fbpx

“خايفة أندم إني تكلمت” :
خذلان العدالة لضحايا التحرش والاعتداء الجنسي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أنا مش حاسة دلوقتي غير بالقهر والغضب، وخايفة مشاعري تتحول لندم، خايفة أندم إني اتكلمت، إني طلبت حقي، إني صدقت إن في أمل، خايفة أندم إني كملت في القضية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دلوقتي حقي راح، حقي وحق كل ست هتتأذي في المستقبل من الرجالة اللي أذوني أو رجالة غيرهم شافوا إن عادي ممكن ننتهك واحدة ست في الشارع والكاميرات تصورنا وبردو نطلع براءة..”!

بعد أن خذلها القضاء وشرائح واسعة من الرأي العام لم تجد الشابة المصرية ياسمين العزب التي اشتهرت باسم “بسنت”، سوى أن تتحدث عن إحباطها عبر صفحاتها الخاصة عبر السوشيال ميديا.

كتبت بسنت منشوراً ينضح بمشاعر القهر والخذلان التي تشعر بها عقب صدور حكم ببراءة المتهمين السبعة في قضية التحرش الجماعي بها في مدينة “ميت غمر” بدلتا النيل في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ما حصل لبسنت يختصر ما تعانيه اي امرأة أو شابة قررت ان تواجه المتحرشين والمعتدين المحميين بنظم اجتماعية وقانونية تبرر لهم ما يرتكبونه.

المفارقة، أنه وبالتزامن مع البراءة التي نالها المتهمون بالتحرش في قضية “بسنت”، كانت شابة أخرى تتعرض لانتهاك مماثل حتى وهي ميتة.

نعني هنا داليا المعروفة بـ”فتاة السلام” التي قضت في جريمة مروعة مطلع شهر اذار/مارس الجاري، بعد أن هاجمها بواب العمارة التي تسكن فيها ومعه آخرون لأنها كانت في منزلها برفقة صديقها فتم الاعتداء عليها والقاؤها من شرفة المنزل لتسقط على الطريق ميتة.

هنا أيضاً، تخاذل القضاء بعد أن صدر قرار بأخذ “مسحة مهبلية للمتوفية بناء على قرار النيابة العامة لبيان وجود معاشرة جنسية من عدمها قبل الوفاة”.

ترى، هل المعاشرة الجنسية في حال حصولها تسمح بالهجوم والاعتداء وقتل الشابة؟ هل هذا المقصود من هذا الإعلان القضائي؟

تشريع العنف الجنسي

قضيتا بسنت وداليا والتطورات الحاصلة فيهما يجعل التساؤل ملحًا؛ متى يصبح المسار القانوني فعالًا في جرائم العنف الجنسي في مصر؟ ومتى يحين الوقت لإنصاف الناجيات والضحايا بشكل قانوني دون وضعهن في قفص الاتهام بناءً على أحكام أخلاقية واجتماعية.؟

فوجئت “بسنت” باعتداء جماعي عنيف من قبل شبان خلال سيرها في شارع تجاري بالمدينة ،ما استدعى تدخل أصحاب المحلات بعدما استنجدت بهم، وأخرجوها بصعوبة من الشارع. الإعتداء على “فتاة ميت غمر”، كما أُطلق عليها في الإعلام، وثقته كاميرات المراقبة المنتشرة على طول الشارع، كما وثقته هواتف المارة الذين سجل بعضهم الواقعة تحت عنوان  “حادث طريف” لتداوله على وسائل التواصل الإجتماعي. توجهت “بسنت” إلى قسم الشرطة، اليوم التالي للإعتداء، قدمت بلاغاً، وتم التوصل إلى الجناة بمساعدة عشرات المقاطع المصورة من جميع الزوايا.

من المفترض أن تنتهي الواقعة عند هذا الحد، لكن تضامن شرائح واسعة من الرأي العام والإعلام مع الجناة، وتهديدات القتل والإغتصاب من عائلات المتهمين، ومحاميهم، أجبر  “بسنت” على مغادرة المدينة بمساعدة داعمين إلى القاهرة. وخلال 4 شهور عاشتهم الضحية في “رعب وقلق وظلم وإهانة”، بحد وصفها، حكم القاضي ببراءة المتهمين مع وجود هذا الكم الهائل من القرائن التي لا تتوفر عادة في جرائم العنف الجنسي. الحجة في الحكم هي أن أقوال الشابة متعارضة.

هل حقاً لا يدرك القضاء أن ضحايا العنف والتحرش خصوصاً حين يكون جماعياً كما في حالة “بسنت” يعشن اضطراباً وقلقاً وخوفاً هائلاً وقد يفضي ربما الى تشوش في الذهن. أهمل القضاء كل القرائن والفيديوهات وتعامل مع الفتاة بوصفها هي المرتكبة وليست الضحية.

بسنت” حالياً تحاول التشبث بحقها رغم صعوبة المسالك القانونية لذلك، لكن “جثة” فتاة دار السلام الراقدة في كفنها لا تستطيع الوقوف أمام منصة العدالة لترفض انتهاك مهبلها وحياتها الخاصة عبر اجراءات الطب الشرعي بأمر قضائي. لن يمكنها أن تدافع عنه نفسها أمام نيابة تشير إليها باتهامات “الانفلات الأخلاقي الذي أودى بحياتها”.

أخذ مسحة مهبلية من جثة فتاة السلام أمر صادم ويثير الغضب والاشمئزار، فقد أوحت صياغة الخبر بأن النيابة تبحث عن دليل بوجود معاشرة جنسية، وأن ذلك سيؤثر على سير القضية لصالح رواية المتهمين الذين قتلوا الشابة، وهذا في حد ذاته جريمة أخرى في أي معيار حقوقي في العالم.

النيابة العامة تجاهلت مسؤولية إلقاء شابة من على ارتفاع شاهق وارتطام جسدها بالأسفلت وموتها، لكن لم تنس إبراز أن القتيلة كانت ترتدي “ملابس رياضية فقط”، في إشارة غير بريئة إلى غياب الملابس الداخلية، لتفصيلة التي استحقت أن تصل للعناوين الرئيسية بالصحف المحلية.

مرة أخرى تتحول الضحية إلى متهمة، وأصبح ما ارتدته ومالم ترتديه وما بين فخذيها مادة للتحقيق بشأن اسلوب عيشها وليس بشأن الاعتداء عليها وقتلها. وجهت النيابة عدة تهم الى المرتكبين من بينها اقتحام مسكن، تعذيب واحتجاز، لكن لم يكن “القتل” بين التهم الموجهة لهم. خلصت التحقيقات الى أن الضحية ألقت نفسها خوفاً من إرهاب المتهمين.

النسويات مصدومات

نتيجة للصدمة الكبيرة من مسار التحقيقات، قامت مجموعة ناشطات نسويات بإعلان الحداد على مقتل داليا، فتم تغيير صور التعريف على وسائل التواصل الإجتماعي إلى السواد. وأعربت صفحات نسوية  رفضهن للمسار الذي سلكته الأمور في جريمة فتاة السلام، لما يحمله من تكريس  لمفهوم الولاية وتقييد الحق في السكن والعنف على أساس النوع.

نشرت صفحة “دفتر حكايات”، الصفحة النسوية المعنية بشهادات الناجيات المُجهلة، في منشور أقرب إلى نعي ذاتي بسبب الأوضاع الحالية للمرأة المصرية جراء تكريس استباحة النساء وتسهيل فرار الجناة من العدالة.

 النعي الذي نشرته مدونة “دفتر حكايات” كان موجهاً الى داليا وكل داليا محتملة قد تلقى نفس المصير في مصر : ” اليوم نتشح بمظاهر الحداد. ننعي داليا قتيلة السلام، وننعي كل النساء اللاتي قتلتهن الأبوية بدم بارد،من نعرفهن و من لا نعرفهن…”

إقرأوا أيضاً:

ثعبان يأكل ذيله

“رفضت رغم كل محاولات الضغط التنازل وقررت أكمل في القضية، قررت أتجاهل كل الأصوات، وأستجيب لنداء النيابة العامة بأن الست اللي تتعرض لانتهاك تروح تبلغ وحقها هيرجعلها، طب أنا أهو بلغت واستحملت كل تبعات قراري ودفعت تمن بلاغي تشهير وتهديد ووصم وإهانة”، نشرت “بسنت” تلك الكلمات على صفحتها. اتجهت “بسنت” لوسائل التواصل الإجتماعي في محاولة يائسة أخيرة، بعد ما فشل المسار القانوني، تقول: أنا دلوقتي ظهرت وبكتب علشان مبقاش عندي حلول تانية، وليتم الطعن على الحكم لازم النائب العام هو اللي يطعن، فأنا دلوقتي بطالب النائب العام بالتدخل، هذا أبسط حقوقي كسيدة ومواطنة تم انتهاكها في الشارع، وصورتها الكاميرات.”

تقول لبنى درويش، مسئولة برنامج الجندر وحقوق الإنسان في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لـ”درج” ” إلتزمت بسنت بكامل المسارات القانونية السلمية، لتطبيق العدالة، فابتعدت عن وسائل التواصل الإجتماعي، ووسائل التشهير، وقدمت أدلة قوية وواضحة كما يطالب المجتمع جميع ضحايا التحرش، ومع ذلك خذلها القانون.”

تحولت “بسنت” خلال المحاكمة إلى متهمة أيضاَ، حيث أكدت لبنى، التي تتابع القضية عن كثب، ما أوردته تقارير صحفية بأن محامي المتهمين، عرض صوراً شخصية إدعى أنها للضحية ليدفع بـ”سوء سير وسلوك” الضحية. ومرة أخرى تتحول ملابس الضحية للمحاكمة حتى التي لم تكن ترتديها وقت الحادث، ويفلت الجناة من العقاب. تقول لبنى:”لا نعرف حيثيات حكم البراءة، إصدارها سيتطلب أسابيع. والأمر الآن بيد النيابة، هي الجهة الوحيدة القادرة على تصحيح مسار القضية.”

تعاني المصريات من ارتفاع حاد في ظاهرة الاعتداء والتحرش الجنسي بحيث بلغت المعدلات نسباً عالية عالمياً.  وتؤكد لبنى أنه يتم تسجيل حالات الإعتداء الجنسي الجماعي منذ عام 2006 في مصر، وأن تلك الاعتداءات  “تحولت لطقس اجتماعي، وليست ظاهرة، في الأعياد والتجمعات، حتى في سياقات طائفية، حيث اعتدت قرية بالصعيد على سيدة مسيحية خلال صدام طائفي انتهى بتعريتها”. وترى لبنى  إنه لفداحة الوضع الحالي يجب أن تواجه النيابة “رسالة قوية في قضاياها تتناسب مع المشكلة الكبيرة.”

سجن السوشيال ميديا

وكما “بسنت”، أصبحت “داليا”، القتيلة الضحية، في وضع صعب قانونيًا بعدما رأت النيابة أن شكوكاً حول ممارستها الجنس داخل منزلها، ذات صلة باقتحام واعتداء، وقتل امرأة محتمية بمنزلها.  هدى نصر الله، المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تقول لـ” درج” إن المتهمين لا يستطيعون استخدام مادة جرائم (الشرف)، لعدم صلتهم بالقتيلة، لكن يمكن قراءة قرار “المسحة المهبلية” بأنه سيستخدم “للتدليل على “سوء سلوكها”، وأن الدافع سيكون منع جريمة زنا، وهو ما سيغير من توصيف الاتهام، وبالتالي العقوبة هتختلف.”

عزيزة الطويل، وهي محامية وحقوقية تتخوف من مسار القضية وتقول لـ”درج”:” أنا لا أعرف دوافع النيابة لهذا القرار، لكن لا أستطيع أن أرى أنه إجراء قد يحمي القتيلة من التشهير والإساءة لسمعتها”.

ما حصل لـ”بسنت” و”داليا” سبق أن حصل في القضية الشهيرة المعروفة بـ”قضية الفيرمونت” التي شهدت اعتداء جنسيا على شابة ومع ذلك تم إطلاق سراح أحد المتهمين بالإغتصاب في “قضية الفيرمونت” بكفالة هزيلة،مطلع الشهر الجاري.

اليوم نشهد كيف تنهار قضيتان أخريان للعنف الجنسي ضد المرأة المصرية أمام القانون، مما يفتح باب الشك حول جدوى اتباع المسار القانوني في قضايا العنف والقتل.

تقول لبنى درويش “كل حكم تفشل النيابة فيه في تحقيق العدالة القانونية بقضايا العنف الجنسي، فهي ترسل رسالة للمجتمع كله بأن لا يمكن إعتماد المسار القانوني.”، وتضيف”نظريا القانون يجرم التحرش، ولا نستطيع استخدامه. مثلا هناك قرار بحماية سرية بيانات المُبلغات، ومع ذلك الجرائد تنشر بدون عقاب.”

خايفة اندم

“أنا مش حاسة دلوقتي غير بالقهر والغضب، وخايفة مشاعري تتحول لندم، خايفة أندم إني اتكلمت، إني طلبت حقي، إني صدقت إن في أمل، خايفة أندم إني كملت في القضية”، تتابع بسنت في شكواها على صفحتها، بعد أن جرى تهجيرها و أصبحت مهددة بالعودة لمدينتها، وشهّر الجناة والصحف بها، وخسرت قضيتها  المسجلة بالصوت والصورة.

 تنغلق المسارات القانونية أمام النساء للإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي، بسبب صعوبة توفير أدلة، بجانب الوصم المجتمعي، والتشهير الإعلامي، والتضامن المجتمعي مع المجرمين وتتحول وسائل التواصل الإجتماعي بالضرورة إلى الملاذ الأخير لتوجيهه المطالبات، والشكوى، والتنفيس. وتتحول الحسابات الشخصية للضحايا لسجن، بعدما تحيزت العدالة للجناة.

إقرأوا أيضاً: