fbpx

لماذا تنزعج إيران من زيارة البابا إلى العراق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لمَ كل هذا الانزعاج من رجل قليل الكلام بعيد من الضجيج والإعلام، لا يهمه المنصب ولا الزعامة السياسية، لا يملك سلاحاً، لا يقود ميليشيات، ويعيش في منزل متواضع في حي فقير في النجف…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المنزعج الأكبر أو الوحيد ربما، من زيارة البابا فرنسيس المباركة إلى العراق، ولقائه المرجع الشيعي السيد علي السيستاني بالتحديد، هو النظام الإيراني فقط، والانزعاج هذا، لم يأت على إثر المشهد القيمي الحضاري، الذي تجلى في لقاء هو الأول من نوعه، بين أكبر زعيمين روحيين للكاثوليكية والتشيع في العالم، فحسب، بل منذ إعلان الفاتيكان عن موعد الزيارة.

فخبر كهذا، كان كفيلاً، منذ ساعة إعلانه، بإدخال الجمهورية الإسلامية، في حال من الغضب الممزوج بالصدمة، ذلك أنه، نسف أربعين سنة من الانفلاش السياسي والتمدد المذهبي والقوة العسكرية، راكمتها الجمهورية الإسلامية، من أجل أن تحظى بصفة الممثل الشرعي الوحيد للشيعة في العالم، في لحظة تاريخية كهذه.

وعليه، لم يستطع المقربون من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وعلى رغم أنهم يصدعون رؤوسنا ليل نهار بتحليهم بالبراغماتية، وبتمتعهم بالصبر الديبلوماسي، إخفاء انزعاجهم الشديد من الزيارة، وباشروا باكراً، بإطلاق رسائل الكراهية، للعراق وللسيستاني، عبر الإعلام الرسمي. 

يشكل السيستاني المنافس الوحيد لخامنئي على الزعامة الدينية للشيعة في العالم، خصوصا بعد خلو الحوزات الشيعية في إيران والعراق ولبنان من مراجعها الكبار، بفعل الوفاة.

فقبل بضعة أشهر من الزيارة، وكرد فعل أول على إعلان الفاتيكان، كتب حسين شريعتمداري ممثل المرشد في صحيفة “كيهان” الناطقة باسم صقور النظام، مقالة لا لزوم لها، سوى أنها وجهت انتقادات جارحة للسيستاني، الذي كان قد استقبل في منزله المتواضع في النجف، المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت.

فاللقاء الذي “نبشه” ممثل المرشد، كذريعة لمهاجمة السيستاني، كان، برأيه، مثيرا للجدل بسبب توقيته، لأنه جاء، على أبواب الانتخابات التشريعية الأخيرة، وشكل بالتالي تشجيعاً للغرب على التدخل في الشؤون السيادية العراقية، والأصح أن شريعتمداري ومن خلفه النظام الإيراني، لم يرق لهما، دعوة السيستاني بلاسخارت، خلال اللقاء، إلى الإشراف المباشر للأمم المتحدة على الانتخابات، لأن هذه الدعوة، كانت أشبه بشكوى ضد إيران لدى الأمم المتحدة، لوضع حد لتدخلها وتلاعبها بالانتخابات العراقية.

وفي الأمس، أدلى عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية الشيخ علي أكبر رشاد، بتصريح ناري، اختصر فيه الغضب الإيراني من الزيارة، إذ وصف البابا فرنسيس بالمتطرف (ضد المسلمين) واتهمه بتعطيل حوار الأديان، ودعاه إلى زيارة اليمن، الذي يُقتل أهله بسلاح “المسيحيين”، عوض ادعاء حماية مسيحيي العراق.

عدا ذلك، لطالما سعى النظام الإيراني، إلى التضييق على السيستاني شعبياً، ومن خلال المؤسسة الدينية، بحيث يلقى المصير ذاته، الذي لقيه الشيخ حسين علي منتظري، الذي أمضى الـ20 سنة الأخيرة من حياته في الإقامة الجبرية، جزاء تراجعه عن تبني حكم الولي الفقيه، ولطالما بحث عن بديل، على رأس حوزة النجف، بديل موال له يؤمن بولاية الفقيه ويساعده على محو تأثير العراق الديني وأثره، لكنه فشل بالطبع، بل على العكس ازدادت شعبية السيستاني وكثر “مقلدوه” حتى في إيران، وفي صفوف الحرس الثوري بالذات. 

إقرأوا أيضاً:

 لكن، لمَ كل هذا الانزعاج من رجل قليل الكلام بعيد من الضجيج والإعلام، لا يهمه المنصب ولا الزعامة السياسية، لا يملك سلاحاً، لا يقود ميليشيات، ويعيش في منزل متواضع في حي فقير في النجف، على رغم أنه يرأس أغنى مؤسسة دينية شيعية في العالم؟ 

منذ سيطرة النظام الإيراني سياسياً على العراق، إضافة إلى استباحته اقتصادياً واحتلاله عسكرياً، والسيستاني، الذي يتجنب الخوض في السياسة عادة، يكرر في كل تصريحاته، الدعوة إلى استقلال العراق ووقف التدخل الأجنبي في شؤونه، مهما كانت هوية هذا التدخل.

بناء على هذا القاعدة، رفض السيستاني زيارة السفير الأميركي (الحاكم المدني للعراق) بول بريمر، كما رفض أيضاً طلب زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، ورئيس السلطة القضائية في إيران ابراهيم رئيسي المقرب من المرشد، وأبلغ الرئيس الإيراني حسن روحاني حين زاره منذ نحو السنتين، احتجاجه على تجاوزات فيلق القدس في مدن العراق وعدم رضاه على تصرفات قائده قاسم سليماني، ورفض أيضاً، لقاء وفد “حوثي” مدعوم من إيران، ووقف ضد وجود “الحشد الشعبي” في سوريا، وأعلن مع عدد من المراجع النجفيين، أن كل من يذهب إلى سوريا، يعصي أوامر المرجعية.

كتب عنه الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني في مذكراته، أنه يستاء كثيراً من التصريحات الهجومية الإيرانية، ضد السنة والدول العربية “لأن هناك من يدفع ثمنها” وهو يقصد الشيعة العرب.

“الشيعة في النجف وفي العالم، يريدون سلطة دينية لا تتدخل في السياسة، وهنا تكمن مساحة قوته”. 

قال عنه السيد جواد الخوئي نجل المرجع الشيعي الراحل أبو القاسم الخوئي: “الشيعة في النجف وفي العالم، يريدون سلطة دينية لا تتدخل في السياسة، وهنا تكمن مساحة قوته”. 

من ناحية أخرى، يشكل السيستاني المنافس الوحيد لخامنئي على الزعامة الدينية للشيعة في العالم، خصوصا بعد خلو الحوزات الشيعية في إيران والعراق ولبنان من مراجعها الكبار، بفعل الوفاة، فالسيستاني نقيض لدود لخامنئي، يخالفه في فهم وتفسير الكثير من المسائل والنظريات الفقهية الموجودة في التراث الشيعي، وكيفية تطبيقها على الحاضر أو لزوم تطبيقها، بمعنى آخر، تتجنب حوزة النجف التي يقودها السيستاني الغوص في عالم السياسية، تتدخل أحياناً على السطح، من دون التعمق أو الاستغراق، وتؤثر الظهور بلبوس الروحانية ولعب الأدوار الإنسانية والتركيز على الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات، بينما ذابت حوزة قم، التي يمثلها خامنئي، في أيديولوجية ولاية الفقيه، وأصبحت محكومة لها أكثر مما هي حاكمة بها، فركونها إلى المكاسب، التي حققتها بفضل النظام السياسي القائم على هذه الأيديولوجيا، تسبب في تراجع مكانتها الروحية في الوجدان الشيعي، وفي عيون العالم، في مقابل ارتقاء لحوزة النجف، وبفضل هذه الميزة، وقع اختيار الفاتيكان على النجف. 

ليس حدثاً عادياً، أنه في التظاهرات الشعبية، التي عمّت إيران والعراق ولبنان، في السنوات الأخيرة، أحرق المتظاهرون صوراً لخامنئي وهتفوا بموته وبسقوط نظامه، هذا ثمن إقحام الدين في السياسة، في حين وقف السيستاني إلى جانب المتظاهرين في العراق، فاحتموا بمرجعيته وهتفوا له لا ضده، مشهد كهذا، يُقلق الجمهورية الإسلامية داخلياً، ويُضعف موقع المرشد، مذهبياً وعالمياً، أما كيف يُترجم في النجف، فبزيارة عظيمة للحبر الأعظم، وبوثيقة تاريخية تحمل توقيع زعيم الكنيسة الكاثوليكية في العالم، إلى جانب توقيع الزعيم الديني للشيعة في العالم.

إقرأوا أيضاً: