fbpx

هل سيشهد الشرق الأوسط انقلاباً دراماتيكيّاً بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بين خطاب ترامب بـ”الحفاظ على عظمة أميركا” وخطاب بايدن بـ”إعادة بنائها بشكل أفضل من أي وقت مضى”، ينتظر الشرق الأوسط نتيجة الانتخابات حتى يبني توقّعات وآفاق لمصيره في السنوات الأربع المقبلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يترّقب العالم والشرق الأوسط ضمناً، الاستحقاق الرئاسي الأميركي الذي قد يقلب الموازين رأساً على عقب، لا سيما في ظلّ استمرار انتشار فايروس “كورونا” من جهة، وتفاقم الفوضى والحروب في دول عدّة، من جهة أخرى.

هل سنكون على موعد مع مفاجآت من العيار الثقيل تعاكس التوقّعات وتبقي على دونالد ترامب رئيساً للجمهوريّة؟ وكيف ستنعكس نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة على الوضع السياسي في لبنان والمنطقة؟
أكثر ما يميّز هذه الانتخابات هو الاصطفافات السياسيّة المعاكسة في المنطقة اليوم، فالدول والشعوب العربيّة والإسلاميّة المتوقّع منها تأييد وصول جو بايدن، المرشّح الرئاسي الديموقراطي، لسدّة الرئاسة الأميركيّة لالتزامه بمبدأ المساواة وعدم التمييز ضدّ المسلمين، هي الدول التي تدعم سرّاً فوز المرشّح الجمهوريّ دونالد ترامب لولاية ثانية. 

أمّا المحور الإيراني الذي يسعى إلى التقاط أنفاسه من جديد، فيؤيّد وصول بايدن الذي من المحتمل أن يغيّر السياسة الخارجيّة الأميركيّة المعادية لإيران. 

في الشرق الأوسط وبخاصة لبنان، حيث توسّع النفوذ الإيراني في السنوات الأخيرة، تقف قوى اليسار عموماً حائرة، فوصول اليسار الأميركي سيخدم اليمين اللبناني تحديداً “حزب الله” والمحور الإيراني الذي سيتنفّس الصعداء مع فوز بايدن المرجّح. وبذلك يقف اليسار تائهاً في المنتصف، تارةً مع بايدن الذي يشبهه في المبادئ وتارةً أخرى مع ترامب الذي يواجه التمدّد الإيراني في المنطقة ويحدّ منه.

وعلى رغم أنّ بعض مدارس العلوم السياسيّة لا يربط دائماً السياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة الأميركيّة بشخصيّة الرئيس وانتمائه بل تعتبر أنّ أهداف السياسة الخارجيّة الأميركيّة واضحة وغير متغيّرة، الّا أنّ نموذج ترامب وولايته أثبتا أنّ الرئيس يلعب دوراً كبيراً في تحديد السياسة الخارجيّة ولديه الصلاحيّة والقدرة على قلب الموازين ضمن ضوابط تحدّدها المصالح الأميركيّة. فمثلاً انقلب ترامب على اتفاقيّات مبرمة سابقاً، كخروجه من اتفاقيّات دوليّة حول البيئة والتغيّر المناخي ومن بعض المنظّمات الدوليّة متعدّدة الأطراف منها المنظّمات التابعة للأمم المتّحدة ومنظّمة الصحّة العالميّة. إضافة إلى مساهمة ترامب في توتّر غير مسبوق في علاقات الولايات المتّحدة مع بعض الدول الأوروبيّة. وبالتالي فإنّ الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة ستكون مفصليّة على العالم برمّته والشرق الأوسط خصوصاً.

السيناريو الأوّل: فوز جو بايدن



وهو السيناريو الأكثر احتمالاً وفقاً لمعظم استطلاعات الرأي الأخيرة التي رجّحت فوز بايدن على ترامب، خصوصاً أنّه في هذا الوقت من الانتخابات الرئاسيّة عام 2016 كانت أرقام المرشّحة الديموقراطيّة هيلاري كلينتون تنخفض مقارنة بأرقام ترامب، أمّا اليوم فأرقام بايدن تحافظ على ارتفاعها. 

يرجّح خبراء العلاقات الدوليّة أنّ بايدن، في حال فوزه، سيتبع سياسات مغايرة تماماً لترامب في معظم قضايا السياسة الخارجيّة الرئيسيّة.

وبحسب استطلاع للرأي قام به مركز “التدريس والبحث والسياسة الدوليّة” العالمي في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020، 94.71 في المئة من خبراء العلاقات الدوليّة يعتبرون أنّ بايدن من شأنه أن يدير قضايا السياسة الخارجية بشكل أكثر فعالية، خصوصاً أنّه أحد أكثر الرؤساء الذين يتمتعون بخبرة في السياسة الخارجية.

وبناءً على ذلك، سيطرأ تغيير دراماتيكيّ على سياسة الولايات المتّحدة الأميركيّة الخارجيّة في حال وصول بايدن إلى الحكم. فيصف بايدن غزو أميركا العراق بالخطأ، على رغم تأييده إياه آنذاك عام 2003، علماً أنّ ابن بايدن الذي توفّي عام 2015 بسبب السرطان كان أحد العناصر الذين خدموا في العراق لمدّة سنة كاملة. وعام 2018، وصف بايدن الحرب الأهليّة المستمرّة والأزمة الإنسانيّة في سوريا بأنها واحدة من “أكبر المعضلات” بالنسبة إلى الولايات المتّحدة.

ويعكس هذا التغيير في رأيه موقفه من تورّط الولايات المتّحدة في حروب خارج حدودها. وبالتالي يرجّح أن يعود بايدن، في حال فوزه، إلى سياسة ما يُعرف بالـOffshore balancing، التي اتّبعها أوباما وهي قائمة على الاعتماد على قوى إقليميّة حليفة لمواجهة أي تهديدات محتملة من قوى إقليميّة معادية. ومن المتوقّع أيضاً أن يعتبر بايدن تركيا إحدى الدول العدائيّة في المنطقة.

السيناريو الثاني: إعادة إنتخاب دونالد ترامب

على رغم تخلّف أرقام ترامب الحاليّة عن أرقامه عام 2016 في المرحلة عينها من الانتخابات، ولكن ما تعلّمه العالم من الانتخابات الماضية أنّ المفاجآت دائماً واردة في الولايات المتّحدة الأميركيّة فقبل إعلان النتيجة النهائيّة لا مجال للحسم. 

بحسب مركز Brookings للدراسات، إذا فاز ترامب بولاية ثانية، “فمن المرجح أن تكون السنوات الأربع المقبلة أكثر اضطراباً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والشؤون العالمية مقارنة بالسنوات الأربع الماضية… ومن المتوقّع أن تنهار تحالفات الولايات المتحدة الأميركيّة، وينغلق الاقتصاد العالمي، وتتدهور الديموقراطية وحقوق الإنسان”.

يرجّح خبراء العلاقات الدوليّة أنّ بايدن، في حال فوزه،

سيتبع سياسات مغايرة تماماً لترامب في معظم قضايا السياسة الخارجيّة الرئيسيّة.


فممّا لا شكّ فيه “أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة خسرت قوّة ونفوذاً تحت إدارة ترامب”، تقول الأستاذة الجامعيّة الأميركيّة- اللبنانيّة والخبيرة في الشؤون الدوليّة، د. جنيفر سكولتي عويص، لـ”درج”، مضيفةً أنّ إعادة انتخابه ستدهور النظام الدولي الليبرالي وتفاقم الفوضى، ما قد يؤدّي لاحقاً إلى حرب عالميّة مؤكّدة أنّه في حال فوزه سنكون جميعاً في طريق شاقّ للغاية. 

العلاقات الأميركيّة – الإيرانيّة والعقوبات على “حزب الله”



هل سيعكس بايدن سياسة أميركا تجاه إيران ويعود للاتفاق النووي الذي أسّسه الرئيس السابق باراك أوباما وانسحب منه ترامب؟ بكونه نائب أوباما السابق، فمن المتوقّع أن يعيد بايدن إحياء الاتفاق النووي مع إيران ويهدئ من حدّة العلاقات مع الجممهوريّة الاسلاميّة وتشجنّها. 

فالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران “هو على لائحة أولويّات بايدن” بحسب سكولتي، “ولكن بسبب سياسات ترامب، فإنّ المساحة المتاحة للتفاوض والديبلوماسيّة تقلّصت بشكلٍ كبير”، خصوصاً بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مطلع عام 2020.
إضافة إلى ذلك، قد يعلّق بايدن العقوبات المفروضة على إيران أو حلفائها في المنطقة أو على الأقل لن يفرض عقوبات جديدة ما سيساهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني وعودة إيران بقوّة إلى سوق النفط العالمي. إلّا أنّ “إسرائيل ستناور لتجنّب دخول الولايات المتّحدة الأميركيّة في اتفاق جديد مع إيران”. أمّا عن العقوبات على “حزب الله”، فهي تعتمد على المفاوضات مع إيران، لكن سكولتي لا تعتقد أن بايدن والديموقراطيين بأسلوب عملهم، يريدون رؤية لبنان “في وضع كارثيّ أكبر”. 

هل ستهتزّ العلاقات مع الخليج؟


على رغم أنّ المصالح المشتركة للولايات المتّحدة الأميركيّة ودول الخليج متشابكة وضخمة ولكنّها قد تتغيّر مع وصول بايدن إلى سدّة الرئاسة. فترامب هو الابن المدلّل لدى دول الخليج وتحديداً المملكة العربيّة السعوديّة، فمن ينسى الزيارة الشهيرة لترامب إلى المملكة في أيّار/ مايو 2017؟

وكشفت التحقيقات راهناً تورّط عدد من رجال المال والأعمال من بينهم اللبنانيّان أحمد خواجة وجورج نادر في مؤامرة دعمت من خلالها الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة وصول ترامب إلى الرئاسة على حساب كلينتون، من خلال دفع أموال طائلة لمصلحة حملة ترامب في انتخابات عام 2016.

لذلك، في حال وصول بايدن، من المحتمل أن “يعاد التفاوض خصوصاً بعد جريمة قتل خاشقجي التي حاول ترامب تجاهلها”، بحسب سكولتي.  



مصير صفقة القرن

لا شكّ في أن ترامب استطاع أن يقدّم للإسرائيليّين “خدمة العمر”، إذ شقّ لهم الطريق لمستقبل أكثر رخاء ورغداً. فاستطاع تحقيق ما عجز عنه الرؤساء السابقون من خلال صاعقة تطبيع الإمارات العربيّة مع إسرائيل، إضافة إلى البحرين، ووصولاً إلى السودان وتمهيداً لأن يأخذ الـDomino Effect (تأثير الدومينو) مفعوله فيمتدّ التطبيع ليشمل معظم الدول العربية والإسلاميّة وهذا ما لمّح إليه ترامب عندما قال: “ستُعقد المزيد من اتفاقيّات السلام في الشرق الأوسط”.


وعلى رغم أنّ العلاقة بين “الحزب الديموقراطي” واليمين الإسرائيلي متوترة في الوقت الحالي… ولكنّ علاقة الولايات المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل وطيدة، والأكثريّة الساحقة من يهود الولايات المتّحدة يدعمون “الحزب الديموقراطي”، وفقاً لسكولتي. لذلك من المستبعد عن تتوقّف هذه الصفقة أو تُلغى مفاعيلها.

بين خطاب ترامب بـ”الحفاظ على عظمة أميركا” وخطاب بايدن بـ”إعادة بنائها بشكل أفضل من أي وقت مضى”، ينتظر الشرق الأوسط نتيجة الانتخابات حتى يبني توقّعات وآفاق لمصيره في السنوات الأربع المقبلة. ولكن يجدر التذكير بأنّ معظم الشعوب العربيّة تفاءلت عقب فوز باراك أوباما على نظيره الجمهوريّ جورج بوش، إلّا أنّ حكمه لم يكن على قدر التمنيات والتوقّعات وقد لا يتغيّر الأمر كثيراً اليوم. فعلى رغم عزم بايدن على استعادة دور الولايات المتّحدة الأميركيّة كقوة إيجابية في العالم وإنهاء الحروب “الأزليّة” في المنطقة، قد تبقى هذه الوعود حبراً على ورق حتّى في حال وصوله أو تزداد سوءاً في حال فوز ترامب.