fbpx

لقاح “كورونا”: الفشل متنقلاً بين دول الوباء في المنطقة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتقادات حادة صدرت عن مؤسسات في المجتمع المدني ونشطاء للحكومة بسبب طريقة توزيع اللقاحات على المسؤولين والمتنفذين وأقاربهم، وسط مطالبات – لم تلق استجابة – بتشكيل لجنة تحقيق…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد مرور عام كامل على جائحة “كوفيد -19″، وجد العرب أنفسهم تحت وطأة تبعات سياسات حكوماتهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية. 

“فالج لا تعالج” في لبنان، و”عظام الرقبة” في فلسطين، وصولاً إلى جدل عدالة التوزيع في الأردن، مروراً باللقاحات المدفوعة في مصر، وانتهاء بالبحرين، حيث اللقاحات الغزيرة يقابلها تهميش لحقوق العمالة الوافدة بالوقاية. عبارات تلخص الحالة العامة للقاحات في هذه الدول.

محسوبيات 

“الواسطة” والمحسوبية وغياب المعايير والخطط الواضحة، كانت سمات مشتركة لبعض الدول العربية في طريقة تعاملها مع ملف اللقاحات. كان المشهد فظاً في لبنان؛ حينما تلقى أعضاء المجلس النيابي اللقاح متجاوزين الكوادر الطبية وكبار السن والمرضى، ما أحدث ضجة دفعت بالبنك الدولي إلى التهديد بوقف إرسال اللقاحات. 

يسأل أكرم أبو حمدان (69 سنة) بامتعاض، “لماذا لم تصلني رسالة من المنصّة بعد، لتحديد موعد أخذ اللقاح على رغم من تسجيل اسمي في 30 كانون الثاني/ يناير 2021؟”، خصوصاً أن نوّاباً دونه عمراً أخذوا اللقاح من دون التسجيل رسميّاً للحصول عليه وفق الإجراءات المتّبعة. 

لم يصله الدور في التلقيح حتى بعد مرور نحو شهر على بدء وصول اللقاحات إلى لبنان، على رغم معاناته من ضعف في عضلة القلب، وإصابته بجلطات وأمراض الضغط والكوليسترول، ولكن “هالدولة فالج لا تعالج”، وفقاً لأبو حمدان الذي يعتبر أنّ “من سرق أموالنا وأرواحنا ومستقبلنا، لن تصعب عليه سرقة لقاحاتنا!”.

المشهد لم يختلف كثيراً في الأراضي الفلسطينية. تفاقمت الحال الإنسانية بسبب تفشي الفايروس بشكل غير مسبوق. الشاب فادي عبد الله، فقد والدته بعد إصابتها بـ”كورونا”. ألقى باللوم، وهو يبكي بعد دفن والدته، على الجهات الصحية بسبب تأخرها في توفير اللقاح وتوزيع الكميات المحدودة على المسؤولين وأقاربهم، “احنا مواطنين درجة ثانية، ما في اهتمام بكبار السن، وإذا لم تكن من عظام الرقبة، لن تحصل على شيء، أمي كانت تعاني من أمراض، ولو وفرت الوزارة التطعيم باكراً، لاختلف الحال”. 

انتقادات حادة صدرت عن مؤسسات في المجتمع المدني ونشطاء للحكومة بسبب طريقة توزيع اللقاحات على المسؤولين والمتنفذين وأقاربهم، وسط مطالبات – لم تلق استجابة – بتشكيل لجنة تحقيق للنظر في الأمر ونشر أسماء وأماكن عمل الذين تلقوا التطعيمات. 

وزارة الصحة اعترفت تحت وطأة تزايد الضغوط والاتهامات لها، بإعطاء اللقاحات لمسؤولين وموظفين في الرئاسة ورئاسة الوزراء، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ممن تزيد أعمارهم عن 65 سنة، ولجنة الانتخابات، وبعض السفارات الدولية، وأعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم، إضافة إلى ما يقرب من 100 طالب كانوا بحاجة إلى اللقاح للسفر بحسب ما قالت الوزارة.

رسوم على الفقراء وطعم للمسؤولين

في مصر، أخذت القضية بعداً آخر، تمثل بغياب خطة واضحة لتوفير اللقاحات، وتوجه الحكومة لفرض رسوم عليها أو مطالبة ملايين محدودي الدخل بالتقدم بطلب إعفاء من الرسوم، ما ينذر بتعزيز حالة عدم التكافؤ في الحصول عليه، وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”. المواطنة أسماء أحمد من القاهرة غير مسجلة في برنامج “تكافل وكرامة” الحكومي، ولا يسمح لها بتلقي اللقاح بالمجان لأنها ليست من ضمن الفئات المشمولة بالتطعيم المجاني بحسب تصنيفات الحكومة. ترفض أسماء دفع مبلغ 200 جنيه لتلقي اللقاح “إن لم يكن بالمجان، فأنا غير مستعدة للدفع”. 

المنظمة الدولية طالبت الحكومة المصرية بتعزيز الإجراءات التي اتخذتها لتوفير اللقاحات بشكل عادل للجميع، واعتبرت أن “فرض رسوم على الفقراء المصريين لقاء لقاح ضروري يتعارض مع الحق الإنساني الأساسي في الصحة ويعكس خللاً في أولويات الحكومة”.

في الأردن، تعالت الأصوات المطالبة بالحصول على نصيبها مع بدء وصول اللقاحات، خصوصاً بعد توقيف السلطات الأردنية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي الصحفي جمال حداد، بعد نشره مقالاً بعنوان: “وماذا عن الشعب!! هل وصل مطعوم (لقاح) فايزر سراً ويتم تطعيمه لكبار المسؤولين في الحكومة الأردنية”.

الطبيب ثائر شطناوي (33 سنة)، سجل اسمه على المنصة الإلكترونية الخاصة بالتطعيم الوطني، في نهاية كانون أول الماضي، لكنه اصطدم بإجراءات وصفها بغير العادلة وكان يمكن تجنبها لو أن الحكومة طبقت البروتوكول الطبي في عملية التوزيع. يعاين شنطاوي حوالى 200 مريض يومياً في “مركز صحي حوارة”، التابع لوزارة الصحة في محافظة اربد شمال عمان، ويعيش حالة هلع من الفايروس، لأنه مريض بالسكري. وجه اتهاماً للجهات الصحية بتسريب اللقاحات من دون وجه حق لعشرات الأشخاص، مستغلين علاقاتهم مع مسؤولين. هذا الحال أفقد والده الحق في تلقي اللقاح، مع أنه مريض وفي الـ65 من عمره. 

إقرأوا أيضاً:

عزوف وتردد 

إلى جانب سوء إدارة الحكومات ملف اللقاحات، شهدت دول عربية عزوفاً عن التسجيل لتلقي التطعيم. فكانت مصر مثالاً بارزاً على هذه الحالة. لم يتقدم لطلب اللقاح على الموقع الإلكتروني الذي أطلقته الحكومة المصرية مطلع آذار/ مارس سوى نحو 150 ألف مصري في الأسبوع الأول؛ على رغم أن الفئات المستهدفة في المرحلة الأولى تشمل حوالى 20 مليون شخص. 

حال العزوف امتدت قبل ذلك إلى الطواقم الطبية؛ في المستشفيات المصرية تلقح نحو 10 آلاف من الكوادر ابتداء من 24 كانون الثاني/ يناير الماضي. لكن، تظل هناك نسبة رفض لتلقي اللقاحات تزيد عن 30 في المئة من الطاقم الطبي، نتيجة الخوف من المجهول بحسب تعبير وزيرة الصحة المصرية هالة زايد. 

سبب آخر تعرضه شيرين المهندس، عضوة مجلس نقابة الأطباء الحكوميين بمصر، يتمثل بالمخاوف من الآثار الجانبية لتلقي اللقاح المذكورة في البروتوكول المخصص من الوزارة. المهندس رفضت التسجيل على أمل بالحصول على نوع لقاح أكثر أماناً من النوع الصيني، إلى جانب استكشاف ما حل بالأوائل من الحاصلين على التطعيم.

هكذا حال والدة الشاب علي محمود من رام الله، والذي سجل والدته المسنة على المنصة الحكومية من دون علمها، وهو يحاول باستمرار إقناعها بتلقي اللقاح، لكنها ترفض، وتقول له: “والله لو شو ما يصير ما بخليهم يعطوني إياه”. علي أصبح غير واثق من إقناعها، وسيظل يحاول معها لحين اتصال وزارة الصحة به. 

كذلك، لم يكن صافي حسن (64 سنة) من رام الله من ضمن 100 ألف مواطن سجلوا على المنصة الحكومية خلال أسبوعين من إطلاقها؛ على رغم أنه يعاني من أمراض عدة، ويعتبر أن “اللقاح غير آمن”، لذلك قرر الاستمرار في اتباع إجراءات الوقاية وعدم إدخال نفسه في المجهول، بحسب تعبيره. 

يتفق المسن أحمد مصطفى (75 سنة)، من مخيم الوحدات في الأردن مع صافي حسن، وذكر أنه بغنى عن تلقي لقاح غير معروف النتائج “أنا أعاني من الضغط والسكري، ولا أعرف ماذا سيحصل لي بعد اللقاح، أخاف ألا يتحمل جسمي”. 

تمييز فاضح عنوانه: إسرائيل!

حالة الغضب الشعبي من توزيع اللقاحات في الأراضي الفلسطينية، جاءت بعد أشهر من الانتقادات لإسرائيل، لعدم إدراج الفلسطينيين ضمن برامج التطعيم المتقدمة التي شرعت بها نهاية العام الماضي. وقالت منظمات حقوقية إنها تتحمل مسؤولية تطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد الجماعات الحقوقية وجوب تزويد إسرائيل الفلسطينيين بفرص الحصول على اللقاحات التي يحصل عليها سكانها، مستشهدة بالقانون الدولي الذي يحدد مسؤوليات سلطات الاحتلال. 

يُحمل حسين أحمد (60 سنة) من قلقيلية، إسرائيل المسؤولية عن توفير اللقاح، لكنه في المقابل يلوم السلطة الفلسطينية لعدم قيامها من البداية بمطالبة سلطات الاحتلال بتوفير التطعيم لكل الفلسطينيين. يقول أحمد بحسرة بعدما فقد شقيقه السبعيني: “بين الطرفين المتصارعين، نفقد يومياً أحباءنا، من دون أن نتمكن من وداعهم، هذا استهتار مزدوج بصحتنا”.

لكن إسرائيل اتخذت في مطلع آذار خطوتها الأولى لتوفير جرعات لأكثر من 100 ألف فلسطيني يعملون لديها أو في مستوطناتها المقامة على أراضي الضفة الغربية، في خطوة وصفها حقوقيون بأنها “انتهازية رخيصة”؛ تسعى من خلالها السلطات الإٍسرائيلية إلى حماية سكانها من مخالطة العمال، وتسويق وجه إنساني للعالم. 

تمييز من نوع آخر

آلية التسجيل الإلكتروني المتبعة في البحرين تستبعد العمالة المهاجرة غير النظامية في البلاد، والتي تشكل 12.6 في المئة من إجمالي العمال في البلاد، بسبب عدم إمكان توفير المعلومات المطلوبة لاستكمال التسجيل؛ أو بسبب انتهاء صلاحية بطاقة الهوية السكانية إذ يتطلب التسجيل ذكر تاريخ انتهاء البطاقة السكانية، أو بسبب عدم معرفة حامل البطاقة المهاجر عنوان الكفيل. 

يحدث ذلك، على رغم أن دولة البحرين كانت من أوائل دول المنطقة التي وفرت التطعيم لجميع المواطنين والمقيمين، في بداية برنامج التطعيم منتصف كانون الأول الماضي، فقد استكمل (حتى الآن 5 نيسان/ أبريل 2021)  حوالى 20 في المئة من سكان المملكة جرعتي التطعيم من أربعة أنواع من اللقاحات، فيما أخذ 35 في المئة من السكان الجرعة الأولى.

بحسب وزارة العمل في المنامة، بلغ عدد المخالفين 67 ألفاً، يشكلون 12.6 في المئة من إجمالي عدد العمال النظاميين وأصحاب العمل الأجانب المصرح لهم بالعمل، ويعني ذلك أن 8.3 في المئة من الأجانب المقيمين في البحرين، لن يكون بمقدورهم الحصول على اللقاح. لم يستطع أي من العمال غير النظاميين الحديث علناً عن هذا التمييز، ويفضلون الصمت والاستمرار في أعمالهم على المطالبة بلقاح قد يرحّلهم إلى بلادهم. 

إقرأوا أيضاً: