fbpx

كيف تستخدم روسيا الطائرات المُسيَّرة الإسرائيلية لقصف السوريين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يكشف التحليل المُفصل للقطات التي تصورها مُسيَّرات “فوربوست” المتاحة للجمهور، مدى تورطها في تسهيل قتل المدنيين في سوريا…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حين انطلقت المُسيَّرات العسكرية المُرخصة إسرائيلياً للمرة الأولى من قواعد القوات الجوية السورية لقصف مُعارضي نظام الأسد، بُعَيد التدخل الروسي عام 2015، كانت تلك المُسيَّرات شيئاً غريباً وأمراً طارئاً على الصراع الذي كانت ظهرت فيه بالفعل طائرات بدون طيار أميركية وإيرانية وتركية. 

على مدى نصف عقد، ظهرت صورة أوضح لمدى الدور الحيوي الذي لعبه النوع الروسي من مُسيَّرة “سيرتشر 2” (Searcher II) – التي تُنتجها في الأصل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية؛ ويُسميها العاملون عليها “فوربوست” (Forpost) – في إنقاذ نظام الأسد من حافة الانهيار الداخلي، وساعدت في الحفاظ على تفوقه العسكري وتوازن الرعب طوال الحرب الأهلية الممتدة على مدى العقد الماضي، مع القيام بدور محوري في الاستهداف (المزعوم) للبنية التحتية المدنية، ومنها المُستشفيات.

وعلى رغم أصول “فوربوست” الإسرائيلية، يُباهي الجيش الروسي بأن هذه المُسيرة من أهم قطع عتاده التكنولوجي، ولها حضور دائم في سماء سوريا، لتحديد الأهداف كي لا يضطر الطيارون البشر إلى المخاطرة برحلات استطلاعية، وتقوم بتقييم الأضرار الناجمة عن القصف. بصيغة أخرى، تساعد “فوربوست” الجيش الروسي في سوريا على تحديد ما سيتم قصفه وما إن كانت الضربات قد ألحقت الأضرار الكافية، ومتى يتم إلقاء مزيد من القنابل.

صفقة مشكوك فيها 

لماذا لجأ الروس إلى المُسيَّرات الإسرائيلية؟ خلال النزاع الذي دار بين روسيا وجورجيا حول أوسيتيا الجنوبية عام 2008، خسرت روسيا أعداداً كبيرة من طائراتها، ومن ثَمّ سعت إلى تعويض الأضرار الناجمة عن ذلك، ليس في مواجهة الجيش الجورجي، الذي كانت لديه مُسيَّرات إسرائيلية، وحسب، ولكن في مواجهة أعداء المستقبل أيضاً.

لذا قرر بوتين اتخاذ خطوة نادرة في السياسة الروسية، لشراء تقنيات عسكرية أجنبية، فتم التواصل مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، إحدى كبريات شركات صناعة الطيران ومركبات الفضاء المملوكة للدولة.

في سوق الطائرات المُسيَّرة الدولي التنافسي، تستفيد الشركة الإسرائيلية من علاقاتها السلسة مع القوات الجوية الإسرائيلية، ذات الخبرة العالمية في المجال، والتي تتميز بسِرب كامل من الطائرات بدون طيار يتمركز في قاعدة بالماخيم الجوية. عادة ما يشمل بيع المُسيَّرات لاستخدام القوات الجوية الأجنبية تدريباتٍ مشتركة مع إسرائيل أو تلقّي تعليمات فيها. ومن العملاء المعروفين لمُسيَّرة “سيرتشر” حكومات روسيا والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وتايلاند وسريلانكا وسنغافورة.

بعد عامين، أبرمت الشركة الإسرائيلية صفقة بقيمة 400 مليون دولار، لتصدير وترخيص مُسيَّرتها “سيرتشر 2″، لنقلها جواً وترخيصها في روسيا باسم “فوربوست”.

أفادت تقارير بأن الطواقم الروسية تلقت في إسرائيل تدريبات على تشغيل نظام الطائرات بدون طيار، وأشارت تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية والروسية إلى صفقة تصدير واحدة أخرى على الأقل عام 2015، جاءت بعد احتلال روسيا شبه جزيرة القرم الذي أُدين دولياً؛ وهي حقيقة لا بد أنها أوضحت جيداً أن مُسيَّرات “فوربوست” ستستخدم لأغراض عدائية، إن لم تكن غير قانونية أيضاً.

أعقب ذلك قفزة استراتيجية هائلة في برنامج المُسيَّرات الروسي الذي كان يوماً من الدرجة الثانية. فقد كان الأمر مسألة وقت قبل أن تصبح “فوربوست” العمود الفقري في حملة القصف الروسية اللامتناهية دفاعاً عن نظام الأسد.

إقرأوا أيضاً:

امتياز الحصول على عيون في السماء

على عكس المُسيَّرات الإسرائيلية المُسلحة التي تحظى بحراسة مُشددة، والتي استخدِمت في استهداف المدنيين في غزة وفقاً لتقارير “هيومان رايتس ووتش”، أو مُسيَّرات “بريداتور” (Predator) و”ريبير” (Reaper) الأميركية التي صارت سيئة السمعة بسبب صواريخها المُوجهة التي أسفرت عن خسائر فادحة في صفوف المدنيين في اليمن وباكستان – لا تحمل مُسيَّرات “فوربوست” نظام أسلحتها الخاصة.

بدلاً من ذلك، فإن غرض “فوربوست” هو “المراقبة الاستخباراتية والاستطلاع”، كما توضح أولريكه فرانكه، الباحثة في شؤون المُسيَّرات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مضيفة أن هذا “توصيف لقدرة العامل العسكري على إدراك وفهم مسرح العمليات. غالبية المُسيَّرات اليوم تعمل بأنظمة المراقبة الاستخباراتية والاستطلاع، ولديها مجموعة واسعة من أجهزة الاستشعار التي تجمع البيانات، كالكاميرات على سبيل المثال”.

وأكدت فرانكه أنه على رغم التقدم في مجال المُسيَّرات، تظل المراقبة هي الوظيفة الأساسية للطائرات العسكرية بدون طيار.

وأضافت أنه “مع تركيز الجماهير غالباً على القصف المسلح الذي تشنه المُسيَّرات، تفيد الأبحاث بأنه حتى المُسيَّرات المسلحة تلك تُوظَف في معظم الأحيان لأغراض تخدم عمليات المراقبة الاستخباراتية والاستطلاع. ومنذ ظهور المُسيَّرات الحديثة في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، ساهمت بشكل أساسي في تطوير الوعي بالمساحات القتالية بالنسبة إلى القوات المسلحة”.

إن مُسيَّرات “فوربوست”، مع كونها نسخة مُرخصة من طائرة بدون طيار إسرائيلية قديمة، قد “أضافت قدرات قتالية هائلة وأخرى في مجال المراقبة الاستخباراتية والاستطلاع إلى القوات الروسية في سوريا”، وفقاً لما يقوله صامويل بينديت، وهو زميل مشارك رفيع المستوى في مركز الأمن الأميركي الجديد، يبحث في الروبوتات العسكرية الروسية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويبدو أن الجيش الروسي نفسه يتفق معه على هذا التقييم.

في شباط/ فبراير من هذا العام، عرضت شبكة “زفيزدا” التلفزيونية المملوكة للدولة، والتي تديرها وزارة الدفاع الروسية، حلقة من سلسلتها على “يوتيوب” باللغة الإنكليزية Combat Approved (اعتُمِد القتال)، والذي يعرض للمشاهدين تغطية عن المعدات العسكرية الروسية في مواقعها العسكرية وخلال المعارك. وحين حصلت السلسلة على إمكان الوصول إلى قاعدة حُمَيمِيم الجوية في سوريا، والتي تديرها روسيا اليوم جنوب اللاذقية، وصَف المذيع مُسيَّرة “فوربوست” بأنها طائرة روسية تماماً.

فقد كان هذا تعليقه وهو يكاد يحبس أنفاسه: “ها هي طائرة أخرى قامت بشنّ أولى نيرانها في سوريا، وتُدعى هذه الطائرة بدون طيار فوربوست. لقد أُنتِجَت في منطقة الأورال في روسيا، ولكنها تنطلق هنا في سوريا”.

وأضاف، “علينا أن نلاحظ أن عمليات إطلاقها متواصلة. الآن هناك الكثير منها في السماء فوق حُمَيمِيم. وبمجرد هبوط واحدة تحتل أخرى مكانها في السماء، لتُمضي ساعات هناك”.

قدر كبير مما سُجل من المنظور الروسي للحرب الأهلية السورية قد حدث من خلال عدسة مُسيَّرات “فوربوست”، من بينها: الغارات الجوية، والعمليات العسكرية الميدانية، وعمليات إجلاء المدنيين.

قواعد غامضة ونيات واضحة

على رغم أن مُسيرة “فوربوست” غير مُسلحة، لكنها تُستخدم عادة في استطلاع أهداف عسكرية ومدنية، إلى جانب الطائرات التي يقودها طيارون يقومون حينها بإلقاء ذخائر متفجرة، بتتابع سريع في العادة.

عرضت سلسلة “اعتُمِد القتال” بالتفصيل عملية تحديد الهدف ومراقبته ثم قصفه من قبل محطات التحكم في طائرة “فوربوست”. فقد سُمح لهم بتصوير غارة جوية ضد ما وصفه المذيع بأنه “هدف من تنظيم الدولة الإسلامية” في الوقت الفعلي، إذ بث فيديو مراقبة من مُسيَّرة ليصل إلى المُشغلين وطاقم التصوير.

ووفقاً لبينديت، المتخصص في المُسيَّرات الروسية، فإنّه بخلاف مُسيَّرة “أوريون” التجريبية التي دخلت للتوّ مرحلة الإنتاج الضخم ولم تُستخدَم سوى على نطاق صغير للغاية في سوريا، تعتبر مُسيَّرة “فوربوست” الطائرة بدون طيار العسكرية الوحيدة التي يمكنها العمل باستقلالية في نطاق 250 كم تقريباً بعيداً عن نقطة انطلاقها. وهذا يعني أنها لا غنى عنها كوسيلة لمراقبة الأهداف البعيدة عن القواعد العسكرية الروسية.

على عكس نظيرتها مُسيَّرة “سيرتشر” الإسرائيلية، ربما تفتقر “فوربوست” إلى نظام التحديد بأشعة الليزر الذي قد تكون هناك حاجة إليه في “رسم” الأهداف للذخائر الموجهة بالليزر. ولكن بخلاف ذلك، تظل “فوربوست” منصة لا تُضاهى في تحديد الأهداف.

ولعل قدر كبير مما سُجل من المنظور الروسي للحرب الأهلية السورية قد حدث من خلال عدسة مُسيَّرات “فوربوست”، من بينها: الغارات الجوية، والعمليات العسكرية الميدانية، وعمليات إجلاء المدنيين.

يُعزى الفضل في ذلك إلى حقيقة أن “فوربوست” تُشكل أيضاً جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية العلاقات العامة التي تُنتهجها روسيا للترويج لنفسها على المستويين الأجنبي والمحلي على حد سواء، إذ إنها منصة تعتمد عليها لكي تُروج لقوة الضربات الجوية الروسية ومنظومات الأسلحة التي غالباً ما تعرضها وزارة الدفاع على شاشات عملاقة أو في مقاطع فيديو قصيرة تُظهر إمكانيات التصوير المُميزة لكاميرا “فوربوست” خلال تحليقها فوق الهدف المقصود.

بيد أن القدرات التي تتمتع بها “فوربوست” في المراقبة، أسفرت أيضاً عن عواقب غير مرغوب فيها وغير مقصودة لحقت بالقوات العسكرية الروسية، تتمثل في تقديم أدلة على استهدافها وقصفها عمداً لأهداف مدنية.

أعربت سارة كاي، المحامية الحقوقية والباحثة في شؤون الإرهاب في “جامعة كوينز” في بيلفاست، أن تصنيف مُسيَّرة “فوربوست” على أنها طائرة “غير مسلحة” يجب ألا يعفي القوات الروسية أو المُصدرين الإسرائيليين من المسؤولية عن تلك الجرائم المُرتكبة ضد القانون الدولي. والواقع أن دور “فوربوست” في سوريا يزيد من حدة النقاش الدائر حول إدانة التكنولوجيا المساعدة المستعملة من بُعد في مثل هذه الجرائم.

أضافت كاي أنه “لا يمكن تصنيفها بوصفها سلاحاً لأنها لا تتسبب في القتل مباشرةً”، ولذلك فدول كثيرة “تفلت من العقاب على تيسير ارتكاب الجرائم”.

وأوضحت أن القانون الدولي والمعاهدات متعددة الأطراف، التي تنص على أن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية أمر غير قانونياً، تسعى بكل كد وجهد من أجل مواكبة الدور متزايد الأهمية لتكنولوجيا المراقبة في انتهاكات حقوق الإنسان، من الشرق الأوسط إلى الصين. مضيفةً، “علينا دائماً أن نحاول اللحاق بالركب”، وهذا يؤدي إلى حدوث “أخطاء فادحة”، لا سيما حين يفشل القانون الدولي في حماية الحقوق والأرواح على النحو الواجب.

إقرأوا أيضاً:

عن شعارات الشركة

في معظم الأحيان، من السهل للغاية الربط بين أنظمة “فوربوست” المنتشرة في سوريا وأصلها الإسرائيلي. وذلك بفضل مكوناتها المميزة المُصدرة والمنتجة وفق ترخيص من الشركة الإسرائيلية صاحبة العلامة.

فضلاً عن أن تصوير الفيديو من مُسيَّرات “فوربوست” يكاد يطابق تصوير الفيديو من الطائرات المُسيرة الأخرى لشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، مثل طائرات “هيرون” (Heron) المُسيَّرة، التي ظهرت في فيلم وثائقي نشره موقع “فايس نيوز”، والذي حصل فيه طاقم عمل الفيلم على تصريح للوصول إلى محطة تحكم متطابقة تقريباً في قاعدة عسكرية إسرائيلية. وثمّة أيضاً أمثلة كثيرة على الإنترنت لتصوير بكاميرا مُسيَّرة “سيرتشر 2” التي تبدو متطابقة تقريباً مع نظيرتها من مُسيَّرة “فوربوست” التي تتميز بشبكتها وشاشتها ومؤشرات التوجيه الخاصة بها.

وقد ظهرت في بعض اللقطات من سلسلة “اعتُمِد القتال” التي استعرضت مُسيَّرات “فوربوست”، شعارات شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية بوضوح داخل محطة التحكم في قاعدة حُمَيمِيم الجوية في سوريا.

بث مباشر للفظائع

يكشف التحليل المُفصل للقطات التي تصورها مُسيَّرات “فوربوست” المتاحة للجمهور، مدى تورطها في تسهيل قتل المدنيين في سوريا.

يُمكن الآن الكشف عن أن مُسيَّرات “فوربوست” أمدت القوات العسكرية الروسية بقدرات الرصد والمراقبة خلال الكثير من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، من بينها: الهجوم الصاروخي على “مستشفى أعزاز الوطني” في مطلع عام 2016 (لحسن الحظ بعد إخلاء المنشأة)، والقصف الجوي الذي استهدف عبَّارات مدنية في الضفة الشرقية لنهر الفرات قرب مدينة دير الزور في أيلول/ سبتمبر 2017، وهو ما كان جزءاً من غارة جوية مستمرة أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين. وثمّة أيضاً أدلة أولية تشير إلى استخدام تقنيات مراقبة “فوربوست” خلال هجوم على معسكر مدني موقت بالقرب من مدينة مَنْبِج السورية في كانون الثاني/ يناير 2017.

في حالة الهجمات التي استهدفت العبَّارات والمستشفى، تُظهر لقطات من مُسيَّرة “فوربوست” بوضوح منظومات الأسلحة الروسية وهي تستهدف منشآت ومباني مدنية عن عمد. وفي الحالتين، كان الاستهتار الواضح بالمواد العسكرية السرية وراء الكشف عن هذه اللقطات.

من الواضح أن لقطات الهجوم على العبَّارة عام 2017 تم تسريبها عن عمد وتحميلها على قناة عسكرية موالية لروسيا على “يوتيوب”، من قِبل شخص بدا أنه يحتفي بتلك الهجمات الجوية مع موسيقى عدوانية في الخلفية. أما اللقطات التي عرضت هجوم مَنْبِج، فقد تم تحميلها على حساب موال للنظام السوري على “يوتيوب”، ويبدو أنه توقف منذ ذلك الحين.

في حين نشرت وزارة الدفاع الروسية نفسها عن غير قصد عام 2021 لقطات الهجوم المزدوج الذي وقع عام 2016 على “مستشفى أعزاز الوطني”. فقد ظهر ذلك في مجموعة من اللقطات المُجمعة، بهدف عرض مدى فاعلية الصواريخ الموجهة الروسية، في أعقاب شكاوى مريرة من أرمينيا بأن الأسلحة الروسية لم تكن تتمتع بالفاعلية الكافية خلال صراعها الأخير مع آذربيجان في إقليم ناغورني كاراباخ.

فقد ظهر في تلك اللقطات التحفيزية المُجمعة مقطع يعرض لقطات من مُسيَّرة “فوربوست” لضربة مزدوجة على أحد المباني، وسرعان ما تمكن أحد مستخدمي تويتر “@Obertix” من تحديد الموقع الجغرافي، وأوضح أنه “مستشفى أعزاز الوطني”، الذي تعرض للهجوم في مطلع عام 2016.

كان الهجوم الجوي على المستشفى جزءاً من موجة غارات دفعت “منظمة أطباء بلا حدود” إلى وقف مشاركة مواقع مرافقها الطبية داخل سوريا مع الجيش الروسي، وهي سياسة مُتبعة بحسن نية، من أجل حمايتهم من عمليات القصف غير المقصودة. ومنذ إعادة بنائه، أصبح اسم المستشفى الآن مكتوباً على لافتة بارزة باللغة التركية، للتعبير عن الامتنان والشكر لأموال المانحين الأتراك، وهو ما يدل على تزايد نفوذ تركيا في شمال سوريا.

لم تُحدث الهجمات الجوية التي استخدمت فيها مُسيَّرة “فوربوست” على العبَّارة الكثير من الصخب، على رغم الخسائر في الأرواح، لأنها وقعت داخل الأراضي التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية عندما كانت الحرب في ذروتها. وفي حين أشارت منظمات حقوق الإنسان إلى تلك الهجمات واستياء المدنيين المتزايد ضد عمليات القصف الجوي الروسي، إلا أنها غالباً ما تعرضت للتجاهل والنسيان وسط انتشار العناوين الإخبارية الرئيسية الفوضوية الآتية من سوريا آنذاك.

طائرات المراقبة المُسيَّرة في مواجهة القانون الدولي

تقوم إسرائيل، بطبيعة الحال، بتصنيع المُسيَّرات المسلحة لاستخدامها محلياً وتصديرها أيضاً. وفي وقت سابق من هذا العام، أصدر مسؤولون أرمينيون مقطع فيديو يُظهر طائرة مُسيَّرة “انتحارية” إسرائيلية الصنع من طراز “هاروب”، تعمل كذخائر جوّالة من إنتاج شركة الصناعات الفضائية الجوية الإسرائيلية والتي استخدمتها آذربيجان في الحرب، أثناء تدميرها بطارية صواريخ S-300، التابعة لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية الصنع في أرمينيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

بيد أن منح إسرائيل الترخيص لتصميم المُسيَّرات والتكنولوجيا المُستخدمة في صنعها إلى روسيا مثّل خطوة إلى الأمام لطالما تطلع إليها الكرملين، الذي كان يعاني من نقص الطائرات المُسيَّرة الحديثة، لكي يتمكن من دخول مضمار حروب المُسيَّرات. في حين أعربت روسيا صراحة عن مدى أهمية الصراع السوري في تطوير قدرات المُسيَّرات التابعة لها في “بيئة عملياتية”، فضلاً عن إشارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى مساهماتها “التي لا تقدر بثمن”.

يتوقع بعض المحللين الدفاعيين أن تؤدي خبرة روسيا الكبيرة مع مُسيَّرات “فوربوست” في سوريا إلى تطوير جيل ثان من الطائرات المُسيَّرة الاستطلاعية التي سوف تتمتع أيضاً بقدرات هجومية. وقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه إلى الحاجة إلى تطوير “الجيل المقبل من أنظمة الأسلحة الاستطلاعية” في أعقاب تجربة الجيش الروسي في سوريا.

ومن هذا المنطلق، سهلت رخصة التصدير الإسرائيلية وسرّعت من قدرة روسيا على تطوير طائراتها المُسيَّرة الهجومية الفتاكة.

تُصر سارة كاي على أنه “لا يُمكن اعتبار أن تكنولوجيا المراقبة لا تُمثل خطورة، عندما يكون الغرض منها عسكرياً بوضوح”. مضيفةً، “عندما تبيع مثل هذا النوع من التكنولوجيا إلى وزارة الدفاع، سوف تُستغل على نطاق واسع من جميع عناصر الجيش”.

تأمل كاي أن يتطور القانون الدولي ليلائم هذا الواقع الجديد الذي تُعَرض فيه الجيوش التواقة للمراقبة المدنيين للتهديد، وأن تزداد فاعلية المنظمات متعددة الأطراف مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكي تستطيع التصدي لمثل هذه التهديدات التي يتعرض لها المدنيون. وحذرت قائلةً، “إن القانون لا يفرض نفسه”.

حتى هذه اللحظة الراهنة، تواصل المُسيَّرات التي صممتها إسرائيل تمشيط الأراضي السورية المدمَرة بحثاً عن المعارضين لنظام بشار الأسد من العسكريين والمدنيين، من دون تمييز. والادعاء بأن الشركات الإسرائيلية لا تبيع مباشرة المُسيَّرات كاملة الصنع إلى روسيا، وأنها فقط تمنحها “الترخيص والإذن” لتصنيعها، ومن ثمّ لا تُقحم نفسها في الاستخدام النهائي غير القانوني لمنتجاتها، لا يعول عليه من منظور حقوق الإنسان.

تتسبب التقنيات العسكرية الإسرائيلية والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج في عواقب في جميع أنحاء العالم، ما يُعزز الأنظمة الاستبدادية ويُعرض المدنيين للخطر بما يتجاوز حدود غزة أو حتى سوريا. والأدلة على ذلك متاحة لمن يود البحث عن الحقيقة.

هذا المقال مترجم عن haaretz.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: