تعد موجودة من كافة النواحي الا في خيال الحالمين من أبنائها، أو المنفصلين عن الواقع، شعب نصفه بين نازح ومشرد، دمار كبير في البيوت والمرافق العامة والبنية التحتية (مدارس – مستشفيات)، تغيير ديموغرافي على نطاق واسع، هجرة رؤوس الأموال والكفاءات العلمية السورية إلى دول الجوار والاتحاد الأوروبي، احتلالات متعددة بقوات عسكرية (روسية، إيرانية، تركية، أميركية، إسرائيلية)، نسيج اجتماعي مدمر، سيطرة روسية- إيرانية- أميركية على مصادر الطاقة من نفط وغاز وفوسفات، انهيار نقدي كبير وقرابة 80 في المئة من الشعب السوري تحت خط الفقر ويحتاج إلى مساعدات إنسانية. 

يضاف إلى ذلك أكثر من مليوني طفل سوري خارج منظومة التعليم، ونظير هذا العدد لم يكمل تعليمه بعد عام 2011، ملايين الأطفال الأيتام والنساء الأرامل، ومئات آلاف المصابين وجرحى الحرب. هذه الكوارث التي حلت بسوريا وشعبها مع خطر يلوح في الأفق بتقسيم في شمال غربي سوريا، قد ينهي وحدة الدولة السورية وما زال قسم من السوريين يعتقد أنه انتصر عسكرياً وقسم آخر يعتقد أنه قادر على النهوض من جديد والانتصار.

ربما استطاع السوريون هدم مزرعة آل الأسد، وحكمهم الوراثي الاستبدادي ولكن الثمن كان كبيراً وكبيراً جداً دفعه السوريون جميعاً، ولكنهم لم يصلوا إلى مبتغاهم بعد في التغيير والتحول الديموقراطي وإنما امتد ليهدم سوريا وشعبها، فهل كانت حرية السوريين تستحق كل هذا الثمن؟

يكتفي المجتمع الدولي تجاه سوريا وشعبها بالتصريحات والقرارات الدولية التي لا تجد لها طريقاً للتنفيذ، والتلويح بالعقوبات الاقتصادية على نظام الأسد، وعدم دعم عملية إعادة الاعمار قبل بدء الانتقال السياسي وهي آلية قد تستغرق سنوات طويلة حتى تحقق أهدافها.

وأمام هذا الواقع السوري المؤلم، يبقى الأمل بأن يولد جيل جديد، يحمل مشروعاً وطنياً جامعاً ويعمل لإعادة بناء وطنه ويتجاوز مسألة “إن كانت ثورة أم مؤامرة”، ويرتقي بمسؤولياته إلى حجم وطنه ويعمل على إعادة توحيد سوريا فعلياً، لا بالقول فقط، جيل يناضل لطرد الاحتلالات المتعددة التي جلبت إلى الأرض السورية، جيل يؤمن بسوريا جديدة لكل أبنائها، يضمد جراحهم، ويبني الإنسان والوطن الذي تهدم ويعيد النازحين والمهجرين إلى ديارهم، ليبني دولة المواطنة التي تنتقل بسوريا الى دولة جديدة تضمن السلام المستدام والعدالة، وتحفظ خيرات الدولة وتحميها. فعلى السوريين جميعاً قلع أِشواكهم بأيديهم، واستعادة قرارهم الوطني المستقل المنفصل عن أي أجندات أخرى، فدول العالم منشغلة بشؤونها الداخلية ومصالحها الذاتية وبناء مجتمعاتها وتطويرها، والدول المشتركة في الصراع السوري تتهيأ لتقاسم هذا الجسد الممزق المريض المسمى سوريا، ومجتمع دولي لم يحركه مليون ضحية وملايين النازحين والمشردين، لن يتحرك لتحرير بلد محتل وبناء وطن مدمر وانتشال دولة غدت بمصاف الدول الفاشلة بالمقاييس كلها.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.