fbpx

أسئلة برسم فيصل القاسم والإعلام الناطق بالعربية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف تصبح معايير النشر والتحرير في الصحافة الناطقة بالعربية مفهومة وواضحة الملامح؟ ومتى؟ وكيف يمكن انتقاء المقالات المنشورة في الصحف، أهم الصحف، بناءً على المحتوى وليس بحسب اسم الكاتب وشهرته الإعلامية وحسب؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
فيصل القاسم

على رغم البوادر الإيجابية التي ظهرت على الصحافة الناطقة بالعربية في السنوات التي تلت موجة التغيرات السياسية والربيع العربي، وظهور منصات “الإعلام البديل”، إلا أن خطاب الإعلام التقليدي ما زال مسيطراً، وربما محتكراً المشهد الثقافي ومنابره، ربما بسبب قوة الدعم المادي وقدرته على استقطاب الأسماء المعروفة والفاعلة في الفضاء العام. فنجد مع كل ظهور جديد لوسيلة ومنصة إعلامية، انتقال الأسماء ذاتها تقريباً للتفاعل والمشاركة فيها، فيتحول الرأي العام في الصحافة الناطقة بالعربية موحدة اللون والتوجّه، كاتحاد زي تلامذة الأحزاب القومية. كيف لا وما زالت رواسب الفكر القومي متأصلة في ايديولوجيات معظم القائمين على هذه المنابر الإعلامية وتوجهاتهم؟

ببساطة بإمكان أي مراقب أو قارئ أن يتوقع مضمون مقالات معظم كتاب أعمدة الرأي اليومية والأسبوعية، حول مختلف المواضيع المطروحة، لغياب الموضوعية حيناً، ولتكرارها في أحيان أخرى. لكن لمَ تُنشر هذه الكمية كلها من المقالات؟ ومن المسؤول عن فلترة هذه الأفكار والاكتفاء بعدد معين من المقالات عن الفكرة الواحدة؟ هل على جميع كتاب الجريدة الواحدة أن يحللوا تدخل إيران في المنطقة، ثم الخروج بنتيجة واحدة مفادها أن إيران بالفعل تتدخل في 4 عواصم عربية على الأقل؟ وهل يجدون الجمهور ساذجاً لهذه الدرجة ليكون جاهلاً بالتدخلات الإيرانية؟ لكن إذا تخطينا مشكلة التكرار والتوقع (مقالات الـCommon sense ) وغياب الموضوعية أو الحياد، فإننا نواجه سؤالاً أهم: هل يجرؤ محررو هذه الصحف على رفض مقالة لإحدى هذه “القامات” الصحافية حينما تفتقد أبسط قواعد المهنية؟ لمَ لجريدة ذات تاريخ كبير مثل “القدس العربي” أن تتناسى وتتجاهل خطاب العنصرية والكراهية المحقون في مقالة الإعلامي فيصل قاسم، المنشورة في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر تحت عنوان “القصة الكاملة لإفلاس بشار البهرزي الأسد سابقاً”؟
هل فعلاً تستحق المادة النشر؟ أم أن معايير أخرى تدخلت في نشر هذه المقالة؟ 

يغلف فيصل القاسم خطابه العنصري بانتقاد عائلتي الأسد ومخلوف والنظام السوري. 

رغم البوادر الإيجابية التي ظهرت على الصحافة الناطقة بالعربية في السنوات التي تلت موجة التغيرات السياسية والربيع العربي، وظهور منصات “الإعلام البديل”، إلا أن خطاب الإعلام التقليدي ما زال مسيطراً، وربما محتكراً المشهد الثقافي ومنابره، ربما بسبب قوة الدعم المادي وقدرته على استقطاب الأسماء المعروفة والفاعلة في الفضاء العام.

انتقاد خجول لا يرتقي إلى أبسط معايير النقد، إذ إنه لم يعطِ أي أرقام أو حقائق عن الفساد. أما الجوانب التي تحدث عنها فلا تخفى عن الشعب السوري بطبيعة الحال. بل يكاد بشار الأسد ورامي مخلوف ينافسانه في حدة النقد، بل إنه قد استشهد بهم في مقالته. فخرج الأسد قبل أسابيع قليلة ليعزو انهيار الاقتصاد إلى فساد تهريب الأموال إلى المصارف اللبنانية، بينما تباكى رامي مخلوف على الفساد والمحسوبيات وغياب القانون. يأتي القاسم لينتقد الأسد ومخلوف، ولكن ليس لأنهما فاسدان وقاتلان، ولكن لأن أصول عائلة الأسد كردية كاكائية، بحسب القاسم. لا أعرف ما هي مصادر القاسم (وليس مهماً) وهو يريد إثبات ما تنحدر منه عائلة الأسد، لكن هناك أسئلة قد توجه له من أي سوري يقرأ هذه المقالة. هل معرفة ما هي أصول الأسد ومن أين ينحدر، مسألة مهمّة فعلاً؟ وهل ستُحل القضية السورية إذا لم يكن الأسد عربياً مسلماً؟ ماذا يغير ذلك في الواقع السوري؟ هل سيقوم جيش الإسلام بالإفراج عن المعتقلين والأسرى العلويين لديه؟ أم أن ميليشيات النصرة الطائفية ستحوّل حقدها الطائفي وتوجهها نحو مكان آخر؟ نحو التركمان والكُرد؟ أم أن هذا ما يريده القاسم أصلاً؟ 

إقرأوا أيضاً:

لا تحتاج إلى تحليل نص القاسم لترى الخطاب العنصري فيه. يبدأ القاسم مقالته مبشراً السوريين بأن الأسد ليس علوياً ولا عربياً ولا علاقة له بالإسلام، وهو من الكرد الكاكائيين. حسناً؟ ماذا بعد؟ هل بتنا اليوم في سوريا نريد معرفة أصول القتلة والفاسدين؟ وما هي معايير المحاسبة في سوريا الجديدة التي يطمح إليها القاسم؟ 

يقول القاسم إن السؤال الذي يحيّر السوريين “لمزاً وغمزاً” بحسب تعبيره هو جذور عائلة الأسد ويمدنا بالاسم الأخير للعائلة “مشكوراً”، فهي العائلة التي قامت بتجويع السوريين وتهريب أموالهم على مدى خمسة عقود. مسألة معرفة أصل العائلة الند يتضمن الكثير من عقلية الثأر في خطاب القاسم، وإلا فما أهمية معرفة أصول هذه العائلة في السياق الذي طرحه القاسم؟ يسترسل القاسم أيضاً في روي أخبار الأسد وممارسات النهب والتعدي على الاقتصاد والفساد الخُلقي للأسد ليعود ويقول “هو والعصابات والسلالات الكردية والتركمانية وسواها”. لا لغوياً ولا صحافياً، يمكن فهم ربط القاسم ممارسات هذا النظام وعائلة الأسد بالسلالات المذكورة. لكنه يكمل في السياق ذاته للحديث عن فشل مؤتمر اللاجئين كصفعة للروس والنظام. فما علاقة انحدار الأسد من جذور كردية بفشل مؤتمر اللاجئين؟ 

 يتحول الرأي العام في الصحافة الناطقة بالعربية موحدة اللون والتوجّه، كاتحاد زي تلامذة الأحزاب القومية. كيف لا وما زالت رواسب الفكر القومي متأصلة في ايديولوجيات معظم القائمين على هذه المنابر الإعلامية وتوجهاتهم؟

استمر القاسم في الاسترسال والحديث عن السرقة التي تطاول جيوب الفقراء من السوريين بلغته المعهودة في برنامجه الشهير. لكن الداعي إلى السخرية هو استشهاد القاسم في الحديث عن الفساد بقول رأس النظام قبل أسابيع. ألا يمتلك واحداً من أشهر صحافيي سوريا أدوات بحثية ليجيء بما يدعم مقالته؟ وهل يوجد أكثر من الأدلة على الفساد المستفيض في سوريا؟ 

وجد القاسم قبل ختام مقالته أمثلة جيدة لانتقاد فساد النظام المالي والتلاعب بسعر الدولار. وانتقد سياساته في اقتياد السوريين الى الجيش، وأثنى على هروب الشباب السوري من قتل إخوتهم. ولكنه تناسى ربما أن آلافاً وعشرات الآلاف من هؤلاء الفارين من خدمة القتل هم من الإثنيات ذاتها التي اتهمها القاسم بمعاناة السوريين. نسي ربما أن الشباب الكُرد فضلوا قتال “داعش” على أن يبقوا في جيش الأسد. وأن عشرات الآلاف موجودون في معسكرات البيشمركة “بيشمركة روج السورية”، لأنهم رفضوا اللحاق بالجيش السوري وفضلوا البقاء لا هنا ولا هناك. والكلام ينطبق على جميع الشعوب السورية بطبيعة الحال. 

وتحدث القاسم عن سرقة النظام المزارعين، وهو الذي تناسى أن نصف مزارعي سوريا أو أكثر، هم في شمالها، في الجزيرة وأرياف حلب وعفرين وادلب. وأن كثراً من هؤلاء هم كرد تركمان. 

قدّم لنا فيصل القاسم “رأياً“، غلفه بانتقاد فساد النظام، ليقول لنا إن كل فاسد وقاتل في سوريا هو إما كردي أو تركماني أو إيراني. وليقول إن عائلة الأسد هي كاكائية – كردية، وهي المعلومة التي لا أساس لأهميتها وإن صحت. لم يقدم القاسم للسوريين أي معلومة وتحليل، سوى شحن الفضاء العام طائفية نحن بغنى عنها. فالفضاء السوري متمثلاً بمعارضته ومؤسساته وهيئاته في الداخل والخارج هو انعكاس للحرب الموجودة على الأرض، وليست بعيدة من النزعات والحروب الطائفية، ليأتي القاسم ويزيد من الشعر بيتاً. هذا على الصعيد السوري، أما مهنياً، فيبقى السؤال برسم الإعلام المقروء والمسموع الناطق بالعربية، عن ماهية معايير النشر وضوابط خطابات الكراهية. ربما حان الوقت ليكون الولاء للضوابط والقيم المهنية قبل أي شيء آخر.  

إقرأوا أيضاً: