fbpx

ثلاثة حقوقيين “رهائن” في السجن : كيف يستعرض السيسي بقمع قادة حقوق الإنسان أمام بايدن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حملة الاعتقالات الأخيرة هي “قمع غير مسبوق لمجتمع حقوق الإنسان ويمكن أن يتجاوز المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ليبتلع المجموعات الشجاعة الأخرى المتبقية.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الصيف الماضي غرد جو بايدن حين كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية تعليقاً على سجن مصر ناشطين وحقوقيين فكتب على صفحته على تويتر :”لامزيد من الشيكات على بياض لـ”ديكتاتور ترامب المفضل”. بدا موقفه حينها انتقاداً لما تسرب عن الرئيس دونالد ترامب بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو “الديكتاتور المفضل” لديه. كان المرشح الديمقراطي حينها يؤكد أن سياسة محاباة الطغاة  لن تحصل في عهده إن هو ربح الانتخابات منتقداً سلوك خصمه ترامب في هذا المجال.

المفارقة أن الرئيس السيسي كان أول رئيس يهنأ بايدن بعد إعلان فوزه رئيساًَ للولايات المتحدة الأمريكية مطلع  الشهر، وسريعاً بدأ الرئيس السيسي ماوصفه بعض الحقوقيين بعرض عضلات عبر استخدام منطق العصا والجزرة، أولا بإطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين ، من بينهم خمسة من أقارب الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان المحسوب على التيار الإسلامي، في خطوة بدت محاولة لكسب ود إدارة بايدن. بعدها بأيام عمدت السلطات الأمنية لاعتقال ثلاثة من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر والثلاثة يعملون في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” وهي مؤسسة حقوقية تعد من أنشط المبادرات في هذا المجال في مصر. وتم تبرير القبض على الناشطين الثلاثة بذريعة انهم التقوا دبلوماسيين غربيين وبحثوا قضايا حقوقية معهم.

والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي إحدى المنظمات غير الحكومية المستقلة القليلة المتبقية العاملة في مصر، بعد حملة ممنهجة من النظام خلال السنوات الماضية، ضد المنظمات غير الحكومية والحقوقية بحيث طاولت الحملة عشرات العاملين في هذا المجال، وقد حُكم على العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان بالسجن أو بمنعهم من السفر أو تجميد أصولهم بزعم أنهم يعملون بشكل غير قانوني أو يتلقون تمويلًا أجنبيًا بشكل غير قانوني.

أحد الحقوقيين وصف الاعتقالات الأخيرة بأنها مناورة من النظام،  “ربما أراد السيسي القضاء على أي أمل في العمل في ظروف أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان و المجتمع المدني المصري، وربما أراد إرسال إشارة إلى إدارة بايدن القادمة بأن الضغط على قضايا حقوق الإنسان سيواجه مقاومة شديدة”.

حالياً، يترقب النظام المصري كيف ستتعامل الادارة الاميركية الجديدة معه، خصوصاً بعد سنوات من غض الطرف من قبل ادارة ترامب حول كل الانتهاكات التي كانت تحصل، فهل سيتغير الأمر حالياً مع إدارة بايدن؟ وكانت لافتةً تغريدة مستشار السياسة  الخارجية لبايدن، انتوني بلينكن، عبر تويتر اذ كتب “التقاء دبلوماسيين اجانب ليس جريمة. كما  أن الدفاع السلمي عن حقوق الانسان ليس جريمة ايضاً” ووصف المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز اعتقال الناشطين المصريين بأنه “أمر مشين” معتبراً أنه على الإدارة القادمة أن “تقطع صراحة لمصر ولكل الدول بأن الولايات المتحدة ستعود مجدداً لدعم الديمقراطية لا الديكتاتورية”.

ما حصل هو “جزء من نمط أوسع لترهيب المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان” 

اعتقالات ممنهجة

في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد 15 نوفمبر اعتقلت قوات الأمن  المدير الإداري بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية محمد بشير من منزله، بالاستعانة بقوة أمنية مدججة بالسلاح ، واحتُجز في وضع اختفاء قسري في منشأة أمنية لمدة 12 ساعة قبل أن يتم نقله إلى نيابة أمن الدولة العليا. وقد تم استجوابه  في جهاز الأمن الوطني دون محام، ثم خضع لاستجواب في نيابة أمن الدولة العليا، حول زيارة قام بها عدد من الدبلوماسيين إلى مكتب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، وحول أعمالهم في المبادرة في مجال الدفاع الجنائي وبياناتهم، ثم قررت النيابة احتجازه لمدة 15 يومًا خاضعة للتجديد، وجرى توجيه عدة اتهامات له منها “الانضمام إلى منظمة إرهابية”، و”نشر معلومات كاذبة”، و”تكدير الأمن والسلم العام”، وهي تهم لم يدعمها أي دليل.

بعد أيام قليلة من اعتقال بشير، توجهت قوات الأمن إلى منزل مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية كريم عنارة في القاهرة لكن لم يكن في منزله.في اليوم التالي اعتقلته بينما كان جالسًا في مطعم في منتجع دهب السياحي، بجنوب سيناء ، أثناء قضاءه إجازته. صادرت القوات الأمنية جهاز الكمبيوتر والهاتف وممتلكاته الشخصية أثناء اعتقاله. وبعد تحقيق استمر أربع ساعات، تقرر حبس عنارة  لمدة 15 يومًا قابلة للتجديد، وجرى توجيه عدة إتهامات له وهي: الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”استخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة”، و”نشر أخبار كاذبة” من شأنها “تقويض السلم العام”.

في 19 نوفمبر، أفادت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن قوات الأمن اعتقلت جاسر عبد الرازق من منزله بالقاهرة، واقتادته إلى مكان مجهول. ثم ظهر فيما بعد وتم استجوابه في نيابة أمن الدولة ، التي أمرت باحتجازه على ذمة المحاكمة لمدة 15 يومًا في نفس التهم الموجهة لمحمد بشير وكريم عنارة وهي “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر بيانات كاذبة لتقويض الأمن العام” و”استخدام الإنترنت لنشر أخبار كاذبة “.

صورة عن الاجتماع الذي عقد في مقر المبادرة مع دبلوماسيين غربيين وكان ذريعة للاعتقال

جاء اعتقال النشطاء الثلاثة في محاولة لترهيب العاملين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وتضييق مساحات عملهم الحقوقي بتفريغ المبادرة من قياداتها، إلا أن الحقوقي والصحافي في موقع “مدى مصر” حسام بهجت، وهو مؤسس المبادرة كتب أن المبادرة ستواصل عملها رغم الاستهداف الأمني. بهجت كتب عبر صفحته الشخصية على فيسبوك” من اليوم أتولى إدارة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لحين الإفراج عن قياداتها الرهائن، أكثر ما أعتز به في حياتي هو تأسيس المبادرة في 2002 وتولي إدارتها لمدة 10 سنوات. كما شرفني أن أظل رئيسا لمجلس إدارتها كمتطوع حتى اليوم. والآن انضم من جديد لفريقها الموهوب والشجاع”

وبهجت أيضا لم يسلم من مساحات التضييق، فهو ممنوع من السفر  ويعاني من تجميد أصول ممتلكاته على ذمة القضية 173 لسنة 2011، ضمن قائمة متظلمين من المنع من السفر وهم :المحامي الحقوقي محمد زارع، ومديرة مركز نظرة للدراسات النسوية مزن حسن، والمحامي الحقوقي جمال عيد، والمحامية عزة سليمان، والمحامي أحمد راغب وغيرهم.

 تعمل -بحسب موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- منذ تأسيسها عام 2002 على تعزيز وحماية الحقوق والحريات الأساسية في مصر، وذلك من خلال أنشطة البحث والدعوة ودعم التقاضي في مجالات الحريات المدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعدالة الجنائية. كما تنشط المبادرة أيضا في مجالات التطوير، والتعليم، والأسرة، وحقوق الإنسان، وحقوق العمال، والأبحاث، وتطوير المهارات.

وللمبادرة منذ تأسيسها قبل 18 عاماً، اسهامات مهمة في المجال الحقوقي، ففي عام  2005 أصدرت  المبادرة بياناًَ ودراسة طالبت فيه  الحكومة ” بإعطاء الأولوية لحماية حق المواطنين في الصحة أثناء تطبيق نصوص اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة (التريبس). وأوصت المبادرة الحكومة باستخدام جميع الصلاحيات المتاحة في الاتفاقية مثل الترخيص الإجباري لتصنيع الأدوية محلياً، والاستيراد الموازي لها من أجل ضمان حصول الأفراد على الأدوية بأسعار في متناولهم المادي.

وفي عام 2008 نجحت المبادرة في كسب  القضية التي قادتها ضد خصخصة الصحة، و تحويل التأمين الصحي لشركة قابضة.وفي 2009 كان للمبادرة دور مهم في صياغة قانون الصحة النفسية الجديد، وأصدرت دراسة تفصيلية بعنوان “مشروع قانون الصحة النفسية: خطوة أولى على الطريق الصحيح”.وفي 2014 لعبت المبادرة دوراً كبيراً في الحملة التي قادتها للمطالبة  بحق المصريين في الحصول على العلاج بسعر عادل، في دراسة بعنوان” علاج فيروس سي في مصر لماذا تظل التكاليف تحديا “.

ورفعت المبادرة  قضية  في عام 2010 لوقف العمل بنظام تسعير الدواء على أساس أسعار بيعه العالمية بدلا من سعر التكلفة لأنه

“يشكل تهديدا لحق المواطنين في الحصول على الدواء “.

كما كان للمبادرة  دور كبير في المشاركة في كتابة قانون التأمين الصحي الشامل، الذي يضمن حقّ المصريين في الرعاية الصحية، و وهو القانون الذي تفتخر به الحكومة المصرية .

 كما كان للمبادرة دور أساسي وأولي في فتح ملف التجارب السريرية، بسبب حملاتها ودراساتها التي كان لها الفضل في صدور قانون يقدم اطاراً قانونياً شاملاً لتنظيم التجارب السريرية .

ومع بدايات أزمة وباء كوفيد 19 أصدرت المبادرة  دراسات ومقالات وبيانات تتعامل مع الأزمة الصحية لحظة بلحظة مع تقديم اقتراحات تفصيلية و عملية محددة لكيفية ادارة الأزمة الصحية.

استنكار دولي ومحلي

عقب اعتقال الحقوقيين الثلاثة أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ بيانًا قال فيه إن المبادرة تخضع للتحقيق لـ”خرق قوانين البلاد” لكنه لم يقدم تفاصيل، فيما اتهمت وسائل الإعلام الموالية للحكومة هذا الأسبوع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وجماعات حقوقية أخرى بـ”الخيانة وتشويه صورة النظام”.

حسام بهجت

ورد الحقوقي حسام بهجت على بيان وزارة الخارجية في بيان نشره على موقع “مدى مصر” قال فيه، إن الخارجية المصرية تعلم جيدا أن “المبادرة” تُعاقب الآن على عملها ونشاطها وتسأل في جهاز الأمن الوطني وفي نيابة أمن الدولة عن نشاطها، ولا مجال للتظاهر بأن المسألة لها علاقة بمخالفة قانون الجمعيات الأهلية، بحسب تعبير بهجت الذي أضاف أن القيادات الثلاثة المقبوض عليهم لم توجه لهم أية اتهامات أو حتى اسئلة تتعلق بقانون العمل الأهلي، وتحريات الأمن الوطني ضدهم تقتصر على قائمة الاتهامات”المضحكة” المتكررة وعلى رأسها “الانتماء لجماعة إرهابية”.

وأشار بهجت إلى أن وزارة الخارجية سبق وتفاخرت عقب إصدار “العمل الأهلي” بخلوه من عقوبات الحبس، والآن تبرر حبس العاملين بالمؤسسة الحقوقية بالمخالفة لمواد هذا القانون. مؤكدا على أن”المبادرة” هي كيان قانوني 100% ومسجلة كشركة للدراسات والاستشارات بالهيئة العامة للاستثمار، ولها سجل تجاري وضريبي، كما تسدد جميع ضرائبها، وجميع العاملين فيها خاضعين لقانون العمل والتأمينات العامة، فضلا عن أنها تمارس عملها تحت مظلة القوانين المصرية منذ 18 عامًا، وكثيرا ما دعت “الخارجية” لاجتماعات داخل مقر الوزارة، أو مؤتمرات برئاسة مصر،وحضرت اجتماعات مع وفود أجنبية أو مع الوزير.

الاعتقالات الأخيرة  جاءت بعد أن التقى موظفو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع مجموعة من السفراء الغربيين في القاهرة مطلع الشهر الجاري. ومن بين المشاركين في اللقاء مبعوثون من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ودول أخرى بالاتحاد الأوروبي ودبلوماسيون من كندا وبريطانيا العظمى. الاجتماع كان  علنياً وموثقاً بصور وهو  هدف لبحث “سبل دعم تعزيز حقوق الإنسان في مصر والعالم” وهذه تفاصيل أعلنتها  المبادرة نفسها فهو لم يكن اجتماعًا سريا، بل اجتماعا رسميا بعلم الحكومة المصرية.

وكانت ISHR قد أصدرت بيانا أعلنت فيه عن تضامن أكثر من 50 منظمة من جميع أنحاء العالم مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وتحث على الإفراج الفوري وغير المشروط عن كريم عنارة ومحمد بشير وجاسر عبد الرازق. 

منظمة العفو الدولية وصفت حملة الاعتقال الأخيرة لقادة المبادرة بأنه “قمع غير مسبوق لمجتمع حقوق الإنسان ويمكن أن يتجاوز المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ليبتلع المجموعات الشجاعة الأخرى المتبقية.”

 وعبرت دول غربية من بينها فرنسا وايرلندا والنرويج عن قلقها بشأن الاعتقالات. ودفع ذلك وزارة الخارجية المصرية إلى تحذير فرنسا من التدخل في شؤونها الداخلية ، بدعوى أنها كانت محاولة للتأثير على التحقيق الجاري في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

أدان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الاعتقالات ، معلناً أنها “جزء من نمط أوسع لترهيب المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان” وأنها “غير متوافقة مع سيادة القانون”.