fbpx

“الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”: فسحة أمل أم خيبة جديدة للبنانيّين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لبنان يحتل المرتبة 149 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد العالمي. من دون قضاء مستقل لن تقوم لحقوق اللبنانيين قائمة .

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للمرّة الأولى في تاريخ القضاء اللبناني، اجتمع مؤخراً القضاة الأصيلون في القضاء العدلي والإداري والمالي، في قصر العدل لانتخاب ممثّلين عنهم لعضويّة “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”. وبينما اعتبر مجلس القضاء الأعلى أنّ نجاح جلسة الانتخاب الأولى من دون الحاجة إلى جلسة ثانية في ظلّ الظروف الراهنة، هو أمر لا بدّ من التوقّف عنده، ووصفه البعض  بـ”عرس ديموقراطي للقضاة في لبنان”، تحدّث آخرون عن مقاطعة عدد من القضاة الانتخابات، فنسبة الاقتراع كانت متدنيّة، نظراً إلى أهمية الحدث، إذ إنّها لم تتعدّ 55.5 في المئة.
وفي هذا السياق، غرّد المحامي نزار صاغيّة، المدير التنفيذي للمفكّرة القانونيّة، عبر حسابه على “تويتر”، قائلاً: “هنالك تيار إصلاحي يشكل أقلية وازنة وفاعلة داخل العدلية ولكنه حتى الآن ليس الأغلبية. الأغلبية هي من القضاة الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات لأسباب عدة منها رفض الهيئات الرديفة أو اليأس. فمن صوت فعلياً بعد حسم الأوراق البيض والملغاة هم 292 فقط مقابل 291”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه هي “المرة الأولى التي يُدعى فيها القضاة لانتخاب أعضاء في هيئة رسمية. فحتى الآن وحدهم قضاة محكمة التمييز (أي ما يقل عن 10 في المئة من القضاة) ينتخبون ممثلين عنهم في مجلس القضاء الأعلى”، وفقاً للمفكرة القانونيّة.

نصّ القانون رقم 175، المتعلق بمكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، الصادر في أيار/ مايو 2020، على كيفيّة إنشاء الهيئة وتنظيمها  وعلى مهماتها وصلاحياتها.  وحدّدت المادّة السادسة من القانون أعضاء الهيئة بستة أعضاء لمدّة ست سنوات غير قابلة للتجديد، يعينون بمرسوم من مجلس الوزراء، هم: 

1- قاضيان متقاعدان بمنصب الشرف، ينتخبهما القضاة أنفسهم وذلك وفقاً للأصول التي ترعى انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وقد عقدت هذه الانتخابات يوم السبت في 12 حزيران 2021 برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وبلغ عدد المرشّحين خمسة قضاة وعدد المقترعين 324 قاضياً من أصل 583 قاضياً. وفاز القاضيان المتقاعدان كلود كرم وتريز علاوي بعضوية الهيئة ويكون القاضي الأعلى درجة الرئيس الحكمي للهيئة، (أو الأكبر سنّاً في حال تساوت درجات القاضيين الـمنتخبين عند تقاعدهما). ولا بد من الإشارة إلى أنّ القاضيَين اللذين سيُنتخبان هما الوحيدان اللذان لا علاقة لمجلس الوزراء بتعيينهما وهذا “ما يحرّرهما مبدئياً من إلزامات المحاصصة”، بحسب المفكّرة. ولكن على رغم ذلك، فحصر الترشيح بالقضاة المتقاعدين وبقضاة الشرف يشكّل إشكاليّة قد تعرقل الدور المنتظر والمطلوب من هذين العضوين. 

ومن أهم الشروط، أن يقوم الأعضاء برفع السرية المصرفية عن حساباتهم وحسابات زوجاتهم وأولادهم القاصرين في مهلة أسبوعين من تاريخ أدائهم اليمين، وهذا يشكّل علامة فارقة في الإدارات العامة في لبنان.
أمّا الهيئة نفسها فسيتم تمويلها من خلال موازنة سنوية خاصة تدرج في باب خاص ضمن الـموازنة العامة ويُفتح لها حساب خاص لدى مصرف لبنان، بحسب المادة 15 من القانون نفسه.

إقرأوا أيضاً:


صلاحيات الهيئة 

منح القانون صلاحيات واسعة للهيئة أبرزها حصريّة ملفّات الفساد بيد الهيئة وخارج الرقابة الإعلاميّة، إضافة إلى صلاحيات الاستقصاء والإحالة والرصد والتقييم والاستشارات. 

وفقاً للمادة 18 من قانون 175، تقوم الهيئة بالمهمات التالية:

– تلقي كشوفات متعلقة بالفساد، وفي هذا الإطار، الهيئة منوطة بحماية كاشفي الفساد وتحفيزهم وفقاً لقانون حماية كاشفي الفساد الصادر عام 2018.

– استلام شكاوى مرتبطة بعدم تطبيق قانون حق الوصول للمعلومات.

– استقصاء جرائم فساد وإحالتها إلى القضاء.

– رصد وضع الفساد وجهود مكافحته.

– طلب مستندات أو معلومات من أي جهة لبنانية كانت أو أجنبية. 

ومن أهم صلاحيات الهيئة “تلقي التصاريح عن الذمة الـمالية وحفظها وإدارتها والتدقيق بها وفق أحكام قانون الإثراء غير الـمشروع”. وبالتالي فإنّ هذه الهيئة هي الوحيدة بعد هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، والتي يحقّ لها طلب رفع السرية المصرفيّة عن مشتبهين بقضايا فساد أو رشاوى أو تبييض أموال، أو أي شبهة أخرى واردة في الفصل الأول من قانون العقوبات حول الجرائم المخلّة بالواجبات الوظيفيّة. 

اليوم أكثر من أي وقت مضى… ولكن!

ما أحوج البلاد اليوم إلى تفعيل دور هذه الهيئة، خصوصاً أنّ لبنان يحتل المرتبة 149 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد العالمي لعام 2020، وهو تراجع ملحوظ مقارنة بعام 2018 بحيث احتل لبنان المرتبة 138. وهذا ما يظهر جليّاً من خلال الأزمات المتلاحقة التي تعصف باللبنانيين من خسارة ودائعهم في المصارف إلى فقدان العملات الصعبة، وغلاء الأسعار الجنوني، والانتظار في طوابير البنزين، وانقطاع الكهرباء والانترنت… وهذا غيض من فيض.

وبحسب المفكّرة القانونيّة “إنّ تأليف هذه الهيئة يُعوّل عليه منذ سنوات لتطبيق ترسانة هذه القوانين التي صدرت تباعاً. إلا أن هذا التأليف تعرقل بفعل التعقيدات التي اعترضتْ إقرار قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي أخّرت إصداره نحو سنة كاملة”.

فعلى رغم هذه الصلاحيات الواسعة، إلّا أنّ المجال الواسع لمجلس الوزراء بتعيين 4 من أعضاء الهيئة، والهامش الواسع أمام جمعيّة المصارف بتعيين أحدهم، يشكّل عائقاً قد يعرقل عمل الهيئة ويقوّضها.
ينتظر اللبنانيون صدور مرسوم مجلس الوزراء بتعيين أعضاء الهيئة وتوجّههم لإلقاء قسم اليمين التالي أمام رئيس الجمهوريّة، بحسب المادّة الثامنة من قانون 175:

«أقسم بالله العظيم أن أقوم بمهامي في الهيئة الوطنية لـمكافحة الفساد بأمانة وإخلاص واستقلال، وأن أتصرف في كل ما أقوم به بنزاهة بما يعزز الثقة بالهيئة ويوطد حكم القانون».

في المقابل، تغرق البلاد أكثر فأكثر في العتمة والفساد، وتصعب مهمّة هذه الهيئة في مواجهة هذا التيار الجارف.

إقرأوا أيضاً: