fbpx

الدولة ضحية حروب الطوائف في المشرق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استخدام الدول بنماذجها المختلفة، كمسرح لحرب الطوائف في المشرق، غالباً ما يتلازم مع دعوات كبرى كالقومية والعروبة لدى السنّة، والمقاومة والتحرير لدى الشيعة، والوطنية والحياد لدى الأقليات غير الإسلامية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شكلت الدولة في المشرق العربي مسرحاً لحروب الطوائف، إذ إن فشل انتقال النموذج الغربي وانتفاء حوامله وشروطه وتصادمه مع ذهنية ترفض الاستعمار ككل، من دون تمييز، بين مقاومته وبين ما يملك من أشكال متقدمة في الحكم، تمكن الاستفادة منها، عوامل جعلت الدولة تتأرجح بين تمسك سني بالخلافة وإعادة إنتاجه عبر إيديولوجيات ما فوق وطنية، ومعارضة شيعية لهذا النموذج، تقوم على مواجهته فقط من دون بديل، فضلاً عن تجارب لدولة – أمة، بنتها أقليات غير إسلامية أو عربية، لكنها لم تتطور لتستقطب جماعات أخرى.

فمعظم سنّة المشرق، لم يتخلوا عن حلم الخلافة، على رغم انهيار الدولة العثمانية، وتشكل جغرافيات سياسية جديدة بفعل قوى الانتداب. النموذج الإسلامي عن الدولة الراسخ في وعيهم أعيد إنتاجه بمفعول قومي، بحيث اختلطت الخلافة مع الوحدة العربية، والإسلامي تداخل مع القومي، لنصبح حيال نظرية مهجنة عن الدولة، لها من المخيال أكثر بكثير من المحددات السياسية. وعليه، فإن الأمتين، العربية والإسلامية، ابتلعتا الدولة بوصفها كياناً قانونياً، وسط مناخ تصاعدت فيه النزعات الراديكالية، التي عملت على تصفية ما تركته قوى الانتداب من أثار لنماذج الحكم، عبر الانقلابات وتدخل الجيش. الوعي الإسلامي بما يخص الدولة، مورس داخل هياكل حكم ومؤسسات حديثة مفرغة من وظيفتها، هكذا، توزع تطبيق فكرة الدولة سنياً بين وهم الخلافة، ودكتاتورية صاعدة على أكتاف الراديكاليات.

معظم سنّة المشرق، لم يتخلوا عن حلم الخلافة، على رغم انهيار الدولة العثمانية، وتشكل جغرافيات سياسية جديدة بفعل قوى الانتداب.

وانقسمت الأقليات الإسلامية حيال هذا النموذج، فالشيعة واصلوا مساراً طويلاً من معارضته ورفضه، على وقع مظلومية تاريخية ترتبط بما يرونه أحقية لهم بالحكم. والمعارضة تلك، اكتسبت، مع قيام الثورة الإسلامية في إيران، بعداً جديداً، إذ تدرج مفهوم تصدير الثورة واستغلال غبن الجماعات الشيعية في المشرق، وغيره، ليتحول إلى تأسيس ميليشيات، تنوعت تبريراتها بين مقاومة إسرائيل ومواجهة تسلط المركز. فتبدت معادلة، الميليشيات الشيعية ضد نموذج الدولة المعاد إنتاجها، على وقع مخيال الأكثرية السنية، كمؤسسات يمارس فيها وعي ينبذ تصور الدولة الحديثة.

إقرأوا أيضاً:

أقليات إسلامية أخرى، عملت على مواجهة النموذج السني للدولة، عبر استعارة خطاب الأكثرية، في العروبة والقومية والإسلام، وبيعه لها، بهدف التمكن والتسلط، عبر الجيش، ما ساهم بوجود أقليات تحكم بوعي أكثري، وتزايد على السنة في خطابهم، بمعنى، أن الاختلاط بين الخلافة والدكتاتورية، ترجم لدى حاكم أقلوي مستبد، يستخدم قالب السنّة في الحكم، ليبني داخله شبكات أمنية وزبائنية، تضمن له الاستمرار والديمومة.

أما الأقليات غير الإسلامية، التي كانت أكثر استعداداً لتقبل تقسيمات الاستعمار ونماذجه في الحكم، فقد استعانوا بنموذج الدولة – الأمة، الذي نجح نسبياً، في بناء وطنية ضيقة ترتبط بجماعة واحدة، وما تقدمه من سردية حيال الوطن، وتحيل بقية الجماعات إلى فئات من درجة ثانية وثالثة. ما جعل تطبيق نموذج الحكم هذا، الذي يناسب منطقتنا، أقرب لهوى الطوائف ومصالحها منه إلى أصله الغربي الذي راج بعد سقوط القوميات.

استخدام الدول بنماذجها المختلفة، كمسرح لحرب الطوائف في المشرق، غالباً ما يتلازم مع دعوات كبرى كالقومية والعروبة لدى السنّة، والمقاومة والتحرير لدى الشيعة، والوطنية والحياد لدى الأقليات غير الإسلامية، والمفارقة أن تلك الدعوات، تتغذى من بعضها بعضاً، وتتناوب عليها الجماعات، وتنتج معادلات لها، المقاومة مثلاً حاضرة عند الجميع، مع تصورات مختلفة، تتعلق بكل طائفة، وفهمها القديم للدولة، الذي يحكم غالباً مسار علاقتها مع بقية الطوائف.

وقد يفسر ذلك، بشكل جزئي، فشل بناء الدول في المشرق، إذ إن نماذج وتصورات  تاريخية، مرتبطة بدعوات وخطابات إيديولوجية، تتصارع في ما بينها علناُ في بعض الأحيان وسراً في أحيان أخرى، فيما الضحية دائماً الدولة بوصفها كياناً قانونياً، تتصارع الجماعات والقوى الاجتماعية في داخله، عبر الانتخاب والتشريع وإقناع الرأي العام، ولا تتصارع عليه، في حروب أهلية لا نهاية لها.

إقرأوا أيضاً: